بحث فى المدونة

الثلاثاء، 5 يونيو 2018

1967 وكهنة كامب ديفيد



١٩٦٧ وكهنة كامب ديفيد
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

لا تحارب .. لا تقاتل .. لا تقاوم .. لا تعاند .. لا تتحدى .. لا تستقل .. لا ترفع رأسك ..لا تناصر فلسطين .. لا تعادى اسرائيل.
هذه هى الشعارات المقدسة لأكبر دين سياسى فى مصر، دين له كهنته وشيوخه واتباعه ومريديه مثل اى دين آخر، دين يقوم على الخوف والمذلة والخضوع والاستسلام.
·       يقوم هذا الدين على الدعوة والتبشير والتحذير من تكرار ما حدث فى ١٩٦٧، الذي يرجعون اسبابه الى العنترية وتحدي الامريكان وعداوة (اسرائيل) ورفض الاعتراف بشرعيتها ودعم فلسطين وحركات المقاومة وتوريط مصر فى قيادة الامة العربية وتبنى قضاياها والدفاع عن امنها القومى، وهو دور لا تقدر عليه ولا تستطيع ان تتحمل عواقبه.
·       واول من بشر بهذا الدين كان هو موشى ديان، حين قال بعد عدوان 1956 لقد حاربنا مصر لحشر الجيش المصرى داخل ارضه.
·       اما فى مصر فلقد كان أنصار هذا الدين فى البداية أقلية صغيرة تدعوا لدينها سرا وعلى حذّر، ثم انتقلت الى الظهور، وياللعجب، بعد حرب 1973، ثم أسفرت عن وجهها القبيح مع مبادرة السلام 1977، ثم فَجَرَت فى دعوتها بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد 1978، ومن وقتها وهي تزداد فجورا يوما بعد يوم.
·       ولقد أصبح هذا الدين للأسف الشديد هو الدين الرسمى للدولة المصرية منذ 40 عاما.
·       ورئيس مصر وحكامها يجب أن يكونوا من أنصار هذا الدين، أو كما عبر عنها بوضوح الدكتور مصطفى الفقى عام 2010 حين قال ان رئيس مصر يجب ان توافق عليه الولايات المتحدة ولا تعترض عليه اسرائيل.
·       قالها السادات مؤسس هذا الدين فى مصر حين قال فى خطبته الشهيرة بعد الحرب مباشرة بانه لا يستطيع محاربة الولايات المتحدة. ثم طور هذا الموقف بعد شهور قليلة بقوله ان 99% من اوراق اللعبة فى يد الامريكان.
·       وقالها مبارك صراحة فى لقائه ببعض قادة المعارضة الوطنية بعد اغتيال السادات، بان الغاء كامب ديفيد يعنى محاربة امريكا وانه لا يقدر على ذلك.
·       ويقولها عبد الفتاح السيسى كثيرا، وآخرها فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة المنعقدة يوم 28/4/2018 حين قاله محذرا:
((اوعوا حد يأخذ البلد للحالة التى كانت قائمة ايام 1967 .... الوجدان اتشكل على عداوة شديدة (لاسرائيل) واستعداد للقتال للآخر (حتى آخر مدى) .... مكانش فيه حد فى المنطقة وفى مصر يقبل بمبادرة السلام ال الرئيس السادات طرحها.... مكانش حد كتير مؤمن بفكرة السلام ساعتها.... احنا بنتكلم (النهارده) بعد 50 سنة عندما تشكل وجدان جديد ووعى اخر وحالة جديدة فى نفوس الناس هى حالة السلام والتشبث به))
***
·       وقد يبدو للوهلة الاولى ان لهذا الدين السياسى وجاهته التى تؤكدها موازين القوى الاقليمية والدولية وتطوراتها على الارض فى الخمسين عاما الماضية
·       ولكن هذه نظرة سطحية لا تمت الى الحقيقة بصلة، فالخواتيم اليوم كشفت واثبتت بما لا يدع مجالا للشك، النتائج الكارثية التى ترتبت على جريمة الصلح مع اسرائيل وتوقيع اتفاقيات سلام معها والكف عن قتالها والانسحاب من ساحات المواجهة معها وبالانضواء فى معسكر الاعداء المشهور باسم "الحظيرة الامريكية":
·       سقطت مصر فى تبعية عميقة ومركبة؛ عسكرية وامنية واقتصادية وسياسية واقليمية. (راجع الكتالوج الأمريكى لحكم مصر).
·       واصبحت سيناء مرتعاً لكل قوى الشر فى العالم، بعد ان تم تجريد ثلثيها من السلاح والقوات، الا باذن (اسرائيل).
·       وتعيش الدولة المصرية منذئذ "سلاما بالإكراه" لا تجرؤ ان تغضب امريكا او تقول لا لاسرائيل، ويبذل حكامها، طول الوقت، اقصى جهودهم لاثبات حسن النوايا للاسرائيليين والامريكان. (راجع عشرات الخطب والتصريحات للسيد عبد الفتاح السيسى فى هذا الشان.)
·       وتحولت (اسرائيل) الى دولة اقليمية عظمى، واعترفت بشرعيتها عشرات الدول التى كانت تقاطعها من قبل. وأخذت تعربد فى المنطقة كما تشاء، تضرب وتقصف وتغتال بلا حساب أو عقاب.
·       وتبتلع وتستوطن مزيد من الارض كل يوم، وتتربص بالمقدسات وتنتهكها وتسطو عليها.
·       وسقطت كل اوهام السلام، بعد ان أطلق دونالد ترامب رصاصة الرحمة على حل الدولتين واعترف بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيونى.
·       وانخرط العرب يحاربون ويقاتلون بعضهم بعضا فى سلسلة من الحروب الاهلية والاقليمية التى لا تنتهي، بعد ان كفوا وجبنوا عن مقاتلة عدوهم الحقيقى.
·       وسادت الطائفية والقبلية والمذهبية بعد ان سقطت قضايا ومعارك التحرر الوطنى والقومى.
·       وفى الحساب الختامى يكاد 6 مليون صهيونى ان يهزموا 350 مليون عربى.

كل ذلك ولا يزال أنصار ديانة "كامب ديفيد" واخواتها، يغالطون ويضللون الناس ويدافعون عما تم من تنازلات ويطالبون بتنازلات جديدة وكله باسم الواقعية.
***
·       ولقد كان هذا الدين يقتصر فى بداية ظهوره على مصر وعدد قليل من الحكام العرب، اما اليوم فلقد أصبح هو الدين الرسمى لغالبية الدول العربية هى الأخرى، وكذلك للنظام الرسمى العربى وفى القلب منه جامعة الدول العربية.
·       وككل الأديان، ظهر من انصاره جماعات من المتطرفين الذين يجبرون ويكرهون باقى الناس على الخضوع لدينهم بأدوات الردع والارهاب. وهم قادرون على ذلك بحكم احتلالهم لغالبية كراسى الحكم العربية، ويسومون كل من يرفض دينهم ويكفر به كافة صنوف العذاب.
·       وبالفعل اصبحت ملايين الشعوب العربية الكافرة "بدين" الهزيمة والاستسلام، الواعية بطبيعة الصراع والحاملة لحضارة الامة والمدركة لتاريخها ومكانتها وامكانياتها وامجادها وانتصاراتها، والرافضة للتبعية، الكارهة للامريكان واسرائيل والصهيونية، المؤمنة بوحدة الامة وقضاياها وبعروبة فلسطين وحتمية تحريرها والقتال من اجلها والقضاء على الكيان الصهيونى ومشروعه ومخاطره، أصبحوا جميعا محاصرين ومطاردين ومقيدين ومحظورين من المشاركة أو التأثير فى الحياة السياسية والاعلامية والفكرية فى مصر وغالبية الدول العربية الا ما رحم ربى.
·       اما أهالينا فى فلسطين المحتلة، فهم الوحيدون اليوم الذين يكشفون بمقاومتهم المستمرة التى لم تتوقف لحظة، وشهدائهم الذين يرتقون كل يوم، زيف وبطلان هذا الدين الكريه، ويثبتون ان العدو من ورق وان القتال ممكن وواجب وأن التحرير قادم والنصر آت باذن الله.
*****
القاهرة فى 5 يونيو 2018

ليست هناك تعليقات: