هناك من يتهم الديمقراطية والحريات بأنها تهدم الدول وتهدد أمنها القومى، فهل اطلاق حرية الشعوب فى الدفاع عن اوطانها تهدد أمن هذه الأوطان أم تحميها؟
وفى بلد مثل مصر على سبيل المثال،
فان من حقوق كل مواطن وواجباته ان يعمل ويناضل من أجل تحريرها وكل المنطقة من
التبعية والهيمنة والنفوذ الامريكى، ومن القيود المفروضة عليها فى اتفاقيات كامب
ديفيد، ومن تراجع دورها وتحول (اسرائيل) الى قوة اقليمية عظمى تعربد فى المنطقة
كما تشاء، ومن سيطرة نادى باريس ومؤسسات الاقراض الدولى على اقتصادها الوطنى
وتدميره والعصف بصناعتها وعملتها الوطنية، ومن استئثار رؤوس الاموال الاجنبية
ووكلائها المصريين بموارد وثروات البلاد، ومن تهديدات سد النهضة واستخفاف الجانب
الاثيويى بمكانة مصر وقوتها وغيره الكثير...
فهل الحركة والنضال والمطالبة
والضغط من أجل كل هذه الأهداف الوطنية يهدد أمن مصر أم يحميها؟
***
·
ليس الدفاع عن الوطن واجبا فحسب بل هو قبل
ذلك وبعده حق اصيل من حقوق كل مواطن.
·
وهو ايضا دفاعا شرعيا عن النفس، فلا حياة أو
نجاة لأى انسان بدون أن يكون له وطن.
·
وهو حق يمارسه الانسان منذ أن خلقه الله على
الارض وقبل ان تنشأ الاوطان والامم.
·
بل ان الفضل في نشأة كل الامم والقوميات
والدول التي نراها اليوم واختصاص الشعوب بأراضيها التى تعيش عليها دونا عن باقى
شعوب العالم، يعود الى كفاح ونضال وتضحيات اجيال متعاقبة من البشر دفاعا عن هذه الارض
فى مواجهة اعدائها والمتربصين بها والطامعين فى الاستيلاء عليها والاستيطان فيها.
·
وكان ذلك قبل ان تعرف البشرية اى دساتير او
قوانين او نصوص صريحة تنص على ان الدفاع عن الوطن واجب مقدس.
·
والدفاع عن الوطن هو حق مشترك بين كل مواطنيه،
لا فرق فى ذلك بين حاكم ومحكوم او غنى وفقير او رجل وامرأة او مسلم ومسيحي او مدني
وعسكري او قومي واشتراكي وإسلامي وليبرالي.
·
وتتعدد السبل والوسائل والادوات لممارسة هذا
الحق، ففى عصور الاحتلال والحروب تشترك الجيوش مع الشعوب فى حمل السلاح لتحرير
الاوطان والدفاع عنها كما هو الحال فى فلسطين ولبنان وفى كل حروب التحرير الشعبية.
·
وفى غير اوقات الاحتلال فان للمواطنين مئات
الادوات والقنوات الدستورية والسياسية والشعبية للدفاع عن اوطانهم من خلال الأنشطة
والنضالات الفكرية والاعلامية والسياسية والحزبية والنقابية ومن خلال البرلمانات
ونشر الوعي وتنظيم الناس وتأسيس جماعات الضغط واللجان الشعبية ومنظمات المجتمع
المدنى ومن خلال المعارضة والوقفات والاضرابات والتظاهرات والاعتصامات واي شكل من
أشكال الفاعليات لتحقيق الهدف الوطنى المنشود.
·
وفى كثير من الأحيان تكون معارضة انظمة الحكم
التابعة او الفاسدة والمفقرة والفاشلة ضرورة للدفاع عن الوطن وسلامته وعافيته
ومناعته فى مواجهة ما يحاك له من الخارج.
·
ولذلك فان نزاهة الانتخابات وتداول السلطة
وتشكيل برلمانات حقيقية تراقب السلطة التنفيذية وتعارضها عند اللزوم ووجود احزاب
معارضة قوية واحزاب مستقلة ومجتمع مدنى قوى هى من ضرورات حماية الامن القومى.
·
كما فى بلادنا النامية، التى تكون الدولة
ومؤسسات الحكم فيها شديدة الضعف فى القدرة على مواجهة وتحدى الدول الكبرى، فان الشعوب
تكون هى خط الدفاع الحقيقى وحائط الصد الاخير عن الاوطان فى مواجهة هذا الاختلال
الهائل فى موازين القوى.
·
وهذا ما فعله الشعب المصرى فى عديد من
الملاحم والمعارك الوطنية فى العقود القريبة الماضية ومنها على سبيل المثال وليس
الحصر: معركة بورسعيد 1956 والسويس 1973 ومظاهرات الطلبة 1968-1973 وانتفاضة يناير
1977 ومعركة النيل فى خطر فى السبعينات والدفاع عن هوية مصر العربية بعد كامب
ديفيد ومواجهة التطبيع ومعركة استقلال القضاء واللجان الشعبية لدعم الانتفاضة
الفلسطينية والحملة الدولية ضد الاحتلال الامريكى للعراق والاسرائيلى لفلسطين
2003-2008 ورفض تصدير الغاز لاسرائيل ومقاومة الخصخصة وتصفية القطاع العام، ومناهضة
التمديد والتوريث 2005-2011 وثورة يناير واغلاق السفارة الاسرائيلية 2011 وغيرها.
·
كلها وغيرها الكثير هى نماذج وأمثلة قليلة من
معارك وطنية كثيرة وجليلة خاضها الشعب المصرى ممثلا فى قواه السياسية والشعبية المستقلة
عن السلطة بل والمعارضة لها.
·
الا أن الحكام والانظمة في بلادنا العربية تخشى
الشعوب وتحرص على تقييد حركتها وفاعلياتها حتى لو كانت فى سبيل الدفاع عن الاوطان.
·
وحينها يكون الاستبداد وليس الحرية هو الذى يهدم
الدول ويهدد أمنها القومى.
*****
محمد سيف الدولة
مقالات مماثلة:
هناك تعليق واحد:
حكامنا يرون إن حاميهم هو الاجنبي وليس الشعب فيتحولون الي التابع والعميل والوكيل والسمسار ضد إرادة شعبنا . ولايعلمون إن ثورة الشعب لاتبقي ولاتذر ولم يتعلموا من دروس التاريخ. ولهذا كانت الحريات العامه هي الد اعداء الحكام المنبطحين وسياتي يوم الخلاص منهم قريبا .
إرسال تعليق