بحث فى المدونة

الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

الانتفاضة التى أنقذت الأمة

انها الانتفاضة التى تفجرت فى فلسطين فى 28 سبتمبر 2000 بعد اقتحام شارون للمسجد الاقصى، والتى استمرت عدة سنوات سقط خلالها 4000 شهيد و40 ألف جريح فلسطينى وأوقعت (باسرائيل) خسائر جسيمة بلغت أكثر من 1000 قتيل و4000 جريح.

لقد أعادت هذه الانتفاضة المباركة الروح الى الأمة كلها، فلقد جاءت بعد 10 سنوات عجاف، كاد اليأس أن يتسرب الى نفوسنا بأنه لا قبل لنا بأعدائنا:

·       ففى 1991 كان الأمريكان وحلفاؤهم قد قاموا باحتلال الخليج العربى فيما سمى بحرب تحرير الكويت بمشاركة بعض الأنظمة العربية مثل مصر وسوريا والسعودية وقطر والإمارات والمغرب، وحاصروا الشعب العراقى 10 سنوات.

·       كما كانت موازين القوى الدولية قد اختلت بشدة لاول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، بعد سقوط وتفكك الاتحاد السوفيتى عام 1991 وانفراد الامريكان بنا وبالعالم كله، وما زاد الطين بلة هو هجرة مليون يهودى سوفيتي الى فلسطين

·       هذا بالإضافة الى ما حدث فى 1993 حين وقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقية أوسلو التى اعترفت فيها (باسرائيل) وتنازلت عن حقها فى 78 % من ارض فلسطين، وألقت سلاحها وتنازلت عن حقها فى المقاومة وسط مباركة عربية رسمية تقودها مصر والسعودية بأوامر أمريكية.

·       وبدأت حملات التحطيم المعنوى والتسفيه والتشهير والسخرية والشماتة من كل أولئك الذين رفضوا نهج كامب ديفيد والاعتراف باسرائيل ورفضوا الاستسلام للأمريكان والتحالف معهم.

·       وظهر الامر حينها وكأن قوى الشر والاستعمار والعدوان قد انتصرت الى غير رجعة.

·       وانعكس ذلك على آلاف مؤلفة من شباب وكوادر وقيادات القوى الوطنية المصرية والعربية، فانهار بعضها واستسلم وانسحب من الحياة السياسية، وغير البعض الآخر ولاءه وانتماءه ونشاطه وتخلى عن المشروع الوطنى الثورى، وشاع الحديث على نهاية الصراع العربى الصهيونى وانتصار (اسرائيل) وسيادة الولايات المتحدة واستحالة مواجهتهما، وتم عزل وحصار ومطاردة الصامدين المؤمنين والمتمسكين بشرعية التحرير والمقاومة وحتمية النصر، واتُهِموا بالإرهاب والتطرف وعدم الواقعية.

***

فى هذه الأجواء البائسة تفجرت انتفاضة الأقصى كطوق نجاة انتشل الجميع من مستنقعات اليأس والإحباط والهزيمة والمهانة والاستسلام، فأعادت الروح إلى الأمة فأحيتها من جديد، خاصة وإنها قد جاءت بعد شهور قليلة من نجاح المقاومة اللبنانية فى مايو 2000 فى الانتصار على العدو الصهيونى واجباره على الانسحاب من لبنان بعد 18 عاما من احتلال حزام امنى بالجنوب اللبنانى.

لقد تمكنت انتفاضة الاقصى من ضخ دماء جديدة فى الحياة السياسية، فلقد ألهمت بطولاتها وعملياتها الاستشهادية وانتصاراتها الشعوب العربية، وأعادت ثقتها فى أن الامة لم تمت ولا يمكن أن تموت، كما أعادت الحياة الى مشروع النضال والمقاومة، وحتمية مواجهة الهيمنة الأمريكية والاحتلال الصهيوني.

وسرعان ما تشكلت فى العالم العربي حملات تضامن شعبية واسعة لنصرة فلسطين، وتراجع فى لمح البصر خطاب التسوية والصلح مع (اسرائيل)، وانقلب السحر على الساحر وانعزل كل أصدقائها من المستسلمين والمطبعين.

وفى مصر تشكلت عشرات اللجان الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية ضمت فى صفوفها آلاف المصريين من كافة التيارات السياسية الذين نجحوا جنبا الى جنب فى تشكيل رأى عام شعبى قوى ضد (اسرائيل) يطالب بقطع العلاقات معها وطرد سفيرها وإلغاء كامب ديفيد، وانتشرت حملات التبرعات وقوافل الإغاثة، ونجحت هذه الحالة الثورية فى تنظيم أكبر وأنجح حملات شعبية عربية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية منذ زمن طويل، مما أعاد للجميع الثقة فى النفس وفى الناس وفى جدوى النضال والدأب والمثابرة، وأعاد إليهم الإيمان بعدالة قضيتهم وصحة مواقفهم ، وبإمكانية النجاح والتقدم والانتصار وكسر كل القيود .

ومن هذه الروح التى بثتها انتفاضة الاقصى توالت وتولدت حركات وطنية متتالية ضد الاحتلال الامريكى للعراق 2003 ثم ضد العدوان الصهيونى على لبنان 2006 وعلى فلسطين 2008-2012، ورويدا رويدا انتقلت هذه الحركات لمواجهة أنظمتها الحاكمة التى سكتت أو تواطأت مع الاعتداءات الامريكية والإسرائيلية بالإضافة الى كل جرائمها الداخلية فى مواجهة شعوبها، الى أن تفجرت ثورات الربيع العربى بشرارة انطلقت من تونس الشقيقة ولحقتها مصر لتسقطا حكامهما المستبدين التابعين ولا تزال المعركة مستمرة.

وفى النهاية سيسجل التاريخ أن انتفاضة الأقصى المباركة كانت واحدة من اهم حلقات النضال الشعبى العربى فى العصر الحديث، وانه كان لها دورا وتأثيرا كبيرا فى إعداد الأرض المناسبة والظروف التى مهدت للثورات العربية فيما بعد.

ولكن الأهم من ذلك انها أكدت حقيقة موضوعية يجب ألا تغيب عنا أبدا وهى أنه مهما اختلت موازين القوى وتوهمت قوى البغى والعدوان انها بلغت ذروة القوة والسيطرة والانتصار، فان النصر النهائى دائما ما يكون من نصيب الشعوب، لسبب بسيط هو انه ليس لها خيار آخر.

*****

محمد سيف الدولة 

الاثنين، 27 سبتمبر 2021

ماهية الحروب الصليبية ـ الحلقة الأولى

انتقل الى رحمة الله يوم الاحد الموافق 26 سبتمبر 2021 المؤرخ الكبير الدكتور/ قاسم عبد قاسم، الذى تعتبر كتاباته عن الحروب الصليبية وعن العصور الوسطى من اهم المراجع المنهجية والتاريخية فى المكتبة العربية، والتى تمثل بالنسبة لنا النافذة الاوسع والادق والاكثر مصداقية للتعرف على هذه المرحلة الهامة والمفصلية من تاريخ الامة، بالذات فى كتابه "ماهية الحروب الصليبية" الذى اصدرته سلسلة عالم المعرفة الكويتية، والذى قمت منذ بضع سنوات بتقديمه فى عدة حلقات.

واليوم أعيد نشر هذه السلسلة التى تتكون من أربع حلقات، تكريما للراحل العزيز، وتنويها للقراء الكرام بالذات من الاجيال الجديدة باهمية الاطلاع والانفتاح على الانتاج الفكرى والتاريخى لمفكر ومؤرخ ثقيل الوزن وغزير العلم.

***

وسأبدأ اليوم بالحلقة الاولى التى تتناول قراءة تاريخية عامة للحروب الصليبية.

ولكن قبل ان أبدأ، أود ان اعرض الاسباب التى دفعتنى الى ذلك:

·       كان السبب الاول هو تميز ودقة وموضوعية الدراسة المقدمة.

·       والسبب الثانى هو غياب الوعي الشعبى بالقصة الكاملة والحقيقة للحروب الصليبية، فقد نجد حتى الآن ان المصدر الرئيسى لمعلومات الكثيرين عن هذا الموضوع هو فيلم الناصر صلاح الدين للمخرج يوسف شاهين.

·       السبب الثالث هو ان نجاحنا فى دحر تلك الحملات الشرسة، كان بمثابة النجاح فى الاختبار الاول لاختصاصنا باوطاننا وامتلاكنا لها، وهو ما كان الغرب يشكك فيه منذ الفتح الاسلامى.

·       السبب الرابع والأهم هو التشابه الكبير بين ذلك العدوان القديم، وبين العدوان الذى لا نزال نعيش فيه منذ أن بدأ منذ حملة نابليون 1798 ولم ينتهِ حتى الآن 2021، وفى القلب منه المشروع الصهيونى الاستيطانى، واهمية ذلك فى استخلاص الاسباب والعناصر التى أدت الى انتصارات الاجداد، علها تفيدنا فى تحقيق التحرر والنصر فى المستقبل القريب.

***

مدخل تاريخى:

·       يمكن اعتبار يوم 27 نوفمبر 1095 هو البداية الفعلية لأحداث الحركة الصليبية، وهو تاريخ الخطبة الشهيرة التى القاها البابا "أوربان الثانى" فى منطقة كليرمونت بجنوب فرنسا، والتى وجه فيها الدعوة الى شن حملة تحت راية الصليب ضد المسلمين فى فلسطين.

·       وكانت هذه الخطبة بمثابة اشارة البدء لسلسلة من الحملات الصليبية، قادتها اوروبا الكاثوليكية للعدوان على العالم العربى تحت راية الصليب.

·       بدأت اولها عام 1096 ولم تنتهِ وتندثر الا عام 1291.

·       خلال هذه الفترة اسس المعتدون عدد من المستوطنات الصليبية على التراب العربى فى فلسطين وأعالي بلاد الشام والجزيرة.

·       وكانت هذه الحملات سببا رئيسيا من اسباب تعطل قوى الابداع والنهوض والنمو فى الحضارة العربية الاسلامية، والتى ادت فيما بعد الى ضعفها ووقوعها تحت السيادة العثمانية.

·       ورغم ان العثمانيين قاموا بحماية العالم الاسلامى من العدوان الغربى لقرون طويلة، الا انهم لم ينجحوا فى اعادة استنهاضه من التراجع الذى تم بسبب الحروب الصليبية، مما ادى فى النهاية الى سقوط العالم العربى تحت الاستعمار الاوروبى الحديث.

·       كما كانت هذه الحروب هى اول المشروعات الاستعمارية الاوروبية، وكانت السابقة او التجربة التى سبقت مرحلة الاستعمار الحديث.

·        فضلا على انها كانت الهاما للتجربة الصهيونية الاستيطانية.

***

مصطلح الحروب الصليبية :

·       تتمثل اشكالية مصطلح "الحروب الصليبية"، فى اقتران حركة استعمارية شريرة وعدوانية، بالصليب وما يمثله من رمز دينى تميز بالسلام والفداء والتضحية من اجل الآخرين، خاصة ما يمكن ان يثيره المصطلح من اشكاليات معاصرة بين عناصر امة واحدة تتشكل من المسلمين والمسيحيين. وهى الاشكالية التى عالجها يوسف شاهين فى فيلمه الشهير بتقديم شخصية البطل العربى المسيحى "عيسى العوام".

·       وقد أطلق العرب على هذه الحروب " حروب الفرنج " ولم يرتبط اسمها فى الكتابات المختلفة بالصليب الا بعد قرن ونصف من بدايتها.

·       بل ان اول ظهور لكلمة الصليبين كان وصفا للموسومين بالصليب لانهم كانوا يخيطون صلبانا على ستراتهم، ولم يكن وصفا للحركة.

·       ولقد اطلق الكتاب والمؤرخون الغربيون القدماء عليها مصطلحات متعددة مثل حركة الحجاج، رحلة الحج، الرحلة الى الارض المقدسة، الحرب المقدسة، حملة الصليب، الحملة العامة، مشروع يسوع المسيح..الخ

·       ولكن لم يستقر مصطلح الحروب الصليبية الا فى القرن الثامن عشر على ايدى المؤرخين الغربيين المحدثين.

·       وعندما تقدم الآلة الاعلامية الغربية الاستعمارية الحديثة، قصة الحروب الصليبية للراى العام، فانها تقدمها كمثال براق يوحى بالشجاعة والتضحية بالنفس فى سبيل المثل الاعلى.

·       وهو ما يكشف تناقضا كبيرا مع الصليب نفسه، بصفته رمزا للفداء والتضحية بالنفس فى سبيل الآخرين، وليس رمزا للحرب والقتل والعدوان.

·       ولكن فى جميع الاحوال لا يمكن التغاضى عن مصطلح الحروب الصليبية التى ترسخ فى الدراسات العربية وأصبح له مدلول تاريخى، والذى قد يكون المعنى الادق له هو: "تلك الحملات الاستعمارية الاستيطانية التى قام بها الغرب على اوطاننا متذرعا بذرائع دينية فى القرنين الثانى والثالث عشر."

***

جذور الايدولوجية الصليبية:

اولا ـ الحج والحرب الصليبية:

·       ظهرت فكرة الغفران الصليبى والنظام الكنسى المبكر للتكفير عن الذنوب. والغفران له ثلاث خطوات هى الاعتراف بالذنب والرضا والمصالحة بمعنى العودة الى الجماعة المسيحية. وكان الحج هو احد الوسائل الهامة للتكفير عن الذنوب (الحج التكفيرى)

·       لم تتوقف رحلات الحج الى الاراضى المقدسة عبر العصور، فى ممارسة دينية هادئة وطبيعية، وتنامت هذه الرحلات فى القرن الحادى عشر كوسيلة للتكفير عن الذنوب، كما أسلفنا، بتوجيه من الكنيسة او بفرض منها، او الحج للرغبة فى الخلاص قبل نهاية العالم، وفقا لبعض الاساطير والخرافات التى سادت، عن نهاية العالم بعد الالفية الاولى من ميلاد السيد المسيح. المهم ان حركة الحج ظلت حركة متصاعدة.

·       ولقد استثمر اصحاب الدعوة الصليبية، حركة الحج التى وصلت فى القرن الحادى عشر الى مجموعات يصل عددها الى عدة آلاف.

·        ثم تطورت فكرة الحج فيما بعد الى فكرة الحرب الصليبية، انطلاقا من افكار مثل: ان الارض التى شهدت قصة المسيح وفيها ضريحه لابد وان تكون تحت سيطرة اتباعه، وضرورة تخليص الارض المقدسة من المسلمين، وحملات الحج المسلحة او عسكرة الحج. ومما جاء فى خطبة البابا الشهيرة:

((اننى اخاطب الحاضرين، وأعلن لاولئك الغائبين، فضلا على ان المسيح يامر بذلك، انه سوف يتم غفران ذنوب اولئك الذاهبين الى هناك اذا ما انتهت حياتهم باغلالها الدنيوية سواء فى مسيرتهم على الارض او اثناء عبورهم البحر، او فى خضم قتالهم ضد الوثنيين. وهذا الغفران امنحه لكل من يذهب بمقتضى السلطة التى اعطانى الرب اياها))

·       ولقد منح البابا الغفران الجزئى من الذنوب الى كل الذاهبين للحملة الصليبية ضد الوثنيين.

·       وطور البابا اجينيوس الثالث الغفران فى الحملة الثانية 1145/1149 الى غفران الخطايا والاعفاء من التوبة والتكفير.

·       وتطورت مسالة الغفران لتشمل الحملات ضد اعداء الكنيسة داخل اوروبا نفسها.

·       ولقد أصبح الغفران بعد ذلك سلعة تباع بالمال فيما عرف من صكوك الغفران، ولكن هذه مسألة أخرى.

***

ثانيا ـ الحرب العادلة و الحرب المقدسة:

·       كان مفهوم الحرب المقدسة من اهم روافد الايدولوجية الصليبية.

·       وكان موقف آباء الكنيسة حرجا وهم يواجهون مشكلة التوفيق بين تعاليم المسيحية الداعية الى السلم ونبذ الحرب من ناحية، وبين مقاومة الشر الحتمى فى الحياة الدنيا من الناحية الأخرى.

·       ولقد ادان اللاهتيون فى العالم البيزنطى، الحرب باعتبارها عملية قتل جماعى، ولكن فى الغرب اللاتينى كان الموقف مختلفا، تحت تاثير الغزوات الجرمانية التى اجتاحت اوروبا بين القرنين الخامس والسابع الميلادى. مما ساعد على تقديم تبريرات دينية لضرورة الحرب.

·       وكان القديس اوغسطين 354-430 م هو اول من طرح فكرة الحرب العادلة ووضع لها 3 شروط:

1)   ان يكون هناك سبب عادل لشن الحرب مثل رد العدوان او الاعمال الضارة.

2)   ان يصدر قرار الحرب من سلطة شرعية.

3)   سلامة القصد بمعنى انه يجب على كل مشارك فى الحرب ان تكون دوافعه نقية سليمة، وان تكون الحرب هى الوسيلة الوحيدة المتاحة لتحقيق هدف عادل.

·       وكان مما دعم فكرة ضرورة الحرب كوسيلة دفاعية من ناحية اخرى، هو اطماع جماعات الغزاة فى اوروبا فى ثروات الكنائس والاديرة.

·       وحيث ان المغيرين والغزاة لم يكونوا مسيحيين، لذا اقترنت فكرة الحرب العادلة بفكرة الحرب ضد الوثنيين اى غير المسيحيين عموما، وهو ما حول فكرة الحرب العادلة الى فكرة الحرب المقدسة.

·       وهو المعنى الذى صاغه فى صيغته النهائية جريجورى السابع 1073-1085 م ولقد استخدم تعبير " جيش المسيح " لاول مرة.

·       من ناحية ثالثة تاسست حركة تحمل اسم "سلام الرب" فى مواجهة المنازعات والحروب الاقطاعية الكثيرة التى سادت اوروبا فى هذه المرحلة. وتاثرت بها الكنيسة ومن ثم تورطت فى تنظيم الحملات العسكرية ضد كل من يعكر صفو السلام. واعتبرت بهذ المعنى بمثابة حروبا مقدسة.

·       ولقد استثمرت فكرة الحرب المقدسة على أكمل وجه فى الحملات الصليبية المختلفة.

·       ورويدا رويدا، صارت الكنيسة الكاثوليكية قوة عسكرية اقطاعية استخدمت قواتها فى الدفاع عن الدويلات البابوية.

·       وكذلك كانت الحرب ضد المسلمين فى الاندلس، هى الأخرى، أحد المقدمات التاريخية للحروب الصليبية.

·       كل ذلك مثل سوابق وتجارب عملية مهدت للحروب الصليبية.

·       وبحلول القرن الحادى عشر صارت البابوية قوية بالقدر الذى يجعلها تفكر جديا فى تجريد حملة عسكرية ضد الشرق العربى الاسلامى.

***

واخيرا كان لطبقة الفرسان الاقطاعيين التى تطورت ونضجت فى اوروبا عبر احداث القرون الماضية دورا رئيسيا فى الحروب الصليبية، من خلال مصالحها ونفوذها وقوتها العسكرية.

***

تناولنا اليوم جذور الحركة الصليبية فى مسائل مثل الحج والحرب المقدسة وتطور الفكرة الصليبية.

ولكن لا شك ان العوامل الاقتصادية والاجتماعية كان لها اهميتها البالغة فى فهم وقراءة الحروب الصليبية وهو موضوع الحلقة القادمة باذن الله.

*****

محمد سيف الدولة 

الجمعة، 24 سبتمبر 2021

دفاعا عن الانتخابات

أن يصل بنا الأمر لمناقشة بديهيات مثل أهمية الانتخابات للشعوب والمجتمعات، فان ذلك يعكس حالة البؤس والتراجع التى وصلت اليها الأوضاع السياسية فى الوطن العربى.

ففجأة أصبحت الانتخابات فى بلادنا العربية، متهمة ومدانة ومكروهة، بحجة انها تجلب الى السلطة جماعات متطرفة وارهابية أو شخصيات فاسدة.

·       قالوا ذلك عن مصر بعد ان أتت صناديق الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالإسلاميين.

·     ويقولونه اليوم فى تونس تبريرا لقرارات الرئيس التونسي بتجميد البرلمان المتهم بسقوطه تحت سيطرة تحالف من الاسلاميين والفاسدين.

·       وتتخذه السلطة الفلسطينية على الدوام ذريعة لتأجيل الانتخابات فى الارض المحتلة.

·       حتى الرئيس الأمريكي الاسبق "اوباما" الذي صدع رؤوسنا بالدفاع عن الحرية والديمقراطية فى بلادنا، فلقد قالها صراحة فى حملته الانتخابية الاولى، حين صرح أمام اجتماع لمنظمة الايباك، انه كان يرفض اجراء انتخابات فلسطينية فى 2006 لانها ستجلب فصائل متطرفة وارهابية لا تعترف (باسرائيل).

·       بالاضافة الى ذرائع وتبريرات اخرى غير ذريعة فوبيا الاسلاميين، يرددها شخصيات او احزاب محسوبة على اليسار، من منظور الرفض للديمقراطية على الطريقة الليبرالية، التى يصفونها بالديمقراطية المفرغة من اى مضامين اجتماعية والتى لا تاتى الا بالرأسماليين ورجال الاعمال والفاسدين.

***

ولكن ما هى الانتخابات؟

·       هى بكل بساطة ذلك النظام الذى أبدعته البشرية لتمكين المجتمعات من اختيار نخبة منها تقود وتدير المجتمع المشترك فى الاتجاه الذى تتفق الاغلبية انه الاصلح لهم.

·       قد يكون هذا المجتمع دولة او حزبا او تنظيما سياسيا علنيا او سريا او نقابة مهنية او عمالية أو جامعة او ناديا او جمعية تعاونية الى آخره من آلاف التكوينات الاجتماعية التى يؤسسها البشر فى حياتهم فى كل مكان.

·       وفى كل هذه المجتمعات والتجمعات والحالات فان الطريقة الامثل للاختيار هى مشاركة كل اعضاء هذا المجتمع المشترك بحرية تامة فى اختيار من يرونه الانسب من بين عديد من المرشحين.

·       ينطبق هذا الكلام على الانظمة الاشتراكية كما على الانظمة الرأسمالية، وعلى الاحزاب الليبرالية والشيوعية كما على التنظيمات الاسلامية.

·       فليس صحيحا ان الانتخابات هى اداة ليبرالية، تقتصر فقط على الانظمة الراسمالية. أو انها مبدأ خاصا بالغرب.

·       كما انه لا يعقل أن نرفضها ونلفظها لأن دولا استعمارية كالولايات المتحدة تدعى زورا انها حاملة راية الديمقراطية والحريات والانتخابات الحرة فى العالم.

·       فهى حلا مناسبا وفعالا لاختيار ادارة او قيادة للمجتمعات الواحدة المشتركة التى تضم رؤى وافكار واشخاص ومصالح متعددة ومختلفة، من خلال التوافق على آلية أو نظام يتم الاحتكام الحر اليه عند التعدد والاختلاف.

·        وهى فى ذلك تمثل آلية ناجعة وصالحة ومتاحة للجميع، اشرارا كانوا ام اخيارا. 

·       حتى العصابات التى تعيش فى الكيان الصهيونى فانهم يختارون حكامهم بالانتخابات.

·       وبالطبع فان هذا لا يصادر حق الجميع فى توجيه انتقاداتهم الى مثالب النظام الليبرالى ونواقصه، وأن يقدمون مفهومهم المنهجى الخاص البديل للحرية والديمقراطية وأن يناضلوا من أجله، ولكن بشرط ألا يقوموا بإدانة الانتخابات كوسيلة ضرورية للاختيار بين متعددين فى أى نظام أيا كانت طبيعته.

***

أما عن المخاطر الناتجة عن الانتخابات فى حالة اذا أتى الصندوق بما لا تشتهى السفن، وقامت غالبية الناخبين بالاختيار الخطأ، فلقد ابتدعت البشرية ايضا حلولا لهذه المشكلة المحتملة بسن وتأسيس قواعد وأدوات للمراجعة والتصحيح، ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:

·       أنها جعلت التمثيل مؤقتا بعدد محدد من السنوات.

·       كما انها أعطت الاقلية الحق فى المعارضة بكل السبل والادوات السياسية والقانونية، لقرارات وسياسات الحكام والحكومات الذين أتت بهم هذه الاغلبية.

·       كما قامت بالفصل بين السلطات، بحيث يخضع المنتَخبون لرقابة باقى السلطات، مثلما يخضع الرؤساء لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية، ويخضع النواب البرلمانيون لرقابة الاحزاب والاعلام الحر والراى العام والناخبين فى دوائرهم.

·       وضمانات أخرى كثيرة، بحيث لا يسمح لاى هيئات او شخصيات منتخبة بالاستئثار بالسلطة مما يمكنها من تغيير قواعد اللعبة وفقا لمشيئتها ومصالحها الخاصة، وما أكثرها.

***

ما هى البدائل عن الانتخابات؟

ولكن أياَ كانت المبررات او الذرائع التى تساق لنقد فكرة الانتخابات فى عالمنا العربى، فان النتائج المترتبة على مثل هذه الدعوات مجربة ومعروفة ومحفوظة وهى لن تخرج عن واحد من الخيارات التالية:

1)   غياب اى مؤسسات منتخبة كما هو متبع فى عدد من دول الخليج، التى تخضع لحكم عائلات مالكة منذ عشرات السنين.

2)   او تجميد وحل واسقاط الهيئات والشخصيات المنتخبة، وفقا لموازين القوى وشبكات المصالح.

3)   او الاجتثاث السياسى لتيارات بعينها وحظرها من المشاركة السياسية والبرلمانية.

4)   أو فرض قيود سياسية وقانونية عليها، تحد من قدرتها على الوصول الى الحكم.  

5)   او تزوير الانتخابات...الخ.

والنتيجة فى كل هذه الحالات هو ان يتم حكم الدول بأنظمة أو احزاب أو فئات أو شخصيات وقادة غير منتخبين فى انتخابات حقيقية ونزيهة.

ومخاطر هذا البديل جمة ومتعددة كما يعلم الجميع، على رأسها هو انعدام أى اداة أو وسيلة للتغيير فى حالة الفشل او الفساد أو الاستبداد أو الهزائم والانكسارات الكبرى.

***

·       ان الانتخابات هى أحد اركان الديمقراطية والحريات فى اى مجتمع، ولكنها ليست الركن الوحيد، فهى غير قادرة وحدها على بناء نظاما ديمقراطيا حقيقيا، ولكن بدونها ليس هناك ديمقراطية من اى نوع.

·       ولان الناس لا تكف عن السعى لتطوير اوطانها ومجتمعاتها المشتركة من اجل حل مشكلاتها وسد احتياجاتها، فانه اذا أُغلقت فى وجوهها اى قنوات او سبل لتحقيق ذلك بطرق دستورية وقانونية، فانها ستحاول ان تفعلها ان عاجلا أو آجلا خارج نطاق القانون فى شكل ثورات او انتفاضات، مما يهدد حالة الاستقرار الواجبة لتحقيق اى تطور او تنمية.

·       كما انه لا يوجد حتى اليوم اتفاق عام على مفهوم موحد للديمقراطية بين كل الفرقاء، والى حين ان نتفق عليه فانه ليس امامنا سوى الاحتكام للمبادئ والقواعد العامة لتنظيم الحياة السياسية التى توصلت اليها المجتمعات البشرية حتى اليوم، والتى تكاد تكون موحدة فى كافة الدول وكل الدساتير، من فصل بين السلطات وانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة تحت اشراف قضائى .. الخ

·       ولذلك ليس من المقبول انه كلما اراد أحد الاطراف العصف بخصومه السياسيين ان يقوم باستدعاء مفهومه الخاص عن الديمقراطية ويطبقه على الاخرين.

·       كما ان توجهات الشعوب تتغير وتتبدل مع الاحداث والمتغيرات، ففى مصر على سبيل المثال، وعلى امتداد قرن من الزمان، تبدلت المشروعات والقوى والزعامات الاكثر شعبية بين التيارات الليبرالية والقومية واليسارية والاسلامية وهكذا.

·       وبالتالى على من يرفض تيارا بعينه، ان يكثف جهوده فى مواجهته فى اطار من المنافسة السياسية والقواعد الديمقراطية، وأن يناضل من أجل تغيير موازين القوى وانحيازات واختيارات الشعوب على الارض، بدلا من ان يوجه سهامه الى فكرة الانتخابات ذاتها، وبدلا من ان يطالب السلطات بالعصف بالمؤسسات المنتخبة وبالتراجع عن المكاسب الديمقراطية.

·       وعلى من يرى مثالب وسلبيات فى الديمقراطية على الطريقة الليبرالية، وفى الممارسات السياسية بعد الثورات العربية، أن يسعى الى تطويرها وتصحيحها من داخلها وليس بهدمها والانقضاض عليها. 

·       لقد حرمت شعوبنا لعقود طويلة من أى انتخابات حقيقية ونزيهة، ولا يعقل ان نقوم بالتفريط فيها بعد أن هرمنا لانتزاع أبسط حقوقنا فيها.

*****

محمد سيف الدولة