بحث فى المدونة

الاثنين، 30 مايو 2022

ضد الفقر والاستعباد الاقتصادى (اعلان داكار)

نعانى منذ عقود طويلة فى مصر وغالبية الشعوب العربية وشعوب افريقيا والعالم الثالث، من حزمة من المشكلات وتلال من الأزمات الاقتصادية المزمنة التى لا تختلف من بلد الى آخر الا فى الدرجة؛ من تخلف وانتشار للفقر واستئثار بالثروات وتدهور حاد فى الاحوال المعيشية من صحة وتعليم وتغذية وأمن اجتماعى وضعف للدخول وهبوط للقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة وتفاقم البطالة والإقصاء والتهميش والظلم الاجتماعى والقهر السياسى والعصف بحقوق الإنسان واحتياجاته الاساسية وزيادة اعداد النازحين واللاجئين عبر طرق وقنوات خطرة وغير شرعية او آمنة.. الخ، مع فقدان الأمل فى أى تحسن أو اصلاح أو مستقبل أفضل للاجيال القادمة،..الخ  

***

والاسباب وراء ذلك واحدة ومعروفة من بدايات عصر الاستعمار الغربى ثم الهيمنة الراسمالية العالمية ونهب الثروات وضرب الصناعات الوطنية والسيطرة على الاسواق والعملات واخضاع انظمة الحكم وتوجيه سياساتها وقراراتها الاقتصادية، والاستغلال الاقتصادى والطبقى الخارجى والداخلى، والاستعباد المالى وفرض برامج "اصلاح" اقتصادى مدمرة من مؤسسات الاقراض الدولى مع استخدام سلاح الضغوط والعقوبات والاغراق فى شبكة عنكبوتية من الديون وفوائها المتراكمة والمتشعبة ..الخ

***

وفى المقابل لم تكف الشعوب المقهورة والمنهوبة والمستنزفة فى بلادنا ممثلة فى قواها الوطنية والتقدمية عن النضال والبحث عن طرق للتحرر والنجاة من قبضة هذا النظام الراسمالى المتوحش وأتباعه فى الداخل.

وفى هذه السطور سنتناول احدى هذه الاجتهادات الهامة والمبكرة التى توافقت عليه نخبة من منظمات المجتمع المدنى الافريقية، واصدرت إعلاناً تطرح فيه رؤيتها وتحليلها لطبيعة التحديات المشتركة التى تواجه شعوبنا، كما قدمت اقتراحات عملية محددة لكيفية التصدى لها، وذلك فى مؤتمر بعنوان ((الإلغاء الكامل غير المشروط لديون أفريقيا والعالم الثالث ـ المقاومة والبدائل)) الذى انعقد فى العاصمة السنغالية "داكار" عام 2000، وفيما يلى نص البيان الختامى بقدر من التصرف والمعالجة:

***

نحن المشاركون في اجتماع داكار 2000 لإلغاء ديون العالم الثالث نمثل مجتمعات إفريقيا المدنية، وبدعم من المجتمعات المدنية في أمريكا اللاتينية و آسيا و أوروبا وأمريكا الشمالية، وانطلاقا من تحليل موضوع الدين وخطط التكييف الهيكلي و التنمية، ندرك ما يلى:

1) ان ديون العالم الثالث إحتيالية وبغيضة وغير أخلاقية وغير شرعية وشائنة وبمثابة إبادة جماعية.

2) بلاد الشمال مدينة لبلدان العالم الثالث خاصة أفريقيا بديون متعددة ومتشعبة؛ دين دماء، ودين العبودية، ودين إقتصادي بالإستعمار و نهب الثروات الإنسانية و المعدنية و التبادل غير العادل، والدين البيئي عن طريق تدمير ونهب الثروات الطبيعية، و دين اجتماعي (البطالة، انتشار الفقر) ودين حضاري (إذلال الحضارة الإفريقية لتبرير الإستعمار).

3) ان هيكل الدين وحسابه يفوق سيطرة المدينين. وفي الواقع فانه منذ 1988 زاد الدين في "افريقيا جنوب الصحراء الكبرى" بنسبة 65 % متأخرات وسداد الدين وفوائد مركبة. هذا كيف يثقل عبء الدين الشعوب بإطراد.

4) ان الدين وخطط التكييف الهيكلية تشكل الأسباب الرئيسية لتدهور الصحة والتعليم والتغذية والأمن الغذائي والبيئة والقيم الإجتماعية والثقافية لسكان أفريقيا والعالم الثالث.

5) والدين وخطط التكييف الهيكلية هي السبب في تفاقم البطالة ودمار العائلات الذي يؤدي إلى زيادة الإهمال والدعارة وتدهور الأوضاع الإجتماعية للمرأة والحياة اليومية والتدهور البيئي للقارة والحروب مع أفواج اللاجئين والنازحين.

6) كما ان هبوط الدخول والقدرة الشرائية للعمال والمنتجين الأفارقة يؤدي بالضرورة إلى تداعيات سلبية.

7) بالإضافة الى استنزاف العقول وهجرة الأدمغة يمكن أن نضيف ايضا هجرات أخرى من العالم الثالث الى الشمال، من قوى أشبه بألمافيا وأساليبها من غسيل وتدوير للأموال القذرة: مخدرات، تجارة أعضاء، دعارة وهكذا.

8) ان الديون والتكييف الهيكلي يضعفان دول العالم الثالث بتعريضها لتجارة غير متكافئة وللتقلبات المدمرة للأسواق المالية الحرة. ان منظمة التجارة العالمية والإتفاقات التجارية المفروضة من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي تهدف الى المزيد من إضعاف دول العالم الثالث.

9) يرفض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وحكومات مجموعة الدول السبع إلغاء الدين لان الدين يوفر لهم آلية لفرض سياسات متسقة مع مصالحهم وسيطرتهم على العالم الثالث.

10) ان الدين هو آلية الليبرالية الجديدة التي تهدف إلى تعزيز مصالح الشراكات عابرة الحدود، ولهذا السبب يوجد تواطؤ بين صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

11) ان إفريقيا ليست محصنة ضد الاضطرابات الإقتصادية التي تثيرها المضاربات المالية الدولية.

12) ان نضالنا يماثل تلك النضالات في سياتل وواشنطن و براغ ونيس، لذلك نعي ضرورة التضامن بين القوى الاجتماعية التقدمية فى العالم الثالث والشمال: منظمات المجتمع المدني، اتحادات العمال، اتحادات المزارعين، منظمات المرأة و الشباب، المنظمات الدينية، العاملين بالثقافة و الممثلين و أساتذة الاتصالات، نحن المشاركون في داكار 2000 اذ نعلن أن الحق في التطوير واستئصال الفقر هو حق أساسي للشعوب. رفض وادانة تكوين وتراكم ديون العالم الثالث عن طريق الدول الشمالية بالتواطؤ مع الحكام السابقين، فاننا نطلب الاتى :

أولا ـ نطالب الدائنين الشماليين (المؤسسات المالية و الدول)

·       الإلغاء الفوري الكامل وغير المشروط لديون العالم الثالث.

·       إنهاء الإستغلال المالي والإقتصادي لأفريقيا والعالم الثالث عن طريق إلغاء مؤسسات بريتون وودز (المكان الذي انعقد به مؤتمر نتج عنه إنشاء صندوق النقد الدولي) والتي على العكس من مهمتها نجحت فقط في نشر الفقر وتزايد عدم المساواة .

·        تعويض المبالغ التي استقبلت على نحو غير ملائم.

·       تعويض شعوب أفريقيا والعالم الثالث عن الخسائر الإنسانية والأخلاقية والجسدية والمادية والبيئية التي عانوا منها نتيجة أعباء الديون والتكيف الهيكلي وسلب ثرواتهم.

·       إضفاء الطابع الديمقراطي على منظمة التجارة العالمية.

·       بناء مؤسسات لفرض ضرائب على تحركات رؤوس الأموال لمساعدة المواطنين. (ضريبة توبين)

***

ثانيا ـ ونطالب رؤساء الدول الأفريقية والعالم الثالث:

·       الرفض الصريح للدين بدون إنذار أو تأخير.

·       تكوين جبهة رفض لمقاومة ومحاربة الضغوط والعقوبات التي قد تنتج عن هذه السياسة ورفض أشكال التكيف الهيكلي.

·       استبدالها بسياسات عادلة أصيلة مستدامة تحترم حقوق الإنسان، حقوق العمال وتؤسس على مشاركة شعبية. هذا يعني تعزيز خطة لاجوس، إطار العمل الأفريقي البديل لسياسات التكيف الهيكلي، "معاهدة أبوجا وميثاق أروشا" كبدائل.

·       التصرف كمدافعين حقيقيين عن مصالح شعوبهم والإهتمام بمستقبل الأجيال الحالية والمستقبلية خاصة النساء والأطفال.

·       إنشاء حوارات مخلصة مع مجتمعاتهم المدنية.

·       وضع نهاية للحروب العرقية والأهلية الزائفة والصراعات المصاحبة للديون على حساب الإنفاق الإجتماعي والإستثمارات المثمرة.

·       تعزيز النمو الداخلي للموارد المالية عن طريق الإدخارات الداخلية لتمويل التطور قبل اللجوء للمساعدة الخارجية.

·       بذل تماسك أكبر في المفاوضات مع المؤسسات المالية الدولية والإقليمية مثل الإتحاد الأوروبي ومنظمة التجارة العالمية.       

***

ثالثا ـ ونطالب قوى العالم الثالث الإجتماعية: 

·       مقاومة الضغوط والضائقة المفروضة عليهم من الشركات عبر الوطنية والمتواطئة مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

·       محاربة الضغوط والوقوف في طليعة مواجهة الهجوم على النضالات الإجتماعية التي ستخرج استراتيجيات بديلة .

·       فرض تنفيذ حلول ملموسة قابلة للتطبيق على الحكومات لحل مشكلة الديون والأثر السلبي لبرامج التكيف الهيكلي .

·       فرض مشاركتهم في صياغة وتنفيذ وتقييم السياسات والبرامج البديلة لبرامج التكيف الهيكلي .

·       الطلب من الحكومات التأسيس لحوار مجتمعي والحق في السيطرة كوسيلة حاكمة .

·       تشكيل لجان وطنية مستقلة تشرف على الثروات المكتسبة بطرق مشبوهة والتآزر فيما بينها .

·       التنظيم في تحالفات وطنية وعموم أفريقية ودولية مع شعوب العالم الثالث وقوى الشمال التقدمية .

·       بناء توافق شعبي إفريقي لمواجهة الديون والسياسات المالية التي تشكل الإطار النيوليبرالي المفروض من قبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة الدول السبع ومنظمة التجارة العالمية.

·       بناء هذا التوافق يتم من أسفل إلى أعلى بناء على هموم الشعب .

·       توعية الشعب بأسباب فقرهم ودعم حركات المقاومة الشعبية .

·       دعم إنشاء حركات المقاومة الشعبية ضمن إطار التنمية الذاتية تكون مناسبة لبلداننا ولقارتنا .

·       تنظيمهم داخل شبكة إقليمية قوية لتعزيز الإجماع الشعبي الإفريقي .

·       تنسيق هذه الأنشطة على المستوى القاري لضمان تماسك أقوى .

·       تنسيق تقدم الإجماع الشعبي الإفريقي مع نضال الحركات التقدمية في جميع أنحاء العالم .

***

رابعا ـ  ونطالب المثقفين والباحثين والأكاديميين الأفارقة: 

·       الإلتزام بمواصلة البحث عن حلول بديلة تقوم على قيمنا الإجتماعية والثقافية ومن مواردنا الذاتية .

·       يجب أن تكون أعمالهم أكثر وضوحا لتصل إلى الفاعليين الإجتماعيين. يجب أن يتيح الخبراء الأفارقة ـ الذين عملوا في مؤسسات دولية ـ خبرتهم وعلاقاتهم للمجتمع المدني الأفريقي ليتمكن من تعزيز قدراته.

·       صياغة نموذجنا الخاص المبني على أساس مصالحنا وقيمنا الأفريقية الإيجابية وإجبار دولنا على تنفيذه.

***

خامسا ـ ونطالب النقابات العمالية الإفريقية:

·       التوحد داخل تحالف قاري ودولي مع عمال من آسيا ، أمريكا اللاتينية والدول الشمالية من أجل الإلغاء الكامل غير المشروط لديون أفريقيا والعالم الثالث .

***

سادسا ـ ونطالب المنظمات النسائية ،الشباب الأفريقي ، الفنانين والرياضيين:

·       التنظيم داخل تحالفات وطنية وأفريقية والإنضمام للقوى الفاعلة لإنجاح النضال ، والبحث عن وتطبيق بدائل التكيف الهيكلي وتوافق واشنطن .

***

سابعا ـ ونطالب منظمات المجتمع المدني الداعمة للتطور:

·       المساهمة في محو الأمية الإقتصادية للقاعدة الشعبية وتعزيز و نشر مفهوم الأدوات التربوية الملائمة .

·       المساهمة في التعليم من أجل العدالة والتعليم من أجل التنمية وفقا لتوصيات مؤتمر داكار للتعليم للجميع.

***

ثامنا ـ ونطالب القوى التقدمية لدول الشمال:

·       تصعيد الضغط على المؤسسات المالية ودولها .

·       تكثيف الحركات الشعبية داخل البلدان من أجل إلغاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وتدخلاتهم في الشئون الداخلية لأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية .

·       تعزيز تضامنهم مع القوى التقدمية وشعوب أفريقيا والعالم الثالث .

*****

كان هذا نص "اعلان داكار" الصادر منذ 22 عاما، لدعوة شعوب افريقيا والعالم الثالث الى التضامن معا فى مواجهة الاستعباد المالى والاقتصادى الراسمالى. ومنذ ذلك الوقت زادت أحوالنا سوءا وتضاعفت ديوننا أضعافا مضاعفة، وخضعت دولنا وأنظمتنا الحاكمة أكثر وأكثر لشروط وتعليمات الدائنين ومؤسسات الاقراض الدولى، وأفقدتنا كثيرا مما كنا قد حققناه بعد الحرب العالمية الثانية من استقلال فى معارك وثورات التحرر الوطنى، لتعود الغالبية العظمى من اقطارنا العربية مرة اخرى الى حظيرة الاستعمار الغربى من بوابة التبعية الاقتصادية.

ولقد شهدت السنوات القليلة الماضية مديونيات هائلة تهدد بحدوث كوارث وانهيارات اقتصادية كبرى فى بلاد مثل لبنان والسودان ومصر وتونس وغيرها، فى ظل ضعف أو غياب لاى قوى تقدمية حقيقية وفاعلة قادرة على التصدى للسياسات والانحيازات الاقتصادية والاجتماعية الحالية لانظمة الحكم التابعة، وطرح بدائل اقتصادية وطنية وعملية، وتنظيم حركات معارضة قوية ضد ما تتعرض له شعوبنا من استنزاف وقهر اقتصادى فوق الاحتمال.

لقد خاضت المعارضة المصرية "على سبيل المثال" معارك قوية فى السبعينات ضد سياسات ما سمى "بالانفتاح الاقتصادى"، الذى كان بداية تفكيك الاقتصاد الوطنى. وهى المعارضة التى بلغت ذروتها فى الفترة من 1977 حتى 1981، قبل ان يتم ضربها واضعافها أو احتوائها واختراقها، وتغيير برامجها واجنداتها بالتدريج، الى أن كاد البعد الاقتصادى والاجتماعى يختفى تماما من خطاباتها.

فهل آن الأوان لاحياءها مرة أخرى، بعد أن وصلت الأمور الى حافة الانهيار؟

*****

محمد سيف الدولة 

الثلاثاء، 24 مايو 2022

حوار الأنداد


 

حوار الأنداد

هكذا خاطب وحاور المستشار يحيى الرفاعى رئيس الجمهورية وجها لوجه

***

السيد الرئيس

(( كنا نود ألا تمد حالة الطوارئ، فهى لم تمنع أحداث الشغب الأخيرة

أما وقد مدت بالأمس، وبقى أن قرار انهائها سيظل معقودا اليك، بكلمة منك نأمل أن تتاح الظروف فى اسرع وقت لانهائها بإذن الله.

ولو استعملت المادة 74 من الدستور لكان استعماله أول استعمال صحيح دستوريا، ولكنك لم تستعملها.))

(رسالة شجاعة وواضحة وصريحة برفض قرار مد حالة الطوارئ)

***

المادة 74 من دستور 1971

لرئيس الجمهورية إذا قام خطر حال وجسيم يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الاجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر بعد أخذ رأي رئيس مجلس الوزراء ورئيسي مجلسي الشعب والشوري، ويوجه بيانا إلي الشعب، ويجري الاستفتاء علي ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها، ولا يجوز حل مجلسي الشعب والشورى في أثناء ممارسة هذه السلطات.

*****

 

 

الأحد، 22 مايو 2022

قروض فديون فاحتلال

تخبرنا كتب التاريخ* انه بعد قيام قوات التحالف الاوروبى تحت قيادة بريطانيا بالعدوان على جيوش محمد على وهزيمتها واكراهه على توقيع معاهدة (كامب ديفيد الأولى) المشهورة باسم معاهدة لندن 1840 والتى نصت على انسحاب الجيوش المصرية من الشام والجزيرة العربية وغيرها ما عدا مصر والسودان، وتخفيض الجيش المصرى الى 18 ألف جندي فقط ..

نقول بعد ذلك، بدأت فورا قصة الاستغلال المالي لمصر التى انتهت باحتلالها عام 1882، ذلك الاحتلال الذى استمر 74 عاما، وفيما يلى ملخص الحكاية التى يجب ان نتعظ منها ونحفظها عن ظهر قلب:

·       فى 1838 وقعت تركيا مع انجلترا معاهدة تجارية تعطى امتيازات كبرى للانجليز، وفى 1842 تم تطبيق هذه المعاهدة على مصر وبموجبها حرمت صناعتنا الوطنية من الحماية الجمركية وكان هذا هو المسمار الاول فى نعش الاستقلال الوطنى

·       وفى 1851 اعطى عباس باشا للانجليز امتياز مد السكك الحديد فى مصر.

·       وفى 30 نوفمبر 1854 أعطى سعيد للفرنسيين امتياز شق قناة السويس.

·       ثم قام سعيد بعقد اول قرض اجنبى تجاوز 6 ملايين جنيه استرلينى حين اصدر سندات على الخزينة بيعت فى البورصات الاوروبية لانه لم يكن من حق مصر فى ذلك الوقت حق عقد قروض خارجية دون موافقة الباب العالى.

·       وفى عام 1864 اقترض اسماعيل من مصرف "فروهلنغ وغوشن" مبلغا مقداره 5.7 مليون جنيه استرلينى، الا انه لم يدخل الخزينة المصرية فى الواقع سوى 4.86 مليون جنيه فقط.

·       وفى 1865 عقد اسماعيل قرضاً خاصاً مع البنك الانكلوـ مصرى، واستلم نقداً 2.75 مليون جنيه استرلينى من اصل 3.38 مليون جنيه قيمة القرض الاسمية.

·       وفى 1866 عقد اسماعيل مع مصرف فروهلنغ وغوشن قرضاً لمد سكك حديدية بضمان السكك الحديدية المصرية. ولم تستلم الخزينة المصرية الا 2.64 مليون جنيه استرلينى من المبلغ الاسمى للقرض وقدره ثلاثة ملايين جنيه.

·       وفى 1867 عقد قرضاً " شخصياً " مع البنك الامبراطورى العثمانى ( الانكلوـ فرنسى ) ، واستلم منه 1.7 مليون فقط من اصل 2.08 مليون وهو المبلغ الإسمى للقرض .

·       وفى 1868 عقد قرضاً مع رجل الاعمال الدولى "اوبنهايم" بمقدار 11.89 مليون ولم تستلم مصر منه سوى 7.195 مليون جنيه.

·       فى 1870 عقد قرضاً جديداً شخصياً مع صاحبى البنوك بيشفسهايم وغولدشمدت بمبلغ 7.143 مليون، استلم منه 5 ملايين جنيه فقط .

·       واخيراً، وقع اسماعيل فى 11يونيو 1873 اتفاقية مع اوبنهايم لمنحه قرضاً لتسديد اقساط الدين الجارى. وبلغت كمية هذا القرض الهائل 32 مليون جنيه لم تستلم منه مصر نقداً إلا 20 مليون جنيه بينما الزمت بدفع 3.5 مليون جنيه سنوياً الى اوبنهايم على شكل فوائد.

***

·       وبذلك تمكنت البنوك الانكليزية خلال 11 عاماُ من ربط مصر بدين تبلغ قيمته 68 مليون جنيه استرلينى، دفع منه نقداً فى الحقيقة 46 مليون جنيه فقط واغتصب ما يزيد عن 20 مليون جنيه كفرق تسعير ونفقات عمولة، وبلغت سندات الدين الجارى لهذه السنوات 26 مليون جنيه، دفعت عليها مصر فائضاً سنويا قدره 15% وحتى 25%.

·       وهكذا بلغت كمية دين مصر الخارجى الاجمالى قبيل عام 1876 اربعة وتسعون مليون جنيه استرلينى.

·       هذا بالاضافة الى أن مصر قد انفقت فعليا على مد السكك الحديدية 75 مليون فرنك بينما دفعت الى المقاولين الاجانب 325 مليون فرنك. كما دفعت الخزينة المصرية ما يربو على 2.5 مليون جنية استرلينى لشركة البناء الاوربية لغرض تشييد ميناء الاسكندرية بينما كلفته الفعلية 1.5 مليون جنيه فقط

***

·       اى انه فى النهاية قد نشأ فى ذمة مصر للبنوك الاوروبية دين مقداره حوالى 100 مليون جنيه! تراكم فى اقل من ربع قرن من عام 1854 حتى 1876، وتبدد كالتالي:

·       دفعت الحكومة المصرية 16 مليون جنيه على تشييد قناة السويس.

·       تسرب الى جيوب اصحاب البنوك كـفرق تسعيرة (سعر الصرف) ونفقات عمولة وغيرها 22 مليون استرلينى لم تستلمها مصر ولكنها اضيفت الى دينها.

·       دفعت مصر حتى عام 1876 ما يربو عن 50 مليون استرلينى كفوائد على القروض الاصلية وسندات الدين.

·       لم ينفق فى الحقيقة سوى مبلغ يتراوح بين 5 : 6 ملايين استرلينى على تشييد منشآت تعود بالفائدة على مصر .

·       وهكذا نشأ القسم الأكبر من دين الدولة المصرية نتيجة المكائد الاجرامية التى دبرتها المصارف الانجليزية والفرنسية، ولم يستلم الشعب المصرى فى الواقع شيئاً من ذلك الدين الذى أثقل كاهله والذى أرغم على تسديده فيما بعد بثلاثة اضعاف قيمته الأصلية.

·       ناهيك عن القروض الداخلية كالمقابلة والروزنامة فى عامى 1871و1874

·       ولقد ساعدت عوامل اخرى على تفاقم هذا الاوضاع ومن ذلك انه:

·       فى عام 1863 قرر إسماعيل تحريم العمل الاجبارى فى حفر قناة السويس، فثار خلاف حاد مع ديلسبس ، فقام الخديوي، وياللعجب ، بتفويض نابليون فى هذا الخلاف وكانت النتيجة هى الحكم على مصر بغرامة ، تبعها لجوءها إلى مزيد من الاقتراض  لسداد الغرامة

·       وكانت تركيا فى 1873 قد وافقت، تحت الضغط الاوروبى، على اعطاء مصر حق الاقتراض المستقل، وهو ما تم توظيفه اسوأ توظيف.

***

وكانت النتائج الوخيمة على الوجه التالى:

·       فى 25 نوفمبر 1875 تم بيع اسهم مصر فى قناة السويس لبريطانيا لسداد الديون، وكانوا 176 الف سهم، وبيعت بـ 4 ملايين جنيه استرلينى اقترضهم رئيس وزراء بريطانيا دزرائيلى من صديقه روتشيلد.

·       4 ملايين فقط رغم انه كلف مصر 16 مليون جنيه وأغرقها بديون بلغت 100 مليون جنيه وفوائد 300 مليون جنيه ، وقد بلغت قيمة الأسهم المبيعة فى عام 1910 مبلغ قدره 35 مليون.

·       وفى 1875 تم إعلان إفلاس تركيا، وهو ما انعكس على مصر فورا، ففرضت بريطانيا عليها لجنة لفحص شئونها المالية

·       وفى 8/4/1876 توقف إسماعيل عن دفع سنداته المالية وأعلنت مصر إفلاسها

·       وفى 2/5/1876 تشكلت لجنة لمراقبة دين الخديوي من فرنسا والنمسا وايطاليا، وقررت توحيد الدين المصري

·       وفى 1876 تشكلت لجنة ثنائية انجليزية فرنسية لمراقبة مصر ماليا.

·       وفى 1878 تشكلت اول وزارة اوروبية فى تاريخنا برئاسة نوبار باشا الارمنى الاصل وثيق الصلة ببنوك لندن وباريس وكان وزير المالية فيها انجليزى ووزير الاشغال العامة فرنسى

·       ففرضت زيادة فى الضرائب على المواطنين، وامتنعت عن دفع اجور الضباط المصريين، ثم قامت بتسريح 2500 ضابط وتخفيض الرواتب الى النصف

·       ووضعت خطة مالية لادارة مصر عرفت باسم "خطة ويلسون" نزعت من الخديو اى صلاحيات مالية وتم منح الوزيرين الانجليزى "ولسن" والفرنسى "دى بلينيير" حق الفيتو ضد اى مشروع حكومى وكان اهم ما تضمنته الخطة هو رفع ضرائب الارض الخراجية والعشرية والغاء القروض الداخلية من اجل القروض الخارجية

·       فغضب اسماعيل وقام فى 7/4/1879 بحل الوزارة الاوروبية وتأليف وزارة وطنية برئاسة شريف باشا التى قام بعزل عدد من الموظفين الاوروبيين وزيادة عدد الجيش الى 60 الف ووضع اول دستور لمصر.

·       و فى  17مايو 1879 عرض مشروع اللائحة الاساسية وقانون الانتخاب على مجلس النواب ، وفى 8 يونيو 1879 وافق المجلس ووضع خطة مالية وطنية  ، فاعترضت بريطانيا وفرنسا والمانيا والنمسا على الخطة المالية

·       وقامت انجلترا وفرنسا فى 19يونيو 1879بتوجيه انذار انجليزى فرنسى لاسماعيل بالتنازل عن العرش دعمته المانيا والنمسا وروسيا وايطاليا وضغطت على السلطان عبد الحميد الذى اقال اسماعيل فى 25 يونيو ليغادر الى ايطاليا ويعين الخديوى توفيق بدلا منه .

·       وفى 4/9/1879 تم اعادة الرقابة المالية الثنائية واقالة الوزارة الوطنية، وكلف رياض باشا بالوزارة الجديدة الذى امر بتخفيض الجيش الى 18 الف فقط، كما تم الغاء فرمان 1873 فحرمت مصر مجددا من حق عقد قروض خارجية، وفى يناير 1880 طبقت خطة ولسن المالية التى حددت الدين المصرى بـ 98 مليون وزادت الضرائب على الفلاحين، وامتنعت عن دفع مرتبات الضباط بالاضافة الى ترقية الضباط الشراكسة دون المصريين، فثار الجيش وتمت إقالة رياض وتكليف شريف باشا بالوزارة الجديدة

·       وفى 9/9/1881 قامت الثورة العرابية

·       وفى 26/12/1881 أصر مجلس النواب المصرى على حقه فى التصويت على الميزانية المصرية

·       فقامت انجلترا وفرنسا بتوجيه انذار الى مصر فى 26/12/1881 تعلنا فيه رفضهما لاى صلاحيات مصرية تخص الميزانية، وقبل شريف باشا الانذار وغضب المجلس فاستقالت الوزارة، وتم تعيين وزارة وطنية جديدة بقيادة البارودى وكلف عرابى بالحربية فى 5 فبراير 1882

·       وفى 5 فبراير تم نشر اللائحة الاساسية وابطال المراقبة الثنائية وإعداد قانون انتخابات جديد فثار الفلاحون ضد ملاك الاراضى وخاف الاقطاعيين من الحركة الجارية وتصاعدت الثورة، فبعثت انجلترا وفرنسا بأساطيلها الى الاسكندرية فى 20 مايو وطلبت من الخديوى ابعاد عرابى وعلى فهمى وعبد العال واقالة وزارة البارودى فقبل الخديوى الذى هرب الى الاسكندرية فى 13 يونيو

·       وانعقد فى 23 يونيو مؤتمر للدائنين ضد مصر فى القسطنطينية من كل من فرنسا وانجلترا وروسيا والنمسا والمانيا ( مؤتمر النزاهة )

·       وفى 6 يوليو وجه الأميرال سيمور انذار اول الى رئيس حامية الإسكندرية بتوقيف أعمال التحصينات، ثم انذار ثانى فى 10 يوليو، وبدأ قصف الاسكندرية فى 11 يوليو الذى انتهى بوقوع مصر تحت الاحتلال البريطانى لمدة 76 سنة.

·       وقام الانجليز فورا بعد استسلام عرابى بنزع سلاح الجيش المصرى وتسريحه وارغام مصر على دفع 9 مليون جنيه استرلينى تعويضا للانجليز ، وتم الغاء الرقابة الثنائية ، وتحويل مصر الى مزرعة قطن لبريطانيا .

·       وفى 1885 وقعت اتفاقية دولية لديون مصر، وفى 1888 وقعت اتفاقية القسطنطينية بشان قناة السويس من كل من فرنسا وروسيا والمانيا والنمسا والمجر وايطاليا واسبانيا وهولندا وتركيا .

***

وناضلت أجيال كثيرة من الشعب المصرى الى ان نجحت فى تحرير مصر 1954/1956، ولكن بعد ان كان الاستغلال الاستعماري الطويل قد أنهك مصر وتسبب فى تأخرها وتخلفها عن نظرائها، وهو التخلف الذى لا تزال آثاره ممتدة حتى اليوم.

 ومنذ ذلك الحين، استقر فى الضمير الوطنى المصرى ان الاقتراض هو اقصر الطرق الى التبعية.

*****

محمد سيف الدولة

* تاريخ الاقطار العربية الحديث ـ لوتكسى