جائزة
الكونجرس الذهبية للنظام المصرى
محمد سيف الدولة
ان الجائزة الذهبية التى منحها الكونجرس الأمريكي منذ أيام قليلة للسادات،
لم تكن له وحده بطبيعة الحال، بل هى لكل النظام الحاكم فى مصر بكل مؤسساته؛ هى لنظام
كامب ديفيد الذى تأسس فى 18/1/1974 مع مفاوضات فض الاشتباك الاول، ولا يزال يحكمنا
حتى اليوم بدون منافس او منازع.
***
انه
نظام السادات، ومبارك، والسيسي بامتياز، بل ان توقيت التكريم ومنح الجائزة هذه
الايام، يفيد بانها موجهة أصلا الى عبد الفتاح السيسى الذى اثبت انه تلميذ نجيب لأنور
السادات، بل انه قد تفوق عليه بمراحل، حيث لم يحدث من قبل أن بلغت العلاقات
المصرية الاسرائيلية هذه الدرجة من التقارب والتنسيق التى لا تتم الا بين الحلفاء.
ذكر
البيان الذى اصدره الكونجرس فى هذا الشأن أن هذا التكريم يمنح الرئيس المصري
الراحل ميدالية الكونغرس الذهبية "اعترافا بإنجازاته التاريخية ومساهماته
الشجاعة لإحلال السلام بالشرق الأوسط".
والسلام كما نعلم جميعا فى القاموسين الامريكى والاسرائيلى معناه امن (اسرائيل). اى
انها فى الحقيقة جائزة امريكية توهب لاى حاكم أو نظام مصرى أو عربى يقدم خدمات جليلة
واستراتيجية لاسرائيل وامنها.
وهذا
بالتحديد ما فعله السادات ويفعله منذئذ نظام كامب ديفيد فى مصر بكل رؤسائه
ومؤسساته. فلقد ترتب على المعاهدة، عدة نتائج ضربت الامن القومى المصرى والعربى فى
الصميم ودعمت امن اسرائيل لعقود طويلة قادمة، نعرض اهمها
فيما يلى:
1)
اولا انحازت المعاهدة الى الامن القومى الاسرائيلى على حساب
الامن القومى المصرى، وابقت سيناء رهينة دائمة بإمكان (اسرائيل) ان تعيد احتلالها وقتما
تشاء خلال ايام. اذ تم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، فأقرب دبابة اسرائيلية
تبعد عن الحدود المصرية 3 كيلومتر، فى حين ان أقرب دبابة مصرية تبعد عن نفس النقطة
150 كيلومتر، الا إذا أذنت (اسرائيل) بنشر قوات
مصرية اضافية كما يحدث اليوم لمواجهة الجماعات الارهابية. وهو ما يمثل تهديدا
مستمرا وضغطا هائلا على الارادة المصرية، يجعل أى نظام حاكم يفكر ألف مرة قبل ان
يقدم على اى سياسة او خطوة تغضب منه الولايات المتحدة أو اسرائيل.
2)
ناهيك عن سقوط
مصر فى مستنقع التبعية الكاملة للولايات المتحدة
منذ ذلك الحين، وهو سبب اضافى بطبيعة الحال لتكريم الكونجرس الامريكى للسادات
وخلفائه ونظامه.
3)
وأدى سلام
السادات وانسحاب مصر من الصراع فى مواجهة العدو، الى تجريد
الدول العربية الاخرى من القدرة على مواجهة (اسرائيل) عسكريا، اذ لا حرب
ممكنة بدون مصر، وفقا للحقيقة الثابتة والمستقرة تاريخيا منذ الحروب الصليبية.
4)
كما انه وجه ضربة قاصمة الى فلسطين وقضيتها، بعد ان قامت أكبر واقوى
دولة عربية بالاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيونى لـ 78 َ% من ارض فلسطين التاريخية التى
يطلقون عليها اليوم اسم (اسرائيل).
5)
وتمكنت
(اسرائيل) من الانفراد بالفلسطينيين بعد
المعاهدة، فقامت باجتياح بيروت عام 1982 وحصار المقاومة ونفى قواتها الى تونس
ومناطق اخرى، وتسوية القيادة هناك على نار هادئة الى ان تمكنت من اخضاع ارادتها فى
اوسلو 1993 وارغامها على الاعتراف بشرعية الكيان الصهيونى والتنازل له عن فلسطين
1948، ومنذئذ و(اسرائيل) ترفض الانسحاب من اى اراضى محتلة، بل وتحتل المزيد منها
كل يوم، الى ان وصلت اليوم الى الاستيلاء على 60% من مساحة الضفة الغربية اليوم،
واعلنت القدس الموحدة عاصمة لها باعتراف وتشجيع ومباركة امريكية.
6)
ولقد أدى كل
ذلك الى تحويل (اسرائيل) الى القوة الاقليمية العظمى فى
المنطقة، مقابل تراجع وتدهور الدور المصرى الى ادنى مستوي له فى العصر الحديث.
7)
كما انه ضرب وفكك القضية المركزية الوحيدة التى كانت تجمع الدول
العربية وتوحدهم، رغم اختلافاتهم وصراعاتهم الكبرى، ليتحول بعدها الصراع فى
المنطقة من صراع عربى/صهيونى الى عشرات الصراعات العربية/العربية.
8)
كما انه حين كسرت
مصر المقاطعة الدولية لاسرائيل، فان عشرات من دول
العالم قامت بالاعتراف باسرائيل واقامة علاقات دبلوماسية معها، مما اعاد ضخ دماء
جديدة فى جسد الاقتصاد الاسرائيلى وخفف العبء عن كاهل الولايات المتحدة والرعاة
الغربيين.
9)
كما شجع اعتراف مصر (باسرائيل)، كل القوى الطائفية فى المنطقة،
على محاولة تكرار نموذج الدولة اليهودية، فضربت الفتن الطائفية والمذهبية والحروب
الاهلية عديد من الاقطار العربية، وبرزت الدعوات الى الانفصال والتقسيم، فى
محاولات للاحتذاء بنموذج الدولة "اليهودية" والعمل على انشاء دويلات أو
امارات سنية وشيعية وكردية ومارونية ..الخ
10)
وعاشت مصر منذ ذلك الحين اخطر انشقاق وطنى تشهده منذ
الاحتلال البريطانى لها عام 1882، حين استدعى الخديوى توفيق حاكم مصر قوى الاحتلال
واستنجد بها وطلب حمايتها، فاذا بعد ما يقرب من قرن من الزمان، تأتى اتفاقيات كامب
ديفيد لتوجه هى الأخرى اكبر ضربة الى الوحدة الوطنية وتقسم مصر الى معسكرين؛ فى
الاول يقف غالبية الشعب وقواه الوطنية ترفض التبعية الامريكية والصلح مع (اسرائيل)
والاعتراف بها والتطبيع معها، وفى الثانى يقف نظام كامب ديفيد، مجردا من اى شرعية
وطنية ولكنه مسلح بكل ادوات القمع الممكنة.
11)
هذا بالإضافة الى ما حدث من اغتيال للروح الوطنية للمصريين، بعد ان تحول العدو فى لحظة الى صديق، وبعد أن اعلنت السلطة الحاكمة انه
لا قبل لها بمواصلة قتال (اسرائيل) حتى النهاية، فدفعت غالبية المصريين الى الكفر بالسياسة
وبالوطنية وبالانتماء الوطنى، وانصرفوا الى البحث عن ملاذات وانتماءات بديلة عن
هذا الوطن المستسلم لألد أعداء الأمة، فانتشرت الدعوات والحركات الطائفية
والمذهبية والنزعات القبلية والفردية.
12)
وما صاحب كل ذلك من تغييب وتضليل وتزييف لوعى الاجيال الجديدة، وحصار للقوى الوطنية المصرية المعادية لإسرائيل والداعمة لفلسطين، واضعافها
ومطاردتها سياسيا وامنيا.
***
هنيئا
لكم جائزة الكونجرس ورضا الامريكان وصداقة (اسرائيل) ودعم واعتراف كل الشرعيات
الدولية، ولا عزاء لمصر العربية وفلسطين وكل الامة الا بعد استرداد مصر، واستعادة
الاستقلال، والتحرر من عار وقيود كامب ديفيد باذن الله.
*****
القاهرة فى 28 اغسطس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق