بحث فى المدونة

الاثنين، 25 يناير 2021

ثورة يناير ـ وماذا بعد؟

 

حتى الآن ورغم مرور عشر سنوات كاملة على قيام ثورة يناير، الا انه لا توجد بعد قراءة موحدة متفق عليها فى مصر حول القصة الحقيقية للثورة:

1)  من حيث مقدماتها وأسباب قيامها وتوقيته.

2)  وخريطة القوى التى مهدت لها وشاركت فيها ودور كل منها وحجمه ودرجة تاثيره، وايجابياته أو أخطاءه وخطاياه فى المراحل المختلفة؛ سواء فى سنوات ما قبل الثورة، أو فى الميدان قبل سقوط مبارك، ثم قبل وبعد الاستفتاء والانتخابات البرلمانية و الانتخابات الرئاسية، واخيرا قبل وبعد 3 يوليو 2013 وحتى اليوم.

3)  واسباب توحدها فى سنوات ما قبل الثورة وفى الميدان، ثم اسباب انقساماتها وصراعتها وطلاقها البائن فيما بعد.

4)  وكذلك خريطة القوى المضادة للثورة داخل مصر وخارجها، واستراتيجيتها وخططها وتحالفاتها من أجل احتواء الثورة واجهاضها.

5)  ودرجة وعى وادراك قوى الثورة بكل اطيافها لطبيعة وحقيقة النظام الذى طالبت باسقاطه.

6)  وهل زالت الاسباب التى ادت الى قيام الثورة، ام لا تزال قائمة؟

7)  والعوامل الخارجية الدولية والاقليمية التى ساهمت فى نجاح الثورة فى البداية ثم فى احتوائها واجهاضها بعد ذلك.

8)  والاسباب الرئيسية التى أدت الى هزيمة ثورة يناير وفشلها فى تحقيق ما طرحته من اهداف وشعارات، او على أضعف الايمان الى الفشل فى الاحتفاظ بما انتزعته من مكاسب ديمقراطية وسياسية فى سنواتها الاولى.

9)  وهل كان هناك اى امكانية بعد سقوط مبارك، لانتهاج مسارات وخرائط طريق مختلفة تنقذ الثورة من الانقسام ومن تربص الدولة العميقة والنظام القديم؟

10)       والأهم من كل ذلك، هو رؤيتنا حول المستقبل بعد مرور 10 سنوات على الثورة.

وهكذا ...

***

لا توجد رواية واحدة متفق عليها لثورة يناير، مماثلة للروايات الموحدة المستقرة فى الوعى الوطنى المصرى حول الاحداث الكبرى فى تاريخنا، مثل الحملة الفرنسية وعصر محمد على وثورة عرابى وثورة 1919 .. الخ

 

وهو ما لا ينطبق على ثورة يناير فقط، بل يمتد ليشمل عديد من الاحداث الكبرى التى عاشتها مصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بدءا بحرب 1948 وثورة 1952 وهزيمة 1967 وما يسمى بثورة التصحيح 1971، وكواليس حرب 1973 والمفاوضات التى تلتها والنتائج التى ترتبت عليها واتفاقيات كامب ديفيد وخفايا اغتيال السادات، وحقيقة واسرار العلاقات المصرية الامريكية والمصرية الاسرائيلية، ودور الدولة العميقة فى اجهاض مشروع التوريث واسقاط حسنى مبارك وعديد من القضايا الاخرى التى تتعدد حولها المواقف والروايات او لا يزال يحيط اللبس والغموض بالكثير من تفاصيلها.

***

نعم لا توجد رواية واحدة عن ثورة يناير، ولكن هناك روايات واجابات متعددة مختلفة ومتعارضة؛ فلكل من الفرقاء روايته. وغالبيتها روايات ناقصة وقاصرة أو منحازة ومرسلة ومتهافتة، يمكن دحضها وتفنيدها واثبات نواقصها أو تناقضاتها أو زيفها فى اى بحث او دراسة نزيهة وموضوعية.

فكل منها يركز على زواية واحدة او جانب واحد مما حدث، متجاهلا او منكرا لعشرات الجوانب والزوايا والعوامل الاخرى. فالصراع بالنسبة للجميع لم ينته بعد، وبالتالى فهم يتناولون ثورة يناير واحداثها ومآلاتها كل حسب مصالحه واستراتيجيته واهدافه فى هذا الصراع، وايضا وهو الاهم وفقا لمركزه الدستورى والقانونى والسياسى والامنى الحالى، منتصرا كان او مهزوما، حاكما او محكوما، ظالما او مظلوما، مباحا ومشروعا ام محاصرا او محظورا ..الخ:

·      القائمون على الدولة ومؤسساتها يرونها مؤامرة خارجية وفوضى وكارثة كادت ان تؤدى الى هدم الدولة المصرية، فيتخذون كل ما يلزم من اجراءات وسياسات، ويسنون ما يلزم من قوانين وتشريعات لعدم السماح بتكرار ما حدث فيها مرة اخرى، ويحرصون على ادانة وشيطنة الثورة ومطاردة كل من شارك فيها لا فرق فى ذلك بين اسلامى وليبرالي واشتراكى وقومى ومستقل.

 

·      أما الاخوان المسلمون فيرون ان الثورة لم يكن من الممكن ان يكتب لها النجاح بدونهم؛ بدءا بمشاركتهم فى التمهيد لها بالتصدى لمبارك سياسيا وبرلمانيا فى سنوات ما قبل الثورة، ثم بوقفتهم فى الميدان وتصديهم باعدادهم الغفيرة للدفاع عنه بدءا من 28 يناير، ولكن النقطة الأهم فى منظورهم هى الانتخابات النزيهة التى منحتهم شرعية الحكم التى تم انتزاعها منهم قصرا من قبل مؤسسات الدولة العميقة بالتواطؤ مع خصومهم السياسيين من القوى المدنية. 

 واليوم قد يكون منهم من لا يزال يتمسك بالعودة الى ما قبل 3 يوليو 2013، الا انه أغلب الظن ان غالبيتهم اصبحت تأمل فى حدوث انفراجة سياسية ما تؤدى الى الافراج عنهم وخروجهم من السجون ورفع الحظر المفروض عليهم، وربما استرداد بعض مكانتهم ومكاسبهم التى حققوها فى شهور الثورة القليلة، او على أضعف الايمان العودة الى ذات الهامش الذى سمح لهم به نظام مبارك فى سنوات ما قبل الثورة بالذات فى سنوات برلمان 2005.

 

·      اما القطاعات الاوسع من المعارضة المدنية، فتراها ثورة من صنعها هى، مهدت لها حركات مثل كفاية و6 ابريل ومحمد البرادعى والجمعية الوطنية للتغيير، ووجودهم فى الميدان هو الذى اعطى الاعتصام نوعا من الحصانة امام الرأى العام المصرى والعالمى، حالت دون سحقه على غرار ما حدث مع اعتصام الاسلاميين منفردين فى رابعة بعدها بسنتين. كما انها هى التى دعت الى تظاهرات 25 يناير التى رفض الاخوان المشاركة فيها، ولم يلتحقوا بها الا فى جمعة الغضب بعد نجاحها، وقاموا بسرقتها وركوبها، وخانوها لاحقا بتبنيهم لخريطة الطريق التى وضعها المجلس العسرى، ثم باستئثارهم بالسلطة وبكافة الاستحقاقات الانتخابية . . . الامر الذى دفعهم كقوى مدنية الى الترحيب بنزول الجيش لاسقاط حكم الاخوان والمباركة والمشاركة فى اجتثاثهم من الحياة السياسية ووضعهم فى السجون، على أمل ان يتم تمهيد الساحة وتسليمها لهم كقوى مدنية.

 الا ان ما حدث بعد ذلك اصابهم بصدمة شديدة وحالة من انعدام الوزن حين قام النظام بالغدر بهم وطردهم هم ايضا من جنة شرعيته، فحاصرهم وكمم افواههم واغلق البرلمان فى وجوههم واعتقل عديد من عناصرهم، بعد ان كانوا شركاء له فى يونيو 2013.

 ولا يزال منهم من يراهن اليوم على اقناع السلطة الحاكمة بالسماح لهم بالعودة الى ذات الهامش الديمقراطى الذى كان يتمتعون به ايام مبارك، او فى شهور العسل القليلة بعد ازاحة الاخوان من الطريق.

 

·      هذا بطبيعة الحال بالاضافة الى عديد من التحليلات الاخرى حول الثورة التى قد تكون أكثر نزاهة وحيادية، ولكنها لم تنل شهرة وانتشار الروايات الثلاث المذكورة، بسبب حالة الانقسام والاستقطاب الحادة التى ضربت المجتمع.

***

الخوف:

ولكننا لا يمكن بطبيعة الحال ان نتجاهل اهم الاسباب والعوامل الرئيسية التى تحول دون تقديم اجتهادات جادة وصادقة بخصوص ثورة يناير: وهو عامل الخوف، حيث ان السلطات فى مصر تحظر التطرق اليها، او تناول او طرح وترديد اى تحليلات او روايات مخالفة لروايتها الرسمية. بل ان مجرد "الاشادة" بثورة يناير أصبح اليوم من المكروهات التى تكاد أن تصل الى قائمة المحظورات، وهو ما دفع الكثيرين الى تجنب الاقتراب منها او التطرق اليها خوفا من العواقب.

بالاضافة الى ان الاجابات الحقيقية تتطلب اعترافات بالاخطاء والخطايا والاعتذار عنها، وهو ما يحتاج الى مواصفات اخلاقية خاصة، قد لا تكون سائدة أو مستحبة فى عالم السياسة الذى تحكمه وتوجهه المصالح والصراعات الدامية على السلطة.

***

وللاسف فان اى حديث عن المستقبل، سيظل ناقصا وقاصرا وضعيفا ومطعونا فى مصداقيته، اذا لم يبدأ بقراءة وفهم صحيحين لما حدث.

 والى ان نتمكن من اختراق هذا الحصار المفروض على ثورة يناير وقضايا اخرى كثيرة والتطرق الى اسئلتها الصعبة واجاباتها الحقيقية، فاننا سنظل ندور فى حلقة مفرغة من اللهاث وراء الاحداث اليومية الجارية بدون بوصلة او استراتيجية او هدف واضح وقابل للتحقيق.

*****

القاهرة فى 25 يناير 2021

فى الذكرى العاشرة لثورة يناير

 

ليست هناك تعليقات: