فى ذكراها السنوية، هؤلاء هم أهم ضحايا النكسة
وما بعدها، نتذكرهم معا فربما نعقد العزم على انقاذهم، وانجاز ما لم ننجح فى انجازه
على امتداد 54 عاما، خاصة ونحن فى رحاب الانتصارات الاخيرة الملهمة للشعب الفلسطينى:
1) الضحية الاولى بالطبع هى غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشريف التى
سقطت بدون أى ذنب، تحت الاحتلال بعد ان كانت خاضعة لادارة وحماية الدولتين المصرية
والاردنية.
2) أما الضحية الأكبر فهى فلسطين التاريخية التى تم احتلالها عام 1948، والتى
تم تقديمها "قربانا لاسرائيل" منذ
القرار 242 ثم اتفاقيات كامب ديفيد واوسلو ووادى عربة ومبادرة السلام العربية،
مقابل الانسحاب الاسرائيلى من سيناء، ومقابل وعود لم تنفذ ابدا بالانسحاب من باقى
الاراضى التى تم احتلاها عام 1967، بحيث لم يعد احد فى السلطة الفلسطينية او
الانظمة العربية الرسمية يريدها أو يطالب بتحريرها منذ زمن طويل.
3) الضحية الثالثة هى ارض سيناء الغالية التى تعرضت للاحتلال للمرة الثانية فى
1967، ودفعت من سيادتها اثمانا فادحا حيث تم تكبيلها بقيود عسكرية مقابل الانسحاب
الاسرائيلى منها؛ قيود وردت بالتفصيل فيما يسمى بالملحق الامنى لمعاهدة السلام،
ولا تزال سارية حتى يومنا هذا،الا باذن (اسرائيل).
4) الضحية الرابعة هى مصرنا الحبيبة، التى دفعت اثمانا غالية من استقلالها
وعروبتها، حين قرر السادات تسليم 99% من الاوراق والمصائر للولايات
المتحدة الامريكية.
5) الضحية الخامسة هى كل الامة
والشعوب العربية، الذين فقدوا قيادة مصر التاريخية بعد ان قرر النظام المصرى
الانسحاب من معارك مواجهة الكيان الصهيونى والتصدى لمشروعه فى المنطقة، وانضوى فى
معسكر الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة او التابعة لها، وافتتح مزاد الصلح مع
(اسرائيل) والتطبيع معها.
6) الضحية السادسة هى الثوابت الوطنية العربية والفلسطينية والمصرية، التى
كانت تنطلق من ان (اسرائيل) هى عدو لكل الامة وتستهدفها جميعا بقدر ما تستهدف
فلسطين، وانه لا استقلال ولا امن ولا استقرار ولا تقدم لأحد فى المنطقة قبل انهاء
وجود هذا الكيان الاستيطانى، وان واجب تحرير فلسطين هو واجب كل الامة وليس الشعب
الفلسطينى وحده.
7) الضحية السابعة هى كل الأجيال العربية التى نِشأت وترعرعت فيما يسمى بعصر
السلام والتطبيع، ورأت دولها تصالح (اسرائيل) وتطبع معها، وتشارك فى حصار
الفلسطينيين، وتحظر على شعوبها تقديم اى دعم أو مساعدة لفلسطين. هذه الاجيال التى
يعصرها الالم والحيرة وهى تشاهد ما يحدث لأشقائنا فى فلسطين على أيدى الاحتلال
الصهيونى، لا تستطيع ان تستوعب لماذا هذا الصمت او التواطؤ العربى الرسمى ولماذا كل
هذا العجز والانكسار لأمة عريقة يزيد تعدادها عن 400 مليون، امام 7 مليون صهيونى.
8) الضحية الثامنة هى العروبة والامة العربية، كحقائق موضوعية وتاريخية استقرت
وتبلورت منذ الفتح الاسلامى، بعد ان فقد كثيرون ايمانهم بها، بل واصبح مجرد طرحها
او الدعوة اليها ينفر قطاعات عريضة من الاجيال الجديدة، ولتحل محلها حملات ممنهجة
للترويج لهويات قديمة اندثرت او انصهرت كالفرعونية والفينيقية والآشورية
والكنعانية..الخ، او ولاءات وانتماءات فاشلة وزائفة ومضللة ذات مرجعيات اقليمية او
طائفية او قبلية.
9) الضحية التاسعة هى عصر الاستقلال العربى، الذى بدأ فى اعقاب الحرب العالمية
الثانية، والذى حل محله اليوم التسابق الى التبعية مع الامريكان والتطبيع مع (اسرائيل)
والدخول فى احلافهما.
10) الضحية العاشرة بطبيعة الحال هى النظام الرسمى العربى الذى اصابه الموت والفشل
والعجز الكامل فى كل ما يتعلق بفلسطين، واصبح لا حول له ولا قوة تجاه كل قضايا
الأمة التى يجرى تدوليها اليوم على قدم وساق، فلقد أصابته حمى التبعية والتطبيع
التى ضربت غالبية أعضائه من انظمة الحكم العربية.
***
هؤلاء هم اهم ضحايا 1967 وما بعدها، أو فى
قول آخر: هذه هى أبرز آثار العدوان التى لم نتمكن من ازالتها بعد. فاذا وضعناها
نصب أعيننا واتفقنا وعقدنا العزم على القضاء عليها والتحرر منها وتحرير ضحاياها
العشر، بعد ما يقرب من نصف قرن من آخر الحروب ومن الفشل والتعثر والهزائم فى محاولات بائسة للقبول بها والتعايش
معها والخضوع لها، خاصة ونحن فى رحاب الانتصارات الاخيرة الملهمة للشعب الفلسطينى التى
يمكن الانطلاق منها والبناء عليها، فقد تتبلور امامنا الخطوط الرئيسة لمشروع وميثاق
التحرر الوطنى العربى للسنوات القادمة، الذى لن يكون لنا قائمة بدونه.
*****
محمد سيف الدولة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق