بحث فى المدونة

الأحد، 25 ديسمبر 2022

الاقتراض بالاكراه


·       سؤال: لماذا يصرون على الاستمرار فى الخضوع لتعليمات وروشتات صندوق النقد الدولى، رغم انها أثبتت فشلها وأفقرت الملايين وعصفت بعملتنا الوطنية وترتبت عليها نتائج اقتصادية كارثية وورطتنا فى هذه الدوامة الجهنمية من القروض والديون والفوائد التى لا تنتهى؟

·       الاجابة: لأن الالتزام بتعليمات الدائنين وصندوقهم الدولى ومواصلة الاقتراض منهم، هى أحد الشروط والمواصفات الامريكية والغربية للحاكم الصالح فى بلادنا. 

السبت، 24 ديسمبر 2022

قناة السويس .. دواعى الشك والتحذير

هل يمكن ان تتجرأ السلطة المصرية على بيع قناة السويس؟

هذا هو السؤال المفزع الأكثر تداولا بين المصريين على امتداد الايام القليلة الماضية، بعد الاعلان عن موافقة البرلمان المصرى على تعديل قانون يخص الهيئة العامة لقناة السويس ويبيح لها القيام ببيع اصولها.

ورغم كل البيانات الرسمية التى حاولت ان تطمئن الرأى العام بانه لا مساس بالقناة، الا انها فشلت فى اقناع غالبية الناس وطمأنتهم، بسبب غياب مصداقية وشفافية السلطات والحكومات المتعاقبة على امتداد عقود طويلة.

1)   ولأن المسألة تتعلق هذه المرة بقناة السويس قدس الأقداس الوطنية وأهم شريان من شرايين مصر الأمنية والاستراتيجية والتمويلية، والتى كان تأميمها هو "أم الانتصارات" فى تاريخنا الحديث، وأيقونة استقلالنا الوطنى، وشرارة لانطلاق ثورات التحرر والاستقلال لكل شعوب العالم الثالث.

2)   ولأن القانون ينص صراحة على الحق فى بيع اصول صندوق هيئة قناة السويس، بعد ايام قليلة من صدور بيان صندوق النقد الدولى فى 16 ديسمبر الجارى، حول حيثيات الموافقة على القرض الجديد لمصر والذى ورد فيه بالنص ((إتاحة تمويل إضافي لصالح مصر .. من شركائها الدوليين والإقليميين .. من خلال عمليات البيع الجارية للأصول المملوكة للدولة ..))

3)    ولأن تأسيس الصناديق الخاصة للمؤسسات والهيئات العامة هى البوابة الخلفية والحيلة المعتادة التى تستخدمها السلطات منذ سنوات لابعاد تصرفاتها وصفقاتها وقراراتها عن أعين ورقابة البرلمان والراى العام.

4)   ولأن الموضوع كله يحيطه غموض تام، من أول نصوص القانون وعباراته المراوغة مرورا بتوقيته وانتهاء بالاسباب الحقيقية وراء اصداره.

5)   ولأن لدينا عقدة تاريخية عميقة من القروض والديون منذ القرن التاسع عشر انتهت بسقوط مصر فى براثن الهيمنة الاقتصادية والاستعباد المالى ثم الاحتلال على امتداد ما يقرب من مائة عام.

6)   ولأن جروح التفريط المصرى الرسمى فى جزيرتى تيران وصنافير للملكة العربية السعودية، لم تندمل بعد، ولن تندمل.

7)   كما أن للسلطات المصرية على امتداد الخمسين عاما الماضية تراثا طويلا من التنازل والتفريط فى حقوق مصر واراضيها ومواردها الوطنية ومصالحها العليا وامنها القومى، بدءا بخضوعها للشروط المجحفة التى وردت فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية من انحياز الى امن (اسرائيل) على حساب الامن القومى المصرى، ومرورا بالامتيازات السياحية التى حصلت عليها (اسرائيل) منذ 1989 من حق دخول سيناء والتنقل على شواطئ خليج العقبة لمدة اسبوعين بدون تأشيرة. وكذلك تلبية الطلب الاسرائيلى الذى سبق ان رفضه مبارك وطنطاوى باخلاء المنطقة الحدودية الشرقية فى سيناء. وصفقات بيع الغاز المصرى لاسرائيل بابخس الاثمان ايام مبارك، ثم العودة لاستيراده منها منذ 2018 فى صفقة بلغت ما يزيد عن 15 مليار دولار. وتفكيك الاقتصاد الوطنى وضرب المنتجات المصرية وتصفية الصروح الصناعية الكبرى من شركات القطاع العام، والخضوع لشروط وتعليمات صندوق النقد الدولى بتعويم الجنيه واضعافه وتخفيض والغاء الدعم منذ 1977 الى اليوم، وغيره الكثير.

8)   ولأن المصريين يعلمون ما تتعرض له الدولة من الدائنين ومؤسسات الاقراض الدولى وعلى رأسهم الصندوق فى قرضه الاخير، من ضغوط على رأسها تعليماتهم ببيع اصول الدولة كما ورد حرفيا فى بيانه الاخير المذكور عاليه، كمخرج مزعوم وخبيث ومغرض من الازمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها البلاد فى الآونة الاخيرة والارتفاع الهائل غير المسبوق فى الديون وفوائدها والنقص الكبير فى رصيد الدولة من الدولارات، والارتفاع الكبير فى اسعار السلع والخدمات، والغليان المكتوم فى صفوف الطبقات الفقيرة والمتوسطة.

9)   ويعلمون أن هؤلاء الدائنين ليسوا سوى الاستعمار الاقتصادى الجديد ورثة وخلفاء الاستعمار القديم، وهم خبراء ومتخصصين فى الاستيلاء على موارد وثروات واصول البلدان النامية.

10)         كما يعلمون الضعف الشديد منذ السبعينات فى مناعة الدولة المصرية ومؤسساتها أمام الاملاءات الخارجية، خاصة اذا كانت تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الامريكية او الاسرائيلية او الديون الخارجية و رؤوس الأموال الأجنبية.

11)         ويعلمون ان البرلمان المصرى والغالبية العظمى من نوابه موالون وخاضعون لمؤسسات السلطة التنفيذية وعلى استعداد لتمرير اى قانون او تشريع او معاهدة او صفقة او قرار رئاسى بدون رفض او معارضة او تدقيق او تعقيب او حساب حتى لو كان فيه تخلى عن اراضى مصرية او اضرار بمصالح الدولة وامنها القومى مثلما حدث فى تيران وصنافير عام 2016 وحدث من قبل فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية عام 1979 وما بينهما وما بعدهما.

12)         ويعلمون ان الدولة قد احكمت قبضتها على الحياة السياسية وعلى كل الاحزاب والشخصيات المعارضة وانها تهدد على الدوام بقدرتها على الزج بالمئات والالاف من المعارضين فى السجون لسنوات طويلة فيما لو تجرأوا ورفضوا اى صفقة من صفقاتها، وتجربتهم مع تيران وصنافير خير شاهد على ذلك.

***

لكل هذه الأسباب وغيرها، يعيش المصريون هذه الأيام حالة من القلق والفزع غير المسبوق على مصير قناة السويس، ولأول مرة منذ سنوات يتداعى الجميع لمراقبة الموقف والتحقق من خفاياه، والاستعداد لكل السيناريوهات، والتحذير من السيناريو المحتمل والأسوأ بوجود نوايا او صفقات غير معلنة مع أطراف غير معلومة، للتفريط فى حقوق مصر وسيادتها الوطنية على قناة السويس.

وربنا يستر.

*****

محمد سيف الدولة 

الثلاثاء، 20 ديسمبر 2022

فلسطين بين حب الشعوب وغدر القصور


 ((ان اسرائيل عاجزة عن التعامل مع الشعوب العربية التى تكرهها وتعاديها، فلقد اعتادت منذ عقود طويلة على التعامل مع القصور العربية فقط)) تصريح شهير لأحد قادة الصهاينة بعد ثورة يناير 2011 وقيام شباب الثورة بحصار السفارة الاسرائيلية وتسلق العمارة القائمة بها، لنزع العلم الاسرائيلى مما ادى لاغلاقها لاول مرة منذ 1979، قبل ان يتم اعادة فتحها مرة اخرى فى 2015.

***

·       لم يكشف مونديال قطر جديدا حين اظهر عمق مشاعر الحب العربية تجاه فلسطين ومدى الكراهية والعداء التى تكنها الشعوب لإسرائيل، فهى حقيقة ساطعة وثابتة ومتأصلة ومعروفة للجميع منذ عشرات السنين.

·       وساحات النضال العربى شاهدة على آلاف الانشطة والفاعليات السياسية والشعبية على امتداد عشرات السنوات لدعم فلسطين وقضيتها من احزاب وتنظيمات ولجان ومؤتمرات وتظاهرات وبيانات وتبرعات وقوافل اغاثة وكتب وكتابات وموسوعات ومقالات وتغريدات وتدوينات وكاريكاتيرات واغانى وقصائد واشعار .. الخ، ناهيك عن محاولات الشباب العربى للالتحاق بصفوف المقاومة الفلسطينية فى ميادين القتال منذ 1948 حتى يومنا هذا.

·       ففلسطين هى ايقونة القرن فى معارك الكرامة والاستقلال والتحرر الوطنى والعربى بلا منازع.

***

·       ولكن الحقيقة الفعلية التى كشفتها كاميرات المونديال هى مشهد الشعوب العربية حين تكون على حريتها وسجيتها بعيدا عن استبداد انظمة الحكم العربية وقبضتها الباطشة.

·       وربما يكون السؤال البديهى الأول الذى قد يتبادر الى ذهن اى متابع هو: لماذا لا نرى مثل هذه المشاهد فى عديد من الدول العربية؟

·       وقد يقوم البعض بعقد مقارنة بينها وبين المشهد الشهير بتوقيف شاب مصرى حين قام برفع رفعه علم فلسطين فى احدى المباريات.

·       ولكن السؤال القديم والأكثر عمقا وايلاما هو لماذا لا تزال فلسطين محتلة، رغم كل هذا الزخم الشعبى العربى من المحيط الى الخليج؟ ولماذا عجزنا على امتداد عقود طويلة عن ترجمته وتحويله الى حركات ومؤسسات شعبية تشارك فى معارك التحرير من خارج فلسطين؟

·       فالحقيقة ان الحاضر الغائب فى مشهد الاحتفاء الشعبى العربى بفلسطين، وفى المشهد العربى بشكل عام، هو ذلك السجن الكبير الذي نصبته عدد من انظمة الحكم العربية لكبح جماح شعوبها ومنعها من تقديم اى دعم للشعب الفلسطيني ولحركات المقاومة، بدءا بحصارها وتقييد حركتها، ووصولا الى وأدها التام للحريات مع حظر وتجريم أى نشاط سياسى يخص فلسطين او اى قضية اخرى.

·       وأتصور أن هذا الدور تحديدا هو أحد الوظائف الاساسية التى تستمد غالبية الانظمة العربية منها شرعية بقائها ووجودها من الخارج الامريكى والدولى.

·       والتى يتم تحديد قيمة ووزن ومكانة اى حاكم عربى ودرجة الدعم الدولى التى يستحقها نظامه، بمدى قدرته على السيطرة والكبح واجهاض واسكات اى عداء لاسرائيل او للولايات المتحدة ولمشروعهما الاستعمارى فى المنطقة.

***

·       ان هناك مأثورة عربية شهيرة وقديمة عن ((اسرائيل ومن يقف وراء اسرائيل)) فى تعبير عن الوعى بحقيقة الدور الامريكى والغربى فى تأسيس المشروع الصهيونى ومواصلة تسليحه ودعمه للحفاظ على وجوده ولتمكينه من الانتصار على العرب مجتمعين والاستيلاء على اوطانهم او كسر ارادتهم واخضاعهم والحاقهم بحظيرة التبعية لامريكا والغرب.

·       ولكن هناك مأثورة اخرى أكثر خطورة ودلالة وان كانت اقل شهرة وهى ((اسرائيل ومن يقف امام اسرائيل))؛ والمقصود بها تلك الدول والحدود العربية التى تقف حاجزا صلبا ورادعا عنيفا أمام التحام واشتباك الملايين من الشباب من كل الأقطار العربية فى معارك المقاومة والتحرير فى فلسطين.

·       لقد تأسست دولة الاحتلال وترعرعت فى حماية هذه الدول العربية التى كانت ولا تزال لها الفضل الاول فى حماية وجود (اسرائيل) وامنها.

·       وهذا واحد من أهم الأسباب التى تفسر لنا لماذا تقف امة عريقة من 450 مليون عربى متراجعة ومهزومة وضعيفة وخائفة امام كيان وافد وغريب ومصطنع لا يتعدى سبعة ملايين وافد محتل.

·       وأى مشروع مستقبلى جاد يستهدف تحقيق حلم التحرير الذى فشلت فيه اربعة اجيال عربية متعاقبة، عليه ان يقدم حلا ومخرجا تاريخيا من معضلة الدولة العربية الوظيفية الحاجزة الكابحة لجماح شعوبها الحامية لاسرائيل.

***** 

محمد سيف الدولة

الثلاثاء، 29 نوفمبر 2022

الهدف الصهيونى الرابع

فى الذكرى الـخامسة والسبعين لصدور القرار الدولى الاجرامى بتقسيم فلسطين الصادر فى 29 نوفمبر 1947، كيف نقرأ طبيعة المرحلة الحالية من الصراع والممتدة منذ نهاية حرب 1973 الى يومنا هذا؟

***

منذ تأسست الحركة الصهيونية عام 1897، نجحت فى تحقيق "ثلاثة" اهداف استراتيجية كبرى وتكاد ان تنجح فى تحقيق الهدف الرابع. ولقد استغرق تحقيق كل هدف من الاهداف الثلاث ما يقرب من ربع قرن على الوجه التالى:

1)   كان الهدف الاول الذى تحقق فى الفترة من 1897 الى 1922 بموجب صك الانتداب البريطانى الصادر فى 11 سبتمبر 1922، هو الفوز برخصة ودعم دوليين لحق اليهود فى اقامة وطن قومى لهم فى فلسطين، بعد عقود من ضعف وتعثر محاولات الهجرات اليهودية التسللية الى هناك.  

2)   وكان الهدف الثانى هو تغيير التركيبة السكانية وهو ما تحقق بتهجير نصف مليون يهودى الى فلسطين من 1922 الى 1947 بتشجيع وحماية الاحتلال البريطانى، ليصبح جملة أعدادهم 650 الف مقابل 1.3 مليون عربى.

3)   وكان الهدف الثالث هو بناء دولة (اسرائيل)، وهو ما تحقق فى الفترة من 1947 حتى 1974، بدءا بقرار التقسيم ثم سلسة المذابح الصهيونية والنكبة واعلان الدولة والاعتراف الدولى بها والدعم والتسليح الغربى لها والنكسة واغتصاب مزيد من الاراضى، وهجرة مزيد من اليهود.

***

أما الهدف الاستراتيجى الرابع 1973 ــ 2022:     

فهو انتزاع اعتراف أصحاب الأرض الحقيقيين من الفلسطينيين والعرب بشرعية دولة (اسرائيل) ودمجها فى المنطقة كأى دولة طبيعية. ولقد قطعوا أشواطا طويله فى الاقتراب من تحقيقه:

·       فبعد حرب 1973 نجحوا فى اخراج مصر من الصراع وانتزعوا منها اعترافا كاملا بدولة (اسرائيل) بموجب اتفاقيات السلام المشهورة باسم كامب ديفيد.

·       ثم بعد ان طردوا القوات الفلسطينية من لبنان عام 1982، ومارسوا ضغوطا استمرت 11 عاما، نجحوا فى ان ينتزعوا من القيادة الفلسطينية اعترافا باسرائيل والتنازل لها عن 78% من ارض فلسطين بموجب اتفاقيات اوسلو 1993.

·       تلاها اعتراف الاردن باسرائيل بموجب اتفاقيات وادى عربة عام 1994.

·       ثم الاعتراف "المشروط" من النظام العربى الرسمى كله ممثلا فى جامعة الدول العربية بحق (اسرائيل) فى الوجود فى فلسطين 1948، ان هى انسحبت الى حدود 1967، بموجب مبادرة السلام العربية الصادرة عام 2002.

·       وأخيرا الاعتراف "غير المشروط" باسرائيل من قبل الامارات والبحرين والمغرب، أى بدون الزامها بالانسحاب من أى أراض محتلة.

·       الى أن وصل الأمر مؤخرا للحديث عن ناتو عربى/اسرائيلى تحت القيادة الامريكية.

·       وهكذا

·       فى بدايات الصراع فى 1948 و1967 و1973 كان العرب جميعا حكومات وشعوب على قلب رجل واحد، فى التمسك بالثوابت الوطنية بتحرير كامل الارض المحتلة ورفض اى اعتراف باسرائيل، اما اليوم فالنظام العربى الرسمى كله يعترف بها اعترافا صريحا او مشروطا حسب الاحوال.

***

القلعة الأخيرة:

·       من الذى بقى منا اليوم يرفض الاعتراف ويعوق تحقيق الهدف الصهيونى الرابع فى معركة القرن الطويلة؟

·       بقيت بطبيعة الحال كل شعوب الأمة صاحبة الأرض التى لم تتغير مواقفها ابدا فى هذا الصراع، ولكنها شعوب مقهورة ومحاصرة ومحظور عليها المشاركة او الاشتباك فى معركة التحرير.

·       وبقي فى المقدمة على خط النار، الشعب الفلسطينى يقف وحيدا فى مواجهة عدونا المشترك، لم يتوقف عن المقاومة بكل أشكالها وأدواتها على امتداد القرن، من ثورات وانتفاضات وعمليات استشهادية وحركات مقاومة مسلحة واشتباكات فردية بطولية.

·       فهو القوة الوحيدة على وجه الارض الموجودة اليوم، التى تعوق نجاح المشروع الصهيونى فى تحقيق هدفه الاستراتيجى الرابع والاخطر وهو استسلام كل اصحاب الارض واعترافهم بحق (اسرائيل) فى الاستيلاء على اوطانهم. 

·       ان انهزموا لاقدر الله، سيكون العدو بذلك قد أنهي ما يزيد عن قرن من الصراع لصالحه وستموت القضية لعقود طويلة قادمة.

·       وان صمدوا بإذن الله، تعثر المشروع الصهيونى كله.

***

كانت هذه هى خلاصة قرن من الصراع، وطبيعة المعركة الاستراتيجية الكبرى الدائرة منذ ما يقرب من نص قرن 1974-2022 التى تدور حول الاعتراف باسرائيل ودمجها والتطبيع معها وكل ما عدا ذلك تفاصيل او قضايا فرعية.

ومهمتنا جميعا اليوم هى ان ندعم صمود هذه "القلعة الأخيرة" ونحررها من كل انواع الضغوط ومحاولات كسر الإرادة والاخضاع، مثل العدوان والقتل والإبادة والاعتقال والحصار والتجويع والتركيع والتشويه..الخ.

هذه هى أولويتنا "المرحلية"، جنبا الى جنب مع النضال لاسقاط كل اتفاقيات ومبادرات الصلح مع العدو الصهيونى وسحب اى اعتراف عربى بشرعيته الباطلة، لعلنا ننجح فى يوم قريب باذن الله من الالتحام بأهالينا فى فلسطين فى مواجهة هذا الكيان العدوانى العنصرى الغاصب.

*****

محمد سيف الدولة 

الاثنين، 14 نوفمبر 2022

مصر وأمريكا..قرن من الغدر والعدوان

فى لقائهما الاخير بشرم الشيخ على هامش مؤتمر المناخ، تبادل الرئيسان المصرى والامريكى، عبارات الاشادة والتحية والتقدير، فقام بايدن بتوجيه الشكر والتقدير للسيسى على ما يقوم به من وساطة بين (اسرائيل) وغزة ووصفه بالحليف القوى والشريك المركزى فى مكافحة الارهاب، بينما تحدث السيسى عن اربعين عاما من العلاقات الاستراتيجية القوية التى لم تتغير على امتداد اربعين عاما، امتلكت فيها الدولتان ذات التوجه. وفى اليوم التالى خرجت لنا جريدة الاهرام المصرية بمانشيت عريض يتحدث عن ((مائة عام من العلاقات الاستراتيجية)).

***

واذا كان هذا هو الموقف المصرى الرسمى من الولايات المتحدة، فان للشعب المصرى رأيا وموقفا مختلفا ومناقضا تماما من الامريكان، فتاريخنا معهم على امتداد ما يزيد عن قرن من الزمان ليس سوى سلسلة طويلة من الغدر والتهديد والعدوان والتبعية:

·       كانت طعنة الغدر الاولى التى تلقتها مصر من الولايات المتحدة، بعد الحرب العالمية الأولى حين رفضت مطالبنا بالاستقلال وأيدت استمرار الحماية البريطانية على مصر، رغم المبادئ الاربعة عشر الشهيرة التى اصدرها الرئيس الامريكى ويلسون والتى نصت على حق الشعوب فى تقرير مصيرها.

·       وهو ذات النهج الذى سارت عليه بعد الحرب العالمية الثانية ضد استقلالنا فى مصر والعالم العربى وكل بلدان العالم الثالث؛

·       ففى بلادنا كانت امريكا هى التى استكملت تنفيذ العملية "القيصرية الاجرامية" لزراعة وتأسيس وحماية دولة (اسرائيل).

·       فكانت أول دولة تعترف بها وتوافق على قبولها عضوا بالامم المتحدة.

·       كما رفضت تسليح مصر بعد الاعتداء الصهيونى علينا فى غزة ١٩٥٥ واستشهاد عشرات من جنودنا وضباطنا.

·       فى الوقت الذى تقوم فيه وعلى امتداد 74 عاما بتقديم كل اشكال الدعم والتسليح والتمويل لاسرائيل لضمان تفوقها العسكرى على الدول العربية مجتمعة، وتمكينها من شن عشرات الحروب والاعتداءات لاحتلال الاراضى العربية.

·       وقامت بحظر امتلاك السلاح النووى على كل دول المنطقة فيما عدا (اسرائيل).

·       وامريكا هى التى حرضت البنك الدولى لرفض تمويل السد العالى الا بشرط الاعتراف المصرى باسرائيل.

·       وقامت بحصارنا ووضعتنا على قوائمها السوداء حين رفضنا الاعتراف وناهضنا أحلافها العسكرية.

·       وحين قامت الوحدة المصرية السورية عام 1958، تآمرت وخططت للانفصال عام ١٩٦١.

·       وهى التى خططت وحرضت وسلحت (اسرائيل) لاحتلال سيناء والجولان وباقى فلسطين فى 1967، بهدف كسر واخضاع مصر وسوريا وكل الامة.

·       وهى التى رفضت بعد العدوان صدور أى قرار من مجلس الامن يقضى بانسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضى التى احتلتها بالقوة بالمخالفة لميثاق الامم المتحدة.

·       ثم تدخلت فى حرب ١٩٧٣ لانقاذ (اسرائيل) من هزيمة محققة وامدتها بجسر جوى من السلاح والعتاد وخططت معها لثغرة الدفرسوار، التى غيرت مسار الحرب ونتائجها.

·       ثم قامت بسرقة ما حققناه من نصر، بالضغط والتهديد لدفع السادات فى مفاوضات فض الاشتباك الاول 18/1/1974الى سحب الغالبية العظمى من قواتنا التى عبرت واعادتها مرة اخرى الى غرب القناة مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية من الثغرة.

·       ثم أكرهته أو استقطبته للتوقيع على معاهدة سلام بالاكراه مع (اسرائيل) فى 1979 تنحاز لأمن (اسرائيل) على حساب الامن القومى المصرى من خلال فرض حزمة من القيود على وجود وتسليح قواتنا فى سيناء.

·       ثم جلبت قواتها الى سيناء لمراقبة قواتنا هناك بدلا من قوات الامم المتحدة، منذ عام 1981 حتى اليوم.

·       وهى التى ارسلت للدولة المصرية تهديدا صريحا ومكتوبا، يوم ٢٥ مارس ١٩٧٩ قبل توقيع المعاهدة بيوم واحد، تهددنا فيه بضربنا عسكريا اذا انتهكنا اتفاقية السلام فيما عرف "بمذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية".

·       وهى امريكا التى ادارت مع حلفائها منذ ١٩٧٤ عملية تفكيك مصر التى انتصرت فى حرب ١٩٧٣ صامولة صامولة ومسمارا ومسمارا، وبناء مصر اخرى تابعة، على مقاس مصالح امريكا وامن (اسرائيل)، وهو ما كتبت عنه بالتفصيل تحت عنوان "الكتالوج الامريكى لحكم مصر".

·       وهى التى تقود النظام الراسمالي العالمى بشركاته عابرة القومية التى اخترقت اسواقنا ودمرت صناعتنا الوطنية واغلقت مصانعنا ونهبت ثرواتنا.

·       وتدير مؤسسات الاقراض الدولى التى افقدتنا استقلالنا وفككت اقتصادنا الوطنى وسيطرت عليه والحقتنا بأسواق المستهلكين وأفقرت شعوبنا ودمرت عملتنا، واغرقتنا فى مليارات الدولارات من القروض والديون.

·        وهى التى قامت من خلال اموال المعونة الامريكية الاقتصادية ومشروعتها منذ السبعينات التى بدأت بـ ـ815 مليون دولار سنويا، بتاسيس وصناعة طبقة تابعة من رجال الاعمال المصريين، اصبحت اليوم بمثابة طابور خامس ومخلب قط وراس حربة لرؤوس الاموال العالمية، تقدم لهم التسهيلات والتشهيلات، وتشاركهم نهب اموالنا ومواردنا وتصفية صناعاتنا الوطنية، من خلال آلاف التوكيلات للشركات والمنتجات الأجنبية.

·       وامريكا هى التى وضعت أسس النظام السياسى لحكم "مصر كامب ديفيد" وحددت مواصفات الحكام، وعلى رأسها الالتزام بالسلام مع (اسرائيل) وبالحفاظ على امنها، وهو ما عبر عنه الدكتور/ مصطفى الفقى عام 2009/2010 بقوله ان اى رئيس مصرى يجب ان توافق عليه الولايات المتحدة وتقبله (اسرائيل).

·       وهى التى اسست الكتائب الاستخبارية الاجنبية وجندت مثيلتها المحلية لضرب وتفكيك اى مقومات فكرية وعقائدية تناهض التبعية وتتمسك بالتحرر والمقاومة والاستقلال، لا فرق لديها بين تيار وطنى أو قومى أو اسلامى أو اشتراكى.

·       وعلى المستوى العربى والاقليمى قامت بحصار العراق لعشر سنوات قبل ان تقوم بغزوه وتدميره وانهاء وجوده كدولة عربية مستقلة وقوية ووطنية.

·       وبذرت قواعدها وقواتها العسكرية حولنا فى امارات وممالك الخليج التى تحولت الى محميات أمريكية.

·       ونجحت فى تنفيذ مخطط تقسيم السودان بعد تهميش دور مصر وضرب مصالحها هناك، فى اطار مشروع أكبر لتفتيت باقى الدول العربية.

·       وهى التى اعادت رسم خرائط المنطقة وترتيباتها الامنية، لتقزيم دور مصر ومكانتها ولتصبح (اسرائيل) هى الدولة الاقليمية العظمى التى يدور فى فلكها عديد من الدول العربية عبر ما يسمى بصفقة القرن واتفاقات ابراهام المزعومة وتأسيس ناتو عربى/اسرائيلى تحت القيادة الامريكية.

·       ولتطلق يدها لابتلاع ما تبقى من فلسطين وتهبها الجولان وتحمى وتبارك اقتحامات المسجد الاقصى ومشروعات تقسيمه وتهويده وجرائم القتل والابادة اليومية للفلسطينيين، مع تجريم اى مقاومة فلسطينية ووصمها بالارهاب.

·       وحين أرادت الشعوب العربية التحرر من أغلالها واسقاط هذا النظام العربى الرسمى التابع والعاجز والمهزوم، كانت الولايات المتحدة على رأس القوى التى اجهضت الثورات العربية بالاختراق والافساد والاحتواء والعسكرة.

·       وهى التى تدعى كذبا دعمها لحقوق الانسان، بينما تقوم بحماية كل انظمة الحكم المستبدة، طالما انخرطت فى حظيرتها وخدمت مصالحها وقامت بالتطبيع والتحالف مع (اسرائيل).

***

لكل ذلك وغيره الكثير، نؤكد على اننا لسنا حلفاء للامريكان ولا شركاء لهم وليس بيننا وبينهم ذات التوجه لا من قريب او بعيد، فتاريخنا معهم هو تاريخ طويل ومرير من الغدر والنهب والعدوان التهديد والاكراه والتبعية، بل أن غايتنا الرئيسية هى الانعتاق منهم والاستقلال عنهم وتحرير الأمة من وجودهم وهيمنتهم ونفوذهم وانقاذها من مخططاتهم، وهى حقائق تاريخية وثوابت وطنية لا تقبل التبديل او المقايضة من أجل نفحة رضا امريكية هنا او هناك.

*****

محمد سيف الدولة