بحث فى المدونة

الأحد، 27 مارس 2022

لا لزيارة شكرى لاسرائيل

"ان مصر قادت الشرق الأوسط 40 سنة وهذه هى النتيجة، واذا تركتم (اسرائيل) تقود ولو عشر سنوات فسوف ترون"

هذا ما قاله "بيريز" لبعض رجال الأعمال العرب على هامش مؤتمر الدار البيضاء عام 1994 وفقا لما ورد في كتاب "سلام الأوهام" لمحمد حسنين هيكل.

***

حينها، اتهم البعض بيريز بالبلاهة، فكيف يمكن ان يخطر بباله أمر كهذا؟ كيف يجرؤ على تخيل ان العرب مهما كانت سوءاتهم يمكن ان يعطوا راية القيادة لعدوهم اللدود والمعتدى الأول على اوطانهم وشعوبهم على امتداد قرن من الزمان؟

ولكن ما يحدث اليوم يؤكد ان بيريز لم يكن أبلها ولا يحزنون، بل كان على علم بما ستؤول اليه الأمور ان عاجلا أم آجلا، فها هو وزير خارجية مصر سامح شكري يشارك هو ووزراء خارجية الامارات والبحرين والمغرب في اجتماع تستضيفه (إسرائيل) للاجتماع ببلينكن وزير الخارجية الامريكية.

***

ليس هذا نهجا مصريا وعربيا جديدا، فالتطبيع والتقارب بل والتحالف مع (اسرائيل) قائم على قدم وساق فى السنوات والشهور القليلة الماضية، ولكن يمثل هذا الاجتماع بهذا الشكل وهذه الزيارة على وجه الخصوص انتهاكا صارخا واضرارا بالغا بالامن القومى المصرى وبالمصالح العليا للبلاد، ولن احدثكم هنا عن فلسطين والامن القومى العربى وثوابتنا الوطنية والعقائدية، ولكن عن مصالح الدولة المصرية البحتة؛ عن مصالح دولة كامب ديفيد التى تأسست منذ منتصف السبعينات حتى اليوم: 

·       فمن ناحية اولى، ليس لمصر أى مصلحة فى الالتحاق بالحلف الأمريكي لمواجهة روسيا، فهذا صراع بين مصالح واحلاف ونفوذ القوى الكبرى، صراع عالمي، صراع على الدول من امثالنا،  من منهم سيحكمنا ويهدد أمننا ويهيمن على مقدراتنا، صراع ستوزع فيه الغنائم على المنتصرين منهم دون غيرهم، وسنشارك جميعا لا محالة وكالمعتاد فى سداد فاتورة المهزوم أيا كان.

·       ومن ناحية أخرى أكثر خطورة وأهمية، أنه ليس للدولة المصرية أى مصلحة فى دعم او مشاركة او مباركة او التواطؤ مع (اسرائيل) ضد ايران واتفاقياتها النووية، لما فى ذلك من اعتراف وترسيخ لما تدعيه (اسرائيل) لنفسها من حقوق (خاصة ومتفردة) بفرض ما تراه من قيود عسكرية على تسليح دول المنطقة بدعوى الحفاظ على امنها. ولقد كانت مصر كامب ديفيد ولا تزال من أولى ضحايا هذا الحق الباطل لحماية ما يسمى بـ "أمن اسرائيل" من اول القيود الامنية المفروضة علينا فى سيناء، ومرورا بحظر امتلاك السلاح النووى علي جميع دول المنطقة فيما عدا (اسرائيل) الى اخر ربط المعونة والمشتريات العسكرية الامريكية بشرط ضمان التفوق العسكرى (لاسرائيل) على مصر وعلى الدول العربية مجتمعة، والأمثلة كثيرة.

·       كما انه ليس لنا أي مصلحة فى استمرار كل هذه التبعية والقواعد والاحلاف العسكرية الامريكية فى المنطقة، ولا كل هذه الهيمنة والانفراد الأمريكي بالعالم.

·       كما انه ليس من المقبول أن يتم الحاقنا بهذه الحلف أو غيره على طريقة الحشد والاستدعاء الجماعى، فما زالت الجروح التى اصابت كرامتنا الوطنية لم تندمل بعد، حين قام "ترامب" بحشد واستدعاء عشرات من الحكام العرب والمسلمين للاجتماع به فى السعودية.

·       أما أن يكون مكان الاجتماع والاستدعاء فى (اسرائيل) وكأنها أصبحت هى المركز والقيادة للمنطقة وللمجموعة العربية المشاركة. فهى اهانة بالغة وطامة كبرى وتحدى وعدوان صارخ على مكانة مصر الاقليمية، وتحقيقا لنبوءة "شمعون بيريز".

·       هذا مع الاتفاق والتأكيد القاطع على انه ليس من المقبول أصلا أن يصل بنا الحال الى ان ننزلق ونستدرج فى حلف مشترك مع (اسرائيل).

·       وأخيرا وليس آخرا، ليس للدولة المصرية أى مصلحة فى زيادة واتساع الشرخ الوطنى العميق الذى ضرب المجتمع بعد الصلح مع العدو الذى يهدد وجودنا ويحتل أراضينا ويعتدى علينا ويقتل شعوبنا، وعلى أى سلطة أن تدرك جيدا أن كل خطوة تخطوها فى مسار التطبيع مع (اسرائيل) تبعدها عن الشعب المصرى وقواه الوطنية مئات الخطوات.

*****

محمد سيف الدولة

 

السبت، 26 مارس 2022

لن نرفع الراية البيضاء

على امتداد ما يزيد عن أربعين عاما، كانت كلما تحل الذكرى السنوية للمعاهدة المصرية (الاسرائيلية) الموقعة منذ 43 عاما فى 26 مارس 1979 والمشهورة باسم كامب ديفيد، تُستنفر القوى الوطنية المصرية لتنظيم الفاعليات وعقد الندوات والخروج فى الفضائيات وكتابة المقالات واصدار البيانات لتفنيد المعاهدة التى كانت لها نتائج كارثية على مصر وفلسطين والامة العربية، على رأسها:

1)   فرض قيود امنية وعسكرية على سيناء لصالح الامن القومى الاسرائيلى.

2)   فك واعادة تركيب النظام المصرى عقائديا واستراتيجيا وسياسيا واقتصاديا وطبقيا على مقاس المصالح الامريكية والنظام الرأسمالى العالمى.

3)   ليكتمل احكام القبضة والهيمنة الأمريكية على كل المنطقة، من احتلال العراق وتقسيم السودان وبذر قواعدها العسكرية...الخ.

4)   حدوث انشقاق وطنى حاد فى المجتمع أدى الى ضرب وتهديد الوحدة الوطنية بين الشعب والسلطة التى تصالحت مع عدو الأمة ومحتل أراضيها وقاتل شعوبها.

5)   توجيه ضربة قاسمة لروح الانتماء الوطني لدى الشعب المصري، بعد أن تم ضرب كل ثوابته الوطنية والعقائدية والتاريخية، مما أدى الى ظهور وصعود الانتماءات البديلة الطائفية والقبلية.

6)   انتقال قيادة المنطقة من مصر الى (اسرائيل) التى أصبحت هى القوة الاقليمية العظمى، فلقد ادى انسحاب مصر من الصراع الى اختلال كبير فى ميزان القوى، مما وجه ضربة قاسية لخيار أي حرب عربية ضد (اسرائيل)، التى انفردت بالمنطقة وعربدت فيها فابتلعت مزيدا من الاراضى العربية، وارتكبت عشرات الجرائم والاعتداءات العسكرية على لبنان والعراق وتونس والسودان وسوريا.

7)   وبضرب قضية العرب المركزية (فلسطين)، انفرط العقد العربى الذى كان يلتف حولها، وتفشت الانقسامات والحروب الاهلية والحروب بالوكالة، وحلت الصراعات العربية/العربية محل الصراع العربى الصهيونى.

8)   وبصدور أول اعتراف رسمي عربي بحق (إسرائيل) فى أن تعيش داخل (حدودها الآمنة)، اختفت أرض فلسطين التاريخية من الاجندات والمطالب العربية والفلسطينية الرسمية، لتقتصر على المطالبة بفلسطين 1967، وبلا أى جدوى.

9)   كما أدى الاعتراف المصرى بشرعية الدولة العبرية بكل طائفيتها وعنصريتها الى فتح الابواب على مصراعيها لكل المشروعات الطائفية الأخرى فى المنطقة ومخططاتها للتفتيت والانفصال وتأسيس دويلاتها الخاصة إقتضاءا بالنموذج الصهيوني.

10)         كسر المقاطعة الدولية (لاسرائيل) بعد أن قامت 80 دولة بالاعتراف بها والتطبيع معها بعد المعاهدة مباشرة، مما أدى الى ضخ دماء جديدة فى شرايين دولة الاحتلال وأطال فى عمرها الافتراضى لعقود قادمة.

وغيره الكثير.

***

كانت هذه نماذج من رسائل الوعى التى كانت القوى الوطنية المصرية تحرص على ارسالها للرأى العام والاجيال الجديدة على امتداد عقود طويلة، ولكنها وياللأسى توقفت أو كادت ان تختفى تماما من الخطاب السياسى والحزبى المعارض فى السنوات القليلة الماضية، رغم ما وصلت اليه العلاقات المصرية الاسرائيلية من عمق غير مسبوق، تمثل فى عديد من الملفات على رأسها التنسيق الامنى، والصفقة الكبرى لشراء الغاز (الاسرائيلى) وتسييله لاعادة تصديره، وتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، والمشاركة (معا لأول مرة) مع 60 دولة أخرى فى مناورات عسكرية قادتها الولايات المتحدة مؤخرا، وتقارب الرؤى الاستراتيجية لما يسمى بالمخاطر والتهديدات المشتركة، بالإضافة الى تخفيف القيود المفروضة على الانشطة الاسرائيلية فى الداخل المصرى مثل التصريح للسفارة العبرية بالاحتفال علانية عام 2018 بذكرى النكبة الفلسطينية التى يطلقون عليها ذكرى استقلال (اسرائيل) على ضفاف النيل فى القلب من القاهرة، أو احياء ذكرى الهولوكوست بالتعاون مع السفارة الامريكية لاول مرة فى القاهرة، ناهيك على زيارات رئيس وزراء (اسرائيل) المتعددة .. الخ.

نقول: رغم كل ذلك وما يستدعيه من ضرورة ارتفاع وعلو صوت وحركة القوى الوطنية المناصرة لفلسطين والمناهضة للصهيونية ولإسرائيل والرافضة لكامب ديفيد، الا أن العكس تماما هو الذي حدث، فلقد ساد الصمت واختفت أصوات المعارضين.

وهو ما قد يدفع بعض المراقبين الى التوهم بأن القضية قد خبت وتراجعت، وان الأوضاع قد استقرت واستتبت تماما للعلاقات المصرية الاسرائيلية، وأن القوى الوطنية المصرية المعادية (لاسرائيل) قد رفعت الراية البيضاء.

ولكن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، فالثوابت والعقائد والمواقف والقناعات والمشاعر لا تزال حية فى العقول والصدور. والصمت الظاهر للعيان بسبب القيود السياسية والقانونية الصارمة المفروضة على المعارضة السياسية بكل أطيافها، يخفى وراءه رفض وغضب واستياء وتململ مكتوم من هذا التقارب الرسمى المصرى والعربى مع (اسرائيل)، رفض يهمس به الناس يوميا لبعضهم البعض، وهم على يقين بأن هذا الوضع لا يمكن أن يدوم، وأن هذا السلام "بالاكراه" لا يمكن أن يستتب، مهما طال به الزمن، مع الشعب الذي استطاع أن يسقط كل المعاهدات التى كانت تنتقص من سيادته ولو بعد حين، كمعاهدة 1936 وحق امتياز قناة السويس.

حفظ الله مصر وشعبها ووهبها القوة والعزيمة لكى تعتق نفسها من كامب ديفيد وقيودها.

*****

محمد سيف الدولة

 

الأربعاء، 23 مارس 2022

الموقف الشعبى من (اسرائيل)

قام " نفتالى بينيت" رئيس وزراء دولة الاحتلال بزيارة رسمية الى شرم الشيخ فى 22 مارس 2022، ولم تصدر، فى حدود علمي، أى بيانات من الشخصيات والقوى الوطنية ضد هذه الزيارة، وهو أمر نادر الحدوث. ربما كان ذلك بسبب القيود السياسية المفروضة على نشاط المعارضة السياسية والعواقب القانونية المترتبة على كسرها ومخالفتها، ولذا تتضاعف الحاجة اليوم للتأكيد على الموقف من (اسرائيل) المستقر فى وجدان الشعب المصري، بصرف النظر عن قدرته أو عجزه عن التعبير عنه صراحة فى القنوات السياسية او المنابر الاعلامية.

***

·       لقد تربى كل مصرى فى بيته أو مدرسته على ان الأرض الواقعة شرق الحدود المصرية هى فلسطين وليست (اسرائيل)، وعلى ان فلسطين هى الصديق و(إسرائيل) هى العدو، وعلى ان مصر وفلسطين تنتميان الى امة عربية واحدة، وهوية حضارية واحدة، وان حلمنا الأكبر هى توحدنا جميعا كما كنا دائما على مر التاريخ، فى ظل دولة عربية واحدة، تجمعنا وإياهم وباقى الشعوب العربية، بل أن كل دساتيرنا نصت فى مادتها الاولى على هذا الهدف.

·       كما تربينا على ان المشروع الصهيونى يستهدف الجميع، فهو يستهدف مصر بقدر استهدافه لفلسطين، بل ان هدفه الأصلى هو فصل مصر والمغرب العربى عن مشرقها، للحيلولة دون وحدتهما. وأن مأساة فلسطين الحقيقية تتمثل فى موقعها الجغرافى الذى يمثل أضيق نقطة فى الارض العربية لوقوعه بين البحر الاحمر والبحر الابيض المتوسط.

·       ويدرس أولادنا فى مدارسهم ايضا ان اهم انتصاراتنا التاريخية هى تلك التى خضناها لتحرير القدس وفلسطين وكل ساحل الشام من الإمارات الصليبية، وأن أعظم معاركنا كانت على أرض فلسطين فى حطين وعين جالوت.

·       ولا يزال صلاح الدين الايوبى يحتل مرتبة القائد والبطل التاريخى الأعظم لدى كل المصريين والعرب رغم مرور أكثر من ثمانية قرون على انتصاراته، ولا نزال نفتخر حتى يومنا هذا بهذه الحقبة من تاريخنا، ونستلهمها فى أحلامنا عن المستقبل.

·       ويعلم شبابنا جيدا أن هزيمة الجيوش العربية فى حرب فلسطين 1948، كانت هى السبب الرئيسى فى سقوط الأنظمة العربية الحاكمة حينذاك، وتفجر حركات التحرر الوطنى بقيادة مصر.

·       ويعلمون ان الهدف الرئيس لعدوان 1967 كان هو اخراج مصر من المعركة ضد (اسرائيل) وعزلها داخل حدودها. وان الشعوب العربية لم تستسلم فاجتمع قادتها فى الخرطوم ليتعاهدوا على مواصلة المعركة، وعلى رفع شعارات لا للصلح أو التفاوض مع (اسرائيل) ولا للاعتراف بها.

·       ولا نزال نفتخر كل عام بحرب اكتوبر ونحيي ذكرى انتصارنا على عدونا المشترك الذى لا يزال يحتل فلسطين الحبيبة. ولا نزال نحنق ونغضب على سرقة هذا النصر الذى حدث فى اتفاقيات السلام حين اعترفت مصر الرسمية بدولة (اسرائيل) وتنازلت لها عن فلسطين 1948.

·       وهو السلام الذى رفضت غالبية الشعب المصرى قبوله والتعايش معه، حتى ان قادة (اسرائيل) يشتكون و كل يوم بان السلام مع مصر هو سلام بارد بين الحكومات فقط، و يعترفون بان الشعب المصرى يرفض التطبيع معهم ويقاومه. وبالفعل لا يستطيع اى (اسرائيلى) حتى اليوم ان يعلن عن هويته الحقيقية حين يتجول فى شوارع القاهرة.

·       وكانت معارك الشعب الفلسطين ومقاومته، لها بالغ الأثر فى تكوين الحركة الوطنية المصرية عبر أجيالها المتعاقبة، فكانت صابرا وشاتيلا 1982، وانتفاضة الحجارة 1987، وانتفاضة الاقصى 2000، والعمليات الاستشهادية فى التسعينات، وحرب تموز 2006، والرصاص المصبوب 2008، وعامود السحاب2012، والعدوان الأخير على غزة 2014 .. كانت كلها محطات تحول كبيرة فى الحياة السياسية المصرية بما كانت تضخه كل مرة من آلاف الشباب المصرى البسيط الذى قرر ان يقتحم مجال العمل الوطنى والسياسى لأول مرة فى حياته متأثرا بوحشية الجرائم الصهيونية وبصلابة الصمود الفلسطينى. ومصدوما من الصمت أو التواطؤ الرسمى العربى.

·       واهم المفكرين والشخصيات السياسية فى مصر، بَنَّت تاريخها ومكانتها بين الناس استنادا الى مواقفها الصلبة فى مواجهة (اسرائيل) وكامب ديفيد والتطبيع.

·       ان الشعب المصرى وكل الشعوب العربية كانت ولا تزال تعتبر ان الانحياز لفلسطين والعداء للصهيونية ولإسرائيل من أهم الثوابت الوطنية والقومية والعقائدية.

·       بل ان الموقف من قضية فلسطين ورفض الاعتراف باسرائيل والموقف من الصراع العربى الصهيونى هو باب ثابت فى برامج غالبية الاحزاب والتنظيمات والجماعات السياسية فى مصر. كما أن احد المطالب الرئيسية التى تَجمِع عليها كل القوى الوطنية فى مصر هو الغاء كامب ديفيد، واسترداد مصر العربية المعادية لاسرائيل ورأس الحربة فى مواجهة للمشروع الصهيونى.

·       ولا تزال القضية الفلسطينية ومناهضة الكيان الصهيونى، هى القضية الوحيدة القادرة على توحيد الجميع.

·       وتشهد ساحات القضاء الادارى على الدعاوى والقضايا الفردية أو الجماعية المرفوعة من مواطنين مصريين ضد الحكومة المصرية، لإسقاط كامب ديفيد، أو لمنعها قوافل الدعم والإغاثة او لتصدير الغاز المصرى للعدو الاسرائيلى.

·       وتشهد شوارع القاهرة وميادينها على حرق أعلام (اسرائيل). ويشهد ميدان التحرير على رفع أعلام فلسطين جنبا الى جنب مع الاعلام المصرية فى الأيام الأولى لثورة يناير.

·       وتشهد ساحات الجامعات والقاعات العامة فى النقابات والأحزاب على مئات التظاهرات والوقفات والمؤتمرات والمحاضرات الداعمة لفلسطين والمقاومة والرافضة لاسرائيل وكامب ديفيد.

·       ان مئات من النشطاء السياسيين كانوا ضيوفا على السجون والمعتقلات المصرية على امتداد 40 عاما بتهمة العداء لاسرائيل وكامب ديفيد ونصرة فلسطين.

·       وقبل الثورة المصرية لم يكن لنا شهداء سوى أولئك الذين سقطوا على أيدى العدو الصهيونى فى الحروب المتعاقبة.

·       ان شبابنا بعد الثورة لم يحاصر أو يقتحم سوى سفارة واحدة هى سفارة (اسرائيل)، وكان اول حصار لها يوم 8 ابريل 2011 بعد اول عدوان صهيونى على غزة بعد الثورة المصرية.

·       وكانت مصر عامرة على الدوام باللجان الأهلية للإغاثة ودعم الانتفاضة والمقاومة والقدس والاقصى.

·       والى يومنا هذا تشكل أقصى تهمة أو سبة يمكن أن يتراشق بها الخصوم السياسيين فى مصر، هى الاتهام بالصهيونية.

·       وفى مصر تمت أكبر عملية تجريس وعزل وطنى وسياسى وثقافى واجتماعى لكاتب وأديب مرموق لأنه تجرأ ومارس التطبيع الشعبى وزار الكيان الصهيونى وكتب كتابا بعنوان (رحلتى الى إسرائيل).

·       ان كثيرا من الشباب فى مصر يستبدل صورته الشخصية على حسابه فى مواقع التواصل الاجتماعي بصورة القدس او فلسطين او احد الشهداء الفلسطينيين، لأنه يجدها أكثر تعبيرا عن هويته ومبادئه وقيمه.

·       الى آخر آلاف المواقف والأحداث والفاعليات والمعارك الأخرى الدالة والمؤكدة على الرفض الشعبى الثابت والقاطع للاحتلال ودولته وللتطبيع معه.

 

لكل ذلك وأكثر، وجب التنويه والتأكيد.

محمد سيف الدولة

 

 

الخميس، 17 مارس 2022

لحظة اجماع عربى نادرة

لأول مرة منذ عقود طويلة، يتفق كل العرب شعوب وانظمة على موقف واحد من احدى القضايا، فحالة الاجماع العربى فى الموقف من الحرب الروسية الاوكرانية ومن تفاعلاتها الدولية، هى حالة عزيزة ونادرة لم نرها منذ الغزو الامريكى للعراق 2003 وانتفاضتى الحجارة 1987 والأقصى 2000 وحرب ١٩٧٣ ومؤتمر اللاءات الثلاث بالخرطوم فى اعقاب هزيمة ١٩٦٧.

اما فيما عدا ذلك فالانقسام ينخر فى صفوفنا، سواء بين الشعوب والحكام، او بين الدول العربيةً بعضها البعض او بين العرب الاغنياء والعرب الفقراء، او بين الطوائف والمذاهب الدينية، او بين التيارات الفكرية والقوى السياسية .. الخ، وهو الانقسام الذى كان أحد أسباب تفجر الثورات العربية المشهورة باسم الربيع العربى.

***

وفى الحرب الدائرة الآن، لم يتوقف الرأى العام العربى كثيرا عند الذرائع المعلنة أو الأسباب الحقيقية للحرب ولا عند الروايتين الروسية والاوكرانية لما يجرى ولا عند يوميات وتفاصيل المعارك العسكرية، وانما كان الجامع المشترك بيننا جميعا يدور حول أربع نقاط أساسية:

1)   أولها بدون منازع كان الغضب والاستفزاز العربى العام من الفرق بين التعاطف والدعم الغربى الهائل للضحية فى الحالة الاوكرانية، وبين التعاطف والدعم الهائل المماثل أيضا فى الحالة الفلسطينية ولكن للاحتلال والمعتدى (الاسرائيلى) وليس لأصحاب الأرض من الضحايا العرب والفلسطينيين.

2)   وثاني المشتركات كان هو الانحياز العربى شبه العام لروسيا رغم انها المعتدية؛ انحياز شعبى معلن وآخر رسمى مبطن لا يجرؤون على الافصاح عنه، وكله كرها ونكاية فى الامريكان والاوروبيين، فها هم يتذوقون من ذات الكأس الذي يذيقوه لنا ولكل شعوب العالم منذ عقود طويلة؛ مذاق الهزيمة وانكسار الارادة والشعور بالذل والعجز امام جبروت القوة الغاشمة.

3)   وثالث المشتركات العربية كانت هى حالة السخرية العامة من حالة الخوف والرفض الأمريكى والأوروبى لأى تورط فى الحرب ضد روسيا، رغم كل هذه الجعجعة الغربية فى دعم أوكرانيا وهيستريا الاجتماعات التى لا تنقطع عبر الأطلسي فى امريكا واوروبا، والزيارات المكوكية للمسئولين الامريكيين، وسيول تصريحات التهديد والوعيد من كل جهة وصوب، مما يطمئننا أن العرب ليسوا الظاهرة الصوتية الوحيدة فى العالم.

4) أما المشترك العربى الرابع تجاه الحرب الروسية والأجواء الدولية التى تحيط  بها، فهو الشعور بالخزى والخجل العميق الذى تسببه مراقبة صراع (الكبار) من موقعنا فى أمة اصبحت صغيرة وضعيفة ولا حول لها ولا قوة بعد ان كانت من أعرق وأقوى الأمم؛ فليس لأى من دولنا العربية أى وزن أو تأثير فى هذا الصراع الدولى الخطير الذى بدأت آثاره تطالنا بالفعل، خاصة اذا عقدنا المقارنة مع (اسرائيل)؛ فرغم صغر حجم ومساحة دولة الاحتلال، الا ان وزنها الدولى فى الحرب الروسية يفوق الدول العربية مجتمعة، فأوكرانيا تطلب دعم عسكرى منها وبوتين يستقبل رئيس الوزراء الاسرائيلى الذى زار روسيا بدون أن يخشى غضب الراعى والحامى الامريكى الذى يرتعب منه غالبية الحكام العرب.

***

والسؤال هنا هو كيف يمكننا الاستفادة من هذه الحالة التوافقية العربية النادرة؟

*****

محمد سيف الدولة

 

السبت، 12 مارس 2022

الحرب الروسة ومعضلة القوة

تثير الحرب الروسية العديد من الشجون العربية، وتنكأ جراحنا التى لا تندمل، وتضعنا مرة أخرى امام نقاط ضعفنا وامراضنا المزمنة التى لا تشفى؛ وعلى رأسها معضلة الاختلال الهائل فى موازين القوى، وانتصار الاقوى ظالما كان أو مظلوما؛ معضلة لم نتمكن من حلها بعد فى عالمنا العربى وفى عديد من البلدان النامية:

1)   من اول عصر الاستعمار الاوروبى فى القرنين التاسع عشر والعشرين الذى تساقطنا فيه جميعا كالفراشات أمام الجيوش البريطانية والفرنسية والايطالية، لنعيش تحت الاحتلال عقود طويلة لم نتخلص من آثارها بعد.

2)   ثم ترتيبات ما بعد الحرب العالمية الأولى التى تم فيها تجزئتنا واقتسامنا بين المنتصرين كغنائم حرب.

3)   ثم المشروع الصهيونى واغتصاب فلسطين أمام أعيننا، وتأسيس وبناء دولة (اسرائيل) بعد الحرب العالمية الثانية.

4)   وهزيمة 1967 والانسحاب من الصراع والاعتراف (باسرائيل) رغم نصر 1973 والسقوط فى التبعية تحت سطوة القوة الامريكية: (منقدرش نحارب أمريكا) هكذا قالها السادات قبل ان تسكت المدافع فى حرب أكتوبر.

5)   والحروب والاعتداءات والعربدة الاسرائيلية واحتلال مزيد من الاراضى التى لم تتوقف (1948-2022)

6)   وحصار العراق لعشر سنوات قبل غزوه واحتلاله وتدميره.

7)   وتقسيم السودان وفصل جنوبه.

8)   والهيمنة الاقتصادية والاستعباد المالى من النظام الراسمالى العالمى ومؤسسات الاقراض الدولى.

9)   وهزيمة ثورات الشعوب العربية الاخيرة اجهاضا او اختراقا او احتواءا.

10)         وهى نفس المعضلة التى تنطبق على حالة الانكسار والانهزام الرهيب للشعوب امام قهر واستبداد انظمة الحكم.

***

كل هذا وغيره، يعيد الى الاذهان السؤال الاهم الذى لم ننجح فى الاجابة عليه بعد فى عالمنا العربى وهو كيف يمكننا مواجهة مثل هذه الاختلالات الهائلة فى موازين القوى؟

·       الانظمة العربية تم ترويضها فاختارت طريق الخضوع والاستسلام والعودة الى مستنقعات الاحتلال والتبعية، تحت ذرائع وشعارات براقة كالاعتدال والواقعية.

·       اما حركات المقاومة والمعارضة العربية التي ترفض الخضوع، فلم تنجح حتى الآن فى تقديم اجابات بديلة ومقنعة للرأى العام والشعوب العربية المغلوبة على امرها:

·       فثلاثة او اربعة اجيال عجزت حتى اليوم عن تحرير فلسطين رغم انها لم تتوقف يوما عن المقاومة.

·       ودول انتزعت استقلالها الوطنى لبضع سنوات بعد الحرب العالمية الثانية قبل ان يتم استدراجها او اجبارها الى مستنقع التبعية مرة اخرى

·       وشعوب لا تزال تناضل من اجل ذات الاهداف التى ثارت من اجلها عام 1919 وما بعدها؛ الاستقلال والديمقراطية!

انها سطوة القوة وتحدياتها:

1)   كيف نواجه (اسرائيل) وننتصر عليها ونحرر فلسطين رغم كل هذا التفوق العسكرى والدعم والحماية الامريكية والاوروبية.

2)   وهل يمكننا الانتصار على دولة تمتلك السلاح النووى المحرم علينا؟

3)   كيف نخرج من التبعية ونطهر المنطقة من كل القوات الأجنبية ونغلق قواعدها العسكرية ونضرب مصالحها الاقتصادية؟

4)   كيف تستطيع الشعوب ان تنتزع حقوقها الاقتصادية والسياسية والانسانية فى مواجهة قوة الردع والبطش الهائلة التى تملكها انظمة الحكم؟

***

أظن أن هذا واحد من أهم الشجون العربية التى يثيرها مشهد الانكسار الأوكرانى المحتوم أمام جبروت القوة الروسية، وأى انكسار أمام أى قوة، وهو كيف يمكن مواجهة الاختلال الهائل فى موازين القوى وكسره والانتصار عليه؟

فعلتها شعوب أخرى، فما الذى ينقصنا؟   

*****

محمد سيف الدولة