بحث فى المدونة

الاثنين، 29 يناير 2018

الانتحار السياسى


الانتحار السياسى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

حكى لى والدى الدكتور/عصمت سيف الدولة رحمه الله، إنه بعد اغتيال انور السادات بقليل، وكان رهن الاعتقال ضمن 1536 شخصية معارضة اعتقلهم السادات فى 3 سبتمبر 1981، أنه علم أن هناك مندوبا من طرف الرئيس الجديد محمد حسنى مبارك ينوى الحضور الى سجن طرة، ليلتقى مع عدد من المعتقلين المزمع الافراج عنهم ويطلب منهم ان يصدروا بياناً لتأييد مبارك من داخل محبسهم.
 وانه حين سمع بهذا الخبر، شعر بإهانة بالغة وغضب غضبا شديدا وهدد بانه سيضرب ويؤدب من سيجرؤ على فتح هذا الموضوع معه، كائناً من كان.
ثم اخبرنى ان هذا المندوب قد جاء الى السجن بالفعل، وانه لم يره، ولكنه عرف انه حين ذهب للقاء فؤاد سراج الدين فى زنزانته، طلب منه زعيم حزب الوفد المعتقل ان يعطيه مسدسا، فاندهش مندوب مبارك وسأله عن السبب الذى دفعه الى تقديم مثل هذا الطلب الغريب، فأجابه فؤاد باشا بكل هدوء قائلا : "اننى اريد المسدس لكى انتحر به يا فلان بك، فأنت حين تطلب منى تأييد الرئيس من محبسى فانما انت تطالبني بالانتحار السياسى، وانتحارا بانتحار، فان الانتحار الحقيقي اكثر شرفا. كيف تطلب منى تقديم تأييد او مبايعة للرئيس وانا قيد السجن والاعتقال؟ انه سيكون حينها تأييدا تحت التهديد والاكراه." 
ففهم المندوب الرسالة، ولملم اوراقه ورحل.
***
كان هناك فرقا كبيرا بطبيعة الحال بين شخصية و ردة فعل عصمت سيف الدولة المفكر القومى الثورى والرجل الصعيدى ذو الدم الحامى ابن مركز البدارى بمحافظة أسيوط، وبين فؤاد سراج الدين رجل الدولة القديم المخضرم فى دهاليز الحكم وبرتوكولاته الدبلوماسية، ولكن طبيعة الموقف وصلابته كانت واحدة. صلابة تميزت بها غالبية المعتقلين حينذاك.
كم يا ترى حالة انتحار سياسى شهدتها مصر منذ ذلك الحين؟

*****

       29 يناير 2018

الخميس، 25 يناير 2018

الاثنين، 15 يناير 2018

ترامب ورهانات السيسى

ترامب ورهانات السيسى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

((منذ ان التقيت بك فى سبتمبر الماضى ولقد راهنت عليك .... و اعجابى الشديد بشخصيتك المتفردة خاصة فيما يتعلق بمكافحة الارهاب....
بكل قوة وكل وضوح .. ستجدنى انا ومصر بجانبك فى تنفيذ هذه الاستراتيجية لمواجهة الارهاب والقضاء عليه....
ستجدنى وبقوة داعم وبشدة كل الجهود التى ستبذل لإيجاد حل لقضية القرن فى صفقة القرن، ال أنا متأكد ان فخامة الرئيس سيستطيع أن ينجزها)) ـ السيسى لترامب فى البيت الابيض ـ ابريل 2017(1)
***
((فخامة الرئيس .. نحن نحترمكم ونقدركم..ولكم شخصية متفردة قادرة على فعل المستحيل)) ـ السيسى لترامب على هامش مؤتمر الامم المتحدة ـ سبتمبر 2017 (2)
***
((انا أوجه ندائى للرئيس الامريكى .. الرئيس ترامب .. أقول له فخامة الرئيس.. انى اثق بك وفى كلامك وفى قدرتك على انك ستكون مهمتك الاولى هى مواجهة الارهاب فى العالم .. انا متاكد يا فخامة الرئيس انك قادر على تنفيذ هذا الأمر)) مناشدة السيسى لترامب بعد مذبحة المنيا ـ مايو 2017 (3)
***
احتفى السيسى ومؤسساته وأركان نظامه وخبراؤه الاستراتيجيون والعسكريون وأذرعهم الاعلامية بنجاح دونالد ترامب، احتفالا منقطع النظير، الى الدرجة التى شبهه احد كتاب الاهرام "النافذين" بالمهدي المنتظر(4). وكتب المدير الاسبق للشئون المعنوية للقوات المسلحة، سلسلة مقالات فى هذا الشأن يقول فى احداهن بعنوان "صعبان عليهم أن تفرح مصر": (( كيف لا تتفاءلون برؤية مصر وهى تستعيد مكانتها الدولية، وثقلها السياسي؟ وكيف لا تتفاءلون لرؤية الرئيس المصرى يحرك المياه الراكدة، ويتفق مع الرئيس الأمريكى على حلٍ عادل للقضية الفلسطينية ... قضية القرن؟)) (5).
والأمثلة كثيرة.
·      ولم يكتفِ السيسى بالاحتفاء، بل اصدر من التصريحات واتخذ من المواقف والقرارات ما خرج عن حدود ما تستدعيه العزة والكرامة الوطنية والتقاليد الرئاسية والدبلوماسية، فقال له على سبيل المثال لا الحصر، فى لقائهما الاول فى البيت الابيض، لقد راهنت عليك، وانت شخصية فريدة، وستجدنى بجانبك فى مكافحة الارهاب و فى صفقة القرن.
·      بل انه ارتكب احد الكبائر الوطنية والدبلوماسية حين امر البعثة المصرية فى الامم المتحدة بسحب قرارها بإدانة المستوطنات الاسرائيلية بعد مكالمة تليفونية من ترامب طلب فيها منه ذلك.
·      وحين وقع العدوان الارهابى على حافلات الاقباط بالمنيا فى مايو 2017، استنجد السيسى بالرئيس الامريكى علانية وعلى الملأ فى كلمة مسجلة أذيعت على شاشة التليفزيون المصرى، فى سابقة هى الاولى من نوعها.
·      ناهيك عن قبوله المشاركة فى لقاء السعودية المهين، الذى تم حشد فيه الملوك والرؤساء العرب والمسلمين لمقابلة الرئيس الامريكى، على طريقة عمال التراحيل حين يقوم بجمعهم مقاولو الأنفار او على طريقة تلاميذ المدارس حين تحشدهم اجهزة الامن فى الشوارع والميادين للهتاف لمواكب الملوك والرؤساء.
·      والأهم من كل ما سبق، هو قبوله الزج بمصر فى تحالف عربى اسرائيلى تحت القيادة الأمريكية لمواجهة ما يسمونه بالمخاطر المشتركة التى تهدد المنطقة.(6)
***
ورغم كل هذا الترحيب والاحتفاء والاحتفال والرهان والمبايعة، جاءت النتائج كارثية!
فلم يستجب ترامب لمناشدات السيسى وَعَبَد الله وسلمان وغيرهم من القادة العرب الذين ناشدوه بالتراجع عن اعلان قراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، لما سيسببه لهم من حرج بالغ امام شعوبهم. ولكنه استخف بهم جميعا وأصدر القرار.
ولم يكن من الممكن ان يفعلها بالطبع بدون ان يكلف اجهزته قبلها ببحث واستطلاع ردود الأفعال المتوقعة من الدول العربية الرئيسية فى المنطقة ومدى اضرارها بالعلاقات والمصالح الامريكية فى المنطقة.
وواضح ان تقارير الاجهزة والمؤسسات الامريكية جاءت كلها لتطمئنه من ان اتباعه وحلفائه من القادة العرب لن يفعلوا شيئا يمكن ان يضر الولايات المتحدة. وَمصر الرسمية تحت قيادة عَبَد الفتاح السيسى كانت واحدة من هؤلاء.
***
وكيف لا وهو لم يكف عن ارسال الرسالة تلو الأخرى لترامب ونتنياهو والمجتمع الدولى عن السلام الرائع بين مصر واسرائيل وعن العلاقات العميقة والثقة والطمأنينة بينهما، بالإضافة الى اشاداته المتعددة بنتنياهو وتشويهه للفلسطينيين التى كان ابرزها خطابه الأخير فى الامم المتحدة، الذى ناشد فيه "الشعب الاسرائيلى" للوقوف خلف نتنياهو كرجل سلام، بينما طلب من الفلسطينيين ان يثبتوا للعالم انهم يريدون السلام وكأنهم هم الجناة وليسوا الضحايا(7) . الأمر الذى اعطى مصداقية لأكاذيب نتنياهو حول الارهاب الفلسطينى، وحول ان الدول العربية الكبرى أصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وان فلسطين لم تعد تمثل بالنسبة اليهم قضية اساسية او مركزية، وهى المواقف والتصريحات التى لاشك انها مهدت لقرار ترامب حول القدس.
***
لم يكن هذا هو الرهان الخاسر الوحيد الذى اتخذه السيسى، فقضايا وملفات الفشل متعددة، منها :
·      ملف سد النهضة التى عجز حتى تاريخه عن تأمين مصر من مخاطره.
·      وملف الاصلاح الاقتصادى الذى طبقه وفقا لروشتات وتعليمات صندوق النقد الدولى التى عصفت بمدخرات المصريين وبقدراتهم الشرائية وزجت بمزيد من طبقات الشعب المصرى فى دائرة الفقر والعوز.
·      وملف الارهاب فى سيناء وخارجها الذى اسقط مئات من الشهداء.
·      وملف ما تبقى من السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية الذى تلقى ضربة غادرة وصاعقة بعد تنازله عن جزيرتى تيران وصنافير مما ادى الى صناعة شرخ جديد فى الضمير الوطنى المصرى اضيف الى الشروخ القديمة المزمنة بين الشعب والسلطة.
·      وملف العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والصراع الطبقى الذى يزداد حدة يوما بعد آخر بعد سلسلة السياسات الاقتصادية المنحازة الى شريحة  الـ 10 % الاغنى فى مصر مثل مشروع  العاصمة الجديدة وأمثاله.
·      ومثل ملف القروض والديون التى اغرقت مصر بأجيالها الحالية والقادمة، لبناء مشروعات مشكوك فى جدواها الاقتصادية مثل مشروع تفريعة قناة السويس.
·      وملف النظام الدستورى والحياة السياسية والديمقراطية والانتخابات وتداول السلطة والمشاركة فيها، الذى تم القضاء عليها تماما بعد أن دمج عمليا كل السلطات تحت يده وهيمنته هو والسلطة التنفيذية، وبعد ان أغلق الحياة السياسية وأمم البرلمان و الاعلام وحاصر وحظر كل معارض او رأى آخر من كافة التيارات.
·      ناهيك عن ملف الحريات وحقوق الانسان الذى وصل به السيسى الى وضع لم يرَه المصريون فى احلك عصورهم .
***
فى الدول الطبيعية و"شبه الطبيعية"، يتم محاسبة والحكام والحكومات والرؤساء والسلطات على فشلهم وهزائمهم ورهاناتهم الخاسرة.
ولكن من يجرؤ على محاسبة السيسى وكل من حذا حذوه فى الدول العربية فى مبايعة ترامب والتوقيع له على بياض؟
***
ولكن وإحقاقا للحق وقبل ان ننهى هذه السطور، يجب الاعتراف بان رهان السيسى على ترامب لم يكن كله خاسرا، فلقد نجح بامتياز فى تحقيق أهم أهدافه ودوافعه، وهو الفوز بالرضا والقبول والدعم الأمريكى له ولنظامه، وكما قال ترامب للسيسى فى لقائهم الأول فى البيت الأبيض: " لديك حليف وصديق فى الولايات المتحدة الامريكية" (8)
*****
القاهرة فى 15 يناير 2018





الأربعاء، 10 يناير 2018

التسريبات صحيحة ولو كانت مفبركة


التسريبات صحيحة ولو كانت مفبركة
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

بصرف النظر عن صحة التسريبات او فبركتها، فان كثيرا مما ورد فيها حول الموقف الرسمى المصرى من (اسرائيل) قريب جدا من الحقيقة، وعلى الأخص فيما هو منسوب الى الضابط المُلَقِن، سواء كان حقيقيا أو مزيفا، من ان "الصراع مع اسرائيل ليس من مصلحة مصر الوطنية".
·     فالحقيقة ان هذا هو مربط الفرس فى كل ما يحدث فى المنطقة منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، التى بموجبها انسحبت مصر من الصراع ضد (اسرائيل) واعترفت بشرعيتها وبحقها ان تعيش على ارض فلسطين التاريخية ما عدا الضفة الغربية وغزة، مقابل استرداد سيناء مقيدة السلاح والقوات.
·     ومنذ ذلك الحين والخطاب الرسمى المصرى والمواقف الرسمية المصرية تلتزم بفلسفة ونصوص اتفاقية السلام التى تنحاز الى امن (اسرائيل) على حساب الامن القومى المصرى والأمن القومى العربى وحقوق الشعب الفلسطينى.
·     وهو ما ورد بالتفصيل فى نصوص معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية؛ ففى الملحق الامنى منها قُيدَت ١٥٠ كيلو متر من سيناء من القوات والسلاح مقابل ثلاثة كيلو مترات فقط داخل فلسطين التى يسمونها (اسرائيل).
·     وفى المادة السادسة تم النص على اولوية المعاهدة على ما عداها من التزامات ومن اتفاقيات دولية أخرى فى اشارة ضمنية لاتفاقية الدفاع العربى المشترك، كما تم حظر توقيع اى معاهدات اخرى مستقبلية تتناقض مع احكام هذه المعاهدة، وتم النص ايضا على ان المعاهدة والعلاقات المصرية الاسرائيلية سارية وملزمة بصرف النظر عن اى أطراف او احداث تقع خارج علاقة الطرفين، وهو ما يعنى انه مهما قامت (اسرائيل) باعتداءات على العرب والفلسطينيين وحقوقهم وأراضيهم ومقدساتهم، فانه لا يحق لمصر ان تنسحب من المعاهدة او تنتهك اى من نصوصها وأحكامها.
***
·     هذه عينة مما ورد فى نصوص المعاهدة على الورق، اما على الارض وفى الواقع العملى، فلقد تطورت هيمنة (اسرائيل) وامريكا على القرار والارادة المصرية، بحيث أصبحت لهما يد طولى فى طبيعة وتوجهات النظام الحاكم فى مصر بل وفى شخصية من يحكمها، او على حد قول الدكتور مصطفى الفقى عام ٢٠٠٩ حين قال ان رئيس مصر يجب ان توافق عليه امريكا وتقبله (اسرائيل).
***
كان هذا هو الموقف الرسمى المصرى منذ ١٩٧٩ حتى اليوم، الا ان لعبد الفتاح السيسى إضافاته وبصماته الخاصة فى هذا المضمار، فلقد ذهب بالعلاقات المصرية الاسرائيلية الى اعماق غير مسبوقة لم تكن لتخطر على بال السادات او مبارك نفسيهما، انه العصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية، انه العصر الذى قامت فيه (اسرائيل) لأول مرة بالضغط على الكونجرس الامريكى لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر بعد ان كانت تطالب دائما بإيقافها، وهو العصر الذى لبى السيسى طلبها القديم الذى رفضه مبارك باخلاء الحدود الدولية من السكان وإقامة منطقة عازلة، وهو العصر الذى انحازت فيه السلطة المصرية علانية الى (اسرائيل) فى عدوانها على غزة عام ٢٠١٤، وهو العصر الذى سحبت مصر قرار ادانة المستوطنات الاسرائيلية من مجلس الامن بعد مكالمة تليفونية من ترامب، وهو العصر الذى اجرى رئيس الجمهورية لقاءات سرية مع نتنياهو احدهما فى القاهرة، والذى صدرت فيه احكام مستعجلة بتوصيف المقاومة الفلسطينية كمنظمات ارهابية واحكام مماثلة برفض توصيف اسرائيل كذلك لعدم الاختصاص، وهو العصر الذى طالب فيه السيسى عام ٢٠١٥ بدمج (اسرائيل) فى المنطقة وتوسيع السلام معها لمواجهة المخاطر المشتركة والقائمة تطول.
·     أضف الى كل ذلك سببا مهما لتأكيد طبيعة توجهات الادارة المصرية الحالية بعيدا عن القضية الفلسطينية وهو انه كان بمقدور مصر الرسمية وأخواتها، لو ارادوا، ان يستخدموا عديد من أوراق الضغط على الولايات المتحدة و(اسرائيل) للحيلولة دون صدور قرار نقل السفارة الى القدس، ولكنهم لم يفعلوا، ولا شك عندى ان ترامب قد استشار مؤسساته حول ردود الفعل المُحتملة من الدول العربية الحليفة والتابعة للولايات المتحدة مثل مصر ودول الخليج والأردن فى حالة إصداره مثل هذا القرار، ومن الواضح ان كل التقارير جاءت مطمئنة مما شجعه على إصدار قراره.
***
والخلاصة هو ان الفلسفة الرئيسية التى تقوم عليها شرعية النظام الرسمى المصرى منذ سنوات بعيدة، سواء كان هذا التسريب صحيحا ام لا، هو ان وجوده وبقاءه ومصالحه هو مع امريكا و(اسرائيل) وليس مع فلسطين ولو ضاعت كل الارض وأُبيد كل الشعب واغتُصبت كل المقدسات.
*****

القاهرة فى 10 يناير 2018

الأربعاء، 3 يناير 2018

هل تستطيع مصر ان تقول لا ؟

هل تستطيع مصر ان تقول لا ؟
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

يتعامل الامريكان مع دول العالم وكأنهم آلهة الكون وسادته، يُسقطون النظم ويأتون بغيرها، يدعمون الحكام ويعزلوهم، يحتلون الاوطان وينهبون الثروات ويقتلون الشعوب ويقسمون الامم ويغيرون الخرائط ويزيفون التاريخ ويمولون المرتزقة والجواسيس ويفجرون الصراعات والحروب الاهلية والحروب بالوكالة، وينهونها بعد ان يحققوا مرادهم منها وبعد ان يكونوا قد قرروا نتائجها ومن المهزوم والمنتصر فيها، من خلال تحكمهم فى موازين القوى بتوريد الاموال و السلاح او حظرهما عن هذا الطرف او ذاك. ولطالما أذلوا شعوبا ودولا كثيرة، وفرضوا عليها حصارا وعقوبات من باب الاستعباد والإخضاع والترويض.
 فهل نستطيع ان نفعلها نحن هذه المرة ردا على قرارهم الاخير بتصفية ما تبقى من فلسطين وقضيتها، والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارتها الى هناك، ولألف سبب وسبب آخر؟
***
وانا هنا لا اتحدث عن الدول العربية وخاصة دول النفط التى يمكنها لو ارادت ان توجه ضربات موجعة الى مصالح الولايات المتحدة بوسائل وادوات متعددة على راسها سلاح النفط ومقاطعة اسلحتها ومنتجاتها واغلاق قواعدها العسكرية وسحب الودائع السعودية والخليجية من بنوكها ومصارفها...الخ، فهذا حديث آخر.
ولكننى اتحدث عن مصر، فهل تستطيع؟
والاجابة هى نعم بالتأكيد تستطيع، فنحن ايضا نملك عديد من الاوراق التى يمكن ان تمثل ادوات ضغط دائمة على الولايات المتحدة، يمكن ان تجبرها على التوقف عن الاستخفاف بنا ومراجعة عنجهيتها وسياساتها ومشروعاتها العدوانية ضدنا، والتخفيف من انحيازها الفج والمطلق الى (اسرائيل)، والتراجع عن القرار الاخير بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية.
ويمكننا التعرف على اهم هذه الاوراق من واقع اعترافات وشهادات عدد من المسئولين الامريكيين عن الخدمات التى تؤديها الدولة المصرية للولايات المتحدة على امتداد السنوات والعقود الماضية، نعرض بعضها فيما يلى :
الشهادة الاولى :
((فى اغسطس 2013 وافقت السلطات المصرية على مرور البارجة الأمريكية "سان انطونيو" من قناة السويس قبل مرور 24 ساعة من تقديمنا لطلب المرور بينما فى الظروف العادية تحتاج الموافقة الى 23 يوما، وهذا مثل واحد فقط من التسهيلات التى نحصل عليها جراء التعاون العسكرى مع مصر))
من شهادة دريك شوليت مساعد وزير الدفاع الأمريكى فى جلسة الكونجرس بتاريخ 29 اكتوبر 2013
***
الشهادة الثانية :
((مساعدتنا العسكرية لمصر ليست هدية، فهى تحقق لنا فوائد جمة، لا تقتصر فقط على الحفاظ على معاهدة السلام..
فبعد كامب ديفيد قدم الجيش المصري تعهدا بالتحول من نموذج التدريب والتجهيز الروسى للنموذج الامريكى
وكان ذلك قرار كبيرا لانه انتقال كبير فى المفاهيم والعقيدة والمعدات..
فى عملياتنا العسكرية فى المنطقة، لا نستطيع بدون مصر، ان نصل الى المواقع الاستراتيجية فيها..
بدون قناة السويس وحقوق الطيران فوق مصر والتسهيلات بقاعدة غرب القاهرة وغيرها لا يمكننا تحريك أو دعم قوات الانتشار السريع و قوات الطوارئ ..
لقد وفرت مناورات النجم الساطع فى مصر لنا وللأوربيين مساحات واسعة للتدريب كان من الصعب الحصول فى مناطق أخرى..
لقد ظلت علاقة أمريكا بالجيش المصرى قوية جدا وذهبنا الى ساحات المعارك سويا وأعطونا كل ما نحتاجه لمواجهة حالات الطوارىء وكانوا بجانبنا اثناءها ))
الجنرال انطونى زينى القائد السابق للمنطقة المركز الامريكية ـ فى ندوة بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن ـ مايو 2013
***
الشهادة الثالثة :
الجيش المصري شريك قوى لأمريكا والاستثمار فيه له عوائد كثيرة :
فهو يزيد من نفوذ وتأثيرنا على القادة العسكريين
ويمثل عنصر تمكين للسياسة الخارجية الامريكية
ويعطينا مرورا تفضيليا فى السويس وتحليقا ديناميكيا، وتعاون استخباراتي، وتعاون فى مكافحة الارهاب
من وقائع جلسة إعادة تنصيب رئيس الأركان الامريكى مارتان ديمبسى بمجلس الشيوخ الامريكى ـ لجنة القوات المسلحة ـ 18/7/2013
*** 
الشهادة الرابعة :
من تقرير مقدم الى الكونجرس عام 2006 من مكتب المحاسبة الحكومى وتقارير مماثلة للكونجرس فى عام 2007:
·      أنفقت مصر بين عامي 1999 و2005 مبلغ 3.8 مليار دولار لشراء معدات عسكرية ثقيلة من الشركات الأمريكية وبما يوازى 80 % من إجمالي المشتريات العسكرية المصرية، وأن 52 % من مجموع المعدات العسكرية المصرية وفقا لاحصاء 2005 هي معدات أمريكية، وأن المساعدات العسكرية الأمريكية تم استخدامها في استبدال المعدات التي كانت مصر قد حصلت عليها من الاتحاد السوفيتي السابق بمعدات عسكرية أمريكية عصرية .
·      قدمت مصر خدمات لوجستية ومباشرة للقوات الأمريكية في العراق وأفغانستان .. مثل السماح بعبور 36553 طائرة عسكرية أمريكية فى الأجواء المصرية خلال الفترة من 2001إلى 2005
·      منحت مصر تصريحات على وجه السرعة لعدد 861 بارجة حربية أمريكية لعبور قناة السويس خلال نفس الفترة، ووفرت الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج..
·      بالإضافة إلى قيامها بنشر حوالي 800 جندي وعسكري من قواتها في منطقة دارفور غربي السودان عام 2004
·      ان مساعداتها فى عملية نقل الجنود فى الحرب ضد العراق كان أساسيا لانجاح الغزو الأمريكى، بالاضافه لمجهوداتها بعد الحرب لإعادة تأهيل العراق عربيا و عالميا فى المجتمع  الدولى .
·      أن مصر قامت أيضا خلال نفس العام بتدريب 250 عنصرا في الشرطة العراقية و25 دبلوماسيا عراقيا
·      إنشائها مستشفى عسكريا وإرسالها عددا من الأطباء إلى قاعدة "باجرام" العسكرية في أفغانستان بين عامي 2003 و2005 ، حيث تلقى حوالي أكثر من 100 ألف مصاب هناك الرعاية الصحية .
·      تأثير مصر فى المنطقة محوري فيما يتعلق بمصالح أمريكا فى العالم العربي و الاسلامى والدول النامية
·      ان المساعدات العسكرية لمصر سوف تدفع بأهداف السياسة الخارجية لأمريكا إلى الأمام في المنطقة
·      و سوف تؤهل القوات المسلحة المصرية للمشاركة كحليف فى العمليات العسكرية فى العالم أجمع
·      التدريب والتعليم الدولي العسكري للضباط المصريين .. يخدم مصالح أمريكا فى المنطقة
·      ان تدريب المصريون على الوسائل المختلفة لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال، يساعد على دعم المؤسسات و السياسات المتعلقة بالقوانين الاستراتيجيه المسيطرة على التجارة .
***
الخلاصة هى ان الولايات المتحدة هى المحتكر الرئيسى للتسليح المصرى، وتتفاخر دائما بدورها فى إعادة بناء وتأسيس الجيش المصرى وتغيير عقيدته ومعداته بعد 1979، وتعتبره حليفا استراتيجيا مهما، وتشيد بالخدمات اللوجستية التى يقدمها لها والتى لولاها لما نجح غزوها للعراق، وتؤكد على الدوام انه لا غنى لها عنه، لفرض هيمنتها وتحقيق مصالحها فى مصر والمنطقة، ناهيك عن مصالحها الاقتصادية المعتادة فى اسواقنا.
وبالتالى ومن واقع كل هذه الحقائق، فاننا نستطيع، لو اردنا، أن نفعل الكثير، وفيما يلى بعض الأمثلة:
1)  ايقاف التسهيلات اللوجستية للقوات الامريكية فى قناة السويس وفى المطارات والمجال الجوى المصرى.
2)  التوقف عن قبول المعونة العسكرية، و تغيير واستبدال مصادر التسليح المصرى. وكذلك المعونة الاقتصادية ببرامجها الثلاثة: برنامج الاستيراد السلعى الأمريكى وبرنامج المشروعات الانمائية وبرنامج التحويلات النقدية.
3)  الامتناع عن اى تدريبات عسكرية مشتركة، وعن ارسال اى بعثات عسكرية للتدريب فى امريكا.
4)  الانسحاب من اى محاور او تحالفات اقليمية او دولية اسسها الامريكان.
5)  اعادة تشكيل سياستنا وعلاقتنا وتحالفاتنا الخارجية والاقليمية على اساس مناهض للنفوذ الامريكى .
6)  ايقاف التعاون معهم فيما يسمى بمكافحة الارهاب وكذلك التعاون الأمنى والمعلوماتى والمخابراتى.
7)  والتوقف عن استقبال وفودهم التى لا تنتهى من رجال الكونجرس ووزارة الدفاع وممثلى الادارة الأمريكية .
8)  المطالبة باستبدال قواتهم فى سيناء ضمن ما يعرف بالـ MFO بقوات تابعة للامم المتحدة.
9)  التضييق على مؤسساتهم المالية والاقتصادية والدبلوماسية والتعليمية فى مصر كالبنوك والشركات وموظفى السفارة وغرفة التجارة الامريكية ومجلس الاعمال المصرى الامريكى والجامعة الامريكية..الخ. والغاء اتفاقية الكويز والتراجع عن اى اجراءات تشجيعية لاستثماراتهم وكلائهم وشركاتهم التى تبلغ ما يقرب من 1200 شركة فى مصر، مع التركيز على الشركات الكبرى العاملة فى مجالات البترول والخدمات وتكنولوجيا المعلومات وغيرها.
10)       إطلاق يد حركات المقاطعة الشعبية للمنتجات الامريكية، وفتح المجال العام سياسيا واعلاميا أمام التيارات والشخصيات والكتاب والمفكرين المناهضين للتبعية الأمريكية المفروضة على مصر منذ ما يقرب من أربعين عاما.
***
كل هذا ممكن وغيره الكثير، ولكن هل تجرؤ ان تفعلها الادارة المصرية بدولتها العميقة ومؤسساتها السيادية ونظامها الحاكم، ام ان تحالفاتها الدولية والاقليمية ومصالحها الطبقية والاقتصادية والسياسية هى جزء لا يتجزأ من المصالح الأمريكية.
*****


القاهرة فى 3 يناير 2018