بحث فى المدونة

الأحد، 11 سبتمبر 2011

السلام بالاكراه

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com



لماذا كل هذا الخوف من اسرائيل ؟

كان هذا هو التساؤل الاكثر الحاحا فى اذهان الناس فى اعقاب العدوان الصهيونى الأخيرعلى الحدود المصرية والذى اسفر عن سقوط خمسة شهداء

فلقد انتظر المصريون قرار رسميا قويا ومختلفا عن مواقف النظام السابق ، قرارا لا يقل عن سحب السفراء واغلاق السفارات ومراجعة الاتفاقيات

وعندما لم يصدر أى قرار من هذا النوع ، بل على العكس هدأت الأمور رغم عدم اعتذار اسرائيل

تسائل الناس عن الاسباب الخفية وراء ذلك

و لماذا تخاف الحكومة كل هذا الخوف من اسرائيل حتى بعد الثورة ؟

وما سر هذا الخوف الذى يلف الجميع ؟ من قوى واحزاب ومرشحي الرئاسة ، الجميع يتجنب الاقتراب من كامب ديفيد ، او المطالبة بالغاءها .

وحتى بعد العمل البطولى للشباب يوم الجمعة الماضية حين هدموا الجدار وانزلوا العلم فى محاولة لرد الاعتبار لمصر وكرامتها ، جاء رد فعل البعض هو الخوف من غضب اسرائيل ومن التبعات والعواقب .

* * *

والاجابة الصادمة على هذا السؤال هى :

نعم إن ((مصر الرسمية)) أكُرهت على كل ما تفعله منذ حرب 1973 ، فلقد قبلت وقف اطلاق النار تحت الاكراه ، ووقعت اتفاقيات السلام تحت الاكراه ، والتزمت بها ، ولا زالت ، تحت الاكراه ، وأن حياتنا جميعا منذ ذلك الحين تجرى وتدور تحت الاكراه الامريكى والصهيونى .

والاكراه يفسد الارادة ويبطل التصرف .

وعليه فإن اتفاقيلات السلام المصرية الاسرائيلية وكل ما ترتب عليها باطلة بطلانا مطلقا طبقا للمبادىء القانونية العامة وطبقا لاحكام القانون الدولى .

* * *

وفيما يلى التفاصيل :

اسباب البطلان

تنص اتفاقية فيينــا لقانون المعاهدات الصادرة في سنة 1969 في المادة رقم 51 :

(( ليس لتعبير الدولة عن رضاها الالتزام بمعاهدة والذي تم التوصل إليه بإكراه ممثلها عن طريق أعمال أو تهديدات موجهة ضده أي أثر قانوني))

كما تنص فى المادة رقم 52 من نفس الاتفاقية على أن :

(( تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا اذا تم ابرامها نتيجة تهديد باستعمال القوة او استخدامها بالمخالفة لمبادىء القانون الدولى الواردة في ميثاق الامم المتحدة ))

خلاصة المادتين السابقتين أن الإكراه الواقع على الدولة أو على ممثلها لتوقيع أى اتفاقية يبطلها بطلانا مطلقا .

و تنطبق نصوص المادتين على حالة مصر فى الفترة من 1973 حتى 1979 وما بعدها وبالتحديد فى الوقائع التالية :


وقائع الاكراه

اولا ــ إحتلال سيناء :

ان الاحتلال الصهيونى للاراضى المصرية عام 1967 وما بعدها هو استعمال للقوة بالمخالفة لمبادىء القانون الدولى الواردة فى ميثاق الأمم المتحدة وبالتحديد فى الفقرة الرابعة من مادتها الثانية التى تنص على :

(( يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة))

* * *

ثانيا ـ سيناء رهينة :

حالت الولايات المتحدة عام 1967 دون ان يصدر من مجلس الامن قرارا ينص على الانسحاب الفورى من الاراضى المحتلة بدون قيد أو شرط ، فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ الامم المتحدة .

وبدلا من ذلك اصدروا القرار رقم 242 الذى تعامل مع سيناء وغيرها من الاراضى المحتلة كرهينة لدى اسرائيل ، تعيدها الى مصر بشرط الاعتراف بها والسلام معها وهو ما يعنى التنازل لها عن فلسطين .

* * *

ثالثا : انضمام امريكا للعدو الصهيونى فى حرب 1973 :

قال الرئيس انور السادات في 16 اكتوبر 1973 (( أن الولايات المتحدة ... اقامت جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على اسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة ، وصواريخ جديدة والكترونات جديدة ))

و قال فى 16 سبتمبر 1975 (( انه في ليلة 19 من اكتوبر 1973 كان بقى لى عشرة ايام اواجه امريكا بذاتها ))

* * *

رابعا ــ تهديد كيسنجر للسادات عن الثغرة :

اعترف السادات فى حديثه لمجلة الحوادث اللبنانية عام 1975 : انه عندما أخبر كيسنجر يوم 11 ديسمبر 1973 بأنه قادر على القضاء على الثغرة ، رد الأخير :

(( ولكن لابد آن تعرف ما هو موقف امريكا ..اذا اقدمت على هذه العملية فستضرب ))

وهو ما اضطر السادات ، كما ادعى ، الى التفاوض وقبوله إعادة 90 % من قواتنا التى عبرت مواقعها قبل العبور ، وهو ما كان له بالغ الأثر على النتيجة النهائية لوضع القوات المصرية طبقا للملحق الامنى فى اتفاقية السلام عام 1979

* * *

خامسا ــ التهديدات العسكرية الاسرائيلية قبل زيارة القدس 1977 :

فى خطابه امام مجلس الشعب المصرى في 26 نوفمبر 1977 بعد عودته من القدس قال السادات:

((في جلسة مع وزير الدفاع الاسرائيلى عزرا وايزمان توجه الى بسؤال : لماذا كنت تريد أن تهجم علينا في العشرة الايام الماضية ؟

قلت له ابدا بداتم انتم مناورة وعلى طريقتنا بعد حرب اكتوبر وباسلوبنا اسلوب الدول المتحضرة التى تعرف مسئولياتها حينما بداتم مناوراتكم بدا الجمسى مناورته ايضا بنفس الحجم . قال أن تقارير المخابرات كلها امامى اهه ، تقول بانكم كنتم ستضربونا ضربة مفاجئة وكان في شدة العصبية . هذا هو الحاجز النفسى الذي اتحدث عنه ، منذ عشرة ايام وهم في شدة العصبية ))

* * *

سادسا ــ تهديد كارتر للسادات :

فى كتابه " الاحتفاظ بالايمان " المنشور عام 1982 ، ذكر الرئيس الامريكى جيمى كارتر ، انه عندما علم ان السادات قرر الانسحاب من المفاوضات فى كامب ديفيد والعودة الى القاهرة فانه فعل ما يلى :

(( لسبب ما ، استبدلت بملابسى ملابس اكثر رسمية ...

شرحت له النتائج بالغة الخطورة التى تترتب على انهائه المفاوضات من جانب واحد ، وان عمله سيضر بالعلاقة بين مصر والولايات المتحدة الامريكية ، ....وان مسئولية الفشل سيتحملها هو وحده

وكنت جادا الى أقصى حد وكان هو يعرف ذلك . الواقع اننى لم اكن جادا فى اى يوم من حياتى اكثر من ذلك ))

انتهى كلام كارتر .

بعد هذا اللقاء صرح السادات لأعوانه أنه (( سيوقع على أى شىء سيقترحه الرئيس الامريكى كارتر دون يقرأه ))

* * *

سادسا ــ التهديد الأمريكى الصريح لمصر :

فى 25 مارس 1979 وقعت امريكا واسرائيل اتفاق يقضى بتعهد الولايات المتحدة بالتدخل العسكرى لصالح اسرائيل ان قامت مصر بانتهاك اتفاقية السلام عسكريا اودبلوماسيا او اقتصاديا ، وانها ستبارك كل ما تقوم به اسرائيل حينها من تدابير . وهو ما عرف باسم " مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية "

* * *

سابعا ــ التهديدات الامريكية الصهيونية بشأن سيناء و الأنفاق والحدود مع غزة :

وهو ما نراه ونعيشه يوميا من تهديدات من اعضاء فى الكونجرس والادارة الامريكييين بقطع المساعدات عن مصر ان لم تقم بضبط الامن فى سيناء للحفاظ على امن اسرائيل ، بالاضافة الى حملات التفتيش الدورية على الحدود المصرية ، من قبل لجان من المهندسين الامريكيين وموظفين بالسفارة الامريكية ورجال الكونجرس .

* * *

ثامنا ــ التصريحات الرسمية المصرية :

منذ اليوم التالى لتوقف اطلاق النار فى 22 أكتوبر 1973 وحتى يومنا هذا ، والادارة المصرية ورجالها واعلامها قبل الثورة وبعدها ، يروجون بمناسبة وبدون مناسبة الى ان الغاء كامب ديفيد يعنى الحرب . وكان آخرها التصريحات التى صدرت اثناء العدوان الأخير .

* * *

تاسعا ـ التهديدات الاسرائيلية لمصر بعد الثورة :

وهى التهديدات التى جاءت على لسان نتنياهو والتى سربها موقع وان نيوز الاخبارى الاسرائيلى فى اول شهر يونيو الماضى والتى جاء فيها ان نتنياهو اتصل بالرئيس الامريكى اوباما بعد فتح معبر رفح وتفجير خط الغاز وقال له فيها ان اسرائيل لم تعد تحتمل ما يحدث فى مصر وان كل الخيارات مفتوحة امامها بما فى ذلك اعادة احتلال سيناء مرة اخرى .

هذا بالطبع اضافة الى تصريحات سابقة كثيرة منها ما قاله وزير الامن الداخلى الاسرائيلى آفى ديختر عام 2008 من انهم خرجوا من سيناء بضمانات امريكية بالعودة الى سيناء فى حالة تغير النظام فى مصر لغير صالح اسرائيل .

* * *

الخلاصة :

ان العدو الصهيونى بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية ، قد قام بإحتلال سيناء فى عام 1967 مع أراض عربية أخرى ، ومنعت أمريكا مجلس الأمن من اصدار قرار ينص على الانسحاب دون قيد أو شرط ، وربطت الانسحاب بالاعتراف باسرائيل وتوقيع اتفاقية سلام معها . فلما رفضنا ذلك وقررنا تحرير الارض بالقوة ، وقفت امريكا دون ذلك وسرقت منا النصرالعسكرى بدعمها لقوات العدو ، وتهديد رئيس الجمهورية حتى وقع المعاهدة ، ولم تكتفى بذلك ، فاستمرت فى تهديداتها لنا على امتداد أكثر من ثلاثين عاما . الأمر الذى وضعنا تحت حالة من الاكراه الدائم والمستمر وهو ما يؤدى الى بطلان كل هذه الاتفاقيات بطلانا مطلقا بموجب احكام القانون الدولى

وهو سبب كاف لالغاءها ، ناهيك عن عشرات الاسباب الأخرى التى تناولناها فى دراسات سابقة والتى لا يستع المجال هنا للتذكيربها .

* * *

وفى النهاية يلزم التنويه الى ان الإكراه لا يعفى النظام السابق من مسئولية التفريط فى الأمن القومى المصرى ، فلقد كان بإمكانه ان يصمد و أن يواصل القتال وان ينتصر ولكنه بدلا من ذلك تحالف وتواطأ مع العدو على امتداد اكثر من 30 عاما . 
كما ان شعب مصر على العكس من الادارة المصرية ، لم تنكسر إرادته أمام إكراه العدو وتهديداته ، فلم يقبل هذه المعاهدة او يعترف بها أبدا .

كما ان الثورة المصرية التى قامت ضد استبداد وارهاب واكراه نظام مبارك لن تقبل ان تعيش مرة أخرى تحت الاكراه الامريكى والصهيونى ، وهى الحقيقة التى يظهر ان البعض لم يدركها بعد فيتصرف بذات عقلية الخوف .

وعسى ان تكون مظاهرات الغضب الاخيرة عند السفارة الصهيونية كافية لاقناع الجميع بانه توجد فى مصر الآن روح وطنية جديدة .

((مع ضرورة التنويه الى ان كل اعمال العنف والكر والفر والقنابل المسيلة للدموع واحراق سيارات الشرطة التى تمت لاحقا لا تمت بأى صلة الى المتظاهرين))



* * * * *



القاهرة فى 10 سبتمبر 2011

ليست هناك تعليقات: