حين تفشل اى ثورة أو انتفاضة شعبية، فانه يترتب على
فشلها نتائج وعواقب حتمية لا تختلف من دولة الى اخرى ولا من نظام الى آخر الا
قليلا؛
1)
فيعود النظام القديم بوجوه جديدة ولكن بذات الخصائص
والانحيازات والتحالفات الخارجية والداخلية، وبنفس السياسات والادوات القديمة، ولكنه
يعود أكثر قسوة وشراسة وتطرفا تجاه اى معارضة.
2)
ويبدأ بتصفية كل ما حققته الثورة والثوار من
مكتسبات فى مجال الحقوق والحريات وتداول السلطة ونزاهة الانتخابات والفصل بين
السلطات واستقلالها.
3)
مع الاسراع فى اصلاح وترميم وتعويض ما اصاب بنيته
الداخلية ومؤسساته وقواه وطبقاته ومصالحه من خسائر وضربات على ايدى الثورة، فيقوم بالافراج
عن كل من تم اعتقالهم من قيادات النظام القديم، وحل كل مؤسسات الثورة من برلمانات
واحزاب وتنظيمات ومنابر صحفية واعلامية، والغاء وتعديل الدساتير ومنظومة التشريعات
والقوانين التى تنظم الحياة السياسية واعادتها الى ما كانت عليه، وتطهير كل مؤسسات
الدولة من كل الذين قبلوا التعامل مع الثورة..الخ.
4)
كما يسارع الى اتخاذ سلسلة من الاجراءات الاستثنائية
لتامين نفسه ضد اى احتمال لتكرار الثورة مرة اخرى، فيقوم بتأميم الحياة السياسية
والبرلمانية ويعيد فرض هيمنة السلطة التنفيذية على السلطتين القضائية والتشريعية
وعلى الاعلام، ويقوم بحظر المعارضة او حصارها واغلاق اى هامش ديمقراطى كان متاحا
لها قبل الثورة، واغلاق كل منافذ العمل السياسى ومنابر الراى مع سيادة الراى
الواحد، والتحكم الكامل فى نتائج اى انتخابات برلمانية او رئاسية، واغلاق أي ابواب
لتداول السلطة لسنوات طويلة، محصنا اجراءاته بحزمة من التعديلات الدستورية
والاستفتاءات الشعبية والتشريعات الجديدة.
5)
مع التنكيل الشديد بكل من شارك في الثورة من
قوى واحزاب وجماعات وشخصيات، من باب الثأر والانتقام وايضا حتى لا يتجرأ أحد فى
المستقبل على محاولة تكرارها مرة اخرى.
6)
والقيام بعملية تجديد واحلال واسعة فى
القيادات الكبرى، باحالة الحرس القديم الى التقاعد، واستبدالهم بقيادات وكوادر جديدة
لشغل المناصب والمراكز القيادية العليا من عناصر الصف الثانى والثالث والرابع فى النظام
السابق، والذين يكونون أكثر شباب وقوة وحماسا ونشاطا ولكن اقل خبرة، مما قد يكون
له بالغ الأثر على السياسات والقرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مع الحرص
على تأسيس قاعدة جديدة موالية من السياسيين والمثقفين والكتاب والصحفيين
والاعلاميين والنواب لدعم السلطة الجديدة والترويج لها.
7)
كما يضطر النظام العائد، الى سداد حزمة من
الاثمان والفواتير الباهظة فى شكل اتفاقيات وصفقات دولية واقليمية واقتصادية
جديدة، تنتقص من استقلال البلاد وسيادتها وثرواتها؛ مقابل الحصول على الاعتراف الدولي،
والتغاضي عن اى اجراءات استثنائية تنتهك الحريات وحقوق الانسان، والامتناع عن
تقديم على دعم دولى مستقبلى لأى انتفاضات او ثورات جديدة، بالإضافة الى سداد
الفواتير الى الدول التي دعمته وساندته لإجهاض الثورة.
8)
ودائما ما يستدعى أى نظام عائد بعد اى ثورة
فاشلة، خطاب "الأخيار والأشرار" لتبرير كل اجراءاته الاستثنائية العنيفة
أمام الرأى العام الداخلي والخارجي. والأخيار بطبيعة الحال هم النظام وكل القائمين
عليه والمؤيدين له، والأشرار هم كل من تجرأ على الثورة ضده وكل من يعارضه.
***
أما على الجانب الآخر فلا تلقى القوى التى شاركت فى الثورة الفاشلة ومعها اى
معارضة اخرى سوى النتائج التقليدية التى تلحق بالمهزوم فى أى صراع خارجى أو داخلى.
وتظل لسنوات تالية فى حالة من عدم الاتزان تعاني من عواقب هذا الفشل ومن
العقوبات السياسية والامنية والقضائية القاسية التى فرضها النظام العائد، فتخفت
اصواتها أو يتم اسكاتها قسرا، وتغلق فى وجهها كل الساحات فيما عدا ساحات المحاكم والسجون
وسلطات التحقيق، وتتقلص انشطتها وفاعلياتها الى قضية واحدة ومصيرية هى الدفاع عن وجودها
وحقوقها وحرياتها فى مواجهة بطش السلطات.
***
ورغم ان هذه هى قواعد الصراع ومآلات الهزيمة والفشل فى اى ثورة تتعرض
لتجربة مماثلة، الا انه يظل وضعا استثنائيا مرفوضا لا يمكن ان يستمر لعديد من
الاسباب على رأسها: استحالة احتماله والتعايش معه والاستسلام له لفترات طويلة من
قبل الشعوب الحرة، وليس تاريخنا وتاريخ البشرية كلها على امتداد قرون طويلة، سوى كر
وفر ومعارك ونضالات دائمة ومستمرة فى معارك انتزاع الحرية بكافة اشكالها ومعانيها.
ولذلك يصبح السؤال المطروح فى اى بلد تمر بظروف مشابهة
هو متى ينتهى هذا الاستثناء وكيف؟
وتصبح المهمة الأولى الملقاة على عاتق كل المهمومين
بالمصالح الوطنية وبالحقوق الشعبية والانسانية هى محاولة الإجابة على هذا السؤال.
*****
محمد سيف الدولة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق