بحث فى المدونة

الأحد، 25 ديسمبر 2022

الاقتراض بالاكراه


·       سؤال: لماذا يصرون على الاستمرار فى الخضوع لتعليمات وروشتات صندوق النقد الدولى، رغم انها أثبتت فشلها وأفقرت الملايين وعصفت بعملتنا الوطنية وترتبت عليها نتائج اقتصادية كارثية وورطتنا فى هذه الدوامة الجهنمية من القروض والديون والفوائد التى لا تنتهى؟

·       الاجابة: لأن الالتزام بتعليمات الدائنين وصندوقهم الدولى ومواصلة الاقتراض منهم، هى أحد الشروط والمواصفات الامريكية والغربية للحاكم الصالح فى بلادنا. 

السبت، 24 ديسمبر 2022

قناة السويس .. دواعى الشك والتحذير

هل يمكن ان تتجرأ السلطة المصرية على بيع قناة السويس؟

هذا هو السؤال المفزع الأكثر تداولا بين المصريين على امتداد الايام القليلة الماضية، بعد الاعلان عن موافقة البرلمان المصرى على تعديل قانون يخص الهيئة العامة لقناة السويس ويبيح لها القيام ببيع اصولها.

ورغم كل البيانات الرسمية التى حاولت ان تطمئن الرأى العام بانه لا مساس بالقناة، الا انها فشلت فى اقناع غالبية الناس وطمأنتهم، بسبب غياب مصداقية وشفافية السلطات والحكومات المتعاقبة على امتداد عقود طويلة.

1)   ولأن المسألة تتعلق هذه المرة بقناة السويس قدس الأقداس الوطنية وأهم شريان من شرايين مصر الأمنية والاستراتيجية والتمويلية، والتى كان تأميمها هو "أم الانتصارات" فى تاريخنا الحديث، وأيقونة استقلالنا الوطنى، وشرارة لانطلاق ثورات التحرر والاستقلال لكل شعوب العالم الثالث.

2)   ولأن القانون ينص صراحة على الحق فى بيع اصول صندوق هيئة قناة السويس، بعد ايام قليلة من صدور بيان صندوق النقد الدولى فى 16 ديسمبر الجارى، حول حيثيات الموافقة على القرض الجديد لمصر والذى ورد فيه بالنص ((إتاحة تمويل إضافي لصالح مصر .. من شركائها الدوليين والإقليميين .. من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة ..))

3)    ولأن تأسيس الصناديق الخاصة للمؤسسات والهيئات العامة هى البوابة الخلفية والحيلة المعتادة التى تستخدمها السلطات منذ سنوات لابعاد تصرفاتها وصفقاتها وقراراتها عن أعين ورقابة البرلمان والراى العام.

4)   ولأن الموضوع كله يحيطه غموض تام، من أول نصوص القانون وعباراته المراوغة مرورا بتوقيته وانتهاء بالاسباب الحقيقية وراء اصداره.

5)   ولأن لدينا عقدة تاريخية عميقة من القروض والديون منذ القرن التاسع عشر انتهت بسقوط مصر فى براثن الهيمنة الاقتصادية والاستعباد المالى ثم الاحتلال على امتداد ما يقرب من مائة عام.

6)   ولأن جروح التفريط المصرى الرسمى فى جزيرتى تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، لم تندمل بعد، ولن تندمل.

7)   كما أن للسلطات المصرية على امتداد الخمسين عاما الماضية تراثا طويلا من التنازل والتفريط فى حقوق مصر واراضيها ومواردها الوطنية ومصالحها العليا وامنها القومى، بدءا بخضوعها للشروط المجحفة التى وردت فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية من انحياز الى امن (اسرائيل) على حساب الامن القومى المصرى، ومرورا بالامتيازات السياحية التى حصلت عليها (اسرائيل) منذ 1989 من حق دخول سيناء والتنقل على شواطئ خليج العقبة لمدة اسبوعين بدون تأشيرة. وكذلك تلبية الطلب الاسرائيلى الذى سبق ان رفضه مبارك وطنطاوى باخلاء المنطقة الحدودية الشرقية فى سيناء. وصفقات بيع الغاز المصرى لاسرائيل بابخس الاثمان ايام مبارك، ثم العودة لاستيراده منها منذ 2018 فى صفقة بلغت ما يزيد عن 15 مليار دولار. وتفكيك الاقتصاد الوطنى وضرب المنتجات المصرية وتصفية الصروح الصناعية الكبرى من شركات القطاع العام، والخضوع لشروط وتعليمات صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه واضعافه وتخفيض والغاء الدعم منذ 1977 الى اليوم، وغيره الكثير.

8)   ولأن المصريين يعلمون ما تتعرض له الدولة من الدائنين ومؤسسات الاقراض الدولى وعلى رأسهم الصندوق فى قرضه الاخير، من ضغوط على رأسها تعليماتهم ببيع اصول الدولة كما ورد حرفيا فى بيانه الاخير المذكور عاليه، كمخرج مزعوم وخبيث ومغرض من الازمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد فى الآونة الاخيرة والارتفاع الهائل غير المسبوق فى الديون وفوائدها والنقص الكبير فى رصيد الدولة من الدولارات، والارتفاع الكبير فى اسعار السلع والخدمات، والغليان المكتوم فى صفوف الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

9)   ويعلمون أن هؤلاء الدائنين ليسوا سوى الاستعمار الاقتصادى الجديد ورثة وخلفاء الاستعمار القديم، وهم خبراء ومتخصصين فى الاستيلاء على موارد وثروات واصول البلدان النامية.

10)         كما يعلمون الضعف الشديد منذ السبعينات فى مناعة الدولة المصرية ومؤسساتها أمام الاملاءات الخارجية، خاصة اذا كانت تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الامريكية او الاسرائيلية او الديون الخارجية و رؤوس الأموال الأجنبية.

11)         ويعلمون ان البرلمان المصرى والغالبية العظمى من نوابه موالون وخاضعون لمؤسسات السلطة التنفيذية وعلى استعداد لتمرير اى قانون او تشريع او معاهدة او صفقة او قرار رئاسى بدون رفض او معارضة او تدقيق او تعقيب او حساب حتى لو كان فيه تخلى عن اراضى مصرية او اضرار بمصالح الدولة وامنها القومى مثلما حدث فى تيران وصنافير عام 2016 وحدث من قبل فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 وما بينهما وما بعدهما.

12)         ويعلمون ان الدولة قد احكمت قبضتها على الحياة السياسية وعلى كل الاحزاب والشخصيات المعارضة وانها تهدد على الدوام بقدرتها على الزج بالمئات والالاف من المعارضين فى السجون لسنوات طويلة فيما لو تجرأوا ورفضوا اى صفقة من صفقاتها، وتجربتهم مع تيران وصنافير خير شاهد على ذلك.

***

لكل هذه الأسباب وغيرها، يعيش المصريون هذه الأيام حالة من القلق والفزع غير المسبوق على مصير قناة السويس، ولأول مرة منذ سنوات يتداعى الجميع لمراقبة الموقف والتحقق من خفاياه، والاستعداد لكل السيناريوهات، والتحذير من السيناريو المحتمل والأسوأ بوجود نوايا او صفقات غير معلنة مع أطراف غير معلومة، للتفريط فى حقوق مصر وسيادتها الوطنية على قناة السويس.

وربنا يستر.

*****

محمد سيف الدولة 

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2022

فلسطين بين حب الشعوب وغدر القصور


 ((ان اسرائيل عاجزة عن التعامل مع الشعوب العربية التى تكرهها وتعاديها، فلقد اعتادت منذ عقود طويلة على التعامل مع القصور العربية فقط)) تصريح شهير لأحد قادة الصهاينة بعد ثورة يناير 2011 وقيام شباب الثورة بحصار السفارة الاسرائيلية وتسلق العمارة القائمة بها، لنزع العلم الاسرائيلى مما ادى لاغلاقها لاول مرة منذ 1979، قبل ان يتم اعادة فتحها مرة اخرى فى 2015.

***

·       لم يكشف مونديال قطر جديدا حين اظهر عمق مشاعر الحب العربية تجاه فلسطين ومدى الكراهية والعداء التى تكنها الشعوب لإسرائيل، فهى حقيقة ساطعة وثابتة ومتأصلة ومعروفة للجميع منذ عشرات السنين.

·       وساحات النضال العربى شاهدة على آلاف الانشطة والفاعليات السياسية والشعبية على امتداد عشرات السنوات لدعم فلسطين وقضيتها من احزاب وتنظيمات ولجان ومؤتمرات وتظاهرات وبيانات وتبرعات وقوافل اغاثة وكتب وكتابات وموسوعات ومقالات وتغريدات وتدوينات وكاريكاتيرات واغانى وقصائد واشعار .. الخ، ناهيك عن محاولات الشباب العربى للالتحاق بصفوف المقاومة الفلسطينية فى ميادين القتال منذ 1948 حتى يومنا هذا.

·       ففلسطين هى ايقونة القرن فى معارك الكرامة والاستقلال والتحرر الوطنى والعربى بلا منازع.

***

·       ولكن الحقيقة الفعلية التى كشفتها كاميرات المونديال هى مشهد الشعوب العربية حين تكون على حريتها وسجيتها بعيدا عن استبداد انظمة الحكم العربية وقبضتها الباطشة.

·       وربما يكون السؤال البديهى الأول الذى قد يتبادر الى ذهن اى متابع هو: لماذا لا نرى مثل هذه المشاهد فى عديد من الدول العربية؟

·       وقد يقوم البعض بعقد مقارنة بينها وبين المشهد الشهير بتوقيف شاب مصرى حين قام برفع رفعه علم فلسطين فى احدى المباريات.

·       ولكن السؤال القديم والأكثر عمقا وايلاما هو لماذا لا تزال فلسطين محتلة، رغم كل هذا الزخم الشعبى العربى من المحيط الى الخليج؟ ولماذا عجزنا على امتداد عقود طويلة عن ترجمته وتحويله الى حركات ومؤسسات شعبية تشارك فى معارك التحرير من خارج فلسطين؟

·       فالحقيقة ان الحاضر الغائب فى مشهد الاحتفاء الشعبى العربى بفلسطين، وفى المشهد العربى بشكل عام، هو ذلك السجن الكبير الذي نصبته عدد من انظمة الحكم العربية لكبح جماح شعوبها ومنعها من تقديم اى دعم للشعب الفلسطيني ولحركات المقاومة، بدءا بحصارها وتقييد حركتها، ووصولا الى وأدها التام للحريات مع حظر وتجريم أى نشاط سياسى يخص فلسطين او اى قضية اخرى.

·       وأتصور أن هذا الدور تحديدا هو أحد الوظائف الاساسية التى تستمد غالبية الانظمة العربية منها شرعية بقائها ووجودها من الخارج الامريكى والدولى.

·       والتى يتم تحديد قيمة ووزن ومكانة اى حاكم عربى ودرجة الدعم الدولى التى يستحقها نظامه، بمدى قدرته على السيطرة والكبح واجهاض واسكات اى عداء لاسرائيل او للولايات المتحدة ولمشروعهما الاستعمارى فى المنطقة.

***

·       ان هناك مأثورة عربية شهيرة وقديمة عن ((اسرائيل ومن يقف وراء اسرائيل)) فى تعبير عن الوعى بحقيقة الدور الامريكى والغربى فى تأسيس المشروع الصهيونى ومواصلة تسليحه ودعمه للحفاظ على وجوده ولتمكينه من الانتصار على العرب مجتمعين والاستيلاء على اوطانهم او كسر ارادتهم واخضاعهم والحاقهم بحظيرة التبعية لامريكا والغرب.

·       ولكن هناك مأثورة اخرى أكثر خطورة ودلالة وان كانت اقل شهرة وهى ((اسرائيل ومن يقف امام اسرائيل))؛ والمقصود بها تلك الدول والحدود العربية التى تقف حاجزا صلبا ورادعا عنيفا أمام التحام واشتباك الملايين من الشباب من كل الأقطار العربية فى معارك المقاومة والتحرير فى فلسطين.

·       لقد تأسست دولة الاحتلال وترعرعت فى حماية هذه الدول العربية التى كانت ولا تزال لها الفضل الاول فى حماية وجود (اسرائيل) وامنها.

·       وهذا واحد من أهم الأسباب التى تفسر لنا لماذا تقف امة عريقة من 450 مليون عربى متراجعة ومهزومة وضعيفة وخائفة امام كيان وافد وغريب ومصطنع لا يتعدى سبعة ملايين وافد محتل.

·       وأى مشروع مستقبلى جاد يستهدف تحقيق حلم التحرير الذى فشلت فيه اربعة اجيال عربية متعاقبة، عليه ان يقدم حلا ومخرجا تاريخيا من معضلة الدولة العربية الوظيفية الحاجزة الكابحة لجماح شعوبها الحامية لاسرائيل.

***** 

محمد سيف الدولة