هذه هى "الحلقة
الثانية" من عرض كتاب "ماهية الحروب الصليبية" التى نعيد
نشرها تكريما لمؤلفه المؤرخ الكبير الدكتور/ قاسم عبده قاسم الذى رحل عن عالمنا منذ
بضعة أيام.
وكنا قد تناولنا فى الحلقة الاولى جذور
الايدولوجية الصليبية. وفى حلقة اليوم سنتناول باذن الله الظروف التاريخية التى
أحاطت بهذه الحملات والحروب، وكذلك الدوافع والاسباب التى حركت كل قوى وأطراف العدوان،
وذلك من خلال المحاور الاربعة التالية:
1) مشروع العصر.
2) حال اوروبا عشية الحرب: (الفلاحون ـ الفرسان
ـ البرجوازية الناشئة ـ الكنيسة)
3) الوضع فى الامبراطورية البيزنطية.
4) العالم العربى الاسلامى.
***
مشروع العصر:
· مثلت الحرب الصليبية انعطافا خطيرا فى تاريخ الغرب
الاوروبى من حيث مجالها الجغرافى او اطارها الزمنى او اعداد الذين شاركوا فيها.
· وهى اول حرب يخوضها الاوروبيون تحت راية ايدولوجية واحدة.
· وكانت افرازا للتفاعل بين الكنيسة والاقطاع.
· فكانت الكنيسة تهدف الى السيادة المطلقة على العالم
المسيحى منافسة فى ذلك الامبراطورية.
· وكان فرسان الاقطاع يتوقون الى توسيع سلطانهم واملاكهم،
ولم يكن هذا ممكنا دون الصدام مع الملكية وكان الحل فى الحملات الصليبية.
· اما البرجوازية الناشئة ممثلة فى المدن التجارية
الايطالية فكانت تهدف الى السيطرة على تجارة البحر المتوسط وتجارة العالم.
· اما الفلاحين فكانت الحملات الصليبية بالنسبة لهم،
محاولة للتحرر من حياة البؤس والشقاء الذى كانوا يعيشونه فى ظل النظام الاقطاعى.
· وبذلك مثلت الحملة الصليبية مشروع العصر بالنسبة للكثيرين.
***
حال اوروبا عشية الحرب:
· منطقة جغرافية لم تتشكل بعد على المستوى السياسى.
· وكانت مجرد منطقة ريفية بالقياس بكل من العالم البيزنطى
والعالم العربى الاسلامى.
· فلقد كان الطابع الريفى مسيطرا وكان هناك ادراك بضيق
الاراضى الاوروبية.
· وكانت البلدة والقرية هما النموذجان السائدان.
· بالاضافة الى عدد قليل من المدن التجارية الايطالية على
البحر المتوسط مثل البندقية وجنوا وبيزة.
· وكانت الناس تحت رحمة الطبيعة الى حد كبير: فيضانان ومجاعات
واوبئة كانت قد ضربت اوروبا قبل الحملة الاولى بعشرة سنوات.
· وشهدت اوروبا بدءا من القرن الحادى عشر ثلاثة قرون من
الابداع فى القرون الوسطى، فلقد كان تبللور المؤسسات السياسية والاقتصادية
والدينية والاجتماعية الذى بدأ منذ خمسة قرون، هو الاساس الذى قامت عليه الحضارة
الاوروبية فى العصور الوسطى وشهدت هذه المرحلة عدد من الشخصيات البارزة مثل وليم
الفاتح ملك انجلترا وهنرى الثالث وغيرهم من الحكام الجنود الذين يبحثون عن السلطة
، كما عاش فى القرن الحادى عشر معظم البابوات الاصلاحين الذى كان ابرزهم جريجورى
السابع الملقب بالشيطان المقدس، الذى كان خليفته هو البابا اربان الثانى صاحب
الدعوة الشهيرة الى الحملة الصليبية .
· كان التوسع والتنظيم من اهم سمات القرن الحادى عشر.
***
الفلاحون:
· كانوا يعيشون حياة قاسية ويعملون فى ازالة الغابات
واستصلاح اراضيها.
· وكانت الاراضى الزراعية لا تزال ضئيلة المساحة بالنسبة
الى مناطق البرارى والغابات والاراضى البور.
· يعيشون فى اكواخ حقيرة وطعامهم فقيرا وبسيطا من انتاج حقولهم،
وملابسهم من انتاج جلود حيواناتهم، يأكلون اللحوم الطازجة مرة واحدة فى اعياد
الميلاد ويحتفظون بالباقى مقددا ومملحا لباقى السنة.
· وكان القساوسة فى الريف فى معظمهم اميون، يقدمون الى
الفلاحين معلومات مشوشة عن المسيحية يسودها التعصب والتزمت.
· وكان القرويون يجمعون بين التدين العاطفى والايمان
بالخرافات والمعجزات.
· وكان الفلاح مقيدا بالتزامات قاسية تجاه السيد الاقطاعى،
وتحول بالفعل الكثير منهم الى اقنان وفقدوا حريتهم. وفيما يلى إحدى وثائق القنانة فى ذلك العصر:
" ليكن معلوما، لكل من
يجيئون بعدنا، ان رجلا فى خدمتنا يدعى وليم، شقيق رينالد، الذى ولد لابوين من الاحرار،
قد تحرك مدفوعا بحب الرب صوب غاية يحسبها له الرب حسنة. اذ وهب نفسه قنا للقديس
مارتن فى مورموتيه، ولم يكتف بان يهب نفسه فقط، بل وهب جميع ذريته من بعده لكى
يظلوا الى الابد فى خدمة رئيس الدير والرهبان فى هذا المكان بشروط واضحة. ولكى يتم
التاكيد على هذه الهبة وتوضيحها وضع حول رقبته حبلا، كما وضع اربع قطع من النقود على
مذبح القديس مارتن اعترافا بالقنانة، وكرس نفسه للرب العظيم. وقد راى ما حدث، وشهد
عليه اولئك الآتية اسماؤهم .. "
· وكان القن مربوطا بالارض لا يمكنه الرحيل عنها، كما لا يستطع
ان يستبدل سيده.
· ولم تقف الكنيسة ضد ظاهرة الاقنان، بل استفادت منها
بصفتها من أكبر ملاك الاراضى الزراعية.
· وكان الاقنان يحتلون مكانة فى البناء الاجتماعى بين
الفلاحين الاحرار وبين عبيد الارض من الارقاء.
· وكان الاقنان يشكلون قطاعا هاما من سكان الريف الاوروبى
عشية الحملة الاولى.
· وكان النظام الاقطاعى بجناحيه الفرسان والقساوسة يعيشون
من ناتج عمل الفلاحين.
· وكان للاقطاعين السيطرة السياسية والقضائية على الفلاحين
بما فيها حق جمع الضرائب منهم.
· ولذا كان الفلاحون فريسة للخوف الدائم والاضطراب المستمر
والافتقار للامن، فمن ناحية يقعون تحت وطأة الطبيعة بمجاعاتها واوبئتها، ومن ناحية
اخرى وقعوا تحت وطئة السادة الاقطاعيين الذين جعلوهم وقودا لحروبهم الاقطاعية.
· ولانهم قد تشبعوا منذ فترة طويلة بافكار الوعاظ الجوالين،
فانهم قد وجدوا فى دعوة البابا فرصة للخلاص الدنيوى والاخروى.
· وهكذا كانت الاوضاع الاجتماعية المحبطة والجو الفكرى
المشبع بالخرافات والتعصب الدينى من اهم الدوافع التى حركت المقهورين من ابناء
الغرب الاوروبى الى المشاركة فى الحملة الصليبية الاولى، وهو ما ادى الى الحملة
الشعبية وهى الحملة التى ازعجت البابا الذى لم يرى فى هؤلاء القوى المناسبة لتحقيق
اهداف الحملة.
· لقد كان الجوع الذى عض بانيابه معظم انحاء الغرب
الاوروبى فى سنة 1095 وراء خروج اعداد غفيرة من الفلاحين والمعدمين خلف قادة
العصابات التى شكلت تلك الحملة الشعبية او ما سميت بحملة الفلاحين.
***
الفرسان:
· كان للعوامل الاقتصادية والاجتماعية الجافة اهمية كبيرة
فى تفسير الدور الكبير الذى لعبه الفرسان الاقطاعيون فى الحركة الصليبية.
· ان من اهم خصائص القرن الحادى عشر الميلادى فى اوروبا
الغربية هو بلورة النظام الاقطاعى الذى كانت مؤسساته آخذة فى التطور والنمو منذ
القرن الثامن الميلادى.
· وقد قام النظام على ثلاثة عناصر هى:
اولا ـ عنصر شخصى يربط السيد الاقطاعى
بتابعه ويتمثل هذا العنصر فى رابطة الولاء الشخصى الذى يدين به التابع لسيده وقد
اصطلح على تسميته السيادة والتبعية
ثانيا ـ عنصر فعلى وهو حيازة الاقطاع
فى مقابل تقديم الخدمة العسكرية المناسبة فى جيش السيد الاقطاعى
ثالثا ـ لا مركزية القضاء وقد اتاح هذا
العنصر حقوقا قضائية للسادة الاقطاعيين على حساب سلطة الملك المركزية
· وتتلخص الفكرة الاقطاعية فى انه "لا ارض من دون سيد
اقطاعى".
· وبذلك ظهر هرم اقطاعى على قمته الملك الذى له سلطة اسمية
على كبار السادة الاقطاعيين.
· يليه مباشرة عدد من الامراء الاقطاعيين، لكل منهم اتباعه،
ولكل تابع تابع، الى نصل الى الفارس العادى الذى يملك ارضا بالكاد تعوله وتكفيه.
· ولكل عضو فى الهرم الاقطاعى التزاماته وواجباته تجاه سيده
وتجاه اتباعه.
· وكان الهدف الاساسى من التنظيم الاقطاعى هو التعاون فى الحرب.
· وكانت الحرب هى الحرفة الاساسية للفارس الاقطاعى، وكانت
هى مهنة الرجل الراقى، يقضى الشطر الاكبر من حياته متدربا على القتال او مشتبكا فى
معركة حقيقية.
· وكان من عادة فرسان الغرب الاوروبى منح الهبات السخية
للاديرة التى اسستها العائلة او تاسيس اديرة جديدة باعتبار ان ذلك وسيلة للتكفير
عن الخطايا.
· ولذلك كانت الدعوة الى الحملة الصليبية وما يصاحبها من
غفران مصدر اغراء لابناء هذه الطبقة.
· ولم يكن الفارس يعيش فى مستوى افضل كثيرا من مستوى
الفلاحين فى ارضه.
· وكانت الاقطاعات اقل من عدد الفرسان الطامحين الى الحصول
على الارض وقد عرفت هذه الظاهرة باسم الجوع الى الارض وقد تسببت فى كثير من الحروب
الاقطاعية التى مزقت اوروبا تماما.
· وقد جاء فى الخطبة الشهيرة للبابا اربان الثانى اثناء
الدعوة الى الحملة الاولى ما يلى:
هذه
الارض التى تعيشون عليها محاطة بالبحر من كل جانب، تحوطها سلاسل الجبال ، وتضيق
باعدادكم الكبيرة ، وهى لاتفيض بالثروات الكبيرة ، وانما تكاد تعجز عن توفير
الطعام لمن يقومون بزراعتها . وهذا هو السبب انكم تشنون الحرب ضد بعضكم بعضا
"
· وكانت هناك اسباب أخرى وراء ضيق الارض فى اوروبا، فلقد
دأبت طبقة الفرسان على اتباع عدة وسائل للحفاظ على اقطاع العائلة دون تفتيت مثل أن
حق الارث قاصر على الابن الاكبر
وكان الابناء
الصغر بناء على ذلك، ينتهى بهم المطاف الى الانضمام الى الكنيسة او الالتحاق
بتبعية احد السادة الاقطاعيين.
· وكان هناك ايضا نظام الملكية على المشاع، او ما يسمى بملكية
الاخوة، وهو النظام الذى تم ابتكاره لمنع تفتيت الارض ايضا، وهو ما ادى الى ان
يتشارك الاعمام وابناء اخوتهم فى الملكية التى تضيق عليهم، مما دفع الكثير من
الورثة الى الالتحاق بالاديرة والكاتدرائيات.
· وفى القرن الحادى عشر كان الانضمام الى الحملة الصليبية
فرصة حقيقية للهرب من نظام ملكية الاخوة وتحقيق الاستقلال عن العائلة.
· لقد جاءت الحملة الصليبية متنفسا لطبقة الفرسان التى كان
عددها ينمو باستمرار بدون نمو فى الارض
· على اى حال كانت ثمة اهداف ومطامع دنيوية عديدة وراء
مشاركة ابناء هذه الطبقة فى الاشتراك فى الحملات الصليبية تبلورت كلها حول الرغبة
فى التوسع وملكية الارض.
***
البرجوازية الناشئة:
· على الرغم من ان غرب اوروبا فى القرن الحادى عشر، كان
منطقة ريفية الطابع، الا ان كان هناك عدة مدن ايطالية احتفظت بعلاقتها التجارية مع
القسطنطينية وخرجت سفنها تجوب البحار.
· وفى منتصف هذا القرن كانت البندقية قد بنت اسطولها
البحرى القوى.
· واخذت جنوا وبيزا زمام المبادرة فى الهجوم على اساطيل
المسلمين التى كانت قد دابت على مهاجمة موانيهما والاستيلاء على سفنهما.
· وتحولت الى جمهوريات مستقلة غير خاضعة لسلطة الكنيسة
وفرضت نفسها على تجارة البحر المتوسط.
· وكان لها دورا هاما فى الحملة الاولى فى مقابل السيطرة
على موانىء شرق المتوسط.
· كانت هذه الجمهوريات تحاول ان تفوز بالثروة الطائلة التى
نعم بها العالم الاسلامى.
***
الكنيسة
· كانت الكنيسة الكاثوليكية قد تورطت فى الشؤون العلمانية
البعيدة عن المجالات الدينية الى حد بعيد:
o
فملكياتها
الكبيرة من الاراضى الزراعية، يقوم بحمايتها عسكريا وكلاء علمانيين.
o
والسادة
الاقطاعيون يعينون الاساقفة ومقدمى الاديرة داخل اقطاعاتهم واماراتهم، فكانوا
يعملون لديهم مستشارين ورجال ادارة.
o
وكذلك كان
التنافس بين العائلات الكبيرة على الفوز بمنصب البابا وجعله عرشا وراثيا.
o
وأدى تداخل
الكنيسة مع النسيج الاقطاعى ادى فى النهاية الى أن صارت الوظائف الكنسية تباع
وتشترى.
o
ولقد أضر كل
ذلك بالوظيفة الروحية للكنيسة الى حد بعيد.
o
ولقد ادى ذلك
فى مرحلة ما الى ضعف البابوية وهوانها.
· وبدءا من بدايات القرن العاشر الميلادى بدأت تتبلور على
مستوى اوروبا حركة اصلاحية داخل الكنيسة، هدفت الى عدم تدخل النبلاء فى اختيار
البابا وقصر هذه المهمة على الكنيسة وحدها، كما سعت الى زيادة سلطة البابا على
الكنيسة فى كل مكان، مما ادى الى بداية الصدام مع سلطات الدول وملوكها فى اوروبا.
· ولقد وصل هذا الصراع الى ذروته فى عهد البابا جريجورى
السابع 1073 م، الذى قام بما سمى بالاصلاح الجريجورى او الثورة الجريجورية واهتم
بتدعيم سلطة الكنيسة الى ابعد الحدود واصدر مرسوما يحدد هذه السلطة يتكون من 26
نقطة كلها تدور حول مفهوم سمو البابوية على الدولة
ودخل معارك
كبيرة ضد الملك الالمانى لمنعه من التدخل فى تعيين كبار رجال الكنيسة وقام بخلعه
ووقع عليه قرارا بالحرمان
· وكان هذا نموذجا للصراع الذى دار بين الكنيسة والدولة.
وقد وجدت الكنيسة فى الدعوة الى الحروب الصليبية وسيلة وفرصة لتحقيق السمو البابوى
على الامبراطورية، فهذه الدعوة تضعها فى مكانة المدافع عن الاراضى المقدسة،
وتقربها من الوجدان الدينى لدى مختلف فئات الشعب، ويمكنها من توظيف الميول الحربية
لدى الفرسان بعيدا عن الملوك المنافسون لها على السلطة والسيادة على اوروبا. كما
ان الحملات على الشرق ستكون بعيدة عن الاراضى التى تسيطر عليها الملكية فى اوروبا،
فى ارض لا يملكونها وليس لهم عليها نفوذ.
***
اذن كان التوسع فى الخارج هدفا مشتركا للجميع:
الكنيسة والفرسان والفلاحون والمدن التجارية فى ايطاليا.
***
الوضع فى الامبراطورية البيزنطية:
· عندما مات باسيل الثانى الامبراطور البيزنطى سنة 1025 م،
كانت الامبراطورية شاسعة.
ولكن كان هناك
مشاكل من المسلمين على الحدود الشرقية ومن السلاف فى منطقة البلقان ومن الروس ايضا.
هذا بالاضافة
الى الاعداء الجدد من البشناق والنورمان والاتراك السلاجقة.
· اما البشناق فهى قبائل بدوية من اصل تركى، حاربت
البيزنطيين فى البلقان وحققت انتصارات كبيرة.
· اما فى الجبهة الايطالية فكان العدو هو النورمان الذين
غزوا صقلية وجنوب ايطاليا وهددوا وجود الامبراطورية ذاتها.
· اما الاتراك السلاجقة الذين ظهروا فى القرن الحادى عشر،
فقد كانوا علامة على بداية مرحلة جديدة فى تاريخ العالم الاسلامى وفى تاريخ
الامبراطورية البيزنطية ايضا.
وهم قبائل
بدوية من الاتراك الغز وقد اعتنقوا الاسلام على المذهب السني فى القرن العاشرثم
تاقلموا مع المعطيات الحضارية فى العالم الاسلامى.
ودخلوا بغداد
بناء على دعوة من الخليفة العباسى 1055 م لصد مؤامرة لبسط سلطة الخلافة الفاطمية
الشيعية على عاصمة الخلافة العباسية السنية، وبذلك حلوا محل البويهيين فى الهيمنة
على الخلافة العباسية الضعيفة.
وبدأ نفوذهم
فى التصاعد واشتبكوا فى عدة حروب مع البيزنطيين الى ان انتصروا عليهم فى معركة
مانزكرت الشهيرة عام 1071 م . ونجحوا بعدها فى التوغل فى آسيا الصغرى منذ 1073م
واستولوا على انطاكية عام 1085 م
· وكانت هذه المعركة تعبيرا عن حالة التردى فى اوضاع
الامبراطورية التى كانت جيوشها تتكون من المرتزقة من كل لون. وكان اقتصادها منهارا
وخزانتها خاوية والحروب الداخلية مشتعلة.
· وفى مواجهة هذا طلبت القسطنطينية العون من بابا روما
اربان الثانى الذى وجد فيها فرصة لاعادة توحيد الكنيسة تحت قيادته بعد الانشقاق
الذى تم عام 1054م.
· وفى 1095م دعا البابا الى مجمعا فى ايطاليا وطلب من
الحاضرين تقديم كل مساعدة ممكنة للامبراطورية الشرقية. وكانت هذه مقدمة هامة
للدعوة اللاحقة بعدها بعدة شهور الى الحملة الصليبية الاولى.
***
العالم العربى الاسلامى:
عشية الحروب الصليبية كان التمزق
السياسى والتناحر العسكرى مخيما على العالم العربى:
· فقد كان المسلمون فى المنطقة العربية موزعين ومنقسمين فى
ولائهم السياسى بين الخلافة العباسية السنية فى بغداد والخلافة الفاطمية الشيعية
فى القاهرة.
· وكانت بلاد الشام موزعة بين عدة امارات صغيرة على راسها
حكام عرب او سلاجقة، تتبادل مشاعر الحقد والشك والعداء السياسى والعسكرى مما حال
دون توحدها فى مواجهة الغزو الصليبى
· وكانت الخلافة العباسية فى بغداد ذو سلطة اسمية فقط
انتقلت فيها من نفوذ البوهيين الشيعة الى السلاجقة الاتراك
· ونجح السلاجقة فى الاستيلاء على معظم انحاء فلسطين من
الفاطميين بما فيهم القدس عام 1071التى استعادوها عام 1098م قبل ان يفقدوها على يد
الصليبيين عام 1099 م.
· وساد صراع آخر بين سلاجقة الشام وسلاجقة الروم حول
السيادة على حلب
· كانت المنطقة العربية فى أخريات القرن الحادى عشر نهبا
للمعارك بين الحكام الكثيرين الذين اقتسموا حكم مدنها واقاليمها بصورة فسيفسائية مربكة.
· والخلافة الفاطمية كانت قد دخلت مرحلة التدهور السياسى
بعد ان سيطر الوزراء على الخلفاء وحولوهم الى دمى يحركونها كيفما شاءوا. وضاع
نفوذهم فى الشام.
· اما مدن الشمال فى آسيا الصغرى واعالى بلاد الشام فاخذت
تنتقل من حكم البيزنطيين الى حكم المسلمين وبالعكس، فخربت وتدهورت بشكل كبير.
· لقد كانت كل هذه الكيانات متورطة تماما فى الحروب
والمنازعات على مدى قرن كامل قبل قدوم الصليبيين. وعندما قدموا لم يكن لدى حكام
المنطقة سوى ميراث طويل من الشك والمرارة تجاه كل منهم للآخر ومن ثم مضت قوات
الصليبيين كما تمضى السكين فى الزبد. وفى طيات الموجة الصليبية الاولى غرقت هذه
الامارة الصغيرة واحدة تلو الأخرى. وكان سقوط مدينة نيقية فى ايدى قوات الحصار
المشتركة من الصليبيين والبيزنطيين صدمة ونذير خطر لجميع القوى الاسلامية. ولكن
الانانية وضيق النظر جعل تلك الصدمة وذلك النذير بلا فائدة.
*****
محمد سيف الدولة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق