بحث فى المدونة

الثلاثاء، 28 يوليو 2015

محمود خضيرى.. القاضى الفدائى

محمود خضيرى.. القاضى الفدائى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

لشيخ القضاة المستشار يحيى الرفاعى، مقولة شهيرة فحواها:"أن غالبية القضاة شرفاء، ولكنهم ليسوا فدائيين".
ولقد قالها فى سياق مطالبته باستقلال القضاء، وتحصين القضاة فى مواجهة ضغوط و اغراءات و تجاوزات السلطة التنفيذية لتزوير الانتخابات.
فهو يرى ان غالبية القضاة يرفضون تزوير الانتخابات، ويودون لو تمكنوا من الاشراف عليها اشرافا حقيقيا فى مواجهة عبث أجهزة السلطة التنفيذية. ولكنهم من ناحية أخرى ليسوا جميعا على استعداد لتعريض انفسهم لاعتداءات وتجاوزات وإهانات رجال الشرطة فى اللجان الانتخابية، او لانتقام ومضايقات وجزاءات وزارة العدل ورئاسة الجمهورية فيما بعد.
وهو ما يتطلب توفير كافة الضمانات لاستقلال القضاء وحماية القضاة فى مواجهة تغول وتدخل و انتقام السلطة التنفيذية، كشرط لتمكينهم من القيام بالأدوار المنوطة بهم، و تحقيق فاعلية الاشراف القضائى والنزاهة التامة للانتخابات.
***
ورغم هذا التوصيف الواقعى للرفاعى، الا ان المستشار محمود الخضيرى كان واحدا من الاستثناءات لهذه القاعدة، فلقد كان من القضاة القلائل الذين قرروا واختاروا ان يكونوا فدائيين غير عابئين بالعواقب.
كان من تلاميذ شيخ القضاة، ومن رموز وقيادات تيار الاستقلال الذى ادار وقاد نادى القضاة خلال العشر سنوات الاولى من الالفية الجديدة، والذى انحاز الى، والتحم مع مشروع القوى الوطنية المصرية وحلمها بمجتمع حر وديمقراطى وعادل فى مواجهة نظام مبارك التابع والمستبد والفاسد. وهو الانحياز الذى كان له بالغ الأثر فى التمهيد لثورة يناير.
***
لم يكن الخضيرى، قاضيا صغيرا لن يخسر الا القليل، وانما تقلد أرفع المناصب فى سلك القضاء، فكان احد نواب رئيس محكمة النقض. وهو منصب يوفر لصاحبه مكانة اجتماعية ممتازة، وشبكة قوية من المعارف والعلاقات العامة بكافة مؤسسات الدولة ورجالها. كان يملك لو اراد ان يوظفها للاقتراب من السلطة والفوز بأحد مناصبها التنفيذية، أو لتحقيق مجموعة من الفوائد والمكاسب والامتيازات الشخصية كما يفعل غيره. او على اضعف الايمان ان يكتفى بها و يعيش ما تبقى له من سنوات فى هدوء وأمان وراحة بال بعيدا عن المخاطر والمضايقات والمطاردات.
ولكنه رفض كل ذلك، وتحدى استبداد النظام الحاكم، فى أوج قوته، وناضل مع رفاقه من أجل استقلال السلطة القضائية وتحرريها من قبضة السلطة التنفيذية. مع ادراكه الكامل لما يمكن ان يترتب على ذلك من عواقب.
بل انه قرر، رغم كل المخاطر، واحتجاجا على أحواله والتدخل فى شئونه، ان يترك سلك القضاء، ويضحى بما يوفره له من حصانة، فاستقال من المنصة عام 2009 فى عز جبروت نظام مبارك، وقبل ان يخطر على بال أحد انه أوشك على السقوط، وان هناك ثورة على الابواب.
***
وفى السنوات القليلة بين استقالته وقيام الثورة، شارك بكثافة وايجابية فى عديد من فاعليات و أنشطة القوى السياسية المعارضة. اتذكر منها على وجه الخصوص، مشاركاته فى ندوات ومؤتمرات نصرة فلسطين والمقاومة ضد الاحتلال وحروبه العدوانية، وفى المطالبة بفك الحصار ورفض الجدار الفولاذى الذى اقامه مبارك على الحدود المصرية الفلسطينية بتوجيه من اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية.
***
وحين تفجرت الثورة، كان أحد المقيمين الدائمين فى ميدان التحرير، لم يغادره الا الى ميادين الاسكندرية. وكان احد الحكماء والمرجعيات الذى تحرص كل مجموعات الثورة المختلفة على اشراكه ومشورته فى قراراتها الميدانية. ولا اقول انه كان احد قيادتها، لان الثورة لم يكن لها قيادة موحدة.
لقد كان من ابرز المشاركين في الثورة منذ لحظاتها الأولى، قبل ان يتضح الخيط الأبيض من الأسود، قبل موقعة الجمل، حين كانت الامور لا تزال على المحك، والمعركة لم تحسم بعد، ومخاطر وعواقب المشاركة جسيمة، والمصائر مجهولة والاحتمالات والعواقب كلها واردة. و كان نظام مبارك لا يزال على الأرض، ولا يزال يجتمع مع المجلس العسكرى الذى لم يكن قد أعلن بعد امتناعه عن ضرب المتظاهرين، بل كان يرسل طائرات "إف 16" لإرهاب المعتصمين فى الميدان. وحين كان لا يزال كثيرون يدعمون مبارك ويدينون المعتصمين، وآخرون مترددون لم يحسموا موقفهم بعد، خوفا من فشل الثورة وتحمل العواقب.
***
وتقديرا لمواقفه الوطنية و الشجاعة، كرمه الشعب المصرى بعد الثورة، فقاموا بانتخابه فى اول انتخابات نزيهة تشهدها البلاد منذ زمن بعيد، ضد طارق طلعت مصطفى، أحد كبار مليارديرات مبارك وعضو الحزب الوطنى، لينهى الاحتكار الذى استمر ربع قرن من آل طلعت مصطفى للدائرة الثانية بالاسكندرية.
***
وبمتابعة أبرز مواقفه بعد الثورة، نجده كان من أهم المطالبين بتطهير الحياة السياسية والشرطة و القضاء، ولقد طالب فى سياق ذلك باستبعاد كل القضاة الذين شاركوا فى تزوير الانتخابات فى اعوام 2010 و 2005 و ما قبلهما. وكشف عن تعاون البعض منهم مع جهاز مباحث امن الدولة فى هذا الشأن. وهو ما عرضه، مع بدايات عودة مؤسسات مبارك الى الظهور، للتحقيق بتهمة الاساءة الى السلطة القضائية وإهانة القضاء، وتم اخلاء سبيله بكفالة 3000 جنيه. ولكن يبدو ان النوايا كانت مبيتة للثأر منه وعقابه على مواقفه قبل الثورة و بعدها.
***
وبالفعل تم اعتقال الخضيرى فى 25 نوفمبر 2013، وتقديمه للمحاكمة مع آخرين و ادانته بالسجن لثلاث سنوات بتهمة تعذيب احد الاشخاص فى ميدان التحرير فى يوم 3  فبراير 2011 أى فى اليوم التالى لموقعة الجمل.
لتكون ادانته بمثابة "السابقة" و "الكاشفة" ؛
 سابقة من حيث انها اول ادانة على افعال ومواقف وقرارات اتخذها الثوار فى خضم ايام الثورة الأولى، أى فى الـ (18 يوم البِيض)، والتى كانت تعتبر قبل هذا الحكم القضائى، فى مصاف الاعمال البطولية و الثورية، ومن قبيل الادارة الحكيمة للميدان وحماية الثورة والمعتصمين من الاختراق والفتن ومؤامرات النظام وأمنه.
وهى كاشفة من حيث انها كشفت عن حقيقة موقف السلطة الحالية بكافة مؤسساتها من ثورة يناير، التى يعتبرونها، على عكس ما يدعون، كارثة وفوضى وجريمة تستوجب العقاب والانتقام.
فالجميع يعلم علم اليقين أنه بعد موقعة الجمل، قرر الثوار فى ميدان التحرير بالإجماع، تحصين الميدان، وفرض اجراءات صارمة على كل من يدخله، وتشكيل لجان امنية تشرف على المداخل والمخارج وتفتيش المارة والتحقق من شخصياتهم، وتوقيف المخبرين ورجال الامن والشرطة السريين، والتحقيق معهم وتسليمهم الى القوات المسلحة..الخ. وهى الاجراءات التى نجحت الى حد بعيد فى حماية المعتصمين، ولولاها لارتفع عدد شهداء الثورة اضعافا مضعفة.
وكثيرا ما كان الشباب يفقدون السيطرة على غضبهم، بالذات بعد ان سقط من بينهم شهداء برصاص قوات الامن والقناصة والبلطجية، فكانوا ينهالون بالضرب على الجواسيس والبصاصين، الى ان يتدخل الشيوخ والعقلاء من امثال المستشار الخضيرى لإنقاذهم وتحريرهم من ايادى الغاضبين.
***
ثم بعد كل ذلك يكون السجن هو مصير مستشارنا الجليل بتهمة متهافتة! ولا تتناسب مع عمره الذى يناهز 75 عاما، ولا مع حالته الصحية التى تتطلب اصطحابه الدائم لمرافق بسبب ضعف بصره.
بل انه من المفارقات المؤلمة والصادمة والدالة فى نفس الوقت، انه بعد مرور اربع سنوات على الثورة ضد "مبارك" ، يقبع أبرز معارضيه من القضاة فى السجن، بينما يتقلد اقرب رجاله منصب وزير العدل.
***
وفى الختام، نسجل قلقنا البالغ وخوفنا الشديد على كل المعتقلين من المسنين والمرضى، لا قدر الله، من مصير عديد من نظرائهم الذين استشهدوا فى السجون على امتداد العقود الماضية. نذكر منهم المرحوم المهندس عبد العظيم أبو العطا، الذى اعتقله السادات فى سبتمبر 1981، رغم سابق اختياره له وزيرا للرى و للزراعة، وموته فى السجن بعد اصابته بوعكة صحية لم يجد من يسعفه منها.
كما نذكر الدكتور محمود القاضى الذى كان من أشرس معارضى السادات وكامب ديفيد فى برلمان 1976 الذى تم حله عام 1979، وتم اعتقاله أيضا فى سبتمبر 1981، وتدهورت صحته بشدة فى السجن، ليتوفاه الله فى العام التالى لخروجه منه عن عمر يناهز 59 عاما. والقائمة تطول.
***
 حفظ الله المستشار الجليل محمود الخضيرى، والحرية له ولكل المعتقلين من الثوار و المظلومين، وفى مقدمتهم المرضى والمسنين.
*****


الثلاثاء، 21 يوليو 2015

مجدى أحمد حسين

مجدى أحمد حسين
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

لو كتبنا قائمة بأسماء أكثر مائة شخصية مصرية تعادى المشروع الامريكى الصهيونى، فسيكون مجدى احمد حسين فى القلب منها.
فهو مناضل وطنى من الطراز الاول، وسليل عائلة وطنية عريقة، على رأسها المناضلَيّنِ والمفكرَيّنِ الراحليّنِ احمد حسين وعادل حسين.
يتهمه البعض بالتطرف، وهو كذلك بالفعل، ولكنه تطرف محمود و ايجابى، تطرف فى الوطنية والعداء للأمريكان والصهاينة، والانحياز الى المقاومة.
ولقد اعتبرته دائما الأقرب فى مواقفه المبدئية، فهو يرفض حتى النخاع الصلح مع العدو والتبعية للولايات المتحدة الأمريكية، ويعتبر قضية الاستقلال الوطنى وإلغاء كامب ديفيد من أهم أولوياته. ولم يتوقف عن دعوة القوى الوطنية المصرية الى وضع هذه القضايا على راس أجنداتها السياسية.
ولذلك حين اراد مع رفاقه اختيار اسما جديدا لحزبهم الجديد بعد الثورة، فانهم اختاروا "الاستقلال" اسما وهدفا وبرنامجا لهذا الحزب.
وهو يتمتع باتساق هائل مع النفس قلما تجد له مثيلا لدى الكثيرين. لا يعرف الموائمات السياسية ولم يعترف أبدا بالخطوط الحمراء والخضراء.
وهو بالغ الجرأة والشجاعة فى اتخاذ المواقف الوطنية التى يؤمن بها، بصرف النظر عن العواقب القانونية والجنائية. وهو ما كبده اثمانا باهظة على امتداد حياته، كان آخرها قضاءه سنتين فى السجن، قبل الثورة، بسبب ادانته من محكمة عسكرية بتهمة الاجتياز غير الشرعى للحدود المصرية الفلسطينية. وهى الزيارة التى اصر على القيام بها تضامنا مع الشعب الفلسطينى ضد العدوان الصهيونى عام 2009، رغم تحذير رفاقه وأصدقائه من خطورتها.
***
ينتمى "حسين"الى مدرسة فكرية متميزة، تتبنى خطابا "قوميا اسلاميا تقدميا"، فتؤمن بالهويتين العربية والاسلامية معا، وترفض افتعال التناقض بينهما والصراع بين انصارهما. فتؤمن بالانتماء الى امة عربية واحدة مكتملة التكوين تجمعها الارض واللغة والتاريخ. وكذلك بالانتماء الى امة اسلامية واحدة يجمعها الدين والعقيدة. وهى ايضا مدرسة تقدمية انحازت الى الفقراء ضد احتكار قلة طبقية لثروات البلاد، وضد النظام الرأسمالي والاقتصاد الحر و روشتات صندوق النقد الدولى وما يرتبط بهم من استغلال وفساد. وهو ما ظهر بوضوح فى كتابات عادل حسين وعلى الأخص فى كتابه المرجع "الاقتصاد المصرى من الاستقلال الى التبعية"، وكذلك فى العديد من كتابات مجدى حسين. وهى مواقف نابعة من انفتاح كل منهما على الفكر الاشتراكى بانحيازاته الاجتماعية وبدائله الاقتصادية، فى سنوات حياتهما الاولى.
تبنى حزب العمل هذا التوجه منذ الثمانينات، وأكد من خلاله على مفهوم الاسلام الحضارى، او الهوية الحضارية الاسلامية التى تجمع كل المواطنين العرب من مسلمين و مسيحيين، انطلاقا من أن كل امة فى العالم لها خصائص حضارية مميزة وليست ممتازة. مثل الهوية الحضارية المسيحية فى أوروبا، والكونفوشيوسية فى الصين، والهندوسية فى الهند وهكذا.
وانطلاقا من هذه الرؤية، دعا الحزب الى توحيد التيارين القومى والاسلامى، او على اضعف الايمان الى تضييق المسافات الفكرية وتذويب الاختلافات السياسية بينهما، وخلق ارضية مشتركة للعمل الوطنى والقومى مطعمة بأفكار العدالة الاجتماعية. ولقد تناغمت هذه الجهود مع دعوات مماثلة ومتزامنة انتشرت على امتداد العالم العربى، وأسفرت عن تأسيس المؤتمر القومى الاسلامى، المنبثق عن المؤتمر القومى العربى.
لينضم الحزب بذلك الى كتلة القوى السياسية العربية المؤمنة والداعية الى وحدة تيارات الامة، فى مواجهة المشروع الامريكى الصهيونى فى المنطقة.
ولقد استطاعت هذه المدرسة ان تجمع تحت مظلتها فى سنواتها الأولى شخصيات وطنية متنوعة سواء من المسلمين أو المسيحيين.
ولقد رفع رايتها مع عادل حسين وبعده، مجدى حسين ورفاقه، الذين حرصوا دائما على التأكيد على هذه الهوية الحضارية الجامعة، وترجموا ذلك فى السعى الى التواصل مع عديد من التيارات السياسية الوطنية، لا فرق فى ذلك بين اسلاميين وغير اسلاميين.
***
ولقد فعلوا ذلك بدون ان يفقدوا استقلاليتهم الفكرية والسياسية والحزبية. فلقد احتفظ "حسين" دائما بمسافة مع الآخرين يعبر فيها بوضوح وشفافية وبلا مجاملة عن نقاط الاتفاق والاختلاف معهم. ومن ذلك انتقاداته لبعض الفصائل الاسلامية وغير الاسلامية على مواقفها المائعة من اتفاقيات كامب ديفيد.
ولقد وقفت السلطة فى مصر منذ زمن بعيد ضد اى تقارب بين القوى السياسية من التيارات المختلفة. وتآمرت على الدوام من أجل تفريقها وبث الخلافات بينها، وضرب كل المحاولات والتجارب الجبهوية فى صفوفها. وتطبيقا لذلك قامت بحظر هذه المدرسة السياسية ووضعتها فى القائمة السوداء، وضيقت عليها وحظرت أنشطتها منذ ايام عادل حسين. فقامت بتجميد حزب العمل وإغلاق مقراته ومطاردة اعضاءه، وإلغاء ترخيص جريدة الشعب.
***
وكانت جريدة الشعب ولا تزال تحت رئاسة مجدى حسين منبرا وطنيا معارضا جذريا لا سقف له فى مواجهة نظامى مبارك القديم والجديد.
وخاضت معارك وطنية شجاعة على امتداد عمرها الطويل، عرضت مجدى حسين وزملائه عدة مرات الى التحقيقات والمحاكمات التى ادت بعضها الى الاعتقال والإدانة والسجن، مثل المعركة ضد التطبيع الزراعى مع (اسرائيل) الذى قاده يوسف والى وزير زراعة مبارك الأشهر وأمين الحزب الوطنى حينذاك. وكذلك المعركة مع حسن الالفى وزير الداخلية الأسبق.
***
وكان مجدى حسين من أوائل الذين تصدوا لمبارك ونظامه منذ البداية، سواء بمبادرات فردية او بالمشاركة مع القوى السياسية المناهضة للتوريث والتجديد. فكان من مؤسسى حركة كفاية، ومن أنشط المشاركين فى كل وقفات و تظاهرات المعارضة التى خرجت ضد مبارك فى السنوات السابقة على الثورة. بل لقد انفرد هو ورفاقه فى الحزب بالحرص على توعية الناس وتعبئتها ضد مبارك وأمريكا وإسرائيل فى صلاة الجمعة بمساجد الازهر وعمرو بن العاص.
وحين قامت ثورة يناير، كان مجدى احمد حسين لا يزال فى السجن، يقضى ساعاته الاخيرة فى الحكم العسكرى القاضى بسجنه سنتين على زيارته لغزة عبر الأنفاق كما تقدم.
 ليخرج يوم 29 يناير 2011 بعد أن قضت محكمة القضاء الإدارى بوقف تنفيذ القرار الصادر من وزير الداخلية ورئيس مصلحة السجون بالامتناع عن الإفراج الشرطى عنه بعد أن قضى ثلاثة أرباع المدة.
وخرج مجدى من السجن الى ميدان التحرير مباشرة، ليلتحم بملايين الثوار هناك، وليلقى الترحيب والاحتفاء من الجميع الذين اعتبروا وجوده بينهم هى بشرة خيرعلى قرب سقوط مبارك.
***
وفى اول يوليو 2014 عاد مجدى احمد حسين الى السجن مرة أخرى، ليتم تجديد حبسه باستمرار على ذمة التحقيقات. وانهمرت الدعاوى القضائية الموجهة من السلطة للمطالبة بحل حزب الاستقلال وحظر أنشطته. والتهمة هذه المرة هى نشر الأكاذيب والتحريض على العنف على نحو يؤدي إلى تكدير السلم العام !
***
كم لنا من اخ وصديق وابن وابنة من امثال مجدى حسين فى السجن، نفتقد وجودهم وأدوارهم بيننا؟
الحرية له ولرفيق كفاحه الدكتور مجدى قرقر، ولآلاف المعتقلين المظلومين.
*****



الثلاثاء، 14 يوليو 2015

أبو العلا ماضى

أبو العلا ماضى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

·       الو .. مين معايا ؟
o      انا ابو العلا ماضى.
·       اهلا يا باشمهندس.
o      اكلمك لأدعوك الى الافطار السنوى لحزب الوسط، وكل سنة وانت طيب.
·       اشكرك على دعوتك الكريمة وسأحضر بإذن الله.
***
لا يمكن ان يمر رمضان دون ان نتذكر ونذكر بالخير حفل الافطار السنوى الذى كان يقيمه حزب الوسط تحت التأسيس كل عام قبل الثورة، ويحرص فيه على دعوة شخصيات من كافة التيارات الفكرية والسياسية بدون استثناء، سوى رجال السلطة وأعضاء الحزب الوطنى.
كان افطارا يتواصل فيه الجميع ويتفاعلون بحب و تقدير، لا يتوقفون عند الانتماءات والمرجعيات الفكرية او السياسية او الحزبية لبعضهم البعض. يتبادلون فيه الآراء ويحللون الأحداث و يقرأون ما يتم توزيعه من بيانات ومنشورات. يتحاورون فيتفقون و يختلفون، وفى النهاية يتعانقون ثم ينصرفون. لقد كان افطار حزب الوسط، وبحق، واحدا من أبرز المعالم السياسية لرمضان فى مصر قبل ثورة يناير.
***
ولا يمكن كذلك ان ننسى وكيل مؤسسى الحزب قبل الثورة ورئيسه بعدها، المهندس ابو العلا ماضى، بهدوئه ودماثة أخلاقه وعلاقته الطيبة بالجميع، ودأبه وهو وزملاءه على الدفاع عن حقهم فى المشاركة فى الحياة الفكرية والسياسية المصرية رغم الحظر السياسى الذى كان مفروضا على الجميع.
بدءا بتأسيسهم لجمعية "مصر للثقافة والحوار" التى كانت تعقد ندواتها فى شقة صغيرة بمدينة نصر،  ومرورا بمشاركتهم فى كل انواع الدعم والنصرة للقضية الفلسطينية. مثل تنظيم المؤتمر الثانى للجمعية عام 2002 بعنوان "مستقبل فلسطين .. ماذا بعد زوال دولة اسرائيل؟"
 وكذلك فتح مركز الدراسات الدولية الذى كان يديره "ماضى"، ابوابه لاستقبال وتنظيم عديد من حوارات وفاعليات القوى السياسية. اتذكر منها اجتماعات الاعداد لتنظيم وقفة احتجاجية أمام مجمع التحرير فى الذكرى الـ 54 للنكبة الفلسطينية عام 2002، حين كان التظاهر لا يزال من الكبائر و المحظورات، تماما مثلما هو اليوم.
وكذلك مشاركتهم الايجابية فى التصدى لنظام مبارك ومشروعات التوريث والتمديد والفساد وتزاوج السلطة ورأس المال، من خلال حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير، وأيضا مشاركتهم المشهودة فى ثورة يناير وما تلاها من احداث وجولات ومد وجذر ومعارك انتخابية وصراعات سياسية.
هذا بالإضافة الى جهودهم الحركية والفكرية الدائمة لمحاولة التقريب بين الفرقاء والقيام بدور الوساطة الفكرية والسياسية بين الجميع، وهو ما كان يتميز به بشكل خاص المهندس ابو العلا ماضى.
فلقد كان له اجتهاداته المتعددة دفاعا عن وسطية الاسلام ومدنيته ونبذ العنف، والتأكيد على حق المواطنة للجميع. وهو ما عبر عنه بوضوح فى عديد من كتاباته اهمها كتاب "المسألة القبطية والشريعة والصحوة الإسلامية". ولذا تم اختياره عضوا فى الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي منذ عام 1999. وهو الفريق الذى أنشأه مجلس كنائس الشرق الأوسط.
لقد تواصلت مع ابو العلا ماضى فى مناسبات و فاعليات عديدة، ولكن اكثرها دلالة فى التعرف على حقيقة الرجل و أفكاره، هى لقاءاتى مع تلاميذه وأعضاء حزبه فى ندوات وحوارات فكرية مختلفة. كانوا جميعا بدون استثناء شباب وطنى متوازن موضوعى يؤمن بالحرية وبالثورة وبسلميتها، يحب فلسطين ويعادى اسرائيل ويرفض كامب ديفيد والتبعية للأمريكان، يدين الاستقطاب السياسى ويسعى للحوار والتواصل مع كافة التيارات الأخرى.
***
كان ابو العلا ماضى أحد الشخصيات التى عصفت بها حالة الانقسام والاستقطاب البائسة التى ضربت الجميع، وما صاحبها ولا يزال من الصراع الحاد على السلطة الذى تفجر فى صيف عام 2013.
فهو يقبع الآن فى سجن طرة، بعد أن تم اعتقاله فى يوليو 2013، بتهمة التحريض على العنف فى ما يسمى بأحداث بين السرايات. ويتم تجديد حبسه باستمرار حتى الآن على ذمة التحقيقات، مثله فى ذلك مثل آلاف المعتقلين.
وانه لمن مفارقات الظلم و الاستبداد، ان يتم اتهام شخصية مثل ابو العلا ماضى، بالتحريض على العنف و بالارهاب، وهو الذى وجه جزء كبيرا من دعوته ونشاطه وكتاباته ضد العنف والتطرف. ومن اهمها كتابه "جماعات العنف المصرية وتأويلاتها للإسلام" الصادر عام 2006.
كما انه وزملاءه رفضوا منذ البداية الفجوة المفتعلة والمزمنة بين الاسلاميين وغيرهم، وكافحوا طويلا لسدها، وحرصوا على طمأنة الجميع على وسطية الاسلام ووسطيتهم، واعتدالهم واعترافهم بالآخر، والتزامهم بالممارسة الديمقراطية وبقواعدها واحكامها  والقبول بنتائجها.
ومن اجل ذلك حرصوا على العمل من داخل النظام السياسى والقانونى للدولة، كتفا الى كتف مع الجميع؛ رغم معارضتهم للنظام واستبداده وفساده. فتقدموا الى لجنة الاحزاب بطلب تأسيس حزب شرعى. ولم ييأسوا من رفض طلبهم ثلاث مرات ولم يكفروا بالديمقراطية، ولم يلجأوا الى العمل السرى. وانما كانوا يعيدون الكرة مرة تلو الأخرى، الى ان قامت الثورة وخرج حزبهم الى الوجود فى أيامها الذهبية.
***
ومن الغريب والمؤلم ان أحدا من "رفاقه"، من رموز التيارات السياسية الأخرى، لم يكتب حرفا واحدا للدفاع عنه او للمطالبة بالافراج عنه، رغم ما كان بينهم من علاقات انسانية وسياسية حميمة وعميقة، وتاريخ طويل من النضال المشترك.
ان اعتقال "ماضى" هو واحد من اهم الدلائل الكاشفة عن حالة الاستبداد والرغبة العنصرية الحالية فى اجتثاث كل من يمت الى التيار الاسلامى بصلة، حتى لو كان من نوعية ابو العلا ماضى.
كما انها تكشف تهافت وسيولة تهم الارهاب واخواتها من التخوين والشيطنة التى توجه كل يوم الى من يجرؤ على معارضة السلطة. وتؤكد اننا بصدد حملات منهجية للتوقيف السياسى خارج المنطق والعدل والقانون.
كما أن صمت "الرفاق" القدامى عن الظلم والظالم والمظلومين، هو ابلغ تعبير عن حالة الخوف او التواطؤ، وعن اختلال المواقف السياسية و القيم الاخلاقية لدى كثيرين ممن حسبناهم غير ذلك.
***
وحتى اذا صدقت المآخذ التى تتهم "أبو العلا ماضى" بالمشاركة فى عملية اقصاء المعارضين والاستئثار بإعداد دستور 2012. فان المشاركة فى دستور 2014 كانت أكثر قسوة وأشد مرارة.
فعلى الأقل تم اعداد دستور 2012، وكل معارضيه احرارا يمارسون معارضتهم وتظاهراتهم وضغوطهم بحرية كاملة،  بدعم من الدولة العميقة والإعلام الرسمى وغالبية الاعلام الخاص.
 بينما دستور 2014 تم إعداده، والآلاف من معارضيه فى القبور أو فى السجون. بل حين حاول البعض من شباب الثورة من غير الاسلاميين، التظاهر امام مجلس الشورى لإيصال رسالة سلمية الى لجنة اعداد الدستور بضرورة رفض المحاكمات العسكرية للمدنيين، تم القبض عليهم ومحاكمتهم وإدانتهم بأحكام وصلت الى خمس سنوات.
وفى جميع الظروف والأحوال، ووفقا لأى معايير موضوعية أو قانونية، فانه لا يمكن اعتبار مواقفه السياسية والدستورية، جريمة جنائية يستحق عليها الاعتقال والسجن والإدانة بتهمة الارهاب والتحريض على العنف. 
***
كم لنا من صديق او رفيق او ابن او ابنة فى السجون مثل ابو العلا ماضى؟
الحرية لكل المظلومين فى كل المعتقلات والزنازين. ورمضان كريم وعيد فطر مبارك.
*****


الثلاثاء، 7 يوليو 2015

الارهاب والاستبداد

الارهاب و الاستبداد
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

يقتات الارهاب على الظلم الذى يصنعه المستبدون. ويقتات الاستبداد على الرعب الذى يبثه الارهابيون. وهكذا فى دائرة جهنمية لا تنتهى.
يرعب الارهاب الناس ويخيفهم، فيستنجدون بالسلطة المستبدة، التى تقايضهم على حقوقهم وحرياتهم، ان أرادوا حمايتها.
اثبتت كل تجارب الشعوب على مر التاريخ، كيف تتوحد وتتشابك مصالح كل منهما مع الآخر.
***
·       يتخفى الارهاب وراء الدين، ويتخفى الاستبداد وراء الوطنية.
·       كلاهما يشيع الخوف وينمو وينتعش فى أجواء الكراهية والانقسام والاستقطاب.
·       كلاهما يكره الحرية والثورات والمشاركة الشعبية والمعارضة والرأى الاخر.
·       كلاهما يُكَّفر أو يًخَّون المختلفين معه ويستبيح حياتهم او حرياتهم.
·       كلاهما يعامل الشعوب كرعايا وليس كمواطنين.
·       كلاهما لا يعترف بالمساواة والمشاركة والمراقبة والمحاسبة. فهما لا يؤمنان الا بالعبودية والطاعة العمياء، و يديران جماعاتهم او شعوبهم بالحديد والنار.
·       كلاهما لا يتوقف او يشبع . اذا تركناه، توسع وتغول وتجبر.
·       كلاهما يكره القانون و ينتهكه؛ الارهاب يعمل خارج القانون، والاستبداد فوق القانون.
·       الارهاب ينسف ويقتل ويفخخ ويفجر ويخطف، ضد كل القوانين والمبادئ الانسانية .
والاستبداد يقتل ويقنص ويعدم "ويصفى"ويعتقل، فى حماية مظلة صورية من الشرعية والقانون.
·       قرار الحياة او الموت لدى الارهابيين فى يد شخص واحد. وكل السلطات والمسارات والمصائر فى الانظمة الاستبدادية تتجمع فى يد واحدة.
·       كلاهما يكره الديمقراطية؛ الارهاب يرفض الانتخابات، أما الاستبداد فيزورها.
·       كلاهما يحتقر الناس؛ الارهاب يرفض الاحتكام اليها، اما الاستبداد فيهدف الى تضليلها وتعبئتها وسياقتها.
·       الارهابيون هم فئة قليلة تضع ارادتها فوق ارادة الشعوب، تريد ان تُكرهُها على الحياة وفقا لمعتقداتها.
والمستبدون هم ايضا فئة قليلة، تريد ان تحتكر الحكم والسلطة والثورة الى أبد الابدين.
·       كلاهما شديد الخطورة على الشعوب والمجتمعات، فهما يعملان وفقا لقاعدة "انا ومن بعدى الطوفان".
·       كلاهما يوقع ضحايا بالآلاف او بالملايين من الأبرياء الذين لا ذنب لهم.  
·       كلاهما يعيش فى عالم سرى"عميق" معدوم الشفافية، يحيطه بستار حديدى يحجب الحقيقة ويخفيها.
·       كلاهما يحترف الكذب وتضليل الرأى العام.
·       الارهابيون مخترقون من الخارج الذى يدعمهم بالأموال والسلاح ويرسم لهم الخطط والأدوار.
والمستبدون تابعون لذات الخارج ومتحالفون معه، يحكمون شعوبهم برعايته وتحت حمايته ووفقا لاستراتجياته.
·       واذا كان الارهاب هو البوابة التى تنفذ منها الولايات المتحدة وحلفائها لاستباحة بلادنا وإعادة احتلالها.
فان جرائم الاستبداد وانتهاكاته هى الذريعة التى يستخدمها الغرب للضغط على الانظمة ومقايضتها، لتحقيق مصالحه الاقتصادية وأرباحه المالية وفرض شروطه السياسية وتسوياته الأمنية والاقليمية.
·       الارهابيون يستهدفون حياة الناس وأمنها واستقرارها.
والمستبدون يقتلون روح الشعوب وانتمائها الوطنى ويهددون وحدتها.
·       المستبدون يقسمون الشعوب الى أخيار وأشرار؛ حكام ومحكومين، أسياد وعبيد، اغنياء وفقراء، موالين ومعارضين. فيستغل الارهاب هذا الانقسام ويحوله الى تقسيم للأوطان والدول.
·       دائما ما يستعين الاستبداد بالإرهاب لتمديد أو تأبيد حكم أنظمته التسلطية، أو لإحكام و تبرير قبضته البوليسية، او تمرير اجراءات استثنائية، او لوأد انتفاضة شعبية، او التغطية على ازمة اقتصادية، او للتهرب من سد الاحتياجات المعيشية، او التغطية على استسلام او هزيمة عسكرية، او لتمرير مشاركته فى حروب وتحالفات دولية واقليمية، او لحل البرلمانات، او تأجيل الانتخابات، او العصف بالحقوق والحريات، او لإخفاء فشل السياسات و نهب الثروات.
***
الإرهاب والاستبداد وجهان لعملة واحدة، هى قهر الشعوب وكسرها وإدخال اليأس الى قلوبها، ليسهل ترويضها وحكمها ونهبها. وهو ما ينتهى دوما وحتما الى إضعاف مناعتها الوطنية وتمزيقها وهزيمتها واحتلالها.
*****