بحث فى المدونة

الأحد، 27 يونيو 2021

روايتان متناقضتان وحقيقة واحدة

منذ عام 1993 وهناك روايتان عن الاتفاقيات الفلسطينية الاسرائيلية المشهورة باسم اوسلو، رواية فلسطينية وأخرى صهيونية:

اما عن الرواية الفلسطينية ومع افتراض حسن النوايا، فتقدمها لنا جماعة السلطة، وتروج لها الانظمة العربية وخلاصتها:

·       ان التسوية مع (اسرائيل) هى الممكن الوحيد فى ظل موازين القوى الدولية الحالية، خاصة بعد انسحاب الدولة المصرية من الصراع بعد اتفاقيات كامب ديفيد، ومع سقوط الاتحاد السوفيتى، وانفراد الولايات المتحدة بالعالم.

·       وان حلم تحرير "كامل" التراب الفلسطيني غير واقعي وغير ممكن.

·       وان الممكن الوحيد هو الحصول على دولة فلسطينية كاملة السيادة فى الضفة الغربية وغزة، عاصمتها القدس الشرقية، خالية من اى مستوطنات اسرائيلية، مع التمسك بحق العودة للاجئين الفلسطينين.

·       وان الطريق الوحيد لذلك هو التفاوض السلمي، فالمواجهة العسكرية مع (اسرائيل) هى عملية انتحارية، ولن تؤدى الى شىء.

·       ولكي تقبل (اسرائيل) قيام دولة فلسطينية، فلابد من الاعتراف بشرعية وجودها، والتنازل لها عن فلسطين 1948، ونبذ العنف والمقاومة، وتوحيد الصف الفلسطينى تحت قيادة السلطة الفلسطينية، فهى الطرف الوحيد الذي تعترف به (اسرائيل) والمجتمع الدولى وتقبل التعامل معه.

·       وان خروج فصائل المقاومة عن شرعية السلطة وشرعية اوسلو، يضعف من موقفها التفاوضى ويعيق تحقيق الحل النهائى.

·       وانه إذا توفرت هذه الشروط، فانهم قد يحصلون على دولة فلسطينية ان عاجلا ام آجلا.

·       ولكن لابد اولا من ترتيب الوضع الامنى الفلسطينى بما يطمئن (اسرائيل).

·       وان هذا اقصى ما يمكن ان يحققه الجيل الحالى، وعلى من لا يقبله ان يعتبره حلا مرحليا ومقدمة للحل النهائى المتمثل فى تحرير كامل التراب الفلسطينى، وهي مهمة الاجيال القادمة عندما تتغير موازين القوى الى الافضل.

***

اذن خلاصة الرواية الفلسطينية: ان اوسلو هى اتفاقيات تحرير هدفها الرئيسى هو اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 فى الضفة الغربية وغزة، مع بعض الاستحقاقات الامنية لطمأنة (اسرائيل).

***

اما عن الرواية الصهيونية التى يرددها قادة الكيان ليلا نهارا فخلاصتها:

·       ان فلسطين هى ارض (اسرائيل) التاريخية منذ 3500 عاما، بالاضافة الى يهودا والسامرة!

·       وهى أرض يختص بها الشعب اليهودى وحده.

·       ولذلك ان دولة (اسرائيل) هى بالضرورة دولة يهودية.

·       وان الرفض العربى والفلسطينى للاعتراف باسرائيل هو أصل المشكلة.

·       وان على كل الفلسطينيين ان يعترفوا باسرائيل، وبحقها فى ارضها التاريخية.

·       وان ينزعوا سلاحهم فورا نزعا كاملا ونهائيا ودائما.

·       وان هذه هى المهمة الرئيسية وربما الوحيدة للسلطة الفلسطينية؛ مهمة تصفية الارهاب (المقاومة) ونزع السلاح الفلسطينى، ودفع كل الفلسطينيين الى الاعتراف الفعلى باسرائيل. والكف عن الحديث عن فلسطين 1948.

·       بعد ذلك فقط وليس قبله، يمكن الحديث عن دولة فلسطينية ما، منزوعة السلاح، منزوعة السيادة، لاسرائيل السيطرة على اوضاعها الامنية، وعلى علاقتها الخارجية، وعلى مجالها الجوى وعلى مياهها الاقليمية وعلى حدودها وعلى جور الاردن وعلى كل ما من شأنه تهديد أمنها.

·       مع العلم بان القدس الموحدة (غربية وشرقية) ستظل دائما عاصمة لاسرائيل، والمسجد الاقصى الذى تم اقامته فوق هيكل سليمان (كما يزعمون)، لن يكون حكرا على المسلمين وحدهم، وان المستوطنات باقية فى الضفة الغربية، وانه لا عودة لأي لاجئ فلسطينى.

خلاصة الرواية الصهيونية اذن هى ان اتفاقيات اوسلو هى بالاساس اتفاقيات امنية لخدمة امن (اسرائيل)، مع بعض الاستحقاقات الفلسطينية "المحتملة" والمحدودة والمشروطة والمؤجلة، والتى لن تصل ابدا الى دولة ذات سيادة.

***

أين الحقيقة بين الروايتين؟

لا شك ان الرواية الصهيونية هى الاكثر تطابقا مع الاتفاقيات ومع الواقع:

§       فقراءة نصوص اتفاقيات اوسلو واخواتها، وخطاب اعتراف منظمة التحرير باسرائيل، وتوصيات مؤتمرات مكافحة الارهاب وعلى الاخص مؤتمر شرم الشيخ 1996، وخريطة الطريق 2003، وخطة ميتشل 2002، وخطاب التطمينات الامريكى 2004، والاتفاقيات الامنية الامريكية الاسرائيلية المتعددة، والتصريحات المتكررة للرؤساء الامريكيين من كلينتون الى ترامب وبايدن، وشروط الرباعية، واتفاقية فيلادلفيا بين مصر و(اسرائيل) 2005، واتفاقيات المعابر وغيرها... نقول ان اى قراءة فى كل هذه النصوص والوثائق سترصد ملمحين رئيسيين متلازمين:

1)     الملمح الاول هو تحديد شديد الدقة لطبيعة الالتزامات الامنية للسلطة الفلسطينية ضد ما اسموه بالارهاب والارهابيين، من حيث المهام والشراكة والتنسيق مع (اسرائيل)، وبرامج وجداول التنفيذ، والتدريب للعناصر الامنية الفلسطينية وكيفية تمويلها ... الخ. مع المتابعة والرقابة والحساب العسير عند التقصير.

2)   اما الملمح الثانى فهو تعويم وتمييع وابهام لكل ما يتعلق بقضايا الحل النهائى، حول الدولة الفلسطينية من حيث المفهوم والسيادة او المستوطنات والقدس والحدود والمعابر واللاجئين والمياه ..الخ

***

·       اما على المستوى العملى وعلى ارض الواقع فان السياسات الصهيونية تؤكد كل يوم على اننا بصدد تسوية امنية من أجل (اسرائيل) وليس تسوية سياسية من أجل الفلسطينيين: فالمستوطنات والجدار العازل وحواجز الطرق وتصفية واغتيال قادة المقاومة، وآلاف الاسرى والمعتقلين داخل السجون الاسرائيلية، والتهويد النشيط للقدس، وغلق المعابر وتقييد حركتها وفرض الحصار على غزة، والاعتداءات الاسرائيلية التى لا تتوقف. كل ذلك وغيره هو تطبيق وتفعيل لاستراتيجية امنية صهيونية واضحة ومحددة الاهداف والمعالم والادوات بتعاون وتوظيف كامل لاجهزة السلطة الفلسطينية وجماعة أوسلو.

·       وفى المقابل لم يتم اى انسحاب فعلى للقوات الصهيونية من أى اراضى محتلة عام 1967 تفعيلا لاتفاقيات التسوية، ما عدا انسحابها من غزة عام 2005 تحت ضغط المقاومة الفلسطينية، وليس تنفيذا لاستحقاقات السلام.

·       اما ما تم فى المرحلة الاولى 1993 ــ 2000 فلم يكن أكثر من اعادة انتشار وتوزيع لقوات الاحتلال، وهو ما ثبت لاحقا عدم جدواه أو جديته، فالضفة الغربية لا تزال سداحا مداحا لهذه القوات، تستوطن ما تشاء من اراضيها وتقتحم ما تشاء من مدنها وقراها لتعتقل وتقتل وتدمر.

***

أما بعد:

·       فإنه قد آن الاوان للتحرر من اتفاقيات اوسلو، فـ 28 عاما من الفشل والفتنة والانقسام واضاعة الوقت والجرى وراء الاوهام، والتحالف مع العدو والتخديم على أمنه، واضفاء الشرعية على ما يقوم به من عمليات قتل وإغتيال واعتقال لاهالينا باسم السلام والتسوية، وتضليل الراى العام الفلسطينى والعربى والعالمى ... نقول 28 عاما من كل ذلك تكفى وتزيد. وهى سنوات ضاعت بلا ثمن وبلا مقابل: فاسرائيل لن تعطيكم شيئا، وان فعلت فستعطيكم مسخ كيان فلسطينى خاضع وتابع، يستمد بقاءه ووجوده من فتات ما تجود به عليكم. وما ستعطيه ونقبله الآن سيكون آخر المطاف لقرون طويلة وربما للابد. فترتيبات الحرب العالمية الاولى للوطن العربى ما زالت قائمة حتى الآن.

·       ولقد كان هذ الأمر شديد الوضوح منذ بداية عملية التسوية، ولكنه لم يتجلَ للعيان الا بعد سنوات حكم ترامب وصفقة القرن ونقل السفارة والاعتداءات الاخيرة على القدس والمسجد الاقصى وحي الشيخ الجراح وغزة.

·       ولذا يتوجب على كل من يرفض تبنى الرواية الصهيونية او المشاركة فيها، الاسراع الى انهاء هذه الحقبة البائسة فى الصراع العربى الصهيونى، والعمل على الانسحاب من مشروعات التسوية مع العدو سواء أوسلو او كامب ديفيد او وادى عربة، او مبادرة السلام العربية.

·       والعودة مرة أخرى الى الطريق الفطرى الواضح والممكن الوحيد، الذى سلكته وتسلكه كل الامم المحترمة، وهو طريق تحرير كامل التراب الوطنى بالمقاومة والكفاح المسلح، وعدم التنازل عن شبر واحد من ارض الاجداد والآباء والأحفاد، مهما اختلت موازين القوى.

*****

محمد سيف الدولة
 

الجمعة، 25 يونيو 2021

لماذا تقتل شعبك يا أبو مازن؟

ارتقاء شهيد فلسطينى جديد فى الارض المحتلة، ولكن هذه المرة ليس على ايدى قوات الاحتلال الاسرائيلى، وانما على ايدى اعوان الاحتلال داخل السلطة الفلسطينية؛

فلقد اقتحمت عناصر من الامن الفلسطينى منزل المعارض الوطنى البارز الشجاع "نزار بنات"، واعتدت عليه بالضرب المبرح باستخدام آلات حادة ثم قامت باقتياده الى مقراتها الامنية حيث لاقى حتفه هناك تحت التعذيب.

ليقدموا بذلك اكبر هدية للكيان الصهيونى امام الراى العام العالمى وامام المحكمة الجنائية الدولية التى تحقق فيما ارتكبته (اسرائيل) من جرائم قتل للفلسطينيين، حيث ستدافع عن نفسها بأن الفلسطينيين يقتلون بعضهم بعضا.

ان مقتل فلسطينى واحد على ايدى قوات الامن الفلسطينية يعادل مقتل مئات الفلسطينيين على أيدى قوات الاحتلال.

***

بداية السقوط:

لقد كان لموت خالد سعيد تحت التعذيب فى مصر عام ٢٠١٠، دورا كبيرا فى التعبئة لثورة يناير.

وكان موت محمد البوعزيزى تحت القهر هو الشرارة التى فجرت الثورة التونسية.

وادى استشهاد الطفل محمد الدرة فى سبتمبر ٢٠٠٠، برصاصات صهيونية مجرمة الى انفجار الغضب الفلسطينى واشتعال الانتفاضة.

فهل تكون تصفية نزار بنات تحت التعذيب على ايدى امن السلطة الفلسطينية، الشرارة التى ستسقط ابو مازن وسلطته واتفاقياته وتحالفاته الامنية مع قوات الاحتلال؟

لقد شهدت فلسطين مظاهرات شعبية ضخمة رفعت لأول مرة فى تاريخها شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" أسوة بالشعارات التى رددتها الجماهير العربية الغاضبة إبان الثورات العربية.

لم يصدر الشعار هذه المرة من غزة ولا من فصائل المقاومة التى تكرهها السلطة وتعاديها، وانما صدر من جماهير الشعب الفلسطينى الغاضبة فى الضفة الغربية.

والهتاف واضح فى دلاته بأن العدو ليس فقط (اسرائيل) وانما ايضا اعوانها من سلطة اوسلو، الذين يدعمونها فى حصار وردع وقهر الشعب الفلسطينى.

***

اتفاق أمنى فلسطينى/فلسطينى:

منذ توقيع اتفاقيات اوسلو، التزمت السلطة الفلسطينية وتعهدت (لاسرائيل)، بالامتناع عن المقاومة والكفاح المسلح لتحرير الارض المحتلة واعتماد التفاوض السلمى سبيلا وحيدا فى العلاقة مع العدو، ومن يومها لم يقوموا باطلاق رصاصة واحدة على الاحتلال، رغم ما يرتكبه كل يوم من مذابح وجرائم حرب ضد الشعب الفلسطينى. ولم يكتفوا بذلك بل تحالفوا معه امنيا لملاحقة ومطاردة وتوقيف أى مقاومة أو حتى انتفاضة فلسطينية. وبدلا من قيادتهم لمعارك المقاومة والتحرير، أداروا ظهورهم وبنادقهم للعدو ليوجهونها الى صدور الشعب الفلسطينى المقاوم. الى الدرجة التى دأب فيها ابو مازن على التصريح بأن ((الانتفاضة الفلسطينية كانت كارثة وفوضى دمرت الشعب الفلسطينى، وانه لن يسمح بقيام انتفاضة أخرى، وانهم متمسكون بالتنسيق الامنى مع اسرائيل لحماية الفلسطينيين، وانهم لا قبل لهم بمواجهة اسرائيل عسكريا أو غير عسكريا)).

 

فاذا كنتم قد قررتم منذ زمن بعيد دعم الاحتلال وحمايته، فعلى أضعف الايمان لا تشاركوه فى قتل شعبكم، أليس من باب أولى أن توقعوا مع شعبكم الفلسطينى عقدا اجتماعيا أو اتفاقية مماثلة لترتيبات اوسلو الامنية، تلتزمون فيها بما التزمتم به تجاه (اسرائيل) من عدم استخدام القوة وعدم اعتداء امن السلطة على أى مواطن او معارض أو مقاوم كائنا من كان، وتوقيف ومحاكمة المعتدين، مع اعتماد الحوار والتفاوض الفلسطينى/الفلسطينى سبيلا وحيدا بينكم.

***

ان الطريق لتحرير فلسطين يبدأ بتحريرها اولا من اتفاقيات أوسلو وسلطاتها المسماة كذبا وزورا بالسلطة الفلسطينية.

*****

محمد سيف الدولة 

 

الجمعة، 18 يونيو 2021

نبيل الهلالى

 


فى ذكرى رحيل الهلالى

دافع عن المظلوم ولو كان خصمك

 فى زمن الاستقطاب والتخوين والتكفير، علينا ان نستدعى من تاريخنا وتراثنا القريب كل المواقف والأفكار والشخصيات، التى قاومت الاستبداد والظلم والعنصرية، وناضلت من اجل العدل والحرية للجميع؛ لخصومها قبل انصارها. فلعلنا باستلهامنا لها أن ننجح قبل فوات الأوان، فى وقف حملات التحريض والكراهية المسعورة الحالية، التى تهدد وحدتنا الوطنية وتدفع بنا الى أتون من الفتن والصراعات الأهلية، لا يزال بإمكاننا وأدها وتجنبها.

***

وواحد من أهم المناضلين المرجعيين فى هذه المعركة الوطنية الشريفة، كان هو الاستاذ أحمد نبيل الهلالى الملقب بقديس اليسار، والذى تحل هذه الايام الذكرى الخامسة عشر لرحيله فى 18 يونيو 2006. والذى كان محل حب وتقدير واحترام كافة التيارات الفكرية والسياسية فى مصر، فى واحدة من حالات الاجماع النادرة.

كان الهلالى مناضلا صلبا من الطراز الأول، ثار على طبقته الاجتماعية الثرية وهجرها، وانحاز الى الفقراء من العمال والمهمشين، وانخرط فى التنظيمات الشيوعية السرية منذ نعومة اظافره قبل ان يؤسس حزب الشعب الاشتراكى (السرى) عام 1987 بعد ان اختلف مع رفاق الأمس فى تحالفهم مع نظام مبارك. ولقد كان ضيفا دائما على معتقلات السلطة منذ الخمسينات أو متهما فى محاكمها، ربما كان آخرها هو اعتقالات سبتمبر 1981.

ولكنه قبل ذلك وبعده كان محاميا للحريات بامتياز، دافع عن المتهمين والمظلومين والمعارضين من كافة التيارات، لم يستثنِ منهم أحدا. ورفض وأدان على الدوام أى مشاركة فى الحملات السياسية التى تشنها السلطة ضد معارضيها، حتى ممن إختلف معهم فكريا وسياسيا.

***

فى عام 1993 استهل الاستاذ نبيل الهلالى مرافعته عن الجماعة الاسلامية فى "قضية اغتيال رفعت المحجوب" أمام محكمة أمن الدولة العليا (طوارئ) بمقدمة رائعة جاء فيها:

((حقا ما ادق مسئولية القضاء الجالس وما اشق مهمة القضاء الواقف فى هذه القضية، ذلك ان دعوانا، تشق طريقها وسط حقل من الالغام وفى مواجهة عواصف هوجاء رعناء......خارج هذه القاعة يخيم جو مسموم، ويعربد مناخ محموم، وتطالب الحملات الهستيرية بقطع الرقاب، وقطف رؤوس شباب متهم بالارهاب ... وتتمادى الهجمة الشرسة، فتتطاول على قضاء مصر الشامخ، وتشن أبواق مسعورة مأجورة. حملة ساقطة على قضاء مصر، تتهمهم بالعجز وعدم الحزم. وتتهمهم بالتراخي وعدم الجزم. وتعتبر تمسك المحامين بتوفير حق الدفاع على الوجه الأكمل، تسويفا ومماطلة، وتعويقا لسير العدالة... متجاهلين ان القضاء جهاز لإرساء العدل، وليس أداة للقمع أو الردع. ... ان القضاء الطبيعي لا يشفى لهم غليل. لذلك يبحثون عن البديل، عن محاكم تفصيل ... وهكذا تدفع بلادنا دفعا، إلى قلب دوامة دموية جهنمية من العنف والعنف المضاد، تهدد وحدة الوطن كيانا وشعبا. دوامة لن يخرج منها أحدا سالما أو غانما وهكذا تساق بلادنا عبر سرداب مظلم نحو هاوية بلا قرار..وكل ذلك يثلج صدور الأعادى من حولنا، لأنه يمكنهم من ممارسة لعبتهم التقليدية "فرق تسد".

***

كان هذه بعض المقاطع من المدخل الذى اختاره الهلالى لمرافعته. ولقد حكمت المحكمة وقتذاك على المتهمين بالاعدام، قبل ان تبرئهم محكمة النقض، وتعاد محاكمتهم مرة أخرى، فيتم تبرئة بعضهم وإدانة البعض الآخر، ولكن على تهم أخرى غير تهمة اغتيال رفعت المحجوب.

***

وأخيرا نحمد لله ان مدرسة الهلالى للدفاع عن العدالة والحرية للجميع، قد أفرخت جيلا جديدا من المحامين والحقوقيين لا يزال يؤمن بحق كل مصرى فى محاكمة عادلة وفى مساواة كاملة أمام القضاء والقانون، بصرف النظر عن انتمائاته الفكرية والسياسية، جيلا قادرا على تحدى حملات التحريض والتشهير والتخويف والاستقطاب، جيلا صلبا وان كان لا يزال للأسف يمثل الاستثناء وليس القاعدة.

 وندعو الله ان نعود جميعا الى رشدنا، وأن نحكم عقولنا وضمائرنا، وأن نستدعى مبادءنا وقيمنا، وأن نتعظ من دروس التاريخ وسننه، ومن تجارب من حولنا، وأن نسارع الى تطهير انفسنا وبلادنا من هذه الأجواء المسمومة من الانقسام والتحريض والكراهية، قبل فوات الأوان.

*****

محمد سيف الدولة

 


الخميس، 17 يونيو 2021

كتائب نهر النيل الالكترونية

ما أحوجنا اليوم فى مواجهة التهديدات الاثيوبية، الى ان نقوم بتأسيس كتائب الكترونية "شعبية" من المصريين، تتولى تنظيم حمالات اعلامية "مليونية" لمخاطبة الراى العام العالمى فى كل مكان، بما فيها الراى العام الاثيوبى.

وهذا ليس سلاحا او اختراعا جديدا، بل اننا نستخدمه جميعا نحن وغيرنا فى كل الصراعات والمعارك التى نعيشها اليوم.

ففى العدوان الصهيونى الاخير على فلسطين، اشتبك عديد من المصريين الكترونيا، جنبا الى جنب مع اشقائهم الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومئات من الاحرار فى العالم، لفضح جرائم الحرب الاسرائيلية.

وفى مصر ومنذ ما يقرب من 15 عاما، تدور فى مصر صراعات شرسة بين كل الفرقاء على وسائل التواصل الاجتماعى، فى محاولة لكسب معركة الراى العام. وهى الصراعات التى شهدت لاول مرة ظاهرة اللجان الالكترونية الموجهة من اجهزة الدولة او من التنظيمات والاحزاب السياسية. وهى ظاهرة لا تقتصر بطبيعة الحال على مصر بل انتشرت فى السنوات الماضية فى كل الاقطار العربية وكل بلاد العالم.

***

وفى حين ان اللجان الالكترونية التى نواجهها منذ الثورة، هى لجان مريبة وسيئة السمعة، من حيث انها تتكون من شخصيات واسماء وهمية يديرها شخص واحد او حتى روبوتات مبرمجة، بالاضافة الى اساليبها ولغة خطابها المجردة من المنطق والموضوعية وآداب الحوار، والتى تسعى فقط فى معظم الحالات الى اهانة وتشويه خصومها...

نقول رغم ان هذه هى السمة والسمعة التى اقترنت بتلك اللجان، الا ان ما ندعو له هو نوع آخر تماما؛ فنحن نريد لجانا وكتائب يتولى تأسيسها وادارتها وتوجيهها شخصيات واسماء حقيقية من كل من يريد ان يتطوع من المصريين للمشاركة فى معركة الدفاع الاعلامى عن نهر النيل، وعلى الاخص اولئك الذين يجيدون اللغات الاجنبية. بالإضافة الى انهم جميعا مواطنون مستقلون عن مؤسسات الدولة، لا يحتاجون منها سوى الى ان تمدهم بالحقائق والمعطيات والمعلومات الاساسية التى يحتاجونها من اجل مخاطبة واقناع الراى العام العالمى، وهو امر ممكن ومتاح ويمكن تنظيمه ببساطة واحترافية، من خلال تأسيس موقع "رسمى" مصرى يقوم بنشر كل الحقائق والمستندات والخرائط والصور ووثائق المفاوضات ونقاط التعنت الاثيوبى وكل ما يمكن ان يكون مفيدا فى معارك الراى والاعلام. بل يمكن ان يقوم الخبراء والمتخصصون فى الدولة بتوفير نماذج من الحملات الاعلامية الممنهجة القادرة على دعم الحقوق المصرية.

فاذا توفرت لنا المادة الفنية والقانونية والاعلامية الاساسية، فسنفاجأ بكم من الابداعات والمبادرات الشعبية التى لم تكن لتخطر لنا على البال، على غرار ما نراه على الدوام فى معاركنا وقضايانا الكبرى وعلى راسها القضية الفلسطينية، العامرة والمسلحة بآلاف الصور والبيانات ورسوم الكاريكاتير والتى نجحت فى السنوات القليلة الماضية فى احداث نقلة نوعية فى توجهات الراى العام العالمى.

ومن منا يمكن ان ينسى حجم واتساع المشاركة الشعبية فى معركة الدفاع عن جزيرتى تيران وصنافير، حين قامت اعداد غفيرة من المصريين بالمشاركة فى البحث والتنقيب عن أى مستند أو وثيقة او خريطة تؤكد مصريتها.

***

والبداية فى تصورى ستكون على الاغلب مدنية، حيث اننا لا نعلم مدى ترحيب او استجابة الدولة لمثل هذه الافكار، وعليه اتصور ان على الاحزاب السياسية المصرية أن تبدأ بأخذ زمام المبادرة من خلال تشكيل لجانها الخاصة واعداد ما يمكنها من مادة فنية والشروع فورا فى إطلاق حملاتها الاعلامية.

فاذا نجحت هذه الحملات والمبادرات الاولى، فقد تكون ملهمة للآخرين ومنهم مؤسسات الدولة. فاذا اضيفت لها حملات مماثلة من السودان ثم من كافة الأقطار العربية، فاتصور انها ستمثل سلاحا اعلاميا ضاغطا وفعالا اثيوبياً ودولياً.

***

ان على الدولة المصرية وهى تدير هذه المواجهة وتعد لها ما تستطيع من قوة، ان تأخذ المشاركة الشعبية الاعلامية من عشرات الالاف من المصريين فى الاعتبار كأحد الاسلحة المصرية الرئيسية الممكنة والمتاحة، وان تتذكر على الدوام ان بضع مئات من الشباب استطاعوا بمهاراتهم وقدراتهم الفنية على وسائل التواصل الاجتماعى ان يمهدوا لثورة يناير. فالشباب يمكن ان يكون قوة لا يستهان بها.

ورغم ان غالبيتهم ان لم يكن كلهم يندرجون اليوم فى قوائم الدولة السوداء التى تكره الثورات والثوار، الا ان خطورة التهديدات الوجودية التى تتعرض لها مصر اليوم، تتطلب تجميد وتعليق كل الانقسامات والصراعات والمحظورات الاخرى الى حين الانتصار فى معركة الدفاع عن نهر النيل.

***

ان الناس فى مصر قلقة للغاية ولديها رغبة واستعداد للمشاركة فى اى شئ لمواجهة التهديدات الاثيوبية، ولكنها لا تعلم ماذا تفعل، فلماذا لا نتقوى بها ونحتمى فيها ونستدعيها للمشاركة فى المعركة، ونوحد جهودنا معا فى الاتجاه الصحيح، بدلا من مواجهتنا لبعضنا البعض كما هو جارى الآن.

*****

القاهرة فى 17 يونيو 2021


الثلاثاء، 15 يونيو 2021

مصر لا يجب أن تهان


 قاعدة او مبدأ رئيسى كان من أهم المبادئ التى استقرت فى وعى وادراك مؤسسات ومراكز صنع القرار فى امريكا واوروبا و(اسرائيل) بعد حرب 1973. وهو مبدأ "ان مصر لا يجب ان تهان" باى حال من الاحوال، ولا ان تتعرض لاى اهانة مماثلة لما تعرضت له عام 1967، لان رد فعلها سيكون قاسيا وعنيفا ولو بعد حين.

ولذا يجب على الدوام عدم الاستهانة او الاستخفاف بالمكانة الخاصة والمميزة والتاريخية لمصر كدولة عريقة تقع فى القلب من الامة العربية وتحتل مكان الصدارة فيها، مكانة اى عاصمة لاى امة كبرى، بحكم مركزها الجغرافى وتعدادها الذى يبلغ ما يقرب من ربع تعداد الامة العربية كلها.

***

·       وهو ذات الدرس الذى تعلمه الغرب فى الحروب الصليبية 1096 ـ 1291، حين شن ست حملات متتالية على المنطقة لاحتلالها وانتزاعها من الشعوب العربية واحكام السيطرة عليها، فوقفت كل حملاته وتكسرت على صخرة الصمود المصرى كأكبر قلعة مواجهة ومقاومة للصليبيين فى الشرق العربى الاسلامى، فما كان من لويس التاسع ملك فرنسا الا ان قام بشن الحملة السابعة والاخيرة على مصر مباشرة فى محاولة لكسر العقبة الرئيسية امام نجاح واستقرار المشروع الاستعمارى الصليبى، ولكنه هُزم شر هزيمة وتم اسره فى دار ابن لقمان.

·       ان قادة التحرير فى ذلك الزمان من امثال صلاح الدين الايوبى 1187، والصالح ايوب 1244، وسيف الدين قطز 1261، وبيبرس 1286، وقلاون 1289، والاشرف خليل بن قلاوون 1291، كلهم قادوا معارك تحرير الامة بجيوش عربية اسلامية منطلقة من مصر.

·       وفى السنوات الأخيرة للدولة العثمانية، سنوات الضعف والوهن والمرض، لم يكن هناك بديلا قويا قادرا على استلام الراية وقيادة المنطقة وتوحيدها وتحريرها من النفوذ الغربى، سوى محمد على منطلقا من مصر، لولا تحالف الدول الاوروبية مجتمعة ضده عام 1840.

·       وتكرر الحال بعد الحرب العالمية الثانية، حين قامت الغالبية العظمى من شعوب الامة العربية بمبايعة مصر فى الخمسينات والستينات على قيادة معارك التحرر والاستقلال والوحدة وتحرير فلسطين.

***

لم يكن أى من هذا بطبيعة الحال بسبب تميز مصر او المصريين عن باقى الاشقاء العرب، فنحن جميعا امة واحدة لا غنى ولا فضل لأى منا على الآخر، ولا نجاة وأمن واستقلال واستقرار لاحدنا دون الآخر.

***

وبالعودة الى سياق الحديث، نقول ان الغرب وكيانه الصهيونى بعد ان توهموا فى اعقاب 1967 ان مصر قد سقطت الى الابد ولن تقوم لها قائمة مرة أخرى، جاءتهم الصدمة من صمود الشعب المصرى ورفضه الهزيمة والاستسلام ودعم وتضامن الشعوب العربية واعادة بناء الجيش وحرب الاستنزاف ثم حرب اكتوبر.

ليعيدوا اكتشاف ما سبق ان اكتشفه لويس التاسع وقادة اوروبا منذ قرون بعيدة، وهو ان مصر قلب الامة وعصبها عصية على الكسر، وانه ليس من المصالح الاستراتيجية لاى قوة كبرى ان تستعديها او تهينها، وان الطريق الوحيد لدخول المنطقة هو بالسعى الى كسب صداقتها او بالبحث عن كيفية استيعابها. 

***

لقد كانت مصر هى الدولة الوحيدة التى تمكنت من تحرير ارضها المحتلة فى 1967، رغم اننا كقوى وطنية مصرية، رفضنا وعارضنا منذ البداية الوسيلة التى تم بها استرداد الارض، عن طريق الانسحاب من المواجهة ضد (اسرائيل)، وتوقيع اتفاقية سلام، وقبول القيود الامنية والعسكرية المفروضة علينا فى سيناء، بالاضاقة وهو الأهم والاخطر تسليم 99 % من الاوراق والسياسات والمصائر الى الولايات المتحدة. ولكن هذا حديث اخر. اما المغزى من سرد السطورالاخيرة، فهو التأكيد على ان (اسرائيل) التى لا تقبل الانسحاب من اى ارض قامت باحتلالها عام 1967، قبلت بل وهرولت للانسحاب من سيناء مقابل انسحاب مصر بكل ثقلها من المواجهة والحرب ضدها.

فهناك دول بحكم وضعها الجغرافى والتاريخى والديموغرافى والحضارى لا يمكن انكسارها او استسلامها امام قوى الاستعمار والعدوان. ومصر بفضل الله وبفضل حاضنتها العربية والاسلامية واحدة من هذه الدول، اذا استقام حالها وتبينت دورها وطريقها.

***

وبناء علي كل ما سبق، فانه يتوجب علينا اليوم ان نعيد تذكير العالم بهذا المبدأ أو هذه القاعدة المستقرة في وعى وادراك كل مؤسسات ومراكز صنع القرار، قاعدة "ان مصر لا يجب ان تهان"، لانها لن تصمت على أى اهانة، وانها ستعمل بكل طاقتها على استرداد حقوقها والأخذ بثأرها مهما كانت العقبات والتحديات. وان من يتجرأ على اهانتها او الاعتداء عليها سيدفع أثمانا باهظة ان عاجلا ام آجلا.

فاذا كانت المخاطر والاعتداءات لا تقتصر على الاهانات وانما تتعداها بمراحل لتصل الى تهديد الوجود المصرى ذاته، فعلى الجميع ان يتخيل ما يمكن ان يصل اليه رد فعل الشعب المصرى.

وخلاصة القول: ان دورنا اليوم يجب أن ينطلق من "تفعيل" هذه القاعدة وارسال انذار بها بعلم الوصول الى كل من يهمه الامر في اثيوبيا وافريقيا وامريكا ومجتمعها الدولي.

*****

محمد سيف الدولة

الأحد، 13 يونيو 2021

الشعب هو الحل


 1)   اذا كانت السنوات الماضية قد اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان اثيوبيا لن تلتزم طوعا بالمطالب المصرية والسودانية العادلة بالحفاظ على حقوقهما التاريخية وعدم تعريضهما لتهديدات او مخاطر وجودية.

2)   واذا كان المشاهد لا يرى حتى اليوم اى بوادر مطمئنة تنبئ أو تشير الى أن الدولة المصرية بصدد الاقدام على خطوات جذرية وحاسمة لاجبار اثيوبيا على الالتزام.

3)   واذا كانت غالبية الذرائع التى يرددها من حين لآخر كتاب وخبراء محسوبون على السلطة، بان قصف السد واعلان الحرب على اثيوبيا، ليس قرار سهلا وليس قرارا مصريا بحتا، نتخذه بكامل ارادتنا الحرة المستقلة، حيث يتوجب اولا الحصول على موافقة ومباركة الولايات المتحدة الامريكية ومجتمعها الدولى، على أي عمل عسكرى مصرى ضد أثيوبيا.

***

اذا كان كل ما سبق صحيحا، فان المخرج الوحيد للتحرر من شرط الموافقة الامريكية والقبول الدولى، هو الاحتماء بالشعب المصرى.

فموازين القوى الدولية فى هذا العصر، قد تفرض بالفعل قيودا صارمة من الدول والقوى الكبرى وبالتحديد الامريكية على باقى دول العالم، خاصة على تلك الدول التى اختارت انظمتها الحاكمة منذ عقود طويلة ايثار السلامة والانضواء تحت جناح الامريكان والامتثال لرغباتهم.

ولكن لا يوجد بعد فى العالم، دولة كبرى مهما بلغت درجة قوتها أو نفوذها او جبروتها قادرة على اخضاع حركات الشعوب اذا ثارت او غضبت. والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى.

ومن هنا فان الدولة المصرية فى امس الحاجة اليوم واكثر من اى وقت مضى، الى اطلاق سراح الشعب المصرى، واطلاق حقه وحريته فى التعبير عن قلقه وغضبه ورفضه بلا حدود وبكل السبل والطرق والادوات الممكنة.

واذا صدقت النوايا، فان غضب الملايين فى الشوارع والميادين هو اقوى ورقة ضغط يمكن ان تحتمى بها السلطات الحاكمة فى مواجهة اى ضغوط او قيود امريكية او دولية او افريقية.

*****

محمد سيف الدولة