محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
خمسة منابر إعلامية تقريبا كادت أن تتحكم في الرأى العام المصري عشية الاستفتاء على التعديلات الدستورية الأخيرة .
منها ثلاث قنوات فضائية هى (الاون تى فى) و (دريم) و (الحياة)
و صحيفتين هما المصري اليوم والشروق
وكلها مملوكة لرجال أعمال كبار
ساويرس واحمد بهجت والسيد البدوي وكامل دياب وإبراهيم المعلم
وكلهم محل احترام على المستوى الشخصي ، ولكننا نختلف مع منظومة مصالحهم الخاصة وأجنداتهم وحساباتهم السياسية والاقتصادية .
* * *
و بالطبع كان هناك منابر إعلامية أخرى ولكنها لم تكن بذات التأثير والخطورة .
* * *
و المنابر المذكورة لم تخلو بطبيعة الحال من آراء مستقلة تغرد خارج السرب
ولكنها لم تستطع ان تنافس الحملة الإعلامية الموجهة ولا أن توازنها .
ولقد تفاوتت أيضا درجات التوجيه من منبر الى آخر
فالشروق ليست المصري اليوم
ودريم ليست أون تى فى
ولكن الاتجاه العام كان موحدا فى الأغلب الأعم .
* * *
صحيح أن الحملات الموجهة لم تقتصر على المنابر الإعلامية فقط .
فلقد كان هناك حملات موازية و موجهة هى الأخرى
وعلى الأخص من التيارات الدينية : إسلامية أو مسيحية .
ولكن الفرق كبير :
فالتيارات الدينية تيارات قديمة ومنتشرة فى الشارع المصري منذ عقود
ونشاطاتها سواء رفضناها أم قبلناها ، هي نتاج جهود دءوبة متراكمة على امتداد سنوات طويلة . تستطيع القوى الأخرى ، ان أرادت ، ان توازنها وتنافسها بالعمل السياسى والشعبى الدءوب .
وذلك على العكس تماما من حملات رجال المال و الأعمال ،
التى استطاعت ان تعيد صياغة الخطاب الاعلامى المصري كله فى بضعة أيام فقط ،
بدون ان يكون لها اى جذور او جهود او وجود فى الشارع المصري على امتداد سنوات طويلة .
انها القوة الصرفة الفورية للمال وجبروته .
* * *
و لطالما اندهشنا وانزعجنا من قدرة الشركات الأمريكية الكبرى على التحكم و السيطرة والهيمنة على الرأى العام هناك .
وكيف استطاعوا ان يقنعوا الجمهور الامريكى بمشروعية كل جرائمهم العدوانية فى العراق وفلسطين و أفغانستان وغيرها .
وكنا دائما ما نعتب على الشعب الامريكى ، انحيازه لإسرائيل رغم كل جرائمها فى فلسطين .
ولم نستطع أن نتفهم ابدا كيف تغيب الحقائق الساطعة عن شعوب الغرب بأكملها .
ولكنني بعد أن رأيتهم يفعلونها فى مصر ، زالت دهشتي تماما
وفهمت مغزى المثل الانجليزي القائل : Money Talks
* * *
و لقد كان الإعلام الرسمي المصري لنظام مبارك إعلاما موجها أيضا .
ولكنه كان توجيها غبيا ، يكذب فى كل صغيرة وكبيرة
فلم يصدقه أحد
ففقد تأثيره وخطورته .
* * *
أما خطورة إعلام رجال الأعمال فهو انه يكتسي بطبقة زائفة من المصداقية
ثم يكذب بحرفية وفى قضايا معينة و مختارة بعناية للتخديم على مصالحهم
كما انه يتجمل طول الوقت بتبنى بعض القضايا الحقيقية والعادلة التى لا تمس صلب المصالح ، أو بما يقدمه من خدمات إخبارية واسعة .
كما انه يتجمل أيضا بعدد من المحررين و الكتاب والشخصيات المحترمة أمثال سلامة أحمد سلامة و فهمي هويدى وجلال أمين وآخرين .
* * *
و أنا لست هنا بصدد تقييم المواقف السياسية من التعديلات الدستورية وتوابعها
فالخلاف فى الرأى هو أمر مشروع ومفهوم ومطلوب .
كما اننى لا أتناول مجمل عملية الاستفتاء بما لها أو عليها .
ولكنني أود التركيز على نقطة محددة لأهميتها وخطورتها وهى :
القوة الهائلة لرجال المال والأعمال فى التأثير على الرأي العام
فخمسة أشخاص فقط ،
خمسة مُلّاك لخمسة منابر إعلامية ،
تحكموا فى إدارة الحوار حول التعديلات الدستورية
فأوهمونا جميعا بأن الرأي العام المصرى منحاز لاختيار معين
لنكتشف لاحقا ان الحكاية في غالبيتها خدعة إعلامية موجهة .
* * *
لقد كان الحوار و الخلاف حول الاستفتاء فى البداية خلافا بريئا ، بين أطراف يمارسونه برقى وهدوء وتقبل وتفهم كامل ، فكافة المشاركين من الطرفين هم شخصيات لها مصداقيتها الوطنية والتاريخية .
* * *
ولكن بمجرد ان دخل رجال المال و الأعمال على الخط ، تغير الحال ، فتسطح النقاش ، وطغت المانشتات والتصريحات الزاعقة و المختصرة و الزائفة على المقالات الرصينة ، وتحول الحوار الى حملات دعائية وإعلامية شبيهة بإعلانات مساحيق الغسيل التلفزيونية .
* * *
ان رجال المال والأعمال ليسوا طرفا أصيلا في ثورة يناير ، ولا في أي ثورة شعبية حقيقية . فلقد كانت الغالبية العظمى منهم دائما وعلى مر العصور وتعدد الأنظمة ، تتقرب من السلطات ، أي سلطات ، حفاظا على مصالحها .
وليس من المعقول ولا من المقبول ، أن نسلمهم قيادة الخطاب السياسي والاعلامى للثورة لمجرد أنهم يملكون الأموال والصحف والفضائيات .
* * * * *
القاهرة فى 24 مارس 2011
موضوع لا مثيل له ، ومن المثير للاهتمام للغاية بالنسبة لي))))
ردحذف