بحث فى المدونة

الخميس، 26 ديسمبر 2019

المسطرة الوطنية


المسطرة الوطنية
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

يشهد الوطن العربى سلسلة من الصراعات الدولية والاقليمية والحروب بالوكالة على الاراضى العربية، على رأسها سوريا وليبيا واليمن، اختلطت فيها القوى والاطراف والأوراق، مما قد يصيب قطاعات واسعة من المتابعين وبالذات من الشباب، باضطراب والتباس شديد فى الفهم والرؤية والتحليل والمواقف.
ولذلك سنحاول هنا ان نتفق على المعيار او الميزان او المسطرة التى قد تساعدنا على الفهم واتخاذ المواقف الصحيح:

***

قد لا يعلم الكثيرون ان من اهم سَنَن وقوانين تكوين الامم والقوميات والأوطان عبر التاريخ، هو قدرتها على حماية نفسها وشعبها وأرضها ضد الغزوات والأطماع الاجنبية.
والشعوب او الجماعات البشرية التى نجحت فى ذلك فى فجر تاريخها وبدايات وجودها وتكوينها، استطاعت ان تبقى وتعيش وتستمر وتبنى أمما وقوميات وأوطان.
اما الجماعات البشرية التى عجزت عن ذلك، وما أكثرها، فلقد اندثرت او انصهرت مع الجماعات الاقوى التى غزت أراضيها او فتحتها، مما ترتب عليه انه لم يكتب لها ان تتطور لتكون أمة او قومية او وطن مستقل لشعبها.
وبتطبيق هذا القانون التاريخى على احوالنا اليوم، فان الدولة التى لا تستطيع ان تدافع عن نفسها الا باستدعاء دول وقوى اجنبية لحمايتها والدفاع عن وجودها، لا تستحق الوجود والبقاء، ومصيرها الى زوال ان عاجلا ام آجلا.
وهو ذات القانون الذى ينطبق على الانظمة التى لا تستطيع ان تحافظ على نفسها الا بالدعم الخارجى،
وينطبق كذلك على الثورات التى لا تستطيع ان تسقط أنظمة الحكم القديمة الا بالدعم الخارجى، وقس على ذلك.
ومن اجل تقريب الصورة وتوضيحها، سنضرب بعض الأمثلة من اجل توعية الجيل الجديد وتسليحه بميزان علمى ووطنى دقيق يساعده على تحديد مواقفه من كل ما يجرى حوله فى الأمة، وايضا من اجل تحصينه وتقوية مناعته ضد اى احلام او مشروعات تعتمد فى نجاحها على (الخواجات) من اى صنف او لون، وفيما يلى هذه الأمثلة والنماذج من الدول والانظمة والحكام الذين لم يتمكنوا من الحفاظ على وجودهم الا بالدعم الاجنبى:
·      استدعاء الخديوى توفيق للإنجليز ١٨٨٢، لحمايته من الثورة العرابية
·      واستدعاء فيتنام الجنوبية للامريكان ضد فيتنام الشمالية
·      وكوريا الجنوبية للامريكان ضد كوريا الشمالية
·      والشيوعيين الأفغان للاتحاد السوفيتى عام ١٩٧٩
·      ونظام ما بعد طلبان للامريكان
·      والكويت للامريكان بعد الاحتلال العراقى ١٩٩٠
·      وثوار ليبيا للناتو لاسقاط القذافى
·      وتنظيمات سورية للامريكان والأوروبيين والسعوديين والخلايجة
·      والنظام السورى للروس والإيرانيين
·      وقوات سوريا الحرة للاتراك
·      واكراد سوريا للامريكان
·      والرئيس اليمني عبد ربه منصور للسعودية والإمارات
·      والحوثيين للإيرانيين
·      والسعودية للامريكان ضد ايران
·      وبشكل عام القواعد والحماية الامريكية للسعودية وامارات الخليج
·      واستدعاء حفتر لفرنسا وروسيا ومصر والإمارات
·      والسراج لتركيا وامريكا وإيطاليا وبريطانيا
وهكذا
كلها أمثلة ونماذج، تنطبق عليها السنن والقوانين التى ذكرناها، فهى جميعا بدون استثناء فاقدة لأى شرعية وطنية، فبقائها مرتبط ومعتمد (كلية) على تدخل ودعم وحماية دول وقوى اجنبية، لولاها لسقطت فى غضون شهور او سنوات قليلة.

وهنا سيثور سؤال منطقي ومشروع وهو ماذا تفعل الدول اذا تعرضت لاعتداءات ومخاطر خارجية؟ أليس من حقها فى هذه الحالة ان تستنجد وتحتمى هى الاخرى بدعم خارجى يساعدها على صد العدوان؟

والاجابة هى بالإيجاب طبعا، فمن حق الدول ان تبحث عن دعم من الدول الصديقة والحليفة يساعدها على رد العدوان الخارجى، ولكن بشرط ان يكون دعما مساعدا، وان تظل قوتها الذاتية شعبا وجيشا هى القوة الرئيسية فى المقاومة والدفاع عن وجودها واستقلالها.
فاذا انتقلت المسئولية الرئيسية والجهد الاكبر فى الدفاع والحماية الى دولة اجنبية، فان الدولة تكون قد فقدت من الناحية العملية والاستراتيجية مقومات وجودها.
وهو ما ينطبق ايضا على حركات وقوى المعارضة، التى تفقد على الفور اى شرعية وطنية او ثورية اذا كان نجاحها وتقدمها قائما على دعم وتدخل اجنبى.
وفى عصور التدهور والانحطاط، اذا وجدنا الجميع من حولنا غارقين فى مستنقع التبعية، فان هذا لا يبررها أو يحللها أو يضفى عليها أى شرعية.

***

بناء على كل ما سبق، فانه يتوجب على كل المهمومين بأحوال الامة ومستقبلها والصادقين فى نواياهم، ان ينأوا بأنفسهم عن الارتباط او الانخراط او التورط او الانحياز او الدعم او التأييد لأى من (التابعين العرب)، سواء كانوا دولا او أنظمة او حكاما او معارضين أو تنظيمات أو حركات تغيير تطلق على نفسها زورا اسم ثوار.
وعليهم بدلا من ذلك أن يوجهوا كل جهودهم الى بناء وتأسيس قواهم وحركاتهم فى إطار مشروع وطنى مستقل بعيدا عن ايدى ونفوذ واختراق ودعم اى جهة اجنبية.
*****
26/12/2019

ليست هناك تعليقات: