بحث فى المدونة

الأربعاء، 28 يوليو 2021

تونس .. مخاوف وتساؤلات


أصدر قيس سعيد ثالث رئيس منتخب منذ الثورة التونسية 2011، حزمة من القرارات الاستثنائية تضمنت ما يلى:

·       تجميد البرلمان المنتخب لمدة 30 يوما.

·       مع رفع الحصانة عن نوابه.

·       واعفاء رئيس الوزراء، وتولى السلطة التنفيذية بنفسه بمساعدة رئيس وزراء جديد.

·       مع تولى رئاسة النيابة العمومية.

·       تلاها قرار بحظر التجوال ليلا لمدة شهر.

·       وقرارات اخرى فى ذات السياق.

***

أما عن الاسباب التى برر بها الرئيس التونسى اصداره لهذه القرارات فلقد حددها فى خطابه فيما يلى:

·       أن عديد من المناطق العمومية تتهاوى، وهناك عمليات حرق ونهب، وهناك من يستعد الآن لدفع الأموال في بعض الأحياء للاقتتال الداخلي.

·       والنيابة العمومية تسكت عن جرائم ترتكب في حق تونس، ويتم إخفاء جملة من الملفات في أضابير وزارة العدل، أو في ملفات المجلس النيابي.

·       وتحول القانون إلى أداة لتصفية الحسابات، وإلى أداة لتمكين اللصوص الذين نهبوا أموال الدولة وأموال الشعب المفقر، والى أدوات للسطو على إرادة الشعب.

·       يضاف علي ما ذكره بنفسه، ما يردده انصاره من الاحزاب والقوى السياسية، من تحالف الاخوان مع الفاسدين فى البرلمان لتمرير تشريعات وقوانين لسرقة اقوات الشعب التونسى.

***

 ردود الفعل الداخلية:

اختلفت الشخصيات والقوى السياسية داخل تونس على هذه القرارات فهناك من ايدها واعتبرها تعبيرا عن ارادة الشعب التى تجلت فى المظاهرات التى انطلقت يوم 25 يوليو، وهناك من اعتبرها انقلابا دستوريا، يتخفى وراء المادة 80 من الدستور الذى تم تأويلها بما ليس فيها.

والى حين اتضاح الصورة اكثر فى الايام والاسابيع القادمة، وما اذا كنا بصدد مشروع ثورة مضادة يقوم بها النظام القديم متخفيا وراء شخص رئيس الدولة، تبدأ بتصفية كل مكتسبات الثورة من حريات وحق تاسيس الاحزاب وتنظيم المظاهرات والانتخابات نزيهة وتبادل الآراء تداول السلطة والفصل بين السلطات .. الخ وتنتهى بالزج بكل من شارك فيها فى السجون والمعتقلات فصيلا وراء آخر..الخ

ام اننا بصدد اصلاح ثورى حقيقى واجب، مع الحفاظ على مكتسبات الثورة، واعادة فرز قواها وتطهير صفوفها من عناصر وقوى الثورة المضادة، وفقا لخطة عمل لم يعلن عنها بعد؟

***

نقول الى حين ان تتضح الصورة فاننا سنعود الى ذات السؤال الذى طرحناه من عشر سنوات فى 20 يناير 2011 تحت عنوان "البحث عن سر تونس" حين اطلقت شرارة اول ثورة عربية.

سنعود الى ذات السؤال ولكن هذه المرة لنطرح تخوفاتنا وتساؤلاتنا على الاخوة هناك لينيروا لنا الطريق ويزيلوا ما قد التبس علينا من غموض خلال متابعة تطور الاحداث فى الايام الماضية.

ليس فقط بصفتنا اشقاء لهم، يهمنا امرهم ويهمهم امرنا، بل لانها الثورة العربية الاخيرة الباقية على قيد الحياة، بعد ان تم العصف بباقى الثورات العربية اجهاضا او اختراقا واحتواءا او عسكرة وحروبا اهلية وتدخلات دولية.

وفى سقوطها، لا قدر الله، حكم بالفشل على عشر سنوات كاملة من محاولات الشعوب العربية واحلامها فى التحرر من قيود الاستبداد.

وفى نجاحها وعبورها للازمة الاخيرة، باذن الله، تجديد لبوارق الحلم والامل لدى المواطن العربى فى ان الحرية والديمقراطية وتداول السلطة وعدم تقديس وتأبيد الحكام العرب والفصل بين السلطات والانتخابات الحرة النزيهة وإطلاق الحقوق والحريات للجميع.. الخ، امور لا تزال ممكنة.

***

مخاوف وتساؤلات:

1)   هل نحن بصدد تصحيح ثورى طارئ يستجيب لغضب شعبى تلقائى نتيجة تفاقم المشكلات الداخلية بسبب فشل وفساد النخب السياسية الحاكمة بعد الثورة، وهو تصحيح طارئ سرعان ما سيلغى اى قرار استثنائى لتعود الحياة والحريات السياسية والدستورية الى سابق عهدها.

ام اننا بصدد مشروع مخطط ومدروس ومعد سلفا من الدولة العميقة والنظام القديم بافشال كل حكومات ما بعد الثورة، لاثارة غضب عامة التونسيين ضد الثورة ومن قام بها ودفعهم وتحريضهم للانقلاب عليها، والمطالبة بالعودة الى سنوات (الاستقرار) والقبضة الحديدة للنظام والدولة ايام بن على وبوتفليقة.

***

2)   وفى ذات السياق، هل نجحت القوى السياسية التى قامت بالثورة فى اسقاط النظام القديم، وعزل قواه وطبقاته المسيطرة والحاكمة، وتاسيس نظاما جديدا بسياسات وتوجهات وطنية واجتماعية واقتصادية ثورية ومختلفة، أم ان قوى النظام القديم لا تزال تحكم البلاد من وراء الكواليس؟

***

3)   وهل الحديث الدائر عن ان قرار تجميد البرلمان او حتى حله مستقبلا، كان قرارا حتميا لتقييد حركة النهضة التى تتحمل الجانب الاكبر من الازمة ومن اسباب الفشل، سيتبعه عاجلا أم آجلا قرارا رئاسيا باقصائها تماما من الحياة السياسية وفرض حظر قانونى على مشاركتها فى اى نشاط سياسى او استحقاقات انتخابية قادمة؟ حتى لا تعود للمشهد مجددا وتظل المشكلة قائمة؟

وهل سيتم تصنيفها كجماعة ارهابية لتبرير وتسهيل مثل هذه العملية الجراحية؟

وهل هناك دراسة وتقدير للعواقب وردود الفعل المتوقعة والمحتملة من انصارهم ومؤيديهم من المواطنين التونسيين الذين انتخبوهم؟

وهل يمكن تنفيذ هذا التوجه وهذه السياسات الاقصائية بدون فرض سلسلة من القيود السياسية والقانونية والامنية المماثلة على الجميع من غير الاسلاميين، مثل حظر التجوال وحظر التظاهر وحظر النقد والرأى الآخر، وحظر اى معارضة للرئيس او للنظام لانها ستصب حتما فى صالح النهضة، وفقا لقاعدة اما ان تكونوا مع الرئيس او مع النهضة؟

وهل القوى والتيارات التى عاشت لعقود طويلة تحت الحصار والحظر السياسى والحكم البوليسى قبل الثورة، تدرك ان هذا قد يكون مصيرها مجددا؟

وهل اتخذت من الضمانات ووضعت من الشروط ما يجنبها هذا المصير؟

***

4)   وهل سيتم تطبيق ذات السيناريو وذات الاجراءات على (طبقة) رجال الاعمال التابعة والفاسدة وقلب الدولة العميقة والنظام القديم، من ناهبى ومحتكرى الثروات التونسية على مر العصور؟

***

5)   واذا كان هناك بالفعل خللا جسيما فى مسار الثورة يتطلب وقفات وتغييرات جذرية وحاسمة، فلماذا لم تسعَ القوى والأحزاب السياسية المدنية، الى انجاز هذه المهمة بنفسها من خلال العمل والنضال عبر قنوات الحياة السياسية والبرلمانية المتاحة، بدلا من ان تستقوى بالرئيس وباجرائاته الاستثنائية؟

ومنذ متى كان تركيز كل السلطات فى يد رجل واحد رئيسا او ملكا او زعيما هو الطريق لتصحيح المسار الثورى؟

فحتى جمال عبد الناصر الذى يحسب له النجاح فى انجاز نقلة جذرية وثورية حقيقية فى مصر، فان انجازاته لم تصمد ولم تستمر بعد وفاته، بسبب جرثومة الهيمنة الكاملة على كل السلطات التى وظفها خلفه فى الانقلاب على المشروع الوطنى لعبد الناصر وتصفيته.

وكذلك حركة المقاومة الفلسطينية التى تأسست على أيدى ابو عمار ورفاقه فى الستينات وخاضت معارك ونضالات تاريخية على امتداد ما يقرب من عشرين عاما، تم اجهاضها فى النهاية على ايديهم هم ايضا حين نجحت الولايات المتحدة و(اسرائيل) ومجتمعهما الدولى فى حصارهم وكسر ارادتهم وتوريطهم فى توقيع اتفاقيات أوسلو.

فتجاربنا الوطنية والتاريخية المريرة علمتنا خطورة الرهان على الحاكم أو الزعيم الاوحد، مهما كان من الاخيار، لانه بكل بساطة يمكن ان يمرض او يموت او يضعف او ينكسر او يخون.

***

6)   وهل نضال وتضحيات شعب باكمله على امتداد عقود طويلة لاسقاط نظم الاستبداد، يجوز ان نعرضه لمخاطر واحتمالات التراجع عنها والعصف بها بسبب تظاهرات شعبية غاضبة تمت فى حماية السلطات وسط حالة من المنافسة والانقسام والاستقطاب الحاد.

وهل المظاهرات دائما على حق؟ وماذا لو اختلفت الحشود والتظاهرات والهتافات والانحيازات فالى من نحتكم: المظاهرات ام الانتخابات؟

وهل الاجراءات الاستثنائية الاخيرة، ستنجح فى اخراج البلاد من حالة الشلل السياسى والدستورى والاقتصادى، ام انها ستزيدها تعقيدا واستقطابا؟

وهل ستكون فعلا مؤقتة واستثنائية، أم ستتحول ببقدرة قادر الى اجراءات وسياسات دائمة؟

***

7)   وهل اقتصار انجازات الثورة التونسية على تحقيق مكاسب تتعلق بالحريات والديمقراطية وحقوق الانسان فقط على الطريقة الليبرالية، والتى لا تمثل سوى جزءا صغيرا من مشروعات التغيير الثورى الكبرى لدى التيارات الاشتراكية والقومية وربما الاسلامية ايضا، تبرر الاستخفاف والتضحية بها بذريعة انها غير كافية؟

ام انه يتوجب علينا ان نوظف ما حققناه من مكاسب ولو كانت محدودة، كأدوات للانتقال الى المرحلة التالية، على غرار نظرية المراحل الثورية فى النموذج الماركسى من الثورة الوطنية الديمقراطية الى الثورة الاشتراكية؟

***

8)   لقد كان المعارضون التونسيون قبل الثورة مثلهم مثلنا جميعا، يتشوقون لثقب ديمقراطى صغير يتسرب منه "سرسوب" اكسجين ديمقراطى.

اما اليوم وبفضل ما حققته الثورة من مكتسبات فان لهم المقدرة على النضال بحرية والتواصل مع الجماهير والتفاعل والتاثير والمشاركة فى صناعة القرار والرقابة والتصحيح. أفلا يخشون مخاطر واحتمالات التضحية بكل ذلك؟

***

9)   وهل صحيح ان هناك قرارا دوليا واقليميا بتصفية ما سمى بالربيع العربى والقضاء على آخر توابعه وآثاره، وأن ما يحدث فى تونس ليس سوى الحلقة الأخيرة؟

***

10)         وهل هناك خصائص فى الشعوب العربية ونخبها، تجعلها تفضل استبداد الحاكم الاوحد عن القبول بدور الاقلية فى برلمان تسيطر عليه اغلبية من خصومهم السياسيين والحزبيين؟

وفى قول آخر هل بلغت الكراهية بيننا كتيارات فكرية وقوى سياسية فى غالبية الاقطار العربية، ما يجعلنا نرحب بهدم المعبد على رؤوسنا جميعا إذا لم نجد أنفسنا نحتل مقاعد القيادة والريادة؟

***

كانت هذه بعض التخوفات والتساؤلات التى راودتنا فى الساعات والايام القليلة الماضية، نضعها أمام اشقائنا ورفاقنا فى تونس، ونتمنى الا تكون فى محلها، مع خالص تمنياتنا الى تونس الحبيبة بالنجاح والنجاة والوصول الى بر الامان.

*****

محمد سيف الدولة

السبت، 10 يوليو 2021

حياة المصريين مهمة

دأب المتظاهرون الامريكان على رفع شعار حياة الزنوج مهمة، بعد كل اعتداء من الشرطة الامريكية على احد المواطنين الامريكيين من اصل افريقى مثل جورج فلويد وأمثاله.

ومن ناحية أخرى دائما ما تؤكد الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبى على ان "من حق (اسرائيل) أن تدافع عن نفسها" مع كل صاروخ تطلقه المقاومة الفلسطينية فى مواجهة اعتداءات وقنابل ومذابح العدو الصهيونى على قطاع غزة.

واليوم ونحن نخاطب الراى العالمى ونفاوض المجتمع الدولى، بشأن المخاطر الوجودية التى تتهددنا من جراء سد النهضة، فانه يتوجب علينا أن نؤكد لهم بكل السبل واللغات والأدوات الناعمة والخشنة على أن"حياة المصريين ايضا مهمة"، وان "من حق مصر ان تدافع عن نفسها".

***

هذا المجتمع الدولى:

لا نعلم على وجه التحديد، ما هى الخطط والاستراتيجيات التى تتبناها السلطات  المصرية لادارة ملف مياه النيل وسد النهضة، وما هى الحكمة والغاية من تصعيد الموضوع الى المجتمع الدولى ممثلا فى مجلس الامن "سئ السمعة".

فها هم يجتمعون عن بكرة ابيهم، ويستخفون بالشكاوى والتحذيرات المصرية والسودانية الجادة والخطيرة، ويتجاهلون المعضلة الرئيسية فى مسألة السد، وهى المخاطر الوجودية على دولتى المصب المترتبة على الرفض الاثيوبى لتوقيع اى اتفاق ملزم، مع الاصرار على الملء بدون اتفاق وتنسيق مع دول المصب، الى آخر التصريحات الدائمة بأن النهر بحيرة اثيوبية، وعدم الاعتراف بأى حقوق او حصص تاريخية مصرية او سودانية فى مياه النهر.

وبدلا من اجبار او حتى توصية الاثيوبيين بالتوقيع والالتزام بالمواثيق الدولية المنظمة للأنهار الدولية المشتركة العابرة للحدود، تبارت الغالبية العظمى من اعضاء المجلس الدائمين والمؤقتين، باطلاق تصريحات عامة ومرسلة لا تمس صلب المشكلة، وتساوى بين الاطراف الثلاثة ولا تفرق بين المعتدى وبين الضحايا، فتحثهم جميعا على العودة الى المسار الذى ثبت فشله مرارا وتكرارا تحت ادارة الاتحاد الافريقى، مع توجيه طعنة غدر اضافية لمصر صدرت هذه المرة من روسيا وليس من الولايات المتحدة، وهى رفض أى تلويح باستخدام القوة! فى شبه توافق دولى على دعم الموقف الاثيوبى ومباركة الحصار المائى العدوانى المزمع فرضه على مصر والسودان.

***

لتجد مصر مرة أخرى مصيرها يقرره آخرون غيرها، معادون لها أو متربصون بها، مثلما حدث معنا عام ١٩١٩ حين قام مؤتمر الصلح بين المنتصرين فى الحرب العالمية الاولى، بخذلان مصر وطعنها فى ظهرها حين اعترف بالحماية البريطانية على مصر.

وايضا حين رفض مجلس الامن عام ١٩٦٧ اصدار قرار بالانسحاب غير المشروط لقوات الاحتلال الاسرائيلية من سيناء.

والقائمة تطول مصريا وفلسطينيا وعربيا.

فلماذا لم نتعلم الدرس بعد مائتى عام من غدر الغرب الاستعمارى ومجتمعه الدولى، من انهم لن ينصفونا ابدا، بل سيتآمرون علينا على الدوام.

***

ان هذا النظام المسمى بالدولى هو نظام معادى لبلادنا، والتنظيمات الدولية كالامم المتحدة هى ادوات وظيفية لتثبيت واحكام الهيمنة الغربية على العالم، وكل القوى الكبرى المتنفذة فى العالم قوى استعمارية لا استثنى منهم احدا خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى.

فما ان تتعرض اى بلد من بلادنا الى مخاطر وتهديدات خارجية تحتاج الى تدخل أو حماية دولية، الا ويسيل لعاب كل الاشرار الدوليين كبارا وصغارا، لاستغلال الفرصة والظروف فيقدمون للضحية قوائم من المطالب والشروط مقابل دعمهم ومساعداتهم فى هذا الملف او غيره.

***

لا امل لنا فى أزمة سد النهضة او فى غيرها، الا بخلع أثواب الخضوع والتبعية التى ألبسونا اياها بعد حرب 1973، ومعاملتهم بالمثل وقلب المائدة فوق رأس الجميع، والتهديد بضرب مصالح اى دولة كبرى او صغرى لا تدعمنا فى قضايانا، ملتحفين بارادة شعوبنا وكل الاحرار من شعوب العالم.

ومن حسن حظنا ان مصر بفضل مكانتها وموقعها فى المنطقة، تملك مئات من الاوراق التى يمكن ان ملكت ارادتها الحرة وقرارها المستقل ان تضغط بها على اكبر شنب دولى فى العالم.

*****

محمد سيف الدولة

 

 

 

 

 

الثلاثاء، 6 يوليو 2021

قلق المصريين وتساؤلاتهم

يستطيع اى مراقب ان يرصد حجم القلق العميق من سد النهضة لدى الغالبية العظمى من المصريين.

وسبب هذا القلق هو ان الناس لا تعلم ماذا يجرى على وجه التحديد، وماذا سيسفر عنه الصراع الدائر اليوم مع اثيوبيا، تفاوضا او تدويلا او حربا، ولا تعلم ماذا اعدت الدولة المصرية من خطط واستراتيجيات لدرء اخطار السد. وماذا فعلنا فى السنوات العشر الماضية، لنجد أنفسنا اليوم نلعب فى الوقت الضائع، بدون ان نحرز اى تقدم فى ردع الاطماع الاثيوبية؟  

وهم يعبرون عن قلقهم فيما بينهم بكل صور وصيغ التعبير، من خلال طرح عشرات التساؤلات وعلامات الاستفهام، وضرب اخماس فى اسداس وتقليب كل ما يخطر على بالهم من احتمالات او شطحات، ولا يجدون فى التصريحات الرسمية ما يشفى الغليل ويريح القلوب والخواطر.

يتساءلون:

·       هل سنستطيع اجبار اثيوبيا فى النهاية على توقيع اتفاقية ملزمة تحفظ حقوق مصر والسودان؟

·       ولماذا كل هذا الاستخفاف الاثيويى بغضب الدولتين المصرية والسودانية وهذا التجرؤ والتجاسر علينا، وآخره الاعلان الاثيوبى الأخير عن بدء الملء الثانى للسد؟

·       وهل ستقوم الدولة المصرية بقصف السد؟

·       أم انها لا تريد التورط فى أى حرب؟

·       وهل نحن قادرون بالفعل على حسم الامر عسكريا؟

·       وهل أخذنا ترتيباتنا واستعدادتنا لأية ردود فعل أثيوبية، مثل ضرب السد العالى لا قدر الله؟

·       وهل يحتاج اى عمل عسكرى مصرى الى أية مباركة امريكية او دولية؟ أم انه قرار مصري مستقل مائة بالمائة؟

·       وما هى حقيقة موقف وانحيازات الولايات المتحدة فى هذه القضية، وهى التى سبق واعطيناها 99 % من اوراقنا؟

·       وهل عدم الحصول على مثل هذه المباركات هو الذى يؤخر اتخاذ هذا القرار المصيرى؟

·       وماذا إذا رفض المتنفذون الدوليون اى عمل عسكرى مصرى؟ هل سنستلم ونخضع للارادة الاثيوبية المنفردة؟

·       وهل صحيح ان هناك دعما وحماية عسكرية اسرائيلية او روسية لسد النهضة؟

·       وما صحة ما يتردد من ان سد النهضة بالاساس هو مشروع اسرائيلى لحصار مصر؟

·       وهل صحيح ما يتردد ان كل هذا الضغط الاثيوبى يدور لصالح (اسرائيل) من اجل ان تقبل الادارة المصرية فى النهاية تلبية المطلب الاسرائيلى القديم بالحصول على نصيب من مياه النيل؟

·       بل ان هناك من بلغت به الشكوك والشطحات الى تصور ان كل هذا ليس سوى تمهيد متفق عليه لتوصيل مياه النيل لاسرائيل!

·       وفى باب الشطحات ايضا، ذهب البعض من باب المكايدات السياسية الى ادعاء ان توقيع مصر على اتفاق المبادئ سئ السمعة عام 2015، جاء ضمن فواتير الاعتراف الافريقى والدولى بشرعية الاوضاع فى مصر بعد عام 2013.

·       وعلى ذات المنوال يخشى البعض من تكرار ما حدث فى جزيرتى تيران وصنافير مع السد الاثيوبى؟

·       وايضا يخشون، فى حالة الفشل لا قدر الله، التذرع بثورة يناير وتحميلها المسئولية عن كارثة السد، وفقا لبعض التصريحات الرسمية التى سبق صدورها بهذا المعنى.

·       ويمتد القلق الى الادارة السودانية الحالية ليتساءل البعض هل هى معنا قلبا وقالبا؟

·       ام انه من الممكن ان تغدر بنا وتنقلب علينا وتوقع اتفاقا منفردا مع اثيوبيا؟

·       وهل القرار السودانى اليوم هو قرار مستقل ام انه رهين بالضغوط الدولية كما حدث فى قضية التطبيع مع (اسرائيل) والجنائية الدولية وصندوق النقد الدولى؟

·       وفى حالة اعلان الحرب، هل من الممكن ان تقوم بها مصر منفردة، ام ان التسهيلات اللوجستية السودانية شرط  أساسى لنجاحها؟

·       وعن الوضع الداخلى يتساءلون ما المطلوب من الشعب المصرى ومن قواه السياسية؟

·       هل المطلوب منهم الامتناع عن التدخل والمراقبة فى صمت؟

·       ولماذا لا تستعين الدولة بالغضب الشعبى المصرى كورقة ضغط على المجتمع الدولى؟

·       ولماذا لم تفكر الادارتان المصرية والسودانية فى إطلاق سراح مظاهرات الغضب الشعبية فى وقت متزامن مع انعقاد جلسات مجلس الامن لمناقشة ملف السد؟

·       ولماذا يقوم الاعلام الرسمى المصرى بتسخين وتعبئة المصريين؟

·       هل لانه يُعِدَّهم للحرب؟

·       ام لانه يمهد من الآن للتملص من المسئولية فى حالة الفشل والهزيمة، فيقوم باشهاد الراى العام المصرى، بانه لم يقصر بدليل انه لجأ الى كل الادوات والاساليب الممكنة؛ من التفاوض المباشر الى الاتحاد الافريقى الى مجلس الامن؟

·       ولماذا نشعر بالاضطراب والبلبلة وتضارب المواقف، بين التصريحات الرسمية عن الخطوط الحمراء وتهديد الامن الاقليمى والدولى والتلميح بالحسم العسكرى من ناحية، وبين تصريحات رسمية اخرى تؤكد على ان الملء الثانى لن يضر مصر واننا اتخذنا استعداداتنا المائية لاى طارئ وان هناك من الاشرار من يريد استدراج مصر وتوريطها فى الحرب .. الخ؟

·       وهل يمكن ان يغيب عن مؤسسات الدولة العريقة والعميقة العواقب الكارثية التى ستترتب على حالة تعطيش الارض والناس، بالذات فى ريف مصر سواء فى الصعيد او وجه بحري؟

***

كانت هذه عينة من التساؤلات التى تتردد منذ فترة طويلة فى أحاديث المصريين، والتى تعبر عن حالة من القلق العميق، صنعها وغذاها وينفخ فيها كل يوم الخطاب الرسمى المصرى بحديثه عن التعنت الاثيوبى. وهى حالة غير صحية لا ننصح بتجاهلها، خاصة مع شعور الناس بالتهميش والعجز عن المشاركة بأى شكل من اشكال الدعم والمساندة فى هذه المعركة التى تتعلق بحياة ومصير كل منهم.

*****

محمد سيف الدولة