بحث فى المدونة

الأحد، 31 أكتوبر 2021

ماهية الحروب الصليبية (5) بدايات المقاومة


 هذه هى الحلقة الخامسة فى رحلتنا مع كتاب "ماهية الحروب الصليبية" للدكتور/ قاسم عبده قاسم الذى رحل عن عالمنا منذ بضعة اسابيع.

وفى الحلقات الأربعة الأولى تناولنا: الايديولوجية الصليبية، والظروف التاريخية والدوافع، وخطبة البابا والاستجابة الشعبية، والحملة الصليبية الاولى واغتصاب القدس.

واليوم نتناول بدايات اليقظة العربية الاسلامية ومحاولات الوحدة والمقاومة والتحرير، وتحرير امارة الرها، والحملة الصليبية الثانية.

***

المحاولات الأولى:

·       فى عام 1101 م نجح تحالف الجيوش الاسلامية تحت قيادة قلج ارسلان سلطان السلاجقة الروم، ورضوان امير حلب، والغازى امير سيواس، فى ايقاع الهزيمة بالحملة الصليبية القادمة من لمبارديا.

·       ومن ناحية أخرى فشل الفاطميون رغم محاولاتهم المتعددة، فى استرداد املاكهم من الصليبيين. ولكنهم استغلوا قاعدتهم فى عسقلان فى شن هجمات عديدة ضد الصليبيين فى الاعوام 1101 و1102 و1105 والتى كلفت الصليبيين الكثير من الخسار البشرية والمادية.

·       كما ان المقاومة الاسلامية فى الشمال لم تتوقف من جانب السلاجقة الذين نجحوا فى اسر عدد من القادة الصليبيين مثل بوهيموند وبلدوين وجوسلين.

·       كما نجحوا عام 1104 م فى الحاق هزيمة كبيرة بالصليبيين فى معركة حران.

·       ولكن بعد احكام الصليبيين لسيطرتهم على الساحل فيما عدا صور وعسقلان، شعرت امارة دمشق بالخطر فبدأ اميرها طغتكين محاولات التحالف مع مودود حاكم الموصل ولكن محاولاته باءت بالفشل بسبب المنازعات بين العناصر العربية والعانصر التركية فى بلاد الشام.

·       كما ان السلاطين السلاجقة كانوا اكثر اهتماما بفارس اكثر من بلاد الشام.

***

الراى العام العربى والاسلامى:

·       فى هذا الوقت بدأ يتشكل راى عام غاضب بين عامة الناس فى العالم العربى الاسلامى، تجاه العدوان الصليبيى والمذابح التى ارتكبوها، يقوده الفقهاء والعلماء. وبدأت تتردد الدعوة الى الجهاد وتحرير بيت المقدس.

·       فى رحم هذه الحركة القوية تبللورت اتجاهات المقاومة العربية الاسلامية ضد الصليبيين.

·       فى هذه الاجواء وفى عام 1113 شنت جيوش المسلمين من دمشق والموصل وسنجار وماردين هجوما على الصليبيين ونجحت فى تدمير جيشهم تماما بالقرب من طبرية.

·       ولكنهم لم ينجحوا فى حصد نتائج انتصارهم لاغتيال مودود اتابك الموصل على يد أحد الباطنية بالاضافة الى وفاة رضوان امير حلب.

·       وفى عام 1118 حاول بلدوين ملك بيت المقدس غزو مصر ولكنه مرض مرضا عضالا فعاد الى فلسطين ليلقى حتفه هناك.

·       ولتنتهى بذلك مرحلة التوسع الصليبيى التى قادها هذا الملك.

·       ولتبدأ "مرحلة التوازن" بين الجبهة الاسلامية فى الشمال وبين الصليبيين، وبدأت الانظار تتوجه الى الدولة الفاطمية.

***

بدايات الوحدة والمقاومة والتحرير:

·       فى 1127 ظهر القائد عماد الدين زنكى ونجح فى فتح الموصل ليواصل حركة الجهاد والمقاومة التى بدأها مودود قبله على محور الموصل/حلب.

·       وسرعان ما صار اقوى حاكم مسلم فى زمانه لانه طوع قدرته وموارده العسكرية فى خدمة الطلب العربى الاسلامى العام وهو الجهاد ضد الصليبيين.

·       وشيئا فشيئا تمكن من التغلب على النعرات الانعزالية فى كل بلاد الشام والعراق والجزيرة: ففتح حلب عام 1128 وحماة عام 1129 الى ان استولى على حمص 1143م.

·       وهو ما أهله لتوجيه ضربته الكبرى للصليبيين، بتحرير الرها عام 1144م، بعد حصار دام 28 يوما فقط.

·       والرها كما نعلم هى اول امارة صليبية تقوم على ارض الشرق العربى الاسلامى.

·       وقد تسبب سقوطها فى صدمة نفسية عنيفة للصليبيين، ترددت اصداؤها فى كل مكان. فلقد تم تحريرها بعد اقل من خمسين عاما من استيلاءهم عليها.

·       وبذلك اصبح وادى الفرات كله منطقة اسلامية، كما ضمن للمسلمين السيطرة على طرق المواصلات التى تربط بين شمال الشام والعراق والجزيرة.

***

فشل الحملة الصليبية الثانية:

·       وعلى  اثر ذلك استنجدت وفود من الارمن ومن فرنجة الشرق بالبابا ايجينوس الثالث 1145-1153.

·       وبالفعل تشكلت حملة صليبية جديدة وهى ما عرفت باسم الحملة الثانية، ضمت قوات كل من كونراد الثالث امبراطور المانيا، ولويس السابع ملك فرنسا اللذين اخذا شارة الصليب نتيجة سقوط الرها فى ايدى قوات عماد الدين زنكى، ووصلا الى المنطقة نهاية عام 1147 اوائل عام 1148. وكان مصيرهما هزيمة فادحة على ايدى المسلمين.

·       وكان عماد الدين زنكى قد اغتيل عام 1146 على يد بعض خدمه، مما دفع الصليبيين الى محاولة استرداد الرها، الا ان ولده نور الدين محمود تصدى لهم.

·       ثم حاولت الجيوش الفرنسية والالمانية شن هجوم على دمشق ولكنها باءت بالفشل.

·       وكان من نتيجة ذلك ان وقعت دمشق فى يد نور الدين محمود عام 1154، بعد ان كان حاكمها السابق أنر يستنجد بالصليبيين فى المرات السابقة.

·       وتم توحيد الجبهة الشمالية تحت قيادة نور الدين.

·       وكان من نتيجة تماسك هذه الجبهة وتوالى هجمات المسلمين على الصليبيين. ان اتجهت انظارهم الى الجبهة الجنوبية الضعيفة، جبهة مصر التى كانت تعانى ضعفا سياسيا مزمنا تحت حكم الخلافة الفاطمية. (يتبع)

*****

محمد سيف الدولة

السبت، 23 أكتوبر 2021

ماهية الحروب الصليبية (4) الحملة الأولى وسقوط القدس

ما زلنا فى صحبة كتاب ماهية الحروب الصليبية للدكتور قاسم عبده قاسم الذى رحل عن عالمنا منذ بضعة ايام، وفى الحلقات الثلاث السابقة، تناولنا بالترتيب الايديولوجية الصليبية، والدوافع والاسباب، وخطبة البابا أربان الثانى والاستجابة الشعبية لها. واليوم نتناول حملة الفرسان الاولى.

***

فى خضم احداث الحملة الشعبية الفاشلة، كانت البابوية والفرسان بصدد تجهيز حملة من نوع مختلف، وعلى اواخر صيف 1096 وبعد ان حلوا مشكلة التمويل كانت جيوشهم متأهبة للرحيل صوب فلسطين. وتكونت خمسة جيوش على اساس من التقسيمات اللغوية والجنسية وعلى اساس من الروابط الاقطاعية.

فقد تولى جودفرى البويونى قيادة الجيش الأول الذى جمعه من اللورين شمال فرنسا ومن الالمان، واشترك معه اخوه بلدوين.

اما الجيش الثانى فقد تكون من فرسان غرب فرنسا ونورماندى وبعض مناطق الشمال فضلا عن الكثير من الفرسان الانجليز وتولى قيادته دوق نورماندى المدعو روبرت وستيفن كونت بلوا.

اما الجيش الثالث فكان تحت قيادة ريمون الرابع كونت تولوز وتألف من فرسان جنوب فرنسا والبروفنسال وكان فى صحبته اديمار أسقف لوبوى والمندوب البابوى فى هذه الحملة.

وكان الجيش الرابع وهو أصغر الجيوش تحت قيادة هيو كونت فرماندوا المعروف باسم الاشغر وشقيق فيليب الاول ملك فرنسا.

والجيش الخامس والاخير تألف من المقاتلين النورمان الاشداء فى جنوب ايطاليا تحت قيادة بوهيموند النورمانى.

توجهت الجيوش الى القسطنطينية التى كان امبراطورها متوجس من نوايا جيوش الغرب الاوروبى المدعوم من الكنيسة الكاثوليكية. فأصر على عدم السماح بدخول القوات الصليبية المدينة والاكتفاء باستضافة القادة فقط مع اصراره ان يقسموا له يمين الولاء. وحدثت بالفعل بعض المناوشات العسكرية بين قوات الطرفين ولكنها انتهت بالتهدئة.

لتنتهى بذلك المرحلة الاولى من هذه الحملة، وتبدأ المرحلة الثانية بعبور الجيوش الصليبية مضيق البوسفور الى آسيا الصغرى ليجدوا نفسهم لاول مرة فى ارض "العدو".

***

اغتصاب عاصمة السلاجقة الروم:

فى السادس من مايو 1097 وصلت جيوشهم لمدينة نيقية (مقرها الآن مدينة اسيك التركية) عاصمة دولة السلاجقة الروم التى يحكمها قلج ارسلان. وبعد حصار مشترك صليبى بيزنطى سقطت المدينة فى 19 يونيو 1096.

وهزمت قوات قلج ارسلان فى معركة فاصلة فى بدايات شهر يوليو 1097، وقد توقفت بعدها كل مقاومة اسلامية منظمة.

***

اغتصاب الرها:

تلى ذلك سقوط امارة الرها على يد بلدوين القائد الصليبى من اللورين. وهى الآن مدينة تركية تاريخية تقع بالجزيرة الفراتية شمال شرق سوريا.

ولقد أفاد الصليبيون كثيرا، التشرذم السياسى للحكام العرب والسلاجقة فى المنطقة العربية.

***

اغتصاب انطاكية:

فى 21 اكتوبر 1097م  فرض الصليبيون الحصار على انطاكية وبعد صمود دام 8 شهور سقطت المدينة بتآمر بعض الارمن الذين فتحوا احد البراج التى كانت تحت حراستهم.

وحاول جيش فارسى بقيادة كربوقا صاحب الموصل انقاذ المدينة ولكنه فشل.

ولم تسقط المدينة فورا بعد اختراقها، الى ان اخترع ولفق أحد القساوسة حكاية عن رؤية مقدسة اخبرته عن مكان الحربة التى طعن بها المسيح منذ أحد عشر قرنا من الزمان، وربط بين العثور على هذه الحربة وبين النصر. وبطبيعة الحال تم العثور على هذه الحربة بسهولة مما ادى الى رفع معنويات الفرنج وتحقيق النصر على جيش كربوقا. ولم يكن هناك جيش اسلامى آخر يمكنه سد الطريق الى القدس.

تسلم بوهيموند النورمانى القلعة من قائدها احمد بن مروان، وبعد سلسلة من الصراعات والدسائس بين القادة الصليبيين، نجحوا فى تاسيس الامارة الصليبية الثانية على ارض الشرق فى مطلع سنة 1099.

***

اغتصاب القدس:

·       وفى مصر كان الوزير الفاطمى الافضل بن بدر الجمالى يراقب الموقف، فحاول مفاوضة الصليبيين على اقتسام بلاد الشام. ولكنه لم يلقَ استجابة، فقرر ان يستفيد من هزيمة السلاجقة فاغار على فلسطين ونجح فى الاستيلاء على القدس عام 1099 م.

·       وفى شمال بلاد الشام كانت الاسر العربية الحاكمة ترقب انهيار السلاجقة فى سرور، ولم يتدخل أحد لانقاذ انطاكية.

·       وفى يناير 1099 واصل الصليبيون زحفهم الى القدس. وكان الامراء العرب المحليين غاية فى الضعف والتشرذم لدرجة ان معظمهم كانوا على استعداد لتقديم الهدايا والاموال تحاشيا لهجوم الصليبيين عليهم.

·       اتخذ الصليبيون الطريق الساحلى من جنوب طرابلس وتوغلوا فى الاراضى الفاطمية وفرضوا حصارا على مدينة القدس لمدة خمسة اسابيع من 7 يونيو الى 15 يوليو 1099 وهو اليوم الذي سقطت وكان يوافق يوم جمعة.

·       ولم ينج من سكانها سوى قائد الحامية الفاطمية "افتخار الدولة" وعدد من رجاله واعقب ذلك مذبحة فظيعة وابيحت المدينة للسلب والنهب والقتل عدة ايام وفاض الدم. وظلت الجثث مطروحة فى شوارع القدس عدة ايام.

·       وفى هذا الجو الموحش الكئيب، اجتمع الصليبيون فى كنيسة القيامة لاداء صلاة الشكر. وهكذا تم زرع الكيان الصليبى فى الشرق العربى.

·       وبعد سلسلة من الصراعات والمناورات السياسية تم اختيار "جودفرى البويونى" حاكما لبيت المقدس تحت لقب فضفاض هو "حامى الضريح المقدس".

·       وفى 12 اغسطس 1099 حاول الافضل شاهنشاه امير الجيوش المصرية مهاجمة الصليبيين ولكنه هزم وعاد الى مصر.

·       وبذلك تم تامين الوجود الصليبى فى بيت المقدس الى حين.

·       وبعد وفاة جودفرى البويونى تم استدعاء بلدوين من امارته فى الرها ليتولى حكم بيت المقدس. وفى الخامس والعشرين من ديسمبر 1100 م قامت مملكة بيت المقدس الصليبية.

·       وكانت فى ذلك الحين تتكون من مدينة القدس الى جانب يافا واللد والرملة وبيت لحم والخليل.

·       وكان لها ظهير ريفى من المسلمين الذين رفضوا التعاون مع الصليبيين.

·       وفى اوروبا توفى البابا اربان الثانى صاحب الدعوة الى هذه الحملة فى 29 يوليو 1099 قبل ان تصله انباء الاستيلاء على القدس وخلفه راهب شاب اعتلى العرش البابوى فى 14 اغسطس 1099 تحت اسم البابا "باسكال الثانى" والذي بدا عملية دعائية نشطة لمساعدة الصليبيين الذين نجحوا فى اقامة مملكة وامارتين فى بلاد المسلمين.

·       وبالفعل كانت اخبار النجاح الذى احرزته الحملة الاولى قد شجعت عناصر اوروبية جديدة على القدوم الى الشرق العربى رغبة فى الحصول على نصيب من المغانم التى شاعت اخبارها فى الغرب الاوروبى مع العائدين من فلسطين.

***

مزيد من الدعم الصليبيى:

·       وفى عام 1101 م تجمعت حملة جديدة فى الغرب الاوروبى لمساعدة صليبى الشرق.

·       ومن لمبارديا تحركت الجموع الى القسطنطينية فى ذات الطريق الذى سارت فيه الحملة الاولى، وعند وصولهم بدأوا فى اثارة المتاعب الصليبية المعتادة، فاسرع الامبراطور البيزنطى بنقلهم الى آسيا الصغرى وهناك لحقت بهم الجيوش الالمانية والفرنسية.

·       ولكن تصدت لهم الجيوش الاسلامية بقيادة قلج ارسلان سلطان سلاجقة الروم ورضوان امير حلب والغازى امير سيواس والحقوا بهم الهزيمة.

***

التوسع الصليبى:

·       ومن ناحية أخرى بدأ الصليبيون يمدون نفوذهم بين الاراضى والموانىء التى كانت تفصل بين النقاط المتناثرة التى استولوا عليها.

·       فاستولوا عام 1101 م على سروج وحيفا وارسوف وقيسارية.

·       واستولوا عام 1103 م على اللاذقية من البيزنطيين.

·       وعلى عكا عام 1104 م.

·       ثم على طرابلس عام 1109 م بعد حصار دام سبع سنوات، لتكون هى الامارة الصليبية الثالثة بعد الرها وأنطاكية.

·       وبذلك تمكن الصليبيون من فرض سيطرتهم على كل الساحل فيما عدا صور وعسقلان التى لم تسقط الا عام 1153 م.

·       وهكذا اسفرت الحملة الصليبية الاولى عن قيام مملكة فى القدس وثلاثة امارات صليبية فى الرها وانطاكية وطرابلس. (يتبع)

*****

محمد سيف الدولة


الاثنين، 18 أكتوبر 2021

مصر والنبى العربى ﷺ



مصر والنبى العربى ﷺ

تغيرت حياتنا فى مصر تغيرا جذريا، منذ ان جاءنا خبر ظهور نبى جديد فى الجزيرة العربية، بضع سنوات ووجدنا عمرو بن العاص على بوابتنا الشرقية. بعدها بعامين تم استكمال فتح مصر الذى كان من اهم نتائجه تحريرنا من الاستعمار الاوروبى الذى استعمرنا لما يقرب من الف عام (٣٣٢ ق.م -٦٤٢ م) بين بطالمة ورومان وبيزنطيين. وكانت النتيجة الثانية هى دمجنا فى بوتقة واحدة مع شعوب وقبائل المنطقة فى عملية تفاعل وانصهار لبضعة قرون أسفرت على ميلاد امة وليدة فتية بلسان عربى وبهوية حضارية اسلامية اقامها وشارك فيها الجميع من مسلمين ومسيحيين. وكانت النتيجة الثالثة هى ان اصبحت مصر للمرة الاولى فى تاريخها جزء من امة شاسعة مترامية الأطراف، تعيش فى وسطها وفى القلب منها آمنة مستقرة بعد ان انتقلت حدودها وأمنها القومى الى أقصى الشرق عند العراق والى أقصى الغرب فى المغرب والى السودان فى الجنوب، مما أهلها بحدودها المحصنة الجديدة وباستقرارها وقوتها الى ان تتصدى الى دور القيادة للامة فى كل معاركها الكبرى فى مواجهة الغزوات الاجنبية كالصليبيين والتتار. ولذلك دائما ما نقول ان مصر فى الحقيقة هى هبة الفتح العربى الاسلامى، اما مصر التى كانت هبة النيل فقط فلقد ظلت تحت الاحتلال لما يقرب من ألف عام كما تقدم. واينما ولينا وجوهنا؛ للمشرق او للمغرب، سنجد قصة مشابهة لقصتنا فى مصر، مع الفتح الاسلامى ومع الاستقلال والانصهار والتعريب.

وكل عام والأمتين العربية والإسلامية بخير بمناسبة المولد النبوى الشريف.

 

 

الأحد، 17 أكتوبر 2021

مظاهرات الدولة العميقة

 

مظاهرات الدولة العميقة

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

فى مظاهرات السودان بالأمس وفى تونس فى الاسابيع والايام الماضية وفى مصر منذ عدة سنوات، تعلمت مؤسسات الدولة العميقة الدرس، واستطاعت ان تنظم هى الاخرى وتقود وتطلق مظاهرات موالية لها فى مواجهة مظاهرات القوى الثورية والمعارضة السياسية الراغبة فى التغيير وفى الحرية،

مظاهرات موالية لها ترفع هى الاخرى شعار الشعب يريد،

ولكنه يريد هذه المرة ما تقوم اجهزة السلطة باملائه عليه.

وهى مظاهرات وحشود تتكون من خليط من انصار النظام القديم ومن شبكات المصالح المحيطة به والمنتفعة منه، وعناصر امنية ومتظاهرين بالاجرة، وبالاضافة بالطبع الى بعض الجماهير الحقيقية التى نفذ صبرها وفقدت ثقتها فى امكانية حدوث اى تغيير او تقدم فى احوالها المعيشية،

وتخرج هذه المظاهرات الموالية فى رعاية وحماية مؤسسات السلطة وقادتها، التى هى بطبيعتها معادية لاى ثورة او اى تغيير،

ويكون لمثل الرعاية والحماية الرسمية مفعول السحر، فى مضاعفة اعداد المتظاهرين والحشود، مرة ومرات، فتجد فيها من الناس من لم يتخذ موقفا معارضا واحدا فى حياته، ومن لم يجرؤ ابدا على مناهضة اى سلطة من قبل فى اى مظاهرة او مسيرة.

ويستغل قادة الدولة العميقة فى ذلك، اوضاع الفوضى العامة والتدهور الاقتصادى التى تصاحب كل الثورات فى سنواتها الاولى.

لتصبح المعادلة الجديدة هى الشارع فى مواجهة الشارع والمظاهرات والحشود فى مواجهة مثيلاتها، والشاطر يحشد اكثر.

وذلك فى محاولة لرسم صورة زائفة عن انفضاض الشعب عن الثورة وقواها، والتفافه مرة اخرى حول السلطة الحاكمة، كخطوة اولى وتمهيدية للانقضاض على الثورة واجهاضها وتصفية قواها الثورية، واعادة النظام القديم ولكن بوجوه جديدة

لا شك ان هذا احدى التحديات الجديدة التى لم تكن فى حسبان قوى الثورة والتغيير فى اى قطر عربى، والتى يتوجب عليها ان تعمل لها من الآن وصاعدا الف حساب كواحدة من امضى اسلحة الثورة المضادة.

واول خطوة لمواجهة هذه الظاهرة هى بنزع القدسية عن الحشود وعن المظاهرات بعد ان اصبحت سلاح ذو حدين، والنظر الى اهداف التظاهرات الشعبية وشعاراتها ومشروعها السياسى قبل النظر الى اعدادها.

*****



 

الجمعة، 15 أكتوبر 2021

ماهية الحروب الصليبية (3) خطبة البابا والاستجابة الشعبية

    هذه هى الحلقة الثالثة عن كتاب ماهية الحروب الصليبية للمؤرخ الكبير/ الدكتور قاسم عبده قاسم الذى رحل عن عالمنا منذ بضعة ايام، وكنا قد تناولنا فى الحلقتين السابقتين: الايدولوجية الصليبية و الظروف التاريخية والدوافع.

***

الخطبة الشهيرة :

فى السابع والعشرين من نوفمبر سنة 1095 م، ومن مدينة صغيرة فى جنوب فرنسا تدعى كليرمونت، وجه البابا أوربان الثانى خطبة الى جمع غفير من الناس يشمل الاساقفة ورجال الدين والامراء والاقطاعيين، دعا فيها الى القيام بحملة مقدسة تحت راية الصليب هدفها تحرير فلسطين من ايدى المسلمين

وكان اهم ما جاء بها:

اولا ـ ان هدف الدعوة هو تحرير الكنيسة الشرقية من ربقة المسلمين. وتخليص الارض المقدسة من سيطرتهم، هذه الارض التى وصفها الكتاب المقدس بانها الارض التى تفيض باللبن والعسل، ووصفها اوربان الثانى بانها ميراث المسيح.

 

ثانيا ـ وانه قد اضفى القدسية على نفسه اعتمادا على نصوص وردت فى الاناجيل المسيحية، واهمها نص من انجيل لوقا يقول: " ومن لا يحمل صليبه وياتى ورائى فلا يقدر ان يكون لى تلميذا"

 

ثالثا ـ و انه كان يدعو الى هذه الحملة المقدسة باسم الرب بوصفه نائبا عنه فى الارض، فقد ذكر انه قال "ومن ثم فاننى، لست انا، ولكن الرب هو الذى يحثكم باعتباركم وزراء المسيح ان تحضوا الناس من شتى الطبقات .."

 

رابعا ـ ولقد امتدح البابا شجاعة الفرنج وقدراتهم القتالية وادان حروبهم ضد بعضهم البعض وحثهم على عدم اراقة الدماء المسيحية وفرق بين الفارس الجديد الذى يحب المسيح ويحمل صليبه ويحب جاره ويناضل من اجل تحريره وبين الفارس القديم الذى يسعى وراء اطماعه الشخصية ويصب العنف على اخوانه المسيحيين.

 

خامسا ـ اشار البابا الى منح غفران جزئى لكل من سيشارك فى هذه الحملة، سواء مات فى الطريق الى القدس، او قتل فى الحرب ضد المسلمين.

***

·       ولقد لقيت خطبة البابا استجابة فورية وهائلة، فلقد طرح مشروعا طال انتظارهم اياه بما فيه من مكاسب دنيوية وخلاص للروح. وتجسد هذ القبول والحماسة فى الصيحة المشهورة التى رددها الحاضرين "أى الرب يريدها"

·       وظلت هذه هى الصرخة الرسمية للحروب الصليبية والتى يرددونها فى كل معاركهم ضد المسلمين.

·       وسارع الكثيرون يقسمون امام البابا على القيام بالرحلة، كما اخذ كثيرون يخيطون صلبانا من القماش على ستراتهم

·       وقد تم الاعتراف بجميع الفرسان الذين اقسموا على الذهاب، جنودا فى جيش الرب فى احتفال رمزى، وصار الصليب شارة لكل فارس فى كل حملة صليبية فهو علامة على الحماية الالهية بالاضافة الى تحوله الى شارة قانونية تدل على الامتيازات الدنيوية لان الكنيسة اصدرت مراسيم غاية فى الاهمية لصالح الصليبيين فاثناء فترة غيابه تعفى املاك الصليبى من الضرائب وقد يمنح تسهيلات فى ديون.

·       ولقد حدثت استجابة سريعة من جانب الكثير من الفئات، فبدأ الغرب الاوروبى يتحرك كله استعدادا للخروج: " كافة ممالك الارض كانت تتحرك، لم يكن هناك منزل خال من المشاركين .... " على حد قول بعض شهود العصر.

***

الحملة الشعبية

·       على عكس رغبة البابا الذى وجه دعوته الى المحاربين من الفرسان والنبلاء، كانت اولى القطاعات استجابة هى العامة من الفلاحين والفقراء، الذين رأوا فى هذه الدعوة فرصة للتحرر من الاحباط والجوع و من نير القنانة وسيطرة السادة الاقطاعيين.

·       فقد فاقت استجابتهم كل التوقعات فى فرنسا والاراضى الواطئة والمانيا وغرب ايطاليا.

·       وتكونت منهم حركة شعبية ارتبطت باسم "بطرس الناسك" وهو راهب هجر الدير بتكليف من البابا لكى يقوم بالدعوة الى الحملة الصليبية.

·       وقد تحول بطرس الناسك فيما بعد الى اسطورة، فقد نسب اليه فضل اثارة الغرب الاوروبى لشن الحملة الصليبية ضد الشرق العربى الاسلامى واعتبره بعض المؤرخين نبى الحركة الصليبية.

·       وتكونت الحملة الشعبية من آلاف الفلاحين الذين لم ينتظروا الموعد المتفق عليه فبداوا الزحف فى ربيع 1096.

·       وكان اول فرقة من حملات الفلاحين تحت قيادة شخص يدعى "والتر المفلس" وبدا اتباعه فى عمليات السلب والنهب فى اراضى بلغاريا، فقاتلهم البلغار وقتلوا العديد منهم.

·       وفى 20 ابريل 1096 غادر جيش بطرس الناسك الاراضى الالمانية، وضم مئات من الافاقين والمجرمين وبنات الهوى والفلاحين والفقراء من اهل المدن فضلا على عدد صغير من الفرسان، متوجها شرقا الى القسطنطينية.

·       وعند مدينة سملين على حدود المجر مع الامبراطورية البيزنطية كشف جيش الرب عن وجهه القبيح وجرت على سملين واهلها من المسيحيين مذبحة رهيبة وازهقت ارواح 4000 من ابناء المدينة.

·       وتكررت الماساة فى مدينة نيش اذ قام جيش الصليبيين باحراق مساكن القرويين بسكانها الاحياء فى داخلها.

·       فقامت الحامية البيزنطية بمهاجمة جيش بطرس الناسك وقتلت الكثيرين من رجاله، فتفرقوا بضعة ايام ثم تجمعوا مرة اخرى ووصلوا مشارف القسطنطينية فى اغسطس 1096 وعاثوا فيها فسادا فنهبوا واحرقوا وسرقوا. فنقلهم الامبراطور بسرعة الى آسيا الصغرى عبر المضايق وهناك ومرة اخرى ارتكبوا ابشع المذابح ضد السكان المسيحيين.

·       وانتهى بهم الامر ان وقعوا فى شباك كمين أعده لهم الاتراك السلاجقة. وتم الاجهاز على الحملة الشعبية وقتل والتر المفلس وهرب بطرس الناسك الى القسطنطينية.

·       وكانت هذه البديات الاولى التى كشفت عن الوجه الحقيقى لجيش الرب. (يتبع)

*****

محمد سيف الدولة