بحث فى المدونة

الاثنين، 5 أكتوبر 2020

ذكرى سليمان خاطر فى زمن التطبيع

 

ذكرى سليمان خاطر فى زمن التطبيع

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

 فى نفس هذا اليوم من 35 عاما، فى الخامس من أكتوبر 1985، قام شاب مصرى بطل، بتأدية واجبه فى حراسة الحدود على أكمل وجه اثناء قضائه مدة خدمته العسكرية، ونفذ تعليمات واجراءات التأمين والحراسة كما يقول الكتاب، واضطر الى إطلاق الرصاص على مجموعة من الاسرائيليين (الصهاينة) لعدم استجابتهم لتحذيراته واوامره المتكررة بعدم المرور أو الدخول الى المنطقة العسكرية المحظورة التى تم تكليفه بحراستها، فسقطوا بين قتيل وجريح.

 

وبدلا من تكريمه، قامت السلطات المصرية بالقبض عليه ومحاكمته امام محكمة عسكرية قضت عليه بالسجن المؤبد مع الاشغال الشاقة فى 22 ديسمبر 1985.

 

وفى 7 يناير 1986 بعد صدور الحكم بستة عشر يوما فقط، تم ابلاغ اسرته بانتحار نجلهم (شنقا) داخل زنزانته. وهو الأمر الذى قطعت الأسرة والاصدقاء وكل من يعرفه عن قرب باستحالته وفقا لطبيعة شخصية سليمان وصلابته وتدينه العميق.

ومنذئذ ترسخ شبه يقين لدى الرأى العام المصرى، انه قد تم تصفيته بناء على اتفاق بين السلطتين المصرية و(الاسرائيلية).

 

ورغم رحيله عام 1986 الا ان سليمان خاطر ظل واحدا من اهم الرموز الوطنية، التى يعتز به المصريون على الدوام كشاهد ودليل قاطع على رفض الشعب المصرى للاتفاقيات الموقعة مع (اسرائيل)، وتمسكهم بالعداء لها ومقاومتهم للتطبيع معها.

 

ولقد تحولت الكلمات التى ذكرها "خاطر" فى التحقيق والمحاكمة، الى جزء من التراث والمأثورات الوطنية فى مصر، فمن اقواله عن الواقعة:

·       ()كنت علي نقطة مرتفعة من الأرض، وأنا ماسك الخدمة ومعي السلاح شفت مجموعة من الأجانب ستات وعيال وتقريبا راجل وكانوا طالعين لابسين مايوهات منها بكيني ومنها عرى. فقلت لهم "ستوب نو باسينج" بالإنجليزية ماوقفوش خالص وعدوا الكشك، وأنا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي وفيه أجهزة ومعدات ما يصحش حد يشوفها والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه سواء مصري أو أجنبي. دي منطقة ممنوعة وممنوع أي حد يتواجد فيها، وده أمر وإلا يبقي خلاص نسيب الحدود فاضية، وكل اللي تورينا جسمها نعديها((

·       ((أمال انتم قلتم ممنوع ليه .. قولوا لنا نسيبهم وإحنا نسيبهم! ))

·       ((أنا لا أخشى الموت ولا أرهبه .. إنه قضاء الله وقدره، لكنني أخشى أن يكون للحكم الذي سوف يصدر ضدي آثار سيئة على زملائي، تصيبهم بالخوف وتقتل فيهم وطنيتهم))

وعندما صدر الحكم بحبسه 25 عامًا من الأشغال الشاقة المؤبدة قال ((إن هذا الحكم، هو حكم ضد مصر، لأن جندي مصري أدى واجبه))

***

  فهل كان سليمان خاطر ضحية للثأر الصهيونى جنبا الى جنب مع الخوف الرسمى المصرى من اغضاب (اسرائيل) والولايات المتحدة الامريكية، بالاضافة الى التخوف من تصاعد الحراك والضغط الشعبى المصرى للافراج عنه، مما دفع الادارة المصرية فى النهاية الى الخضوع والاستجابة للتفسير (الاسرائيلى) للمادة الثالثة من معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة فى 26 مارس 1979 التى تنص الفقرة الثانية منها على ما يلى:

 ((يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية وأفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر، كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الإشتراك فى فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر فى أى مكان، كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبى مثل هذه الأفعال للمحاكمة.))

 

ولذلك قاموا بتقديمه الى المحاكمة بدلا من تكريمه، وحين غضبت (اسرائيل) من الحكم لانه لم يقضِ باعدامه، اصرت على تصفيته، وفقا للرأى الغالب بين المتابعين والمحللين الوطنيين فى مصر؟

***

لقد قامت القوى الوطنية المصرية منذ اللحظات الاولى للقضية، بالتضامن بكل السبل والامكانيات مع سليمان خاطر واعتبرته بطلها الذى يمثلها ويعبر عنها وعن الضمير الوطنى لكل المصريين، وقامت بتشكيل "اللجنة الوطنية للدفاع عن سليمان خاطر" التى ضمت فى صفوفها كافة الأطياف من الشخصيات الوطنية المصرية، وكان من بين اصداراتها البيان التالى:

((لقد كان الدفاع عن الوطن ولا يزال قيمة عظيمة تنتقل عبر الاجيال جيلا بعد آخر لتشكل فى نهاية الامر تاريخا للبطولة يعتز به ابناء الوطن ويتخذونه بوصلة ومعيارا للانتماء.

ان تاريخ صراعنا مع العدو الصهيونى يؤكد بوضوح لا يخالطه اى لبس ان شرعية وجود هذا العدو تستمد من قتل ابناء العروبة وابادتهم.. فمن كفر قاسم الى دير ياسين الى بحر البقر وعمال ابوزعبل الى حرق المسجد الاقصى الى صابرا وشاتيلا ومذابح قرى الجنوب اللبنانى الى حمام الشط.. وكل الجرائم التى ترتكبها منظمة كاخ الارهابية ضد الفلسطينيين فى الارض المحتلة.. فى كل هذه المجازر الوحشية كم من دماء الابرياء سفكتها اسرائيل.. كم من الرقاب دكتها.. وكم من البيوت دمرتها.. وكم من الاطفال حرقتهم.. وكم من اعناق شنقتها وكم من دموع لنا اريقت على كل هؤلاء.. وكم من اوجاع لا تزال تئن فى ضمائرنا وكم هى الجراح الغائرة فى كرامتنا وكبريائنا. ان الدماء العربية التى سالت نتيجة صلف هذا العدو وجبروته لا تزال حية فى تاريخنا لم تجف واسرائيل التى قامت على شرعية ابادتنا لا تزال تؤدى مهمتها القذرة فى قتل ابنائنا واطفالنا وأكثر من ذلك تدس انفها فى ساحات قضائنا.

لقد اصبح واضحا للجميع ان سلاح السياحة الاسرائيلى يعربد فى سيناء ويقوم بالتجسس لصالح جهاز المخابرات الاسرائيلى ولابد ان يكون واضحا للجميع ايضا ان ما قام به سليمان خاطر واجب وطنى فى منع هؤلاء من اداء دورهم التخريبى انما هو عمل يرتبط ارتباطا مباشرا بالواجب وثيق الصلة بشرف العسكرية المصرية

ان محاكمة سليمان خاطر هى محاكمة للضمير الوطنى ومحاكمة للتاريخ الذي صنعناه ببطولات عظيمة لابنائنا الذين ضحوا بحياتهم وهم يدافعون عن شرف الوطن وكرامته ولهذا فان محاكمة سليمان خاطر اما ان تكون ادانة لكل هذا التاريخ وكل هذه البطولات واما ان تكون اضافة لها

لقد طالب الشعب العربى فى مصر بمحاكمة سليمان خاطر امام قضاته الطبيعيين وطالب رئيس الجمهورية بسحب قرار احالة القضية الى القضاء العسكرى واليوم والقضية لا تزال امام القضاء العسكرى فاننا نذكر الذين يحاكمون سليمان خاطر بجرائم العدو الصهيونى ضد امتنا العربية ونثق فى ذات الوقت ان شرف العسكرية المصرية لن يخرج فى محاكمته عن اجماع الضمير الوطنى فى مصر والامة العربية الذى يلتف حول سليمان خاطر ضد اعداء الوطن والعروبة.))

صدر هذا البيان فى شهر ديسمبر 1985 قبل حكم المحمة، وكان على رأس قائمة الموقعين عليه كل من:

فتحى رضوان ـ عصمت سيف الدولة ـ نبيل الهلالى ـ عادل حسين ـ فريد عبد الكريم ـ ابو الفضل الجيزاوى ـ رضوى عاشور ـ امين هويدى (عليهم رحمة الله)

وأسماء أخرى كثيرة، لم أود ذكر الأحياء منهم أطال الله فى أعمارهم، حتى لا تصيبهم الحسرة من المقارنة بين ما كان متاحا حينها من حريات تسمح بمناهضة الصهيونية و(اسرائيل) واتفاقيات كامب ديفيد، وبين منا نعيش فيه اليوم من حصار لكل أنصار فلسطين.

***

ان فى احياء ذكرى ابطالنا الذين كافحوا واستشهدوا فى معارك النضال الشعبى ضد العدو الصهيونى وضد كل اشكال الصلح او التطبيع او التواطؤ معه، قد أصبح اليوم فرض عين على كل مواطن مصرى أو عربى، فى مواجهة فيروس التطبيع الذى ضرب المنطقة فى الآونة الأخيرة والمحاولات الجارية على قدم وساق لتصفية القضية الفلسطينية، ودمج (اسرائيل) فى المنطقة.

*****

5 أكتوبر 2020

ليست هناك تعليقات: