فى
22 فبراير 1958، قامت الوحدة المصرية السورية فى اول وآخر محاولة جادة في العصر
الحديث لتوحيد قطرين عربيين، وتحدى التجزئة التى فرضت على الأمة فى عصر الاستعمار
الاوروبى، منذ 1840(معاهدة لندن) ثم سايكس بيكو وترتيبات ما بعد الحرب العالمية
الاولى، التي انتهت بسقوط كل الأقطار العربية في مستنقع التجزئة جنبا الى جنب مع
الاحتلال. وهي التجزئة التي لا تزال مستمرة الى الآن، بل تزداد تعمقا وتجذرا
وانقساما وتفتتا كل يوم.
·
وان في احياء
ذكرى وحدة 1958 اليوم، معانى واهداف متعددة منها التأكيد على وحدة الامة العربية شعبا
وارضا، وعلى رفض ما تم من جرائم التقسيم والتجزئة، وعدم الاعتراف بمشروعيتها مهما
طال بها الزمن، وعلى اصرار الشعوب على استعادة وحدتها عاجلا ام آجلا.
·
والتأكيد على
الطبيعة العدوانية للغرب الاستعماري وللمنتصرين منهم فى الحرب العالمية الاولى
الذين قاموا بتقسيمنا واقتسامنا كغنائم حرب، وتوريثنا الى القوى الاستعمارية الجديدة
بعد الحرب العالمية الثانية التى لا تزال تعادينا وتعتدى علينا.
·
وهي الولايات
المتحدة وحلفاؤها وأتباعها، التى تصدت لتحريض عملائها فى سوريا على الانقلاب على
الوحدة وتنفيذ جريمة الانفصال فى 1961، ثم التخطيط لمواجهة وحصار واجهاض اى
مشروعات أو محاولات او تيارات وحدوية لاحقة.
·
والتأكيد على
أن الدول الاقليمية التى أقاموها للحفاظ على التجزئة والحدود وحمايتها منذ قرن من
الزمان، هى دول ودويلات عاجزة عن حماية نفسها واستقلالها والدفاع عن امنها القومي
وعن اشباع احتياجات شعوبها، ولذلك سقطت كلها بلا استثناء واحد فى مستنقع التبعية والتخلف والاستبداد.
·
والتأكيد على
زيف وبطلان الانتماءات الشعوبية والقبلية البديلة (الفرعونية والآرامية والفينيقية
والبابلية والآشورية والكنعانية..الخ) التى يحاولون احيائها من الموت، بعد ان سقطت
واندثرت وثبت عجزها وفشلها منذ الغزوات المقدونية والرومانية التى احتلت المنطقة
لعشرات القرون المتصلة (خضعت مصر على سبيل المثال للاستعمار الاوروبى من 332 ق.م
حتى 640 م)
·
والتأكيد على
ان كل الهزائم والانكسارات التى تمر بها الامة فى العقود الماضية، ليست سوى نتاجا
حتميا لانقسام الأمة وتجزئتها، وهو ما ظهر جليا فى قضية فلسطين، حيث استطاع 6
مليون يهودى صهيونى مدعومين من الغرب فى الانتصار على ما يزيد عن 400 مليون عربى
حتى الآن.
·
كما ان فى
احياء ذكراها دعوة الى كل المؤمنين بوحدة الامة، الراغبين فى وحدتها، الى العمل والتواصل
والحرص على احياء الحلم العربي، بمشروع جديد يتخطى كل اخطاء الماضى وما ارتبط بها
من عوامل واسباب التعثر والفشل، وعلى رأسها انها لم تكن وحدة قاعدية شعبية، وهو ما كان أحد الأسباب الرئيسية التى أدت
للانفصال.
·
وهي ايضا دعوة
الى كل تيارات الامة، أيا كانت مرجعياتها الفكرية وايا كانت صراعاتها التاريخية او
مواقفها السياسية من انظمة الحكم العربية فى زمن الوحدة المصرية السورية، ان
تتعامل مع وحدة الامة وتجارب ومشروعات توحيدها على انه هدف وميراث مشترك للجميع
يجب التمسك والافتخار به والتعلم منه واستكمال مساره أيا كانت العقبات.
·
ان الايمان
بوحدة الأمة العربية، ليس معتقدا ايديولوجيا أو رأيا سياسيا، وانما هو حقيقة
موضوعية ثابتة تاريخيا، مثلها فى ذلك مثل كل أمم وقوميات العالم كروسيا والصين
وإيران وتركيا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا وغيرها الكثير.
·
كما انه لا
أمل لنا فى الاستقلال والتحرر والتقدم واللحاق بباقى أمم العالم فى ظل انقسامنا
وتجزئتنا الحالية الى ما يزيد عن 22 دولة.
·
ان مشروع
توحيد الأمة العربية، لن ينجح الا إذا كان مشروعا شعبيا وليس سلطويا أو طبقيا، تحرريا وليس
تابعا، ديمقراطيا وليس استبداديا، جامعا وليس مفرقا أو انتقائيا، يتحقق بالنضال الطويل
والشاق وليس بالامانى والشعارات. كما انه ليس مجرد بندا مرصوصا فى برامج الاحزاب،
بل هو مشروع حياة لأجيال عديدة متعاقبة، ولذلك فهو لا يمكن باى حال ان يكون حكرا
على فصيل أو تيار واحد من تيارات الأمة، فكلنا شركاء فيه، يجب ان نعمل على تحقيقه، لا فرق فى ذلك بين قومى واسلامى واشتراكى وليبرالى، فكلنا فى العروبة سواء.
*****
محمد سيف الدولة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق