في 15يوليو 1840 ابرمت
كل من انجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا "معاهدة لندن" الشهيرة
والتى بمقتضاها أُعطَّىَ
لمحمد على وخلفائه حكم مصر وراثيا بشرط ان ينسحب بجنوده من بلاد العرب وسورية
وجزيرة كريت ومناطق اخرى وكأنهم يقولون له "لك ان تحكم مصر كما تشاء، بل
وتورثها ان رغبت، ولكن عليكم ان تبقوا داخل حدودكم، اياكم والعرب او المسلمين."
وفى عام 1979 وقعت مصر
مع (اسرائيل) معاهدة صلح استردت بموجبها سيناء ـ منقوصة السيادة ـ في مقابل أن تكف
يدها عن فلسطين وان تنسحب داخل حدودها وان تخرج بثقلها من الصراع ضد (اسرائيل) بل
وان تعترف بها وتقيم معها علاقات طبيعية بما يعنيه ذلك من الاعتراف لها بحقها في
ارض فلسطين. ليس ذلك فحسب بل وتم النص صراحة على أن لهذه المعاهدة الاولوية على اى
اتفاقيات اخرى بين مصر والدول العربية.
اذن في معاهدة لندن
1840 (كامب ديفيد الاولى) كان الهدف هو عزل مصر عربيا والثمن هو حكم مصر.
وفى معاهدة 1979 (كامب ديفيد الثانية) كان الهدف
مرة اخرى هو عزل مصر عربيا وتحييدها في الصراع وكان الثمن هذه المرة هو سيناء.
اختلفت القوى وتغيرت الدول،
وتبدل الاشخاص ومضى الزمن ولكن المشروع الاستعمارى لم يتغير.
لماذا؟
لان الحقائق الجغرافية
والتاريخية لم تتغير، فامة عربية بقيادة مصر هى قوة كبرى لا يمكن السماح به
باحيائها من المنظور الاستعمارى، والتجارب السابقة اثبتت أن عزل مصر عن امتها
العربية هو السبيل الوحيد لتطويع كلا منهما.
وما حدث بعد
المعاهدتين يؤكد ذلك:
·
فبعد ما يقرب من أربعين عاما
على معاهدة لندن وفى ظل نصوصها وتطبيقاتها نجحت بريطانيا في احتلال مصر، ونجحت في
اخضاعها وابقاءها تحت سيطرتها سنوات طويلة تقترب من ثلاثة ارباع القرن، وتم الزج
بنا في حربين عالميتين ليس لنا فيهما ناقة ولا بعير لزوم موازين وصراعات (النظام
العالمى القديم) واعيد ترتيب المنطقة استعماريا، وزرعت (اسرائيل) اثناء هذه
السنوات عنوة ورغما عن انف جميع العرب. وظللنا حتى بعد الاستقلال نسدد فاتورة
سنوات الاحتلال الطويلة، وأصبحنا نلهث محاولين اللحاق بمسيرات التنمية والتطور. وتفوقت
علينا امم وبلاد كانت دوننا بكثير من حيت الامكانيات المادية والبشرية. وتراجع
ترتيبنا في التصنيف العالمى الى المراتب الدنيا. لقد كان الثمن فادحا.
·
اما معاهدة الصلح بيننا وبين اسرائيل (كامب ديفيد الثانية) فبعد
توقيعها وفى ظل نصوصها، شرعت (اسرائيل) فورا في
اعادة ترتيب المنطقة فاجتاحت بيروت في 1982 وقامت باخراج وطرد القوات الفلسطينية
منها الى المنفى، ليصبحوا ولاول مرة منذ بداية الصراع بعيدا عن حدود ارضهم المحتلة،
وليتم تسويتهم على نار هادئة، ولكي يرغموا في النهاية على الاعتراف بالسيادة
الصهيونية على معظم ارض فلسطين وعلى قبول اى شىء يعرض عليهم فيما تبقى منها.
ويصبح
الموقف كالاتى: " مصر كبيرة
وقوية العرب خارج الصراع،
وسلطة فلسطينية تتنازل على ارض فلسطين
التاريخية وتعترف باسرائيل وتنسق معها امنيا ضد المقاومة والانتفاضة الفلسطينية"،
فلا يكون من الاخرين الا أن يهرولوا واحدا بعد الاخر الى حظيرة السلام الاسرائيلية
الامريكية، ويتم تثبيت ومباركة وجود (اسرائيل) من الجميع، التى تشرع فى الاستيلاء
على ما تبقى من ارض فلسطين، وتعربد فى المنطقة كما تشاء، وتتلقى الهبات الامريكية
واحدة تلو الاخرى من القدس الى الجولان الى حق الاستيطان بلا قيود فى الضفة
الغربية. وتذبح فلسطين على مذبح التطبيع العربى الاسرائيلى. ويتم ضبط الوضع العربى
على ايقاع (النظام العالمى الجديد) وتتمكن الولايات المتحدة من احكام سيطرتها على المنطقة،
والتعامل مع جميع الدول العربية وعلى راسها السعودية والخليج والاردن ومصر على
انها محميات امريكية تخضع لها وتأتمر بأوامرها.
***
لقد استمرت
آثار معاهدة لندن 1840(كامب ديفيد الاولى) ما يقرب من 116 عاما (1840 ـ 1956).
فمتى وكيف
نتمكن من انتزاع خنجر كامب ديفيد الثانية من ظهر مصر وفلسطين والامة العربية؟
*****
محمد سيف الدولة
هناك تعليق واحد:
حقيقة تعلمتها مصر حين قدمت مشروعها القومي العربي .. فكانت مصر الساعية للوحدة العربية والتي بدأت بمصر وسوريا .. ولكن محاولات الاستعمار والصهيونية والرجعية العربية لم تنقطع لعدم مشروع الوحدة .. ولكن مصر العربية قدمت مشروع المواجهة بشعارات الحرية والاشتراكية والوحدة .. ضد الاستعمار والاستيلاء علي ثروات الوطن .. والوحدة في مواجهة مشاريع التجزئة.. وحين مرت مصر بأزمة 1967 رفعت شعارات لاصلح لا اعتراف لا تفاوض .. فكان رد الاستعمار والكيان الصهيوني لاللقدس عاصمة لفلسطين العربية .. لا لعودة اللاجئين.. لا لدولة فلسطين علي كامل ترابها .
بل الأخطر فيما قلت اننا أصبحنا نغني تحيا مصر .. تحيا مصر ..علي لسان ممثلها الرسمي بعيدا عن ذكر العروبة .. لتنحصر مصر بعيدا عن أمتنا
إرسال تعليق