بحث فى المدونة

الاثنين، 27 فبراير 2023

رخصة لقتل الفلسطينيين

مع كل هذا التصعيد الصهيونى الارهابى والاستهداف اليومى لاهالينا فى فلسطين وسقوط كل هذه الاعداد من الشهداء، لم يعد من الممكن الصمت على اختلال البوصلة المبدئية وغياب المنطق العلمى وانتحار البديهيات فى مواجهاتنا (لاسرائيل)، فمن رابع المستحيلات غل أياديها عن ارتكاب المزيد من الجرائم أو تحقيق أى انتصارات استراتيجية حاسمة عليها، ما لم تسحب الدول العربية والسلطة الفلسطينية اعترافها بشرعية دولتها.

***

فاذا كانت (اسرائيل) دولة مشروعة (وهي بالطبع ليس كذلك) فان كل ما ترتكبه من احتلال ومذابح وجرائم قتل وابادة .. الخ، مباح ومبرر وفقا لقواعد ومواثيق القانون الدولى، او لضرورات الأمن القومى الاسرائيلى.

ولذلك فان الخطاب الصهيونى والامريكى للرأى العام العالمى ينطلق دائما من ان ما تفعله (اسرائيل) ينخرط تحت بند الدفاع الشرعى عن الوجود وعن النفس وعن امن شعبها فى مواجهة شعوب وجماعات ارهابية لا تعترف بها ولا بشرعية وجودها وتريد ان تزيلها من الوجود.. يقولون ((من منكم يمكن ان يسمح باحتشاد الآلاف على حدوده هادفين الى اختراقها وتهديد وانتهاك سيادة أوطانكم واراضيكم؟))

وهو نفس ما قاله بيريز فى مؤتمر ديفوس عام ٢٠٠٩ لتبرير مذبحة "الرصاص المصبوب" التى راح ضحيتها ١٥٠٠ شهيد فلسطينى، حين قال "من فى دول العالم يقبل أن تطلق عليه الصواريخ من جماعات لا تعترف بوجوده وتريد ان تقضى عليه مثل التى اطلقها الإرهابيين الفلسطينيين على ارض (اسرائيل) وشعبها؟"

انهم يرددون هذا الكلام ليلا نهارا منذ عقود طويلة...

ويزيدون عليه فى تبريرهم لرفض الانسحاب من الضفة الغربية، ((بأن كل الاراضى التى انسحبوا منها من قبل فى لبنان عام 2000 وفى غزة عام 2005، تحولت الى قواعد للارهابيين الذين يهددون اسرائيل ويريدون القضاء عليها... فكيف تريدون منا ان ننسحب من الضفة الغربية التى تتداخل مع اراضينا ونقبل ان تتحول هى الاخرى الى قواعد عسكرية ارهابية مناهضة لنا ولوجودنا؟))

***

·       وبالفعل اذا كانت اسرائيل دولة مشروعة (وهى ليست كذلك) فان المقاومة الفلسطينية تستحق وصف الارهاب، بل وكل الشعوب العربية التى ترفض الاعتراف باسرائيل وتطالب بتحرير كامل التراب الفلسطينى من النهر الى البحر.

·       وكذلك سيكون قبول (اسرائيل) بعودة اللاجئين الفلسطينيين هو بمثابة انتحار بالنسبة لها، فكيف تقبل بعودة ملايين المحتلين العرب الى ارضها مرة اخرى بعد ان نجحت فى تحريرها وطردهم منها عام ١٩٤٨.

·       ثم اذا كانت هذه ارض (اسرائيل) التاريخية بالفعل (وهى ليست كذلك)، فان التفرقة بين ارض ١٩٤٨ وأرض ١٩٦٧ ليس سوى هُراء من منظور العقيدة الصهيونية، ففى اساطيرهم القديمة الزائفة: حين اختص الشعب اليهودى بالأرض التى وهبها الله لابراهيم ونسله، لم يكن هناك حدود بين ما يسمى اليوم بالضفة الغربية وبين باقى ارض (اسرائيل).

·       ليس ذلك فحسب، بل يكون تمسكهم بيهودية القدس، هو حق وطنى وديني وتاريخى مقدس بالنسبة إليهم، فالأرض ارضهم والفلسطينيين مسلمين ومسيحيين ليسوا سوى احتلال قديم دام لقرون طويلة. وقد عمل هذا الاحتلال على طمس هوية ومقدسات اصحاب الارض الحقيقيين من اليهود، فشيد مقدساته على أنقاض مقدساتهم؛ وبنى المسلمون المسجد الاقصى على أنقاض هيكل سليمان.

·       واليوم بعد أن تحررت الارض المحتلة من الاحتلال العربى الفلسطينى (كما يدعون)، فانه قد آن الاوان لتحرير المقدسات من هذا العدوان العربى، اسلاميا كان أو مسيحيا، علي المقدسات اليهودية.

·       وهلم جرا وهكذا دواليك من كل هذه الادعاءات والمزاعم الصهيونية الزائفة والباطلة والمتهافتة.

***

ان الاعتراف الفلسطينى والعربى بشرعية دولة (اسرائيل)، هو بمثابة عملية انتحارية، تترتب عليها عواقب مدمرة وآثارا كارثية لا تنتهى.

فالاحتلال الصهيونى لفلسطين ١٩٤٨ و١٩٦٧ ورفض الانسحاب من الضفة الغربية، وبناء المستوطنات والمذابح والقتل والطرد ورفض العودة الفلسطينية مع فتح ابواب الهجرات اليهودية الى الارض المحتلة، وتدمير القدرات العسكرية العربية، ونزع سلاح الاراضى المجاورة فى دول الطوق واحتكار السلاح النووى وتحريمه على العرب، والاعتداءات المتكررة على السماوات والاراضى العربية، وضمان التفوق العسكرى الاسرائيلى على الدول العربية مجتمعة الى أبد الآبدين ... الخ ..

كل ذلك وأكثر ليس سوى سياسات مبررة ومشروعة لو كانت (اسرائيل) دولة طبيعية وليست كيانا استيطانيا احلاليا باطلا.

ولذلك فان المطلب والشرط الصهيوني والأمريكي الأول في أى معاهدات أو مفاوضات أو مباحثات أو تصريحات، هو الاعتراف بشرعية دولتهم، لأنهم يدركون جيدا ان الاعتراف سيضفي الشرعية على كل ما عدا ذلك من احتلال واستيطان ومذابح وجرائم حرب. 

***

·       ان الخطوة الاولى والحتمية اليوم وعلى الدوام فى معارك تحرير فلسطين، يجب ان تبدأ بسحب الاعتراف الفلسطينى والعربى بدولة الصهاينة وكيانهم، والا فلا أمل لنا فى تحرير شبر واحد منها.

·       وكل من يعترف بها إنما هو يتبنى النظرية الصهيونية ويدعم الاحتلال ومشروعه وينحاز اليه ويخدم فى صفوفه ويدعم خططه واستراتيجياته حتى لو حمل هوية عربية او فلسطينية وحتى لو احتل المراكز العليا فى دوائر حكم أى دولة عربية.

·       كما أن كل من يصر على أن يشتبك مع العدو الصهيونى فى الملفات والقضايا الفرعية بدون ان ينطلق من مبدأ "عدم الاعتراف" انما يضيع جهوده هباء، ويضلل الرأى العام العربى والفلسطينى.

·       ان معارك مثل المقاطعة ومناهضة التطبيع وحق العودة ومناهضة الاستيطان والدفاع عن المقدسات والمسجد الاقصى وفك الحصار وفتح المعبر وتدويل القضية واللجوء الى الامم المتحدة والمنظمات الدولية ...الى آخره يجب ان تنطلق من هذا المبدأ الرئيسى وهو بطلان هذا الكيان المسمى بدولة اسرائيل، بالاضافة الى بطلان كل القرارات والوعود التى صدرت لصالحه وكذلك كل الآثار التى ترتبت على وجوده بدءا من وعد بلفور حتى قرار ترامب بنقل السفارة.

***

هذا هو المنطلق المبدئى والعلمى الصحيح، اذا تمسكنا به وانطلقنا منه، فستكون المهمة التالية هى وضع الاستراتيجيات والخطط التى تستطيع أن تترجمه الى معارك ومواقف ممكنة وواقعية على الارض. وهناك اجتهادات وابداعات كثيرة فى هذا المضمار، ولكنه حديث آخر.

*****

القاهرة فى 27 فبراير 2023

 

 

الأحد، 26 فبراير 2023

كيف تم خداع الثورات العربية (السلطانية)

 استطاعت مؤسسات الدولة العميقة وحراس النظام القديم فى كل مصر وتونس والسودان ان تمتص كل الزخم الشعبى الثورى وتقزمه وتقيده بما يسمى بخريطة طريق مرسومة ومكررة فى كل الثورات: لا تتضمن سوى اعداد الدساتير والاستفتاء عليها واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية.

وكان بالطبع يلزم لتمريرها وتجميلها فى اعين الشعب وثواره واقناعهم بالاكتفاء بها، اضافة بعض المُقبلات والمغريات الاخرى، مثل اطلاق بعض الحقوق والحريات التى كانت محظورة، والتى اثبتت الاحداث فى اكثر من قطر عربى، مدى سهولة القضاء عليها والعصف بها من قبل السلطات الحاكمة.

اما مؤسسات الدولة وثرواتها وميزانياتها والطبقات الحاكمة فيها وعلاقاتها الخارجية..الخ، فبقيت فى حوزة وتحت سيطرة النظام القديم والدولة العميقة.

وكل اشكال الفشل التى منيت بها القوى التى حاولت ادارة البلاد بعد الثورة سببها انهم لم يسمح لهم ابدا بوضع أياديهم على المفاتيح والمفاصل الرئيسة للدولة التى تمكنهم من القيام بهذا الدور.

***

فى مصر على سبيل المثال وفى الشهور القليلة التى تلت قيام ثورة يناير، كنت كثيرا ما احذر فى عديد من الكتابات والندوات والبرامج الفضائية ان اى رئيس منتخب جديد سيصطدم حين يبدأ فى ممارسه مهام منصبه بان الملفات الرئيسة خارج نطاق صلاحياته:

·       فالاقتصاد يدار من قبل نادى باريس وتعليمات مؤسسات الاقراض الدولى.

·       وملف العلاقات المصرية الامريكية مع القوات المسلحة المصرية.

·       وملف كامب ديفيد والعلاقات مع (اسرائيل) ومع فلسطين تديره المخابرات العامة.

·       اما ملف الثروات المصرية فتحت سيطرة طبقة الراسماليين ورجال الاعمال من وكلاء كبرى الشركات الامريكية والاوروبية.

·       وكل ذلك فى حماية حاضنة مليونية من كبار وصغار رجال الدولة وموظفيها فى كل المؤسسات السيادية وكل الوزارات والمصالح والدهاليز الحكومية.

·       وهم الذين ينتمون ويخدمون فى النظام القديم/الجديد، ويضعون ايديهم على ميزانية الدولة السنوية بكاملها، ويتحكمون فى كل صغيرة وكبيرة من شئون البلاد وفى مصالح الناس واحتياجاتهم الجارية وبيدهم ايقاف المراكب السائرة وحجب واخفاء السلع والخدمات الاساسية وبيدهم العكس.

·       تحيطهم ايضا شبكات مليونية عنكبوتية اخري من جماعات مصالح من الشركات والافراد الذين ارتبطت مصالحهم واعمالهم ونفوذهم بمؤسسات الدولة ووزارتها وهيئاتها المختلفة.

·       وهكذا

اذن فنحن فى مصر ايضا قد اعطونا مجرد (ورقة) تسمى بخريطة الطريق، حشرتنا جميعا فى مسار ضيق ومحدود وهامشى لنلهو به ونتصارع ونتزاحم عليه لتعطينا شعورا زائفا باننا بصدد تحقيق مكاسب ومنجزات ثورية عظيمة وهمية.

وبجرة قلم تم انتزاع كل هذا فى اسابيع معدودات.

***

وقس على ذلك، فى السودان ايضا، فبعد ان ثار السودانيون وسقط الشهداء، لم تسفر الثورة الا عن استبدال البشير (1) بالبشير (2)، فى ظل ذات النظام القديم ولكن بوجوه جديدة.

أما باقى الشعب وقواه الثورية فتم اعطائهم ورقة، مجرد ورقة، اسمها هذه المرة #الوثيقة_الدستورية

اما كل السياسات والقرارات الكبرى مثل الخضوع التام للولايات المتحدة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب ومثل التطبيع مع (اسرائيل) ومثل تطبيق تعليمات وروشتات صندوق النقد الدولى المشهورة والمطبقة فى كل بلادنا .. الخ فهو قرار رئيس المجلس السيادى ونائبه.

***

ان تاريخنا العربى عامر بالخدع الكبرى المماثلة منذ عقود طويلة، حين تنتزع منا اوطاننا وحقوقنا، مقابل اوراق لا تساوى قيمة الحبر الذى كتبت به:

·       ففى 1948 اعطى ما يسمى بالمجتمع الدولى ممثلا فى الامم المتحدة (ورقة) للفلسطينيين تعطيهم الحق فيما يوازى نصف مساحة فلسطين رغم حقهم فى كل الارض، ولكنهم دعموا (اسرائيل) لتحتل وتستولى على 78 % من الارض.

·       وفى 1949 اعطوهم (ورقة) أخرى تنص على حق عودة، لم تسعفهم خلال اكثر من سبعين عاما فى اعادة لاجئ واحد من الخمسة ملايين ونصف من اللاجئين الحاليين فى بلاد الله الواسعة.

·       وفى 1967 اعطوا مصر وباقى الدول العربية التى تعرضت للعدوان، (ورقة) تتضمن قرارا مراوغا يحمل رقم 242 يعلق انسحاب قوات الاحتلال من بعض الاراضى التى احتلتها، على الاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيونى لفلسطين.

·       وفى 1993 قدم قادة منظمة التحرير الفلسطينية تنازلا لاسرائيل عن ارض 1948 وتنازلا اخر عن حقهم فى المقاومة والكفاح المسلح مقابل (ورقة) أطلقوا عليها اتفاقيات اوسلو، تتضمن اعترافا اسرائيليا بالمنظمة ووعدا بالتفاوض ووعدا بانسحاب لم يتم.

·       وفى غزة وبعد كل حرب وعدوان جديد تشنه (اسرائيل) وبعد كل صمود وردع متبادل، يتدخل المجتمع الدولى والامريكان ويوسطون الدولة المصرية لاقناع المقاومة بقبول وقف الاطلاق النار مقابل (ورقة) تتضمن وعودا براقة بفك الحصار عن غزة بعد الحرب.

·       اما فى الشئون والاحوال الداخلية التى تمس حياة الشعوب ومعايش الناس فى الصميم، فحدث عنها ولا حرج؛ فلدينا بفضل الله تلال من الاوراق والوثائق والمواثيق الرسمية من دساتير وقوانين تنص على كل انواع الحقوق والحريات التى تضاهى اكثر بلدان العالم ديمقراطية، قوانين لحماية حقوق ابداء الراى والمعارضة وتاسيس الاحزاب والمنافسة الحرة النزيهة فى الانتخابات والتظاهر وضمانات للمحاكمات السياسية العادلة...الخ.

·       ولكن الاحوال فى ارض الواقع كما تعلمون.

***

لقد علمتنا تجاربنا وتجارب الشعوب على امتداد التاريخ ان حروب الاستقلال والتغييرات الكبرى والثورات الحقيقية ليست مجرد اوراق ووثائق ونصوص، بل هى النجاح على الأرض فى تحقيق تغيرات جذرية ونقلات نوعية فى قضايا الاستقلال والتحرر من التبعية السياسية والاقتصادية، وفى عدالة توزيع الثروات وفى الانحيازات والسياسات الاجتماعية والاقتصادية وفى الحقوق والحريات بكافة اشكالها وفى المشاركة الشعبية والفصل بين السلطات وتداول السلطة ومناهضة الاستبداد وكل اشكال الاستئثار بالحكم. وفى اعادة فرز القوى والجبهات على اساس هذه المبادئ والاهداف، مع #وهو_الاهم على الاطلاق امتلاك المقدرة على حماية كل على الانجازات ببناء وتأسيس نظاما جديدا، وهو الامر الذى غاب تماما عن الثورات العربية التى اكتفت بتبنى مشروع اصلاح سياسى ودستورى حاولت ان تحققه من داخل مؤسسات النظام القديم، فابتلعهم النظام واجهض مساعيهم.

*****

فى رحاب ذكرى #ثورة25يناير

محمد سيف الدولة

 https://youtu.be/LKEA1Nm5XGY


 

الأربعاء، 22 فبراير 2023

من الوحدة الى الردة الشاملة

فى الذكرى الـسنوية لقيام دولة الوحدة العربية بين مصر وسوريا فى 22 فبراير 1958، ما أمس حاجتنا لـعمل وقفة جادة ومتأنية للتأمل فى تاريخنا القريب للمقارنة بين ما كنا عليه وبين واقعنا الحالى، لعلنا ننجح فى استفزاز المهمومين باحوال الأمة ومستقبلها وحثهم على التداعى للبحث عن اهم الاسباب التى أدت الى هذه الردة العربية الشاملة:

·       ففى سنوات الوحدة كنا نعيش عصر الاستقلال والتحرر الوطنى بعد الحرب العالمية الثانية، فيما عدا قلة قليلة من الدول العربية التى لم تخرج أبدا من عباءة الهيمنة الغربية.

واليوم تعيش كل الدول العربية من المحيط الى الخليج بلا استثناء واحد فى مستنقع التبعية بكل الوانها واشكالها.

·       وكان لفلسطين معنى عربى واحد ووحيد هو فلسطين 1948 اى كل الارض المحتلة الواقعة بين نهر الاردن والبحر الابيض المتوسط.

   واليوم اصبحت فى قاموس الانظمة العربية هى فلسطين 1967 التى لا تتعدى الضفة الغربية وغزة، والمساومات قائمة على قدم وساق لتقليصها الى ما هو أدنى من ذلك بكثير.

·       وكان هناك اجماع عربى رسمى وشعبى على ضرورة تحرير كامل ترابها المحتل والقضاء تماما على المشروع الصهيونى الذى يهدد كل الامة بقدر ما يهدد فلسطين. وكانت الامة تضمد جراحها وتلملم شتاتها بعد النكبة، استعدادا لمعركة التحرير.

واليوم بعد ان اعترفت مصر والاردن والسلطة الفلسطينية، ثم الامارات والبحرين والمغرب والسودان بشرعية دولة (اسرائيل)، أصبحوا يتحدثون عن ناتو عربى/اسرائيلى تحت قيادة الولايات المتحدة لمواجهة ايران والتطرف الاسلامى ولتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على مقاومتها ونزع سلاحها، فيما يسمى بصفقة القرن واتفاقات ابراهام. 

·       وكان هناك اجماع بين غالبية الشعوب العربية على مكانة مصر ودورها التاريخى والقومى فى قيادة الامة.

واليوم اهتزت مكانتها بشدة وتراجعت وتبدلت الادوار، لتشغله بدلا منها المحميات الامريكية من ممالك وامارات النفط والغاز.

·       وكان هناك قوتان عظمتان ومعسكران دوليان رأسمالى واشتراكى وتوازن دولى يسمح لنا ولكل الدول المتحررة والنامية بمساحة أكبر من الحركة والمناورة.

     واليوم هناك انفراد وهيمنة امريكية لا تزال تقبض على العالم والمنطقة بيد من حديد.

·       وكانت غالبية دول العالم شمالا وجنوبا، تُقيم لنا وزنا وتتعامل معنا ككتلة واحدة متجانسة ومتماسكة يُعمل لها ألف حساب، فتتجنب الانحياز لأعدائنا او الاضرار بالمصالح والقضايا العربية الرئيسية. وكان العرب هم القوة الاقليمية الاولى فى المنطقة.

اما اليوم فلم يعد للدول العربية منفردة او مجتمعة وزنا يذكر فى الحسابات والصراعات والمحاور الدولية والاقليمية، بل يتم تدويل كل قضايانا ومصائرنا. واصبحت دول الجوار إيران وتركيا تحتلان هذه المكانة جنبا الى جنب مع الكيان الصهيونى المسمى باسرائيل التى تحولت الى قوة اقليمية عظمى.

·       وكانت الهوية القومية واضحة ومحددة وموحدة، فغالبية شعوبنا من المحيط الى الخليج كانت تؤمن بهويتها العربية وتلتف حولها وتطالب باستقلال الامة ووحدتها وبتحرير فلسطين.

واليوم دفعت كثرة الهزائم والصدمات والاستسلامات قطاعات عربية من الشعوب العربية الى الكفر بالانتماءات القومية بل حتى بالوطنية، والى البحث عن هويات وانتماءات بديلة والتعلق بها، فضربتنا الانقسامات السياسية والايديولوجية والفتن الطائفية والصراعات العرقية والحروب الاهلية ومخاطر التفتيت والانفصال.

·       وكان التيار المؤمن بوحدة الامة، الداعى الى توحيدها هو التيار الأقوى والأوسع انتشارا والأكثر تاثيرا على المستويات الشعبية والفكرية والسياسية والتنظيمية.

    واليوم تراجع هذا التيار مئات الاميال الى الوراء، لتتصدر المشهد تيارات أخرى، منها من ينكر وجود الأمة من الأساس من منطلقات فكرية وايديولوجية مختلفة. وأصبح أى حديث عن العروبة او القومية او الوحدة يثير الدهشة وأحيانا السخرية، من منطق انه كلام قديم عفي عليه الزمن أو اوهام خيالية غير واقعية ومستحيلة فى ظل حالة التشرذم الحادة التى يعيش فيها العرب اليوم.

·       صحيح انه كانت لنا اخطاؤنا وخطايانا الكبرى التى ساهمت فيما نحن فيه اليوم، ولكننا ظللنا نقاوم ونقاتل متمسكين بمواقفنا المبدئية وثوابتنا الوطنية حتى فى اقصى لحظات الهزيمة والانكسار.

اما اليوم فلقد اصبحنا على عقيدة الامريكان والصهاينة.

***

ليس هناك فائدة ترجى بطبيعة الحال من البكاء على اللبن المسكوب، ولكن الجدوى الوحيدة من احياء ذكرى انتصاراتنا ولحظات صعودنا، كعصر العروبة والوحدة والاستقلال والصمود والعداء (لاسرائيل) وغيرها، هى دراسة اسباب الردة والانكسار، ثم التداعى والتواصل من أجل البحث عن سبل انقاذ الأمة وانتشالها من المستنقع الذى اصبحنا نعيش فيه اليوم من انقسام وتمزق وتبعية وتصهين وتخلف واستبداد.

*****

محمد سيف الدولة 

الخميس، 16 فبراير 2023

الطائفية السياسية فى مصر


 مقطع فيديو

https://youtu.be/v2I0QKVr8qo


كانت الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة قد أعلنت انها قد تقدمت للسلطات المصرية بطلب الافراج عن قائمة تتضمن 1074 اسما.

وبالطبع كامل الشكر والتقدير لكل من يسعى لتحرير اى معتقل سياسى وفك الكرب الشديد الذى تعيش فيه عائلته، فهو جهد شجاع ومحمود ومقدر ولا غبار عليه.

ولكن فى ظل وجود عشرات الالاف من المعتقلين السياسيين الآخرين، فان المسألة تستدعى التوقف امام عدد من التساؤلات المبدئية والأخلاقية:

·       اولها عن المعايير التى تم انتقاء قائمة الـ 1074 معتقلا على اساسها وتجاهل الآلاف الآخرين، وهل هى معايير الدستور والقانون والعدالة والمساواة وحقوق الانسان ام انه معايير السلطة التى حرمت وحظرت اى مطالبات بالافراج عن شخصيات محسوبة على التيار الاسلامى.

·       وفى هذه الحالة هل من المقبول الموافقة والالتزام بمعايير السلطة؟

·       وهل من الصحيح القبول بالتوصيف التى اعتمدته السلطة وما اصدرته من تشريعات مستحدثة باعتبار غالبية الاسلاميين ارهابيين وينتمون الى جماعات ارهابية او يدعمون مخططاتها؟

·       لقد تعرضت تيارات الأمة كلها للحظر والحصار والتشويه والعزل من قبل السلطات الحاكمة فى مرحلة من تاريخها: الشيوعيين 1959-1964، والاخوان 1954-1973، والليبراليون والوفديون 1954-1973، والناصريون 1971-1981.. وهكذا

·       فهل يجوز ان تتبنى وتبارك قوى المعارضة الوطنية المستقلة، مواقف السلطات فى كل مرة؟  

·       وهل أصبحنا كالطوائف اللبنانية، التي تدافع فيها كل طائفة عن حياة وامن ومصالح اعضائها دونا عن الطوائف الاخرى؟

·       او كالمتطرفين في كل دين او عقيدة الذين يكفرون اصحاب الديانات الاخرى؟

·       او كدولة الاحتلال التي تعطى كل الحقوق لليهود الصهاينة وتنزعها عن الفلسطينيين؟

·       او كالطبقات البرجوازية المستغلة التي تستأثر لنفسها بثروات البلاد دونا عن باقى الشعب الذى يعيش فى الفقر؟

·       وأين ذهبت مبادئ وقيم المساواة التى ناضلت البشرية من اجلها على امتداد آلاف السنين؟ والمنصوص عليها فى دساتيرنا وقوانينا وفى المواثيق الدولية التى وقعنا عليها؟

·       وهل يمكن أن ينسى التاريخ او يحترم مواقف كل الذين قايضوا حرياتهم بحريات خصومهم السياسيين؟

*****

فى رحاب ذكرى ثورة يناير

محمد سيف الدولة

 

 

 

الثلاثاء، 14 فبراير 2023

حق الفقراء الدفاع عن أنفسهم


 

من الحرية كل الحرية للشعب .. الى الحرية فقط لأعداء الشعب!!

***

تشعر الغالبية العظمى من المصريين اليوم بعجز شديد امام الغلاء الرهيب فى الاسعار وكل الاحتياجات الاساسية للحياة، مع الانخفاض الهائل فى قيمة الجنيه وبالتالي فى قيمة الاجور والرواتب والمدخرات. فلا توجد عائلة فى مصر الا ومعيشتها قد تأثرت تأثرا شديدا بالسياسات والقرارات الاقتصادية الاخيرة التى اتخذتها السلطات المصرية تنفيذا وخضوعا لتعليمات صندوق النقد الدولى.

ولا يجد المصريون اى ملاذ او منفذ يلجأون اليه او يستنجدون به فى مواجهة هذه المخاطر الاقتصادية والمعيشية الجمة.

ففى كل بلاد العالم ينظم ويتيح الدستور والنظام السياسى آليات وقنوات وأدوات تمكن طبقات الشعب وفئاته المختلفة من الدفاع عن نفسها والتعبير عن آرائها ومخاوفها فى مواجهة أى قرارات أو سياسات حكومية تمس حقوقها أو مصالحها.

الا فى مصر وبلادنا العربية، فلقد تم تجريد الشعوب من أى وسيلة تستطيع بها أن تفعل ذلك.

·       فالبرلمان بسلطته التشريعية تابع بشكل مطلق للسلطة التنفيذية.

·       والنقابات العمالية والمهنية بعد تدجينها الكامل من السلطة، توقفت عن القيام بأى دور للدفاع عن حقوق ومصالح الملايين من منتسبيها

·       والاحزاب السياسية المعارضة والمستقلة محاصرة ومحبوسة فى مقراتها ومحظور عليها اقامة اى تواصل جماهيرى.

·       وهو الحظر المفروض ايضا على تأسيس أى لجان شعبية أو تنظيم أى أنشطة وفاعليات تتعلق بمطالب اقتصادية او اجتماعية فى مجال الاجور والاسعار والضرائب وكل اشكال الجباية.

·       والمنابر الاعلامية من صحف وفضائيات مغلقة فى وجه اى راى آخر.

·       وبطبيعة الحال فان الاضرابات والاعتصامات والوقفات محظورة ومجرمة.

·       حتى القضاء الادارى (مجلس الدولة) الذي كان يمثل الملاذ الأخير للطعن فى قرارات السلطة ومؤسساتها، تم اغلاقه فى وجوهنا بعد صدور قانون تحسن صفقات الدولة من الطعن عليها الا من طرفيها الذي صدر عام 2014.

·       وهكذا

***

أما على الجانب الآخر؛ جانب أثرياء مصر من الطبقة الرأسمالية ورجال الاعمال، فلديهم كل الآليات والمؤسسات والأدوات الممكنة للمشاركة فى صناعة القرار والتواصل مع الحكومة بل والضغط عليها، مثل الغرف التجارية واتحادات المستثمرين والمصدرين والمستوردين واتحاد الصناعات وجمعيات رجال الاعمال..الخ، ولديهم من الملاءة المالية ما يمكنهم من شراء او ترشيح ممثلين لهم فى البرلمان لفرض مطالبهم واجنداتهم الاقتصادية التشريعية. بل انهم كثيرا ما يحرضون أصدقاءهم وشركاءهم الدوليين من شركات ومؤسسات دولية للضغط على الدولة لتلبية مطالبهم الاقتصادية والمالية، وهو ما نراه طوال الوقت فى الضغط من أجل ريادة وقيادة القطاع الخاص للاقتصاد المصرى.

***

اما رؤوس الاموال الاجنبية من مستثمرين وشركات عابرة القومية .. الخ فحدث ولا حرج، فهم السادة الحقيقيون المهيمنون على الاقتصاد المصرى، تمثلهم وتدعمهم وتقف ورائهم كل مؤسسات الشر الاقتصادية الدولية من الصندوق والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية والدائنون فى نادى باريس، يضغطون بكل الطرق والادوات على الدولة المصرية لفتح الاسواق امام المنتجات الاجنبية ومنع اى حماية جمركية للمنتجات الوطنية وتصفية شركات القطاع العام واعطاء التسهيلات والاعفاءات الضريبية واباحة اخراج الارباح وتحويلها للخارج وتخفيض قيمة العملة الوطنية ..الخ.

***

خلاصة المشهد الاقتصادى والمعيشى والسياسى اليوم فى مصر، هو ان الناس تشعر بخطر شديد، ولكنها محظور عليها كل أدوات المشاركة والتعبير والضغط دفاعا عن حياتها وحقوقها ومصالحها، محظور عليها الحق فى الدفاع الشرعى عن النفس.

بينما خصومها من اصحاب رؤوس الاموال الاجنبية والمحلية، يهيمنون ويصولون ويجولون ويعبثون كيفا شاءوا بمقدرات البلاد وحياة الناس.

*****

محمد سيف الدولة

موضوعات مرتبطة:

·       حب فلسطين حق من حقوق الانسان

·       الدفاع عن الوطن حق من حقوق الانسان