بحث فى المدونة

الأحد، 25 سبتمبر 2022

مخاطر إزاحة الرئيس المصرى

فيما يلى تقرير آخر * من تقارير المخابرات المركزية الأمريكية عن مصر**، وكنا قد تناولنا فى مقال سابق أحد تقاريرها الذى صدر فى اول يونيو 1976 والذى تضمن وصفا وتقييما لطبيعة النظام فى مصر، والذى كان فى مجمله تقريرا متفائلا يعكس ثقة امريكية فى شخصية السادات وسياساته وقوة مركزه وسيطرته على الأمور.

ولكن بعد مرور شهور قليلة، وبالتحديد بعد انتفاضة 18 و19 يناير 1977، صدر هذا التقرير الجديد فى 3 فبراير 1977، والذى حمل هذه المرة تشاؤما امريكيا شديدا حول مصير السادات.

وكانت خلاصة ما انتهى اليه هو ان السادات أصبح فى وضع ضعيف اقتصاديا وعسكريا وسياسيا وعربيا، وسيزداد وضعه سوءا وستزداد مخاطر ازاحته، ما لم يتم تحقيق تقدم فى المفاوضات مع (اسرائيل)، وما لم يحصل على معونات اقتصادية كبيرة، وما لم يتمكن من ايجاد بديلا عن واردات السلاح السوفيتى التى تأثرت كثيرا بعد ابتعاده عن السوفيت.

***

وتعود أهمية هذا التقرير الى النقاط التالية:

·       الاولى هى انها تكشف حجم الرصد والتشريح الأمريكى الدقيق للعمق المصرى والذى كان وراء نجاحهم فى تمرير مشروعهم بتغيير مصر واعادة صياغتها على النحو الذى نراه اليوم.

·       النقطة الثانية هى تأكيد صحة آراء ومواقف وتحليلات المعارضة المصرية فى ذلك الوقت من أن انكسار السادات بعد انتفاضة الخبز وتآكل شعبيته واهتزاز شرعيته التى حققها بعد حرب 1973، كان من أهم العوامل التى دفعته للسفر الى القدس فى ذات عام الانتفاضة ثم توقيع اتفاقية سلام منفردة مع (اسرائيل) تحت رعاية الولايات المتحدة، بحثا عن حماية وشرعية "بديلة" عند الأمريكان. وهى ذات القاعدة التى أصبحت تحكم غالبية الدول العربية منذ سنوات طويلة؛ قاعدة أن الخارج وليس الداخل هو مصدر شرعية السلطة ونظام الحكم والحاكم.

·       النقطة الثالثة هى ما تأكد مجددا فى هذا التقرير أيضا من انه مع بعض الفروق والاختلافات فان كثيرا مما ورد فى وصف الحالة المصرية فى ذلك الوقت لا يزال ينطبق على مصر الى يومنا هذا.

***

والتقرير يتناول الاوضاع فى مصر بالتفصيل على المحاور التالية:

أولا ـــ الجانب الاقتصادى:

ثانيا ـــ الوضع  السياسى الداخلى:

ثالثا ـ الوضع العسكري والقدرات العسكرية المصرية:

رابعا ـ الضغوط العربية:

خامسا ـ السادات والجيش و الاتحاد السوفييتي:

سادسا ـ حالة المفاوضات:

سابعا ـ المطلوب من الولايات المتحدة:

***

وفيما يلى قراءة لأهم ما ورد فى التقرير:

أولا ـــ الجانب الاقتصادى:

·       ان تأميم الشركات الأجنبية في ظل حكم عبد الناصر، والتطبيق العشوائي للخطط الاقتصادية والسياسات المالية المسرفة قد خلقت اقتصادا اشتراكيا مبنيا على الاستيراد، غير قادر على كسب أو حتى اقتراض كميات هائلة من العملة الأجنبية المطلوبة للإسراع بالنمو.

·       ويعتبر السادات أن سياسته في تحرير الاقتصاد هي جزء من مشروعه لإعادة توجيه علاقات مصر بالخارج بعيدا عن الاتحاد السوفييتي ونحو الغرب.

·       ان السلام النسبي واتفاقيتا فض الاشتباك الاثنتان والزيادة الكبيرة في المعونة العربية بعد حرب 1973 سمحت ببعض التحسن في أداء الاقتصاد المصري وبتوقعات واسعة الانتشار في مصر بأن الإعفاء من تكلفة التحضير للحرب سوف تمنح الحكومة وقتا للتركيز وإعادة إحياء الاقتصاد واتخاذ بعض الخطوات في اتجاه "اللبرلة" الاقتصادية.

·       ولقد صدرت بالفعل تشريعات أخرى بدأت في رفع قبضة البيروقراطية الاشتراكية على الاقتصاد.

·       ولكن تخفيف القيود الاقتصادية خلق فئة جديدة من الأثرياء الجدد من دون تلبية التوقعات المتزايدة للجماهير المصرية.

·       تعتمد القاهرة على منتجي النفط العرب الرئيسيين لتمويل فجوة مالية خارجية مستمرة وكبيرة، ولكن بدون وجود اتفاق طويل الأجل للمساعدة النقدية مما يعزز الأزمات المالية المتكررة.

·       حتى أن أغلب مشتريات السلاح الثقيل، تمت تغطيتها بواسطة معونة رسمية من الدول العربية المحافظة المنتجة للبترول: السعودية والكويت والإمارات، وهي الأطراف الوحيدة المستعدة والقادرة على توفير حجم المعونة المطلوبة.

·       ورغم أن أعلى مصادر الدعم العربي لمصر هى المعونة السعودية والكويتية، الا ان هناك حالة من "نفاذ الصبر " لديهما إزاء عدم الكفاءة الإدارية في القاهرة.

·       ويفضل الممولون العرب عدم تحويل أموال سائلة مباشرة لمصر من أجل شراء السلاح. فالسعودية على سبيل المثل وهى المصدر الرئيسي لتمويل شراء السلاح المصرى من الغرب، أصبحت تطالب تجار السلاح بتوقيع عقدين: وثيقة فنية بعد مناقشتها مع مصر والموافق عليها من الرياض، و عقد مالي توافق عليه الرياض منفردة.

·       من ناحية أخرى فان حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي تتم مناقشتها الآن مع صندوق النقد الدولي واللازمة لتعزيز النمو طويل الأجل ستؤدى إلى تفاقم أسباب السخط الشعبي على المدى القصير. كما أن أعمال الشغب التي وقعت في يناير 1977 ستجعل الحكومة أكثر حذرا في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية.

·        ان الوضع الاقتصادي لا يزال يمثل أكبر مشكلة سياسية بالنسبة للسادات.

***

ثانيا ـــ الوضع  السياسى الداخلى:

·       مثلما اتضح في احتجاجات يناير على الوضع الاقتصادى وزيادة الأسعار، فان السادات قد فقد الكثير من السيطرة التي كان يملكها على الشئون الداخلية خاصة فيما يتعلق بالأمور الاقتصادية، نتيجة لذلك زاد الشعور بالتخبط وضياع الهدف لدى الحكومة.

·       فى خلال الست شهور الأخيرة تواترت إضرابات العمال مطالبة بزيادة في الأجور.

·       حالة الغضب الشعبي يؤججها الفارق الكبير بين الأحوال المعيشية لمجموعات حديثي الثراء الذين استفادوا من سياسات السادات الاقتصادية، بعضهم بطريقة مشروعة وبعضهم بطريقة غير مشروعة.

·       دائرة السادات الداخلية هدف لنقد مرير، بل ويعتبر مسئولا عنه، والاعتقاد الشعبي السائد هو أن الفساد منتشر في كافة مستويات الحكومة مما يفاقم من حالة عدم الرضا. وعجز الحكومة عن اتخاذ إجراءات قانونية ضد كبار المسئولين سيئي السمعة إضافة إلى سوق سوداء هي أبرز الأمثلة على ذلك الفساد.

·       منذ فقدت بيروت موقعها كمركز مالي في الشرق الأوسط انجذب عدد كبير من الأثرياء العرب إلى البيئة السياسية والاقتصادية الأكثر تحررا في قاهرة ما بعد الحرب، وجنبا إلى جنب مع محدثي الثراء المصريين كونوا نخبة جديدة. وفي إطار ابتعادهم عن الاستثمار نتيجة غياب سوق رأسمالي منظم، وقلة فرص الاستثمار صغير الحجم، وميلها التقليدي للأنشطة التجارية أنفقت تلك المجموعة أموالها على سلع مستوردة باهظة الثمن والعقارات وأشكال أخرى من الاستهلاك الواضح. وقد أدى هذا الوضع إلى رفع أسعار الكثير من السلع والخدمات إلى ما يتجاوز قدرة اغلب المصريين من الطبقة الوسطى وعظم من رغبة ملايين المصريين في الحضر في الحصول على سلع استهلاكية مستوردة.

·       تشعر قطاعات كبيرة من السكان بأن تم اهمالهم وتهميشهم وأصبحت مشكلة عدم الرضا بأداء الحكومة مشكلة حرجة.

·       ومن غير المرجح أن تخف حدة مظالم المستهلكين في عام 1977.

·       المحرضون اليساريون ينتهزون فرصة المعاناة الاقتصادية وتوسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء في محاولة للتحريض على مزيد من الاضطرابات،

·       على حين يعمل المحرضون الدينيون اليمينيون على تحريض الرأي العام ضد الميل المادي للسياسات الاقتصادية الأكثر ليبرالية. ورغم ان اضطرابات يناير بدأت عفوية إلا ان المنظمين من الطرفين، وان كان اليساريين بالأساس، تحركوا سريعا لاستغلال الموقف.

·       أما مجلس شعب القائم فاننا نشك أن مثل هذه المؤسسة بامكانها التأثير على القرارات الهامة الخاصة بالسياسة الخارجية أو الشئون الاقتصادية الأساسية.

·       من الصعب أن نقيم بشكل واضح الخطر الذي يحمله التوتر السياسي الحالي للسادات. ورغم ان الحكومة تفقد شعبيتها بشكل مستمر إلا أن التقاليد المصرية تضع رأس الدولة في مستوى أعلى ومن ثم تمنح السادات بعض الإمكانيات للتبرؤ من القرارات المثيرة لغضب الناس.

·       كذلك، فإن لا أحد ضمن المعارضة منظم أو متحد بشكل جيد كما أنه لا توجد مجموعات مدنية، حتى لو كانت أفضل تنظيماـ قادرة على الإطاحة بالحكومة.

·       هناك دلائل على عدم الرضا بين الجيش، الداعم الأساسي للنظام نتيجة المظالم الاقتصادية والانخفاض النسبي في القدرات العسكرية.

·       ولكننا لا نعرف سوى القليل عن المشاعر بين رجال الجيش، القوى الوحيدة القادرة على القيام بانقلاب، كي نتمكن من الحكم بدقة ما إذا كان استياءها بالدرجة التي تكفي لإزاحة السادات.

·       سوف ترتفع مخاطر إزاحة السادات في حالة غياب أى تقدم في المفاوضات أو تحسن في الوضع الاقتصادي، فقد تشتعل من جديد المظاهرات الواسع والعنيفة بواسطة العمال و/أو الطلاب متسببة في فوضى مدنية قد تدفع الجيش، حتى وان كان غير جاهزا للتحرك ضد السادات، أن يسقطه.

·       ان معرفة المصريين أن معونات امريكية إضافية سوف تقدم لمصر قد يكون له تأثير سياسي إيجابي على السادات في العام الحالي.

·       هناك علاقة وثيقة بين مشاكل مصر الاقتصادية والاستقرار السياسي الداخلي.

***

ثالثا ـ الوضع العسكري والقدرات العسكرية المصرية:

·       عجز الاتحاد السوفييتي عن تعويض كل ما خسرته مصر في الحرب، وتخفيض واردات الحرب السوفيتية وتعاظم القوى العسكرية لإسرائيل وبرنامجها التحديثي منذ حرب 1973 كلها أدت إلى التقليل من قدرة مصر على شن حرب ضد إسرائيل. هذا الانخفاض في القدرة العسكرية قد لا يؤدي، مع ذلك، إلى منع مصر بالاشتراك مع دول عربية أخرى في اتخاذ خطوات عسكرية لتحقيق أهداف سياسية.

·       ان المصريين ما زالوا قادرين على الدفاع بقوة ضد أي هجوم إسرائيلي أو الاستمرار في تحرك هجومي لعدة أيام لتحقيق أهداف محدودة في سيناء.

·       ولكن من المشكوك فيه أن يتمكنوا من تحركات عسكرية طويلة دون الحصول على كمية كبيرة من السلاح. هذه القدرات لا يتوقع ان تختلف كثيرا بنهاية عام 1977.

·       تخفيض استيراد السلاح من الاتحاد السوفييتي والحاجة إلى الحفاظ على استعداد عسكري قوي دفعا مصر إلى البحث عن مصادر جديدة للسلاح وهي عملية بدأها السادات يجدية في عام 1974 في محاولة لتحرير مصر من اعتمادها الوحيد على السوفييت. منذ ذلك الوقت،

·       وللحفاظ على القدرات المتوفرة والتحضير للتحديث في المستقبل يجب أن يوضع قريبا برنامج متكامل لتنويع مصادر السلاح.

·       ولكن لم تتمكن القاهرة حتى الآن من إيجاد بديل مناسب للاتحاد السوفيتي كمصدر للسلاح.

·       الأمم الوحيدة الأخرى القادرة على إنتاج قطع ضخمة من العتاد الحربي جاهزة للتصدير إلى مصر هي بلدان أوروبا الغربية والولايات المتحدة وبدرجة أقل الصين وكوريا الشمالية. إلا انه في بعض البلدان الغربية أثار اقتراح بيع سلاح هجومي متطور إلى الشرق الأوسط المشتعل بالحرب جدالا داخليا حادا ما أدى إلى تأخير أو رفض الموافقة. بالإضافة إلى ذلك تسببت مصر في مزيد من المشكلات بسبب ترددها في شراء السلاح.

·       كما أن شراء أسلحة غربية كبديل عن المعونة العسكرية السوفيتية سوف تحسن قدرات مصر فقط بعد سنوات طويلة وليس في المدى القريب.

***

رابعا ـ الضغوط العربية:

·       لقد رفض السادات بشكل واضح تكتيكات التدخل التي كان يستخدمها عبد الناصر لتحقيق الأهداف العربية ولضمان ريادة مصر بين الدول العربية.

·       وحتى في قمة التعاون المصري السوري أثناء حرب 1973 سعى السادات إلى تجنب الالتزام بالتنسيق الكامل في التكتيك. ورغم تصالحه مع الرئيس الأسد في قمة الرياض في أكتوبر 1976 وتكوين قيادة مشتركة تالية مع سوريا، سوف يستمر على الأرجح في مقاومة مطالبات التنسيق الوثيق مع الأسد. كذلك، فإن تدخل سوريا في لبنان في بدايات العام الماضي أيقظت شكوك مصر التاريخية بشأن رغبة سوريا السيطرة على شرق العالم العربي. 

·       ولكن رغم اهتمامه الأكبر بالأولويات المصرية الداخلية، إلا ان السادات مصمم على الحفاظ على دور كبير لمصر في العالم العربي، على الأقل لضمان استمرار الدول العربية الأخرى المنتجة للنفط في تقديم المساعدة المالية الضخمة له.

·       وعلى الأخص السعودية التى تلعب دورا مؤثرا في الحفاظ على علاقة السادات بالدول العربية الأخرى على مستوى مستقر.

·       ان الاستمرار في القيادة الإقليمية هو في الواقع هدف كبير ضمن سياسات مصر الاقتصادية الداخلية. حيت تعتمد أهمية مصر اليوم إلى حد كبير على كونها البلد العربي الرئيسي في مواجهة إسرائيل.

·       ولقد انخفضت مكانة السادات بين العرب بعد عقده اتفاق سيناء الثاني في عام 1975.

·       وقد لا يخاطر مرة أخرى بالعزلة عن العالم العربي من خلال توقيع اتفاقية ثنائية مصرية إسرائيلية أخرى أو يخاطر بالتعرض لاتهامات سوريا له بالخيانة التي واكبت تصديقه على اتفاق سيناء الثاني في سبتمبر 1975.

·       من غير المرجح ان يحدث أبدا أن تسمح الدول العربية بالتخلي عن القضية الفلسطينية، خاصة وأن قوة الفلسطينيين الرئيسية تظل في قدرتهم تقليب دولة عربية ضد الأخرى وذلك رغم هزيمتهم في لبنان. وعلى السادات أن يتأقلم مع هذا الوضع.

***

خامسا ـ السادات والجيش و الاتحاد السوفييتي:

·       هناك حالة من عدم الرضا بين صفوف الجيش في السنوات الماضية، فبعد 1973 تعرض السادات للنقد بواسطة الجيش لتهديده الدعم السوفييتي بالسلاح لمصر من خلال هجومه على موسكو. فابتعاده عن السوفييت وصلاته الوطيدة بالولايات المتحدة – على الرغم من عدم قدرته الحصول على كميات كبيرة من السلاح من واشنطن – عرضته لاتهامات بأنه يدعم جهود الولايات المتحدة في دعم الجيش الإسرائيلي ليتفوق على المصري.

·       وسوف يظل السادات تحت ضغط من المؤسسة العسكرية المصرية للوصول إلى اتفاق ما مع موسكو بشأن استعادة تسليم قدر كبير من المعدات إما مباشرة أو من خلال بلدان أخرى.

·       وقد يختلف الموقف قد تماما في حال وفاة السادات أو في حال استقالته طوعيا.  والأرجح أن من قد يأتي بعده سواء كان أحد مستشاريه الحاليين أو أحد زملائه، سوف يكون أكثر استعدادا لتقديم تنازلات سياسية براجماتية لموسكو بهدف الحصول على إمداد مستقر من السلاح.

·       إذا أزيح السادات بانقلاب عسكريا سوف ترتفع احتمالات استعادة علاقات وطيدة مع الاتحاد السوفييتي.

***

سادسا ـ حالة المفاوضات:

·       إن التقدم المستهدف لهذا العام في مفاوضات السلام في الشرق الأوسط سوف يكون حرجا بالنسبة للرئيس السادات. مشاكل مصر الداخلية تحد من قدرتها على الانتظار طويلا لاتخاذ خطوات هامة، كما أن الضغوط العربية تقيد قدرته على التفاوض بشكل مستقل عن الآخرين.

·       العام القادم سوف تكون له أهمية كبيرة ليس فقط بالنسبة للسادات وإنما أيضا لموقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. سوف يكون عام الاختبار للسادات نفسه: لقد أيقظ في شعبه توقعات بالتحسن الاقتصادي، والتقدم في مفاوضات السلام والحصول على الأسلحة الحديثة ويجب عليه أن يبدأ في إظهار بعض النتائج إذا كان يرغب في الاستمرار في الحكم لفترة طويلة خلال عام 1978.

·       في أي مفاوضات تدور في عام 1977 سوف يكون دور السادات مختلفا تماما عما كان عليه حتى عقد اتفاقية فض الاشتباك الثانية في سيناء. بداية من انعزاله داخل العالم العربي نتيجة اتفاقية سيناء الثانية فقد السادات بعضا من تأثيره الإقليمي.

·       السادات متحمس بالدرجة الكافية لاستعادة عملية المفاوضات بحيث أنه سوف يقدم التنازلات اللازمة لذلك.

·       وقد يقبل المشاركة في مفاوضات ثنائية مع إسرائيل بشأن سيناء فقط في حال كانت جزءا من إستراتيجية عربية متوافق عليها وكجزء من تناول أوسع لتسوية شاملة.

·       ولكن من غير المرجح أن يكون لموقف الدول الأخرى أي تأثير ذو أهمية على ما يقدمه السادات من تنازلات في هذه المفاوضات.

·       كذلك قد يقبل السادات نزع السلاح عن أي منطقة يتم اعادتها للعرب.

·       ولكنه أعلن في مرات كثيرة أنه لن يوافق على إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيلية كجزء من تسوية السلام.

·       ويقول ان "السلام الشامل" الذي تسعى له إسرائيل مستحيل بعد ربع قرن من المرارة. وأضاف ان تلك مهمة الجيل القادم.

***

سابعا ــ المطلوب من الولايات المتحدة:

·       لقد أعلن السادات تكرارا وبكثير من التفاصيل لمسئولين أمريكيين أثناء زيارتهم لمصر عن نيته السعي للحصول على دعم عسكري ضخم من الولايات المتحدة في عام 1977،

·       يجب ان يعتمد السادات على الولايات المتحدة في التقدم على جبهة المفاوضات وبنفس الدرجة على جبهة التسليح.

·       كما يرجح أن يكون تدريب ضباط الجيش المصريين في الولايات المتحدة ضمن طلبات السادات.

·       تطورات عام 1977 سوف تكون ذات أهمية كبيرة ليس فقط بالنسبة لاستقرار نظام السادات داخليا وإنما أيضا فيما يتعلق بوضع الولايات المتحدة في مصر.

·       السادات سوف يختبر الولايات المتحدة سواء من حيث قدرتها إحداث تقدم في مفاوضات السلام واستعداها مساعدة مصر في الحصول على السلاح.

·       تعتمد مصداقية السادات إلى حد كبير على قدرته إثبات أن علاقته مع واشنطن يمكن ان تؤتي نتائج ملموسة.

·       اذا لم تنجح الولايات المتحدة في بدء مفاوضات السلام، على الأرجح سوف يتراجع السادات عن علاقته المقربة مع الولايات المتحدة.

·       ولكن الابتعاد عن الولايات المتحدة لا يعني بالضرورة العودة إلى علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفييتي طالما بقى السادات في السلطة.

·       وقد تحدث درجة أقل أهمية من التقارب المصرى السوفيتى بما يسمح بتوريد بعض السلاح من باب الضغط على حكومة الولايات المتحدة.

·       وفي حال عجزت هذه التهديدات المصرية عن تحقيق نتائج ملموسة، فسوف يرتفع احتمال أن تشن مصر وحلفاؤها حربا لتجبر المسار الدبلوماسي على التقدم.

·       ومع ذلك ليس من المتوقع أن تتم هذه الخطوة في عام 1977.

·       سوف يصبح موقف السادات أكثر صعوبة في حال لم يحدث تقدم واضح في الظروف الاقتصادية لأغلب المصريين، بما في ذلك الجيش. أو تقدم ما في مباحثات السلام العربية الإسرائيلية. ذلك ان المزيد من التقدم في المفاوضات سوف يؤدي، على الأقل مؤقتا، إلى دعم مصداقية السادات وتقويض ضغوط الجيش من اجل ضمان مصادر جديدة للسلاح ولتوجيه انتباه الشعب بعيدا عن المعاناة الاقتصادية.  

*****

محمد سيف الدولة 


*نص التقرير

** تم الافراج عنه فى نوفمبر 2013 ضمن 250 وثيقة أخرى من وثائق المخابرات الامريكية المركزية التى تتعلق بمباحثات كامب ديفيد ومقدماتها ونتائجها وردود فعل مختلف الاطراف منها.

 

الأحد، 18 سبتمبر 2022

الوصف الأمريكى لمصر ـ لم نتغير كثيرا

الرئيس والجيش وأجهزة الأمن. الانقلابات والتمردات. البرلمان والأحزاب والنقابات. الطبقة البرجوازية والفقراء. المثقفون والمعارضة. اليمين واليسار. الشيوعيون والناصريون والإخوان والحركات الطلابية. الرضا الأمريكى عن الرئيس. دوافع الدعم السعودى لمصر.

كل ذلك وغيره، ورد فى تقرير أمريكى سرى عن مصر فى الأول من يونيو عام 1976، بعنوان "وضع السادات الداخلى"* تم الافراج عنه فى نوفمبر 2013 ضمن أكثر من 250 وثيقة أخرى تتناول دور الـمخابرات الأمريكية المركزية فى الاعداد لاتفاقيات ونظام كامب ديفيد. 

وإذا تغاضينا عن اسم السادات وبعض التفاصيل الأخرى فى هذه الوثيقة، فسنشعر اننا بصدد تقريرا عن الكثير من أحوالنا اليوم، لنكتشف اننا لم نتغير كثيرا عما كان سائدا وقتها، رغم مرور ما يربو عن أربعة عقود. وهو أمر يدعو الى الأسى ولكنه يحث أيضا على ضرورة الفهم التأمل والتفكر.

وأول سؤال قد يتبادر الى الذهن، هو عن سبب عجزنا عن التحرر من هذا النظام أو حتى اصلاحه وتطويره، على امتداد جيلين على الاقل، خاصة بعد ثورة يناير؟ وهل العيب يكمن فينا؟ أم أن الظروف والقوى المهيمنة والمسيطرة والحاكمة أقوى منا بكثير؟

***

وفيما يلى قراءة لأهم ما ورد فى التقرير:

الرئيس:

·       الدور المحوري الذي تلعبه مصر في عملية تحقيق سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط، يشجع على استمرار دعم وتثبيت نظام السادات.

·       التأييد الأمريكى له أدى الى تدعيم موقف المصريين من سياسته الخارجية.

·       المؤسسة العسكرية هى أهم المؤسسات فى مصر، وطالما أيدت السادات فسيظل فى السلطة.

·       يسيطر السادات ومؤيدوه "الأوفياء" على البرلمان وعلى الحزب الوحيد فى البلاد.

·       يتمتع السادات بشعبية حقيقية ولا يوجد منافس ظاهر له.

·       المنافسون والصراعات الشخصية التي تتواجد في الدائرة الداخلية الصغيرة المحيطة بالسادات، تساعد في كبح أي شخص قريب منه يريد أن يتحدى زعامته.

·       كما لا يوجد من بين منافسيه السياسيين من يصلح بديلا له.

·       فهم يفتقدون جميعا للجاذبية العريضة التي يتمتع بها.

·       وباستثناء رصاصة من قناص أو أزمة قلبية، لا يوجد خطر على السادات.

***

الفاعلون الرئيسيون:

·       يثق كبار المسئولين الأمنيين في أن النظام يستطيع التعامل مع أي أعمال "تخريبية" سواء كانت مدنية أم عسكرية.

·       وتتمتع قوات الأمن بكفاءة عالية في اصطياد متآمري الانقلابات أو السيطرة على أي احتجاج.

·       للعسكريين التأثير الأكبر على الأحداث فى مصر.

·       وما عدا ذلك فان نسبة صغيرة من المصريين لها تأثير على الأحداث مثل المتخصصين والمثقفين والبيروقراطيين والسياسيين والقيادات العمالية والدينية.

·       أما أهل الريف في الدلتا والصعيد وأهل المدن الفقراء، فليس لهم نفوذ في القوة السياسية.

·       إتحادات مصر العمالية والتجارية مستأنسة وسهلة الانقياد.

·       جامعات مصر بؤرة تقليدية للاحتجاجات، ولذا يقوم السادات بقمع المعارضة فيها.

*** 

الاقتصاد:

·       نتوقع المزيد من المشاكل الاقتصادية الحقيقية نتيجة انطلاق الاقتصاد الحر.

·       فقراء المدن والطبقات العمالية نفذ صبرهم بسبب الضيق الذي يسببه التضخم.

·       إقتصاد مصر في ورطة خطيرة، فلديها تعداد سكان متزايد، ولا يمكن إطعامهم بدون المساعدات الخارجية.

·       مصر غارقة في الديون وتعاني نقصا في العملة الصعبة للوفاء بالتزاماتها الخارجية وتمويل الواردات الضرورية للاستهلاك ومشاريع التنمية.

·       التضخم الداخلي المتلازم مع الإستهلاك الواضح للطبقة الغنية، بما فيهم بطانة السادات والمشكوك في فسادها، والسياح العرب والمستثمرين، حفز شعور "السخط" بين المواطنين الأقل حظا، مدنيين كانوا أو عسكريين.

·       الاوضاع المعيشية لجموع الضباط أفضل من امثالهم من المدنيين.

·       النقص المتكرر في دعم السلع لأساسية يؤدى الى زيادة السخط الشعبى.

·       الجهات المانحة للقروض الأجنبية تضغط على الحكومة لإلغاء الدعم واتخاذ خطوات ستكون غير مقبولة شعبيا.

·       أن المشكلات الاقتصادية لوثت المجد الذي حققه السادات من حرب 1973.

***

·       الطبقة البرجوازية تؤيد السادات، وهذه أحد نقاط قوته، وهى لا تزال قوية وكبيرة رغم القمع التى تعرضت له فى عهد ناصر، ولقد رحبت بسياسات الانفتاح على الاستثمارات والسلع الأجنبية، فلقد كانت تكره اشتراكية ناصر ومجتمعه المغلق، وهى لديها ألفة حضارية مع الغرب. 

***

المعارضة:

·       معظم السياسيين المصريين بما فيهم السادات يزعمون أنهم ناصريون.

·       تمكن السادات من التلاعب بغالبية الناصريين لأنهم يفتقرون إلى الوحدة والزعامة.

·       الكثير من الناصريين التقليديين يرون أن السادات قد خان مثاليات عبد الناصر عن الوحدة والاشتراكية.

·       الهدف الأساسي من إنشاء حزب التجمع هو استدراج المعارضة اليسارية للعمل في النور.

·       اليساريون المتطرفون أقلية ولا يمكن أن يتزعموا انقلابا.

·       الماركسيون واليساريون الآخرون مؤثرون في وسائل الاتصال وبين طلبة الجامعة.

·       المجتمع المصري محافظ بالأساس والعناصر اليمينية قوية.

·       سعى السادات للاستفادة من المخزون الإسلامي الوجداني في مصر بتشجيع القادة الإسلاميين لشن هجمات دعائية ضد اليساريين ووقف نفوذهم بين الطلبة.

·       استمد الاخوان معظم قوتهم من عائلات التجار والبائعين والفلاحين ولكنهم يضمون أيضا كثير من المثقفين.

·       مظهرهم يوحي بالكراهية والخوف من الأجانب، هدفهم هو دمج النظام الأصولي للإسلام السياسي بالإصلاحات الاجتماعية الحديثة.

·       أثارت حركة "العودة إلى المسجد" استياء متصاعد من المنظور المدني.

·       لدى كبار ضباط الأمن المصريين شكوك في الاعتماد على الجيش لقمع احتجاجات الاخوان في أماكن مكتظة بالسكان.

·       أكثر الأمور شؤما هو إعادة إحياء الحركة الشيوعية او عودة نشاط الإخوان المسلمين.

·       يراقب الحُكم اى تعاون مشترك بين المعارضة اليسارية والمعارضة الاسلامية التى تفوقهم عددا.

***

·       الدول المحافظة المصدرة للبترول، وخاصة السعودية، كانت كريمة مع مصر لأنها ترغب في إبقاء السادات في السلطة، لكنها في نفس الوقت كارهة لتمويل قوة مصر الصناعية والعسكرية خوفا من سيطرتها على المنطقة عسكريا.

*****

 محمد سيف الدولة

* نص التقرير