بحث فى المدونة

السبت، 26 فبراير 2022

دروس روسية فى الأمن القومى

 فيما يلى قراءة فى المفهوم الروسى للامن القومى من واقع (كلمات بوتين) التى وردت فى خطابيه فى 21 و 24 فبراير الجارى، اقدمها "بتصرف" من باب المقارنة مع ما نشاهده ونعيشه على امتداد ما يقرب من نصف قرن من نزيف التنازل والتفريط العربى الرسمى فى أساسيات وضرورات الامن القومى الوطنى والعربى فى مواجهة (اسرائيل) والولايات المتحدة.

الأمن المتكافئ

على مدى 30 عاماً نحاول التوصل إلى اتفاق مع دول الناتو حول مبادئ الأمن المتكافئ وغير القابل للتجزئة في أوروبا... وان خيارات الدول من أجل تعزيز أمنها يجب ألا تتضمن تهديداً لأمن دول أخرى او على حسابها .. إلا أنهم رفضوا ذلك .. لا يريدون لروسيا أن تُحد من أمن الدول الأخرى، ولكن فى المقابل من حق أعضاء الناتو أن يحدوا من أمن روسيا .. ورغم كل احتجاجاتنا ومخاوفنا، توسعوا باطراد. آلة الحرب تتحرك وتقترب من حدودنا.

***

لا تنزع سلاحك .. لا تأمن لهم

·        بعد انهيار الاتحاد السوفيتى كان علينا الاعتراف بالوضع الجديد ومراعاة التغيرات في الوضع العالمى وفى توازن القوى نفسه. لكن كان يجب أن يتم ذلك بمهنية وسلاسة وصبر مع مراعاة مصالح جميع الدول واحترامها. لكن ما شهدناه هو حالة من النشوة من التفوق المطلق، نوع من الشكل الحديث للحكم المطلق.

·        ومع كل الانفتاح غير المسبوق لروسيا الجديدة، والاستعداد للعمل بصدق مع الولايات المتحدة والشركاء الغربيين الآخرين، وفي ظروف نزع السلاح من جانب واحد تقريباً، فقد حاولوا على الفور عصرنا، وتدميرنا تماماً.

·        يقولون إن الناتو لا يهدد أمن روسيا، لكن في عام 1990 عندما كان يجري الجدل حول مسألة إعادة توحيد ألمانيا، كانوا يؤكدون حينها للقيادة السوفيتية أنه بعد إعادة وحدة ألمانيا لن تبدأ عملية تمدد المؤسسة العسكرية للناتو إلى الشرق. كانت مجرد كلمات رنانة. ثم بدأوا يحاولون إقناعنا بأن انضمام دول من شرق ووسط أوروبا إلى الناتو سيساعد هذه الدول في التغلب على انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية... ثم توسعوا شرقا وقربوا معداتهم من الحدود الروسية متجاهلين كافة مصالحنا واهتماماتنا، وقاموا بالبصق علينا وفعلوا كل ما يريدونه وفق مقولة "دع الكلاب تنبح والقافلة تسير.

 أقول إننا لن نوافق على هذا الأمر.

***

القوة وضريبة الضعف

·        لماذا يحدث كل هذا؟ من أين تأتي هذه الطريقة الوقحة في التحدث من موقف الهيمنة والفوقية؟ من أين يأتي الموقف المستهتر والازدرائي تجاه مصالحنا ومطالبنا المشروعة؟

·        لقد ضعف الاتحاد السوفياتي في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، ثم انهار تماماً. إن مجمل الأحداث التي وقعت في ذلك الوقت تعد درساً جيدا لنا اليوم؛ فقد أظهرت بشكل مؤكد أن شلل القوة والإرادة هي الخطوة الأولى نحو التدهور الكامل. فبمجرد أن فقدنا الثقة في أنفسنا لبعض الوقت، عانى ميزان القوى في العالم من الاضطراب.

·        أن القوة الحقيقية تكمن في العدل والحقيقة، التي هي إلى جانبنا. وإذا كان الأمر كذلك، فمن الصعب الاختلاف مع حقيقة أن القوة والاستعداد للقتال هو الأساس الذي يقوم عليه الاستقلال والسيادة، وهما الأساس الضروري الذي يمكنك من خلاله بناء مستقبلك بشكل موثوق، وبناء منزلك وعائلتك ووطنك.

***

لا تسترضى عدوك

·        نحن نعلم جيداً من التاريخ كيف حاول الاتحاد السوفياتي في عام 1940 وأوائل عام 1941 بكل طريقة ممكنة منع أو على الأقل تأخير اندلاع الحرب... وحرص في سبيل ذلك على عدم استفزاز العدو بدلا من الاستعداد لصد هجومه. وكانت النتائج كارثية، حيث لم تكن البلاد مستعدة لمواجهة غزو ألمانيا النازية، التي هاجمت وطننا الأم في 22 يونيو 1941 دون إعلان الحرب. صحيح انه تم إيقاف العدو ثم سحقه، ولكن بثمن باهظ .. فلقد فقدنا في الأشهر الأولى للعدوان مناطق شاسعة ذات أهمية استراتيجية وخسرنا الملايين من الناس.  

·        لقد تعلمنا أن محاولة استرضاء المعتدي .. كانت خطأ كلف شعبنا غالياً. ولن نسمح مرة ثانية بمثل هذا الخطأ.

***

الخطوط الحمراء

·        ان التوسع الإضافي للبنية التحتية لحلف شمال الأطلسي، والتطوير العسكري لأوكرانيا هو أمر غير مقبول بالنسبة لنا.

·         في أراضينا التاريخية، يتم إنشاء كيان مناهض لروسيا، والذي تم وضعه تحت السيطرة الخارجية الكاملة، ويتم تعزيزه بشكل مكثف من قبل القوات المسلحة من دول الناتو ويتم منحه أحدث الأسلحة.

·        بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، هذه هي سياسة احتواء روسيا، وهي تمنحهم مكاسب جيوسياسية واضحة. وبالنسبة لبلدنا، هذه في النهاية مسألة حياة أو موت، وهي مسألة مستقبلنا التاريخي كشعب .. هذا تهديد حقيقي ليس فقط لمصالحنا، ولكن لوجود دولتنا وسيادتها. هذا هو الخط الأحمر الذي تم الحديث عنه مرات عديدة.

·        ان الضمانات الامنية التى يتجاهلونها والتى نصر نحن عليها تتكون من ثلاثة نقاط رئيسية: أولاً، عدم السماح للناتو بالتوسع، ثانياً رفض نشر القواعد والمنظومات الهجومية قرب الحدود الروسية، وأيضاً العودة إلى حدود عام 1997 لانتشار الناتو.

***

الابادة الجماعية

·        كان من الضروري ايضا إيقاف الإبادة الجماعية ضد ملايين الأشخاص الذين يعيشون هناك، والذين يعتمدون فقط على روسيا، كانت هذه التطلعات والمشاعر وآلام الناس هي الدافع الرئيسي بالنسبة لنا لاتخاذ قرار الاعتراف بجمهوريات دونباس الشعبي.  ان هدفنا هو حماية السكان الذين تعرضوا للتنمر والإبادة الجماعية من قبل نظام كييف لمدة ثماني سنوات.

·        لكل ذلك فاننا سنسعى جاهدين لنزع سلاح أوكرانيا، وتقديم أولئك الذين ارتكبوا جرائم دموية عديدة ضد المدنيين، بمن فيهم مواطنو الاتحاد الروسي، إلى العدالة.

***

لم يكن هذا حديثا عن الصراع الروسى الأوكراني، كما لم يكن تسليما بالرواية الروسية، فهذا موضوع آخر. وانما كان حديثا ذى شجون عربية وفلسطينية بحتة.

*****

محمد سيف الدولة


الأحد، 20 فبراير 2022

تساؤلات فى ذكرى الثورة ـ عن المستقبل

تابع تساؤلات في ذكرى الثورة

سابعا وأخيرا عن المستقبل؟

1)   هل كان ما حدث فى يناير ثورة أم كان كارثة كادت ان تهدم الدولة المصرية كما يدعون؟

2)   وهل يمكن تكرارها؟

3)   وإذا تكررت، فكيف تتجنب السقوط فى ذات المصير والانتهاء الى ذات المآلات؟

4)      وهل لا تزال أفكار ثورة يناير وقواها وأدواتها صالحة للمستقبل، ام ان البركة في الأجيال الجديدة؟

5)   وهل هناك اليوم أصلا من يهتم بالمستقبل ويفكر فيه ويعمل من أجله؟ ام ما زلنا جميعا نجتر ما مضى؟

6)   والسؤال الأهم على الاطلاق هو ماذا يحمل الجيل الجديد من افكار وخصائص ومميزات وامكانيات وابداعات جديدة تؤهله للنجاح فيما فشلت فيه الاجيال السابقة عليه؟

 

 

الخميس، 17 فبراير 2022

كوكب العرب

حين ينبهر البعض بدرجة التقدم العلمي في أي دولة كاليابان على سبيل المثال، فانهم أحيانا ما يستخدمون تعبير (كوكب اليابان) ككناية لوصف ابداعا او اختراعا جديدا بأنه يفوق الخيال ولا يمكن ان يكون من صنع بشر مثلنا.

وفى هذا الحديث عن (كوكب العرب) كناية مشابهة، لان أحوالنا هى الاخرى قد فاقت الخيال وخرجت عن حدود العقل والمعقول، ولكن ليس بسبب تفوقنا العلمى كاليابان أو غيرها، وانما بسبب تفريطنا غير المسبوق فى حقوقنا ومصالحنا وقضايانا وامننا الوطنى والقومى، مقارنة بباقى دول وأمم العالم التى لا تزيد عن امتنا الكريمة أصالة وعراقة.

فعالمنا العربى ربما يكون هو المنطقة الوحيدة فى العالم التى قرر حكامها رفع الرايات البيضاء وتسليم مفاتيح أوطانهم ومقدراتها وامنها لأشد الدول عداء لنا، بدون معارك وبدون ان تلحق بهم هزائم كبرى كالتى لحقت بدول مثل المانيا واليابان فى الحرب العالمية الثانية، وذلك بالمخالفة وعلى النقيض تماما مع كل بديهيات وأسس وقواعد الدفاع عن الاوطان وعن استقلالها وسيادتها، التى وصلت اليها البشرية عبر الاف السنين وصاغتها مبادئ وثوابت ودساتير وقوانين ومواثيق واتفاقيات دولية.

***

أما مناسبة طرح هذا الكلام فهى المقارنة البسيطة بين ما نشاهده اليوم فى الصراع الغربى/الروسى حول أوكرانيا وبين احوالنا فى الوطن العربي؛ فلقد اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية ان قيام روسيا بغزو اوكرانيا التى تبعد عنها ما يزيد عن 9000 كيلومتر هو تهديد للأمن القومي الأمريكي. واعتبرت روسيا بدورها ان انضمام اوكرانيا الواقعة على حدودها لحلف الناتو هو خط احمر، ثمن تجاوزه هو قيامها بغزو اوكرانيا واحتلالها.  

أما نحن فى كوكبنا المتفرد، فان دولنا تلتزم الصمت تماما منذ ما يقرب من نصف قرن على وجود (اسرائيل) فى القلب منها وعلى حدودها، وعلى توسعها المستمر واستيلائها على مزيد من الاراضى العربية فى فلسطين وسوريا، وعلى فرضها قيودا امنية وعسكرية على دول الجوار، وعلى عربدتها فى السماوات العربية لقصف ما تشاء من اهداف ومدن عربية، وعلى امتلاكها لترسانة اسلحة تفوق تسليح الدول العربية مجتمعة، وعلى انفرادها بامتلاك السلاح النووى، وعلى اصدارها فرمانا بتحريمه على ما عداها من دول المنطقة، وأخيرا وليس آخرا على تحولها، تحت أعيننا وابصارنا، الى الدولة الاقليمية العظمى فى المنطقة التى يهابها الجميع ويعملون لها ألف حساب، رغم ان تعدادها لا يتعدى سبعة ملايين يهودى صهيونى وسط محيط يقرب من 450 مليون مواطن عربى.

***

ويا ليت الدول العربية قد اكتفت بالتزام الصمت، بل اخذت فى السنوات الاخيرة تدعم دولة الاحتلال وتضخ فيها مزيد من عناصر القوة والثراء والتقدم، من اول الهرولة والتسابق للاعتراف بشرعيتها الباطلة والتنازل لها عن ارض فلسطين التاريخية، الى آخر التطبيع المتصاعد معها فى كل المجالات والذي وصل الى درجة التحالف العسكرى والمناورات المشتركة التى شهدناها مؤخرا.

ان دفاع البشر عن أنفسهم وحياتهم ووجودهم وأمنهم واوطانهم ودولهم، فى مواجهة كل ما يتهددهم، هو غريزة فطرية لا تقتصر على انسان دون آخر ولا على الدول الكبرى دون الصغرى او القوية دون الضعيفة، فحتى أضعف المخلوقات قد أنعم الله عليها بأسلحة للدفاع عن حياتها وسلامتها.

***

هذا ليس حديثا عن الأشرار والأخيار أو الوطنية والخيانة او التطرف والاعتدال او المقاومة والموالاة، بقدر ما هو حديث عن بديهيات وثوابت وعقائد ومنطق كل الأسوياء من أمم وشعوب ودول العالم.

*****

محمد سيف الدولة

 

 

 

الأربعاء، 16 فبراير 2022

تساؤلات فى ذكرى الثورة ـ عن الخارج

تابع تساؤلات فى ذكرى الثورة

سادسا ـ اسئلة الخارج؟

1)   هل الخارج ام الداخل هو صاحب الكلمة الاخيرة والقول الفصل فى طبيعة نظام الحكم فى مصر وشخصية من يحكمها؟

2)   وما هو النظام الامثل لمصر من المنظور الأمريكي والأوروبي و(الإسرائيلي) والسعودي والخليجي؟

3)   وفى المقابل ما هو النظام الامثل لمصر من منظور الشعب المصرى؟ وهل يتفق كل المصريين على خصائص ومواصفات النظام الذي يريدونه؟

4)   وهل ستسمح كل هذه الاطراف الدولية والاقليمية والعربية بتغيير النظام فى مصر ضد مصالحها؟

5)   وهل الامر يتوقف على ارادتها، ام انه بمقدور القوى الوطنية المصرية ان تفرض ارادتها ونظام الحكم الذى تريده على الجميع؟

6)   ولماذا تسابق "الجميع بعد الثورة وبدون استثناء" على اعطاء التطمينات للامريكان ومجتمعهم الدولى عن نوايا الثورة تجاه المصالح الامريكية والعلاقات مع اسرائيل؟

7)   وبماذا أفادتنا هذه التطمينات فى نهاية المطاف؟

8)   وهل الرهان على الظرف الدولى والاقليمى والدعم الامريكى فى الفترة من 2004 الى 2011 كان خيارا صحيحا ام انه كان فيه مقتل الثورات العربية وفى القلب منها الثورة المصرية؟

9)   وهل يصح الاستعانة بالضغوط الخارجية للدفاع عن حقوق الانسان فى مواجهة انظمة الحكم المستبدة؟ وهل للخارج مصلحة فى ذلك؟

10)         وهل يمكن ان تكون هناك ثورة حقيقية لا تعادى امريكا و(اسرائيل) ولا ترفض كامب ديفيد ولا تدعم فلسطين؟

 

 

الاثنين، 14 فبراير 2022

الذين نفتقدهم وهم بيننا

رحل عنا فى الاعوام القليلة الماضية، عدد من كبار المفكرين والكتاب امثال الدكتور/ محمد عمارة والمستشار/ طارق البشرى والاستاذ/ ابراهيم يسرى والدكتور/ قاسم عبده قاسم والدكتور/ حسن حنفى وآخرون.

ولقد كان الحزن عليهم مزدوجا؛ حزن على الفراق، وآخر على الحرمان، بدرجات متفاوتة، من اجتهاداتهم وافكارهم قبل رحيلهم، بسبب الأجواء السياسية العامة والقيود الأمنية والاعلامية والصحفية المفروضة على حرية الرأى.

وهو ما يستدعى بالضرورة الحديث عن حزن اضافى من نوع آخر؛ وهو الحزن على افتقادنا لنخبة من كبار الكتاب والمفكرين الاحياء بيننا، اطال الله فى اعمارهم، والذين اختفت مقالاتهم وكتاباتهم بسبب ذات القيود.

انهم مفكرون وكتاب أحياء يرزقون، ولكنهم ممنوعون من الكتابة والمشاركة فى اى انشطة صحفية او اعلامية، بسبب مواقفهم وآرائهم وكتاباتهم المختلفة مع الرواية الرسمية للدولة ومع سياسة الرأي الواحد.

وسأتوقف هنا على سبيل المثال وليس الحصر، مع قامتين فكريتين كبيرتين تنتميان الى مرجعيات فكرية مختلفة هما الاستاذ/ فهمى هويدى والدكتور/ ابراهيم العيسوى، اللذين اختفت مقالاتهم تماما من كل الصحف المصرية فى السنوات الماضية.

والرجلان ينتميان الى تلك الفئة من المفكرين التى تتميز كتاباتها بالريادة فى مجال تخصصها والابداع والاثراء وغزارة الانتاج والاشتباك مع مستجدات الواقع اليومى وتحدياته.  

ولكنهما ايضا من الجيل الذى لا يجيد ولم يتمرس وربما لا يرغب، فى الكتابة والتفاعل مع قرائه وتلاميذه عبر وسائل الاعلام البديلة فى مواقع التواصل الاجتماعى، التى عادة ما يتم اللجوء اليها هربا من القيود المفروضة على النشر الورقى.

***

والأستاذ/ فهمى هويدى هو كاتب صحفى من الوزن الثقيل ومن كبار قادة الرأى العام وواحد من قلة نادرة من الكتاب تكتسب الجرائد قيمتها من كتابته فيها. وتمثل كتاباته جزء من الكتابات الصحفية المحورية فى العقود الماضية، منذ مقال الثلاثاء الشهير بجريدة الاهرام، وصولا الى عاموده اليومى بالغ الثراء فى الصفحة الاخيرة من جريدة الشروق.

وهو يتمتع بموهبة خاصة فى طرح رؤيته بعد دراسة وتدقيق واف في أكثر القضايا الشائكة، بشجاعة ومصداقية كاملة وبدون مراعاة للخطوط حمراء.

وتمثل عديد من كتاباته مرجعا اساسيا ومشتركا لدى التيارات الفكرية المصرية على اختلاف مرجعياتها الفكرية والسياسية، وهى مكانة يندر من يتمتع بها فى زمن الاستقطاب الحاد الذى ضرب البلاد وكل الأمة فى السنوات الماضية.

يقف دائما على مسافة من أى سلطة، وكانت كتاباته من أبرز الكتابات الموضوعية المعارضة لسياسات مبارك، ومن أشدها مناهضة (لاسرائيل) وكامب ديفيد وجماعة المطبعين من الكتاب والمثقفين المصريين والعرب. وهو من المدافعين على فلسطين والمقاومة، والمنتقدين بشدة لمواقف السلطات المصرية من الاعتداءات الصهيونية المتكررة على غزة، فى زمن كاد ان يختفي فيه مثل هذا الخطاب الوطني من الصحف الرسمية والمستقلة بشكل خاص ومن الخطاب السياسى والثقافى المصرى بشكل عام. وهو من الداعمين لثورة يناير والمتفاعلين مع احداثها وازماتها وصراعات فرقائها اليومية، ومن المدافعين عنها حتى الرمق الأخير، والرافضين لإجهاضها والعصف بمكتسباتها.

تتميز كتبه وكتاباته، بطرح رؤية اسلامية مستقلة ومدققة ونقدية لافكار ومواقف كثيرة من داخل التيار الاسلامى ذاته ومنها: حدث في أفغانستان، القرآن والسلطان، إيران من الداخل، أزمة الوعي الديني، مواطنون لا ذميون، حتى لا تكون فتنة، الإسلام والديمقراطية، التدين المنقوص، المفترون: خطاب التطرف العلماني في الميزان، تزييف الوعي طالبان: جند الله في المعركة الغلط، عن الفساد وسنينه، خيولنا التي لا تصهل وغيرها.

وكان اصراره على التمسك بحقه الكامل فى التعبير عن قناعاته فى السنوات الأخيرة، ورفض اى تدخل من مقص الرقيب او قبول اى قيود او خطوط حمراء هو السبب الذى منع مقالاته فى الشروق منذ منتصف صيف 2017.

***

الدكتور/ ابراهيم العيسوى هو عمدة أساتذة التخطيط ومفكرى الاقتصاد الوطنى المستقل، ليس على مستوى مصر فقط وانما على المستوى العربى، واهم من طرح مشروعات متكاملة وعلمية وواقعية بديلة لنموذج التنمية الراسمالى التابع فى بلادنا المفروض على دول العالم الثالث من مؤسسات الاقراض الدولى واخواتها. ومن أهم مؤلفاته فى هذا المجال: نحو خريطة طبقية لمصر؛ قياس التبعية في الوطن العربي، نموذج النمو الآسيوية والبحث عن طريق للتنمية في مصر، الغات وأخواتها ـ النظام الجديد للتجارة العالمية ومستقبل التنمية، الفقر في مصر، نموذج التنمية المستقلة البديل لتوافق واشنطون وإمكانيات تطبيقه في زمن العولمة، الإقتصاد المصرى فى ثلاثين عاما بالاضافة الى كتابه المبدع الأخير عن تجديد الفكر الاقتصادى. وغيرها الكثير من الكتب والكتيبات والمحاضرات والمقالات التى تربت عليها اجيال كاملة داخل مصر وخارجها لمواجهة نموذج التنمية الاستعمارى.

وهو مفكر اقتصادى مشتبك مع القضايا الوطنية والسياسية، وعضو سابق فى حزب التجمع فى عصره الذهبى وعضو لجنة الدفاع عن الثقافة القومية التى تشكلت بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد فى مواجهة التطبيع، ومن ابرز معارضى نظام مبارك ومؤيدى ثورة يناير. ولقد تم وضعه على القائمة السوداء بعد سلسلة المقالات الاتى كتبها فى جريدة الشروق أعوام 2013 و 2014 و2015 يطرح فيها رؤية معارضة ونقدية لما تم فى 2013 وما بعدها، والتى جاءت تحت عناوين مثل: ((من الخوف من الديمقراطية إلى التضحية بها)) ..  ((مصر إلى أين؟ ملف حقوق الإنسان والديمقراطية))  .. ((قرأت مشروع الدستور ولن أقول نعم))  .. ((المؤتمر الاقتصادى.. معايير التقييم والحصاد)) .. ((فاجـعة الجامـعة)) وكتابات أخرى مماثلة وأكثر حدة فى تناولها وتحليلها للأوضاع السياسية والدستورية.

ورغم ان كثيرين من التيار الاسلامى يتبنون هذا الكلام ويرددونه، الا ان صدوره عن مفكر اشتراكى رفيع المستوى كان له وقع آخر.

***

ان الامثلة متعددة والشخصيات كثيرة اطال الله فى اعمارهم جميعا.

والحزن هنا لا يقتصر على أزمة الحريات والديمقراطية وحقوق ابداء الرأي والكتابة والنشر، وانما أيضا وبالأساس على الخسارة الفادحة الناجمة عن حرمان القراء والمهتمين والمتابعين، بكل اجيالهم وتنوعاتهم الفكرية والسياسية من الانفتاح على نوافذ ومرجعيات فكرية ثقيلة الوزن، كانت كتاباتهم واجتهاداتهم فى مختلف القضايا والمسائل تمثل اضافة مؤثرة لا يمكن تجاهلها من المختلفين معهم قبل المتفقين.

ان مثل هؤلاء الكتاب والمفكرين، كانوا وسيظلون من أهم المكونات الرئيسية للقوة الناعمة فى مصر وفى الأمة العربية، وحرماننا من اطلالاتهم علينا هو خسارة فادحة لا يمكن تعويضها.

*****

 محمد سيف الدولة

 

الأحد، 13 فبراير 2022

تساؤلات فى ذكرى الثورة ـ عن الانقسام

تابع تساؤلات فى ذكرى الثورة

خامسا عن الانقسام

1)   هل كان الانقسام والصراع بين التيارين المدنى والاسلامى نابعا عن سلوك مستقل، ام انه انقسام موجه من السلطة؟

2)   وهل كان هو الخيار الصحيح؟ ام انه كان من الاجدر تصنيف القوى وبناء الجبهات والتحالفات وفقا لمواقفها الوطنية والطبقية بعيدا عن الرايات الايديولوجية؛ مثل مواقفها من التبعية ومن الأمريكان ومن (اسرائيل) وكامب ديفيد ومن صندوق النقد وتوزيع الثروة .. الخ؟

3)   لماذا يتفوق الاسلاميون فى العقود الأخيرة على نظرائهم من التيارات الاخرى فى غالبية الاستحقاقات الانتخابية ليس فى مصر وحدها بل فى عديد من الاقطار العربية؟ 

4)   وهل سيستمر هذا الوضع الى مالا نهاية؟ ام ان هناك فرصة لاعادة التوازن مستقبلا بين تيارات الامة من حيث درجات التاثير والانتشار الجماهيرى؟

5)   وهل ستسمح الاطراف النافذة فى الداخل والخارج ان تشهد مصر او اى بلد عربى حياة ديمقراطية وتداول سلمى للسلطة وانتخابات نزيهة فى حالة فوز الاسلاميين بالأغلبية مرة اخرى؟

6)   ام انه يجب الا يكون هناك مكان للإسلاميين فى اى حياة سياسية قادمة؟

7)   وفى هذه الحالة، هل يمكن اجتثاثهم تماما، هم أو غيرهم، من الحياة السياسية المصرية والعربية؟ وكيف يمكن ذلك بدون الزج بمجتمعاتنا فى دوامات من الاضطراب والفوضى والصراعات والحروب الاهلية، مثلما هى الاحوال فى لبنان والعراق واليمن؟

8)   وفى هذا السياق، هل من المتوقع أن يتم الافراج عن المعتقلين الاسلاميين فى الأجل المنظور، ام انهم سيقضون حتفهم فى السجون؟ وماذا سيكون تأثير ذلك على اجيالهم القادمة؟

9)   وهل يمكن لتيار واحد من تيارات الامة الاربعة ان ينجز مشروع التغيير والتحرر والتقدم منفردا؟ ام انه لا غنى لأحدنا عن الآخر؟

10)         وهل يجب ان تقتصر المطالبة بالحقوق والحريات لأنصار التيارات التى ننتمى اليها فقط، ام انها يجب ان تمتد لتشمل خصومنا السياسيين ايضا؟

 

 

الخميس، 10 فبراير 2022

تساؤلات فى ذكرى الثورة ـ عن خريطة الطريق

تساؤلات فى ذكرى ثورة يناير

رابعا ـ عن خريطة الطريق

1)   بعد ان فشلت كل من خريطتى الطريق المتصارعتين التى أدت لانقسامنا فى مارس 2011 وهما خريطة الانتخابات اولا (2011ـ 2013) وخريطة الدستور أولا (2013ـ 2022).... فشلت فى تحقيق أهداف الثورة، ماذا كانت خريطة الطريق الصحيحة التى كان أجدر بنا ان نتبناها جميعا ونتوحد حولها لنحقق أهداف الثورة؟

2)   ومن كانت أبرز الأطراف والقوى التى انحازت الى هذه الخريطة أو تلك؟ ولماذا؟

3)   اذا كان الفائز فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية2011 و 2012هى شخصيات وقوى من التيار المدني وليس الاسلامى، هل كانت ستسمح الدولة العميقة ومؤسساتها بانتزاع السلطة من اياديها ام انها كانت ستكرر معها ما فعلته مع الاخوان؟

4)   ما هو موقف مؤسسات الدولة من اى تغيير ثورى او ديمقراطى فى مصر؟ وهل يمكن ان تنجح اى ثورة، تتحالف ضدها كل هذه المؤسسات؟ وهل تعاملت معها قوى ثورة يناير بكل اطيافها بطريقة صحيحة؟ وماذا كان امامها من بدائل ممكنة؟ وكيف يجب التعامل معها فى اى مشروع للثورة او للاصلاح او للتغيير فى المستقبل؟ ليس فى مصر فقط، بل فى أى دولة عربية؟

5)   كيف استطاع النظام ان يخترق صفوف ثورة يناير بكل هذه العناصر الامنية والانتهازية التى ادعت ثوريتها ودعمها لثورة يناير ثم انقلبت عليها فيما بعد؟

6)   وكيف سمحنا باختراق رجال الاعمال لثورتنا، وان تكون صحفهم وقنواتهم الفضائية هى المتحدثة باسم الثورة والموجهة لخطابها ومطالبها؟

 

 

الثلاثاء، 8 فبراير 2022

الحرية والاستقرار

كان أمام السلطات المصرية أو أى سلطة عربية أخرى طريقان لتجنب تكرار ما حدث لمبارك؛ الطريق الاول هو علاج الاسباب والمشكلات التى ادت الى تراكم كل هذا الغضب الشعبى والذى أدى فى النهاية الى ثورة يناير. اما الطريق الثانى فهو الاغلاق الكامل للمجال العام سياسيا وبرلمانيا وحصار المعارضة وتأميم الاعلام واسكات أى رأى آخر.

***

ومن الواضح ان القائمين على الحكم اليوم قد وقع اختيارهم على الطريق الثانى؛ فهم يرون، وفقا لعديد من المشاهدات والتحليلات ان "مبارك" قد ارتكب اخطاءً قاتلة هى التى مهدت وأدت فى النهاية الى الثورة عليه؛ وذلك حين سمح بهامش من الحريات للمعارضة السياسية، وحين اعطاهم حصة ولو صغيرة فى البرلمان، وحين سكت على حركات مثل كفاية والجمعية الوطنية للتغيير وغيرها، وحين فتح الصحف والقنوات الفضائية لاستضافة شخصيات معارضة، وحين سمح بمشاركة الاخوان فى الحياة السياسية البرلمانية والنقابية، وحين ترك نقابات مثل نقابة الصحفيين مفتوحة لشتى الفاعليات السياسية والفكرية...الخ.

ومن الواضح انهم قرروا أن كل هذا يجب أن يتوقف تماما، وان يتم اغلاق كل هذه المنافذ والمنابر بالضبة والمفتاح.

فلقد تم إطلاق حملة ممنهجة لإدانة ثورة يناير وتصفية مكتسباتها وعقاب ومطاردة كل من شارك فيها، وذلك رغم النص عليها فى دستور 2014.

مع احكام السيطرة على كل الملفات والمنافذ الهامة واحدا تلو الآخر؛ فبعد حظر التظاهر وفرض عقوبات شديدة القسوة على كل من يتظاهر، تم تكليف الاجهزة الامنية بإدارة ملف الانتخابات النيابية لتشكيل برلمان موالٍ بنسبة تزيد عن 90 %، ثم تنظيم الانتخابات الرئاسية بشكل تستحيل فيه المنافسة مع مرشح الدولة الوحيد. ثم القيام بتمديد الفترات الرئاسية الى أجل غير مسمى من خلال تعديلات دستورية تم الاستفتاء عليها بالطريقة المعتادة، ثم الهيمنة التامة على الاعلام بدءا بتكوين أذرعا اعلامية للسلطة وصولا الى تسليم كل الفضائيات المستقلة والحكومية الى الاجهزة السيادية لادارتها والتحكم فى محتواها. وهو ما حدث مثله ايضا مع الصحف المستقلة كالمصرى اليوم والشروق مما أدى الى منع أبرز وأهم كتاب الراى وأى أصوات معارضة أو حتى مستقلة.

***

ولأول مرة فى مصر، يتم اغلاق العمل العام والمشاركة السياسية والفكرية فى وجه الجميع من كافة التيارات؛ ففى سنوات حكم عبد الناصر، شارك الشيوعيون فى النصف الثانى من الستينات فى تجربة الاتحاد الاشتراكى بعد ان تم الافراج عنهم من المعتقلات. وفى عصر السادات تم تأسيس نظاما حزبيا مقيدا، ولكن فى ظله استطاعت المعارضة اليسارية والناصرية بالاضافة الى الاسلاميين، المشاركة فى الحياة السياسية سرا او علانية، مما مكنها رغم كل القيود، من خلق حياة سياسية فاعلة ونشيطة ومؤثرة دفعت السادات فى نهاية حكمه الى القيام باعتقالات سبتمبر الشهير ة التى شملت 1536 شخصية من مختلف التيارات.

 وفى عصر مبارك على امتداد سنواته الثلاثين، كان هناك دائما وجود نشيط وفعال للتيارات السياسية المعارضة، استطاعت من خلاله ان تخوض معارك قوية ضد مبارك وحكومته ونظامه وسياسته، من خلال المنابر والمنصات الصحفية والاعلامية والبرلمانية والسياسية والنقابية والطلابية وغيرها، الى الدرجة التى مكنت المعارضة من التصدى بقوة وفاعلية مؤثرة لمشروع التوريث، وكل ذلك رغم ان سجونه لم تخلُ أبدا من سجناء الراى.

اما اليوم فغير مسموح بأى من ذلك لأى تيار أو حزب أو حتى شخصية معارضة.

***

كان هذا هو الطريق الذى اختارته السلطة الحالية لتتجنب، وفقا لتصوراتها وحساباتها ورهاناتها، ذات المصير الذى انتهت اليه سلطة مبارك، وهو ما يبدو لأول وهلة اختيارا ناجعا وفعالا، فلا يوجد على المستوى الداخلى اى منافسات او تهديدات فعلية من اى قوى او تيار سياسى، بحيث يبدو ان الأوضاع مستقرة والامور قد استتبت الى ما شاء الله.

·       ولكن السؤال هنا هو كم من السنوات يمكن ان تتحمل اى دولة كل هذا الاحتقان؟ وكل هذا الرفض والطعن والتشكيك والهجوم من قطاعات عريضة من المعارضة السياسية المحاصرة والمحرومة من اى مشاركة فكرية أو سياسية؟

·       وهل يمكن لاى سلطة مهما بلغت قوة قبضتها الحديدية، مواجهة كل ما تتعرض له مصر والمنطقة من مخاطر خارجية واختلال هائل فى موازين القوى الدولية والاقليمية، بدون سند وظهير شعبى وسياسى داخلى، ظهير حقيقى وليس على شاكلة الحزب الوطنى والمواطنين الشرفاء؟

·       فتجاربنا وتجارب كثير من الدول فى العقود الماضية كشفت الى أى حد يمكن أن تمثل الشعوب حائط صد شديد المراس فى مواجهة اطماع القوى الاستعمارية وضغوطها التى لا تتوقف من حصار وعقوبات ومحاولات للترويض والاخضاع، أو من اعتداءات عسكرية ومشروعات للغزو والاحتلال.

*****

محمد سيف الدولة