بحث فى المدونة

الاثنين، 22 فبراير 2021

من الوحدة العربية الى الردة العربية

 

من الوحدة العربية الى الردة العربية الشاملة

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

فى الذكرى الـسنوية لقيام دولة الوحدة العربية بين مصر وسوريا فى 22 فبراير 1958، ما أمس حاجتنا لـ "نكء الجراح" والتأمل فى تاريخنا القريب للمقارنة بين ما كنا عليه وبين واقعنا الحالى، لعلنا ننجح فى استفزاز المهمومين باحوال الأمة ومستقبلها وحثهم الى التداعى للبحث عن اهم الاسباب التى أدت هذه الردة العربية الشاملة:

·       ففى سنوات الوحدة كنا نعيش عصر الاستقلال والتحرر الوطنى بعد الحرب العالمية الثانية، فيما عدا قلة قليلة من الدول العربية التى لم تخرج أبدا من عباءة الهيمنة الغربية.

واليوم تعيش كل الدول العربية من المحيط الى الخليج بلا استثناء واحد فى مستنقع التبعية بكل الوانها واشكالها.

 

·       وكان لفلسطين معنى عربى واحد ووحيد هو فلسطين 1948 اى كل الارض المحتلة الواقعة بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط.

واليوم اصبحت فى قاموس الانظمة العربية هى فلسطين 1967 التى لا تتعدى الضفة الغربية وغزة، والمساومات قائمة على قدم وساق لتقليصها الى ما هو أدنى من ذلك بكثير.

 

·       وكان هناك اجماع عربى رسمى وشعبى على ضرورة تحرير كامل ترابها المحتل والقضاء تماما على المشروع الصهيونى الذى يهدد كل الامة بقدر ما يهدد فلسطين. وكانت الامة تضمد جراحها وتلملم شتاتها بعد النكبة، استعدادا لمعركة التحرير.

واليوم بعد ان اعترفت مصر والاردن والسلطة الفلسطينية، ثم الامارات والبحرين والسودان والمغرب وموريتانيا بشرعية دولة (اسرائيل)، أصبحوا يتحدثون عن تحالف عربى اسرائيلى تحت قيادة الولايات المتحدة لمواجهة ايران والتطرف الاسلامى ولتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على مقاومتها ونزع سلاحها، فيما يسمى بصفقة القرن.

 

·       وكان هناك اجماع بين غالبية الشعوب العربية على مكانة مصر ودورها التاريخى والقومى فى قيادة الامة.

واليوم اهتزت مكانتها بشدة وتراجعت وتبدلت الادوار، لتشغله بدلا منها المحميات الامريكية من ممالك وامارات البترودولار.

 

·       وكان هناك قوتان عظمتان ومعسكران دوليان رأسمالى واشتراكى وتوازن دولى يسمح لنا ولكل الدول المتحررة والنامية بمساحة أكبر من الحركة والمناورة.

واليوم هناك انفراد وهيمنة امريكية لا تزال تقبض على العالم والمنطقة بيد من حديد.

 

·       وكانت غالبية دول العالم شمالا وجنوبا، تُقيم لنا وزنا وتتعامل معنا ككتلة واحدة متجانسة ومتماسكة يُعمل لها ألف حساب، فتتجنب الانحياز لأعدائنا او الاضرار بالمصالح والقضايا العربية الرئيسية. وكان العرب هم القوة الاقليمية الاولى فى المنطقة.

اما اليوم فلم يعد للدول العربية منفردة او مجتمعة وزنا يذكر فى الحسابات والصراعات والمحاور الدولية والاقليمية، واصبحت دول الجوار إيران وتركيا تحتلان هذه المكانة جنبا الى جنب مع الكيان الصهيونى المسمى باسرائيل، وتم تدويل كل قضايانا ومصائرنا.

 

·       وكانت الهوية القومية واضحة ومحددة وموحدة، فغالبية شعوبنا من المحيط الى الخليج كانت تؤمن بهويتها العربية وتلتف حولها وتطالب باستقلال الامة ووحدتها وبتحرير فلسطين.

واليوم دفعت كثرة الهزائم والصدمات قطاعات عربية واسعة الى الكفر بالانتماءات القومية بل وبالوطنية والى البحث عن هويات وانتماءات بديلة والتعلق بها، فضربتنا الانقسامات السياسية والايديولوجية والفتن الطائفية والصراعات العرقية والحروب الاهلية ومخاطر التفتيت والانفصال.

 

·       وكان التيار المؤمن بوحدة الامة، الداعى الى توحيدها هو التيار الأقوى والأوسع انتشارا والأكثر تاثيرا على المستويات الشعبية والفكرية والسياسية والتنظيمية.

واليوم تراجع هذا التيار مئات الاميال الى الوراء، لتتصدر المشهد تيارات أخرى، تنكر وجود الأمة العربية من منطلقات فكرية وايديولوجية مختلفة. وأصبح أى حديث عن العروبة او القومية او الوحدة يثير الدهشة وأحيانا السخرية، من منطق انه كلام قديم عفي عليه الزمن أو اوهام خيالية غير واقعية ومستحيلة فى ظل حالة التشرذم الحادة التى يعيش فيها العرب اليوم.

 

·       صحيح انه كانت لنا اخطاؤنا وخطايانا الكبرى التى ساهمت فيما نحن فيه اليوم، ولكننا ظللنا نقاوم ونقاتل متمسكين بمواقفنا المبدئية وثوابتنا الوطنية حتى فى اقصى لحظات الهزيمة والانكسار.

اما اليوم فلقد اصبحنا على عقيدة الامريكان والصهاينة.

***

ليس هناك فائدة ترجى بطبيعة الحال من البكاء على اللبن المسكوب، ولكن الجدوى الوحيدة من احياء ذكرى انتصاراتنا ولحظات صعودنا، كعصر العروبة والوحدة والاستقلال والصمود والعداء (لاسرائيل) وغيرها، هى دراسة اسباب الردة والانكسار، ثم التداعى والتواصل من أجل البحث عن سبل انقاذ الأمة وانتشالها من المستنقع الذى اصبحنا نعيش فيه اليوم من انقسام وتمزق وتبعية وتصهين وتخلف واستبداد.

*****

 القاهرة فى 22 فبراير 2021

 

 

 

 

الجمعة، 19 فبراير 2021

هل لا تزال الأغانى ممكنة؟


 ما هو المطلوب من قوى المعارضة الوطنية فى مصر، فى ظل هذه الترسانة من القيود والممنوعات والمحظورات السياسية والامنية والقانونية؟

§       هل مطلوب منها ان تستسلم وتنسحب نهائيا من الحياة السياسية، لتخلو الساحة تماما من اى رأى معارض؟

§       ام مطلوب منها ان تقوم بتكييف و"تقييف" أنفسها على مقاس ارادة السلطة ورغباتها، لتصبح معارضة مستأنسة ومروضة وظيفتها الوحيدة هى اضفاء مظهرا ديمقراطيا شكليا وتجميليا على النظام السياسى فى مصر؟

§       وهل حدث من قبل فى مصر او فى اى من بلاد العالم، ان أمكن الغاء واقصاء والشطب على كل الشخصيات والاتجاهات المعارضة والمستقلة بجرة قلم؟

§       وهل من مقومات أمننا القومى ومصالحنا العليا، اليوم أو فى المستقبل، خلق بيئة سياسية وامنية طاردة لجموع المصريين وللاجيال الجديدة على وجه الخصوص من الحياة السياسية، تخيفهم من الانخراط والمشاركة فيها وتثنيهم عن الاهتمام ومتابعة القضايا الوطنية؟

§       أليس هناك مخاطر جمة على الدولة والنظام ذاتهما، قد تترتب على مثل هذه القيود الحديدية، بدءا بصعود الاتجاهات والافكار الأكثر تطرفا من كل الاتجاهات، والعودة الى الانشطة والتنظيمات السرية، وانتهاءا بتصاعد انحرافات وجرائم الاستقواء بالخارج واعطاء ذرائع لكل زبانية العالم من القوى الكبرى وعلى راسهم الامريكان، لممارسة المزيد من الضغوط والمساومات والتدخل فى الشئون المصرية، فى ظل بيئة عربية غارقة فى مستنقع التدويل؟

§       وحتى اذا كنا قادرين على الاستعانة بحلفاء ووسطاء اقليميين ودوليين للتصدى لمثل هذه الضغوط، ألن يطالبونا بسداد أثمان باهظة من سيادتنا واستقلالنا الوطنى مقابل مثل هذا الدعم والمساندة؟

§       واخيرا وليس آخرا، هل بعد كل هذه القيود والممنوعات، لا تزال هناك أى منافذ أو أدوات شرعية باقية يمكن لقوى المعارضة الوطنية ان تطرح من خلالها مشروعاتها السياسية والاقتصادية والفكرية البديلة؟

§       هل لا تزال (الأغانى ممكنة)؟ 

***

فقائمة الممنوعات السياسية فى مصر تتسع وتزداد يوما بعد يوم، بحيث تكاد تنعدم كل السبل والقنوات وتغلق تماما فى وجه كل الأحزاب والشخصيات المعارضة والمستقلة، لتجردها من اى امكانية فعلية للمشاركة فى الحياة السياسية المصرية. ومن يتجاوز الخطوط الحمراء يتعرض لغضب مؤسسات السلطة وعقابها، بما يعنيه ذلك من اغلاق وحظر وحصار ومطاردة وتوقيف وتشويه واعتقال:

§       فممنوع وجود اى تنافس حقيقى على منصب رئيس الجمهورية.

§       او أى منافسة برلمانية عادلة مع قوائم المرشحين التابعين لاجهزة الدولة.

§       ممنوع معارضة التعديلات الدستورية التى تمت عام 2019 للتمديد لرئيس الجمهورية.

§       ممنوع تنشيط احزاب المعارضة وتقويتها وتواصلها مع المواطنين فى مؤتمرات جماهيرية على غرار ما يفعله حزب مستقبل وطن التابع لمؤسسات الدولة.

§       وممنوع تشكيل اى كيانات او تجمعات معارضة ولو كانت مثل الحركة المدنية الديمقراطية المدنية، التى تم الاعتداء على اعضائها حين حاولت اقامة افطار رمضانى عام 2018.

§       ممنوع نشر اى مقال او رأى او حديث لاى من الكتاب والمفكرين والشخصيات المستقلة او المعارضة فى اى من الصحف القومية او المستقلة.

§       وبشكل عام ممنوع تبنى ونشر وترويج اى رؤية مخالفة للروايات الرسمية للسلطة حتى لو كانت تتعلق بموضوعات تهدد الامن القومى مثل تيران وصنافير او التقارب المصرى الاسرائيلى غير المسبوق، او تتعلق بالشأن الداخلى كالتعديلات الدستورية او نزاهة الانتخابات او الاعتقالات والمحاكمات السياسية أو قضايا الحريات وحقوق الانسان.

§       حتى التدوين والكتابة على مواقع التواصل الاجتماعى، اصبح فى بند الممنوعات، التى قد يتعرض كاتبها للسجن والاعتقال مثل المهندس حسين عبد الهادى والدكتور حازم حسنى.

§       بل ممنوع التعاطف او الاشادة بشخصيات رهن الاعتقال او مغضوب عليها من السلطة.

§       ممنوع ظهور اى معارض او صاحب رأى آخر فى اى من وسائل الاعلام المصرية وممنوع المشاركة فى اى قناوات اعلامية خارجية.

§       ممنوع على الجامعات والنقابات والفنادق والنوادى فتح قاعاتها لاستقبال اى ندوة أو مؤتمر او اجتماع لشخصيات او احزاب معارضة، بما فى ذلك نقابة الصحفيين التى كانت على الدوام منبرا وطنيا وديمقراطيا مفتوحا للجميع. وهو ما امتد ليشمل سلالمها الشهيرة التى كانت هى المنفذ الوحيد لكل اطياف المعارضة فى اشد واقصى ايام التضييق والحصار.

§       وبطبيعة الحال ممنوع منعا باتا التظاهر، رغم انه واحد من اهم المكتسبات التى حققتها ثورة يناير بعد عقود من المنع والتجريم، ورغم انه السلاح السلمى الوحيد الذى يُمَّكن شعوب العالم من الضغط على حكوماتها ورفض سياساتها أو التصدى لانحرافاتها.

***

§       ممنوع الاعتراض على زيادة القروض والديون او على المفاوضات مع البنك وصندوق النقد الدوليين والخضوع لشروطهم وروشتاتهم.

§       ممنوع انتقاد السياسات والقرارات الاقتصادية والمالية للحكومة وتوجهاتها الاستثمارية وانحيازاتها الطبقية، مثل الغاء الدعم وتعويم الجنيه ورفع الاسعار، او بناء المدن الفاخرة مثل العاصمة الادارية والعلمين الجديدة، او جباية مزيد من الاموال والضرائب عن طريق قوانين مثل قانون التصالح فى مخالفات البناء ومثيلاتها.

§       ممنوع التصدى لتصفية وبيع شركات القطاع العام وفقا للقانون الصادر عام 2014 والذي يمنع أي طرف خارج طرفي التعاقد من الطعن على عقود البيع والاستثمار التي تبرمها الدولة مع أي جهة أو مستثمر. 

***

§       ممنوع الاعتراض على "استمرار" علاقات التبعية الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية والتسهيلات اللوجيستية لقواتها فى قناة السويس، وعلى التأييد الرسمى لصفقة القرن وللرئيس الامريكى السابق دونالد ترامب ولاتفاقيات التطبيع بين الامارات والبحرين والسودان والمغرب مع (اسرائيل).

§       ممنوع انتقاد الصمت الرسمى المصرى على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وبنقل السفارة الامريكية اليها، او قراره بسيادة (اسرائيل) على الجولان وعلى غور الاردن.

§       ممنوع الاعتراض على استيراد الغاز من (اسرائيل) او على ضمها الى منتدى غاز شرق المتوسط او على موافقة السلطات المصرية على احتفال السفارة الاسرائيلية بالذكرى السبعين للنكبة فى فندق ريتز كارلتون على ضفاف النيل بالقرب من ميدان التحرير.

§       ممنوع مناهضة (اسرائيل)، فلم تتمكن القوى الوطنية منذ عدة سنوات من تنظيم ولو ندوة واحدة يتيمة للتضامن مع القضية الفلسطينية، بينما تم اعتقال رامى شعث منسق حركة مقاطعة (اسرائيل) المشهورة باسم BDS، واعتقال شاب مصرى قام برفع علم فلسطين فى استاد القاهرة عام 2019.

§       حتى ثورة يناير ممنوع تنظيم اى احتفالات سياسية وجماهيرية بذكراها السنوية، ولا نزال نتذكر المأساة التى حدثت حين حاول حزب التحالف الشعبى الاشتراكى عام 2015 تنظيم مسيرة سلمية رمزية تحمل الورود الى ميدان التحرير وكيف تصدت لها قوات الامن المركزى بالقوة مما أسفر عن استشهاد شيماء الصباغ.

***

تؤكد كل تجارب التاريخ ان الشعوب لا تستسلم ابدا، وأنها تنجح فى كسر القيود المفروضة عليها ان عاجلا أم آجلا، ولقد فعلها المصريون منذ سنوات قليلة فى يناير 2011، وهى الثورة التى ترى الادارة المصرية انها كانت بمثابة الكارثة التى هددت وجود الدولة، وتسببت فى خسائر واضرار جسيمة، لا نزال ندفع أثمانها حتى اليوم. وهو ما كان يفرض عليها، وفقا لرؤيتها، ان تبذل كل جهودها لتجنب تكرار هذه التجربة مرة اخرى من خلال علاج الاسباب التى أدت الى تفجرها.

ولذلك لا يستطيع كثير من المفكرين والسياسيين والمهمومين بمستقبل مصر واستقرارها وأمنها وسلامتها، فهم واستيعاب الاسباب التى تدفع السلطة فى مصر الى العودة مرة اخرى الى الرهان على استقرار قصير العمر وغير آمن أو مضمون، ثبت فشله وطنيا وعالميا وتاريخيا عديد من المرات، استقرار قائم على الردع والخوف والحلول الامنية.

فهل هناك أى حلول أو مخارج تلوح فى الأفق القريب؟

*****

القاهرة فى 19 فبراير 2021

الجمعة، 5 فبراير 2021

انتصارات ثورة يناير فى عامها الأول

فى الذكرى العاشرة لثورة يناير، من الأهمية بمكان التذكرة باهم المكتسبات التى حققتها الثورة وانتزعتها فى عامها الاول او يزيد قليلا.

وبالرغم من انه لم يكتب لها الصمود والاستمرار طويلا، الا انه من حق ثورة يناير وشهدائها وثوارها وكل من شارك فيها، ان يتم تسجيل هذه النجاحات وتوثيقها، للتاريخ وللاجيال الجديدة، وايضا فى مواجهة كل من يشكك فيها وفى وطنيتها وفى اهدافها الجليلة وفى دورها العظيم:

1)   اسقاط مبارك والقضاء على مشروع التوريث والتأبيد والتجديد وعلى هذا الجزء من النظام الذى كان يجعل من رئيس الجمهورية كشيخ القبيلة يستبد بها وبكل من فيها ويستأثر بمقدراتها وينفرد بتقرير مصائرها، بحيث يكون فى مقدوره ومن صلاحياته ان يبيعها فى أسواق النخاسة الامريكية والاسرائيلية والاقليمية وان يوهب ثرواتها لحفنة قليلة منتقاة من الاغنياء وكبار رجال الدولة، بدون أى مساءلة أو تعقيب.

ونجاحنا بدلا من ذلك فى الاختيار بين عدة مرشحين رئاسيين فى انتخابات حرة نزيهة تحت اشراف قضائى كامل.

 

2)   واسقاط الحزب الوطني والقضاء تماما على هذا الجزء من النظام الذى يعطى السلطة والسيادة لحزب واحد ووحيد موال لرئيس الجمهورية وليس لمصر، يقصى الآخرين ويحتكر العمل السياسى وحده ويحصد على الدوام أغلبية مقاعد المجالس التشريعية والمحلية بالتزوير وبالدعم الكامل من مؤسسات الدولة.

ونجاحنا بدلا من ذلك فى تأسيس أحزاب متعددة تتنافس فى انتخابات نزيهة تحت إشراف قضائي كامل.

 

3)   فلقد تأسست بفضل الثورة احزاب جديدة ومتنوعة من كافة التيارات والاتجاهات، منها ما كان يتم رفضه على الدوام من لجنة الاحزاب فى عصر مبارك، مثل حزب الكرامة وحزب الوسط وحزب الاستقلال ومنها احزاب مستحدثة اخرى كالتحالف الاشتراكى والدستور والعدل والمصريين الاحرار والحرية والعدالة والنور ..الخ

 

4)   واستطعنا انتزاع العديد من الحقوق والحريات التى مكنت الشعب وقواه الوطنية من المشاركة فى صناعة القرار والرقابة على السلطة التنفيذية وعلى كل مؤسسات الدولة من مجلس عسكرى ورئاسة جمهورية وحكومة ووزراء ..الخ ؛ حقوق مثل الحق فى الاجتماع والتجمع والتظاهر، والتواصل مع الجماهير والتفاعل معها، والحق فى المعارضة وابداء الراى والتعبير والمشاركة فى كل المنابر الصحفية والاعلامية بدون قيود او شروط او حظر او رقابة وتوجيه، والحق فى تكوين النقابات المستقلة والجمعيات الاهلية واللجان النوعية، وتنظيم الفاعليات والندوات الفكرية والمؤتمرات السياسية فى كل مكان؛ فى الاحزاب والنقابات والجامعات بل وفى الميادين.

 

5)   حقوق دعمتها، كما تمت الاشارة عاليه، انتخابات حرة نزيهة لا تتدخل فيها مؤسسات الدولة لاسقاط او انجاح اى مرشح، لينفتح الطريق امام برلمان مستقل متنوع الشخصيات والاتجاهات والاحزاب والقوى، تجرى جلساته على الهواء مباشرة على مرأى ومسمع من الجميع، يمارس دورا تشريعيا مستقلا ودورا رقابيا حقيقيا على الحكومة والوزراء والسلطة التنفيذية.

 

6)   كما تم تحقيق قفزات كبيرة وغير مسبوقة فى قضية استقلال السلطات الثلاثة وتفكيك قبضة السلطة التنفيذية على باقى السلطات، وتقييد يدها فى اعلان حالة الطوارئ باشتراط عدم تجديدها لفترة اخرى الا بموافقة الاغلبية فى استفتاء شعبى، بعد ان كنا نعيش من قبل فى حالة طوارئ دائمة ومستمرة.

كما تراجع الخوف فى نفوس الناس من السلطة وقمعها، ليحل محله شعور بالمساواة والشراكة وسيادة القانون والحق فى المساءلة، بالاضافة وهو الاهم شعور الناس بالامن والطمأنينة على حياتها وحرياتها، بعد ان اختفت ظاهرة توقيف واعتقال ومطاردة اصحاب الرأى الآخر والمعارضين السياسيين.  

 

7)   ومن ناحية أخرى استطاع المصريون بعد ثورة يناير، التظاهر لاول مرة ضد سفارة (اسرائيل) وحصارها وانزال علمها ثم اغلاقها، ردا على قيامها بقتل جنودنا على الحدود فى اغسطس 2011.

مع تقييد أيديها فى استباحة غزة والاعتداء عليها بلا رد او تعقيب، والنجاح فى ايقاف عدوان 2012 خلال بضعة ايام، بعد ان كان فى الماضى يستمر لاسابيع طويلة مسقطا الآلاف من الضحايا.

ولقد استطعنا فى ظل الثورة ان نزور فلسطين لاول مرة من بوابة معبر رفح الى غزة، بعد ان تم تخفيف القيود المفروضة على المعبر بموجب اتفاقيات كامب ديفيد وملحقاتها، ولا نزال نتذكر قوافل التضامن الشعبى المصرى مع الشعب الفلسطينى اثناء العدوان على غزة وبعده.

 

8)   كما تمكنت الحالة الثورية فى مصر من اجبار صندوق النقد الدولى على تعليق قروضه للحكومة المصرية وربطها بموافقة وقبول القوى الوطنية المصرية. كما فتحت الباب على مصراعيه للتصدى على الملأ لكشف حقيقة الصندوق وسيطرته على الاقتصاد المصرى منذ سنوات طويلة واهدافه الحقيقية فى اخضاع اقتصاديات الدول النامية للنظام الراسمالى العالمى، وروشتاته وشروطه الاقتصادية المجحفة والمدمرة المتمثلة فى تصفية القطاع العام والقضاء على الصناعات الوطنية واضعاف الجنيه المصرى وتعويمه والغاء الدعم وفتح الاسواق للسلع والقروض الاجنبية ..الخ.

 

9)   كما اتاحت اجواء الحرية والديمقراطية بعد الثورة كذلك، الاقتراب من "الصندوق الاسود" لنظام مبارك، وملفاته التى ظلت محجوبة عن الراى العام لعقود طويلة، ملفات مثل التبعية للولايات المتحدة الامريكية، والتسهيلات العسكرية، والاختراقات الاستخبارية لعمق المجتمع المصرى، وتفاصيل القيود التى فرضتها اتفاقيات كامب ديفيد على قواتنا فى سيناء، والامتيازات الاقتصادية والطبقية التى مكنت قلة قليلة من رجال الاعمال من الاستئثار بمقدرات مصر وثرواتها، وكلها ملفات تم فتحها واختراقها وكشف حقائقها واسرارها للراى العام بحرية كاملة للمرة الاولى. 

 

10)         وفى ظل الثورة تعددت الاراء وتنوعت مما ادى الى اثراء الحياة الفكرية والسياسية والاعلامية بشكل لم تشهده مصر من قبل، واختفت ظاهرة الرأى الواحد وسيطرة الدولة على كل وسائل الاعلام، وتأسست عديد من القنوات الاعلامية الجديدة وتعددت البرامج السياسية والحوارية وفتحت ابوابها للجميع من كافة الشخصيات والاتجاهات بلا اقصاء او تمييز.

 

11)         وفى الجامعات تم اعتماد نظام الانتخاب وليس التعيين، لاختيار المناصب القيادية لاعضاء هيئات التدريس، مع تحريرها من القبضة الامنية بالغاء نظام الحرس الجامعى، وعودة النشاط السياسى بعد حظر استمر 30 عاما، واجراء انتخابات طلابية حرة ونزيهة بعيدا عن تدخل اجهزة الامن.

 

12)         لقد أدت الثورة الى تعميق مستوى الوعى العام وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية بين المصريين وبالذات من الشباب، وميلاد وظهور عناصر وكوادر وطنية وثورية جديدة، وتعاظم اقبال الناس على المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات بكل انواعها، وظهرت لاول مرة مشاهد طوابير الناخبين الطويلة امام اللجان، واختفت ظاهرة الـ 99 %، بالاضافة الى ابداعات كثيرة فى تنظيم الناس وتواصلهم معا، لم يكتب لها الاستمرار للاسف، مثل تجربة اللجان الشعبية فى الاحياء والقرى...الخ.

***

كانت هذه امثلة ونماذج من الانتصارات والمكتسبات التى حققتها ثورة يناير القصيرة، وهى بالطبع لا تمثل الا فصلا واحدا فى كتاب الثورة؛ فهناك فصول اخرى كثيرة لا تقل اهمية مثل الاجابة على سؤال كيف بددنا كل هذه المكتسبات وفقدناها؟ ولكن هذا حديث آخر.

 ولكن ما أريد التركيز عليه فى ختام هذه السطور هو السؤال عن هذه المكاسب والانجازات والحقوق والحريات الثورية، وهل كان أى منها يمثل تهديدا لمصر: الشعب والأرض والدولة؟

أم انه فى حالة ترسيخها ونضوجها وتنميتها وترشيدها وتصحيح اخطائها، كانت ستمثل اضافة تاريخية وقفزة نوعية ونقلة حضارية لن يقتصر تأثيرها على مصر فقط، بل ستمتد آثارها الى كل الأمة العربية والمنطقة؟

*****

محمد سيف الدولة