بحث فى المدونة

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2018

السادات وعقيدة الخوف من الامريكان



السادات وعقيدة الخوف من الامريكان

محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

هذا ليس حديثا تاريخيا عن السادات فى الذكرى المئوية لميلاده، وانما هو حديثا عن التبعية للامريكان التى لا تزال تنخر فى الجسد المصرى حتى يومنا هذا، انها التبعية التى بدأها أنور السادات واسس لها وورثها لخلفائه واركان نظامه من بعده الذين يحكمون مصر من وقتها بعقيدة الخوف من امريكا والسير فى ركابها والحرص على ارضائها والفوز بدعمها ومباركتها.
***

لقد تغيرت حياتنا تماما عندما تملك الخوف من امريكا الرئيس انور السادات وقرر أن يغير موقفه من المواجهة معها الى الانقياد اليها .. ولذا من المهم أن نتوقف قليلا امام لحظات ميلاد هذا الخوف من خلال القيام بقراءة مواقف السادات الاولى التى كانت تتسم بالوطنية والشجاعة ومقارنتها بسياساته ومواقفه الاخيرة التى اختارت الخضوع الكامل للولايات المتحدة وتسليمها مفاتيح مصر على طبق من ذهب، محاولين آن نضع ايدينا على اسباب هذا الخوف وآثاره:

·       في 10 يناير 1971 قال السادات في احد خطبه ((ان امريكا تقف خلف اسرائيل بان لا تجلو من اى شبر  .. والامريكان هم ا لاعداء الاصليين وليس الاسرائيليين لان اسرائيل خط الدفاع الاول لمصالح امريكا في المنطقة))
·       وفى 11 يناير قال ((امريكا تعطى السلاح وتريد أن تذل كرامتنا))
·       وفى 11 نوفمبر 1971 قال ((اننا نعتبر الولايات المتحدة هى المسئول الاول عن اسرائيل. ان سيل الاموال الذي يتدفق في الاقتصاد الاسرائيلى والسلاح الذي تمسك به اسرائيل يجىء به كله من من الولايات المتحدة الامريكية . أن طائرات الفانتوم التى اغارت على مدننا ومصانعنا وعلى مدارسنا ليست مجرد صناعة امريكية ولكنها غطاء امريكى لاسرائيل.))
·       وقال في 2 ابريل 1972((نحن نعرف اين تقف امريكا وما هى سياستها واهدافها، امريكا تدعم اسرائيل لتحافظ على استغلالها لثروة العرب))
·       وفى خطابه بالاسكندرية يوم 27 يوليو 1972 قال: ((ان موقف امريكا هو عملية استدراج لكى نسلم ولكن امريكا بعساكرها ليست ربنا))
هكذا كان وعى الرئيس السادات بحقيقة الولايات المتحدة الامريكية ودورها المعادى والعدوانى في صراعنا ضد (اسرائيل). ثم تغير هذا الموقف الى النقيض تماما، تغير الى موقفه المعلن  من أن  99 % من اوراق اللعبة في يد امريكا!

ترى ما الذي حدث وأدى الى هذا الانقلاب في المواقف؟
فلم يكن الاتحاد السوفيتى قد سقط بعد لنقول أن الاختلال في ميزان القوى العالمى وهيمنة طرف واحد على العالم هو السبب. كذلك لم يكن السبب هو تعديل امريكا لمواقفها في الصراع لتصبح اكثر موضوعية واكثر عدلا؛ فلقد ظلت على مواقفها المنحازة لاسرائيل.
 في تصورى أن الذي حدث هو أن السادات في لحظة معينة وتحت الضغوط الامريكية قد تملكه الخوف وانهزم داخليا فقرر الاستسلام. ويمكننا اختبار صحة هذا التحليل من واقع كلام السادات نفسه:
·       قال في 16 اكتوبر 1973((ان الولايات المتحدة ، بعد أن فتحنا طريق الحق بقوة السلاح اندفعت الى سياسة لا نستطيع أن نسكت عليها او تسكت عليها امتنا العربية ذلك انها اقامت جسرا بحريا وجويا لتتدفق منه على اسرائيل دبابات جديدة وطائرات جديدة ومدافع جديدة، وصواريخ جديدة والكترونات جديدة))
·       وقال في حديث لمجلة الحوادث اللبنانية نشرته في 8 اغسطس 1975 ((جاءنى الدكتور كيسنجر في 11 ديسمبر 1973 وكان جيب الدفرسوار موجودا، وكان لنا حول الجيب 800 دبابة بخلاف خمس فرق كاملة حشدناها شرق القناة، منها الفرقتان التابعتان للجيش الثالث. وهذه الفرق الخمس كانت بكامل اسلحتها ودباباتها ومعداتها تكون حلقة تحيط باليهود مع حائط صواريخ اروع من الحائط الذي اشتكت منه اسرائيل..وسالنى كيسنجر انت  ناوى تعمل ايه ؟ فقلت : هذه اعظم فرصة لتصفية الجيب الاسرائيلى ..لقد تورطوا في دخول منطقة لاتتسع لاكثر من لواء او لوائين من الدبابات فادخلوا اربعة الوية، على اساس انها عملية سياسية او كما سميتها من قبل معركة تليفزيونية .. فلا هم قادرون على الدخول الى الكثافة السكانية في مصر، وليس من السهل أن ينجحوا في قطع المائة كيلومتر حتى يصلوا الى القاهرة عن طريق الصحراء . وفرقى جاهزة لتقفل الممر الذي اوجدوه بين قواتى في اقل وقت ممكن، والخطة موضوعة وجاهزة تنتظر صدور الاوامر . وقال كيسنجر : كل ما تقوله صحيح وقد تلقيت من البنتاجون قبل أن احضر لاقابلك تقريرا كاملا بعدد الدبابات التى اعددتموها ..عندك كذا.. وعدد بطارياتك وصواريخك كذا، والقوات المحتشدة حول الجيب قادرة فعلا على تصفية الجيب ولكن لابد أن تعرف ما هو موقف امريكا ..اذا اقدمت على هذه العملية فستضرب))
·       واخيرا وليس اخرا اعترف السادات صراحة بنفس المعنى السابق اذ قال فى 16 سبتمبر 1975(( انه في ليلة 19 من اكتوبر  1973 كان بقى لى عشرة ايام اواجه امريكا بذاتها. اتخذت من العريش خلف خطوطنا مباشرة بكل وضوح قاعدة وكانت بتنزل في العريش علشان الامداد يروح للجبهة في اقل وقت ممكن . طبعا كل شىء كان في خدمة اسرائيل وبعدها عرفت انه كان القمر الصناعى الامريكى بيصور كل يوم ولما انتقلت فرقة من فرقنا المدرعة من الغرب الى الشرق كطلب سوريا لتكثييف عملنا العسكرى علشان نجدتها على جبهتنا احنا ..صوروا الامريكان هذا ونقلوه للاسرئيليين ووضعت عملية الثغرة من وقتها .. يوم 19 اكتوبر لقيت اننى احارب امريكا عشرة ايام لوحدى في الميدان ونزلت امريكا بكل ثقلها))
 انتهى كلام السادات …ويظهر منه بوضوح وفقا لروايته هو ((أن امريكا قد دخلت الحرب. وأن  كيسنجر قام بتهديده)) .. فخاف وانكسر وسلم كافة أوراقه، رغم أن مصر وفى ظل ظروف الهزيمة عام 1967 الأشد قسوة مئات المرات، رفضت الاستسلام وقررت استمرار المواجهة ومواصلة القتال.
***
خاف السادات اذن وانهزم داخليا وقرر الاستسلام وتسليم كافة اوراقه، بل قام بتسليم مصر كلها اليهم ليعيدوا تأسيسها وتشكيلها على مقاس المصالح الامريكية وامن اسرائيل، وهو ما كتبت عنه كثيرا تحت عنوان الكتالوج الامريكى لحكم مصر، والذى يمكن تلخيصه فيما يلى:
1)   تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح الا بإذن اسرائيل، حتى تظل رهينة التهديدات الاسرائيلية المستمرة، بما يمثل اقوى اداة ضغط واخضاع فعالة لاى ادارة مصرية، خاصة فى ظل عقدة 1967 التى تسيطر على العقل الجمعى لمؤسسات الدولة المصرية.
2)   مع اعطاء الامريكان موطئ قدم فى سيناء، وقبول دخول قواتهم الى هناك لمراقبة القوات المصرية، ضمن ما يسمى بقوات "متعددة الجنسية والمراقبين" التى يرأسها سفير فى وزارة الخارجية الامريكية ولا تخضع للامم المتحدة.
3)   مع اعطائهم تسهيلات لوجستية فى قناة السويس والمجال الجوى المصرى، قال عنها الامريكان، انها كانت لها دورا كبيرا فى نجاح قواتهم فى غزو العراق.
4)   مع الانخراط فى كل احلافها العسكرية، والالتزام بما تقيمه من ترتيبات امنية فى الاقليم، وتنفيذ الادوار والمهام التى تطلبها منا فى حروبها واعتدائاتها العسكرية فى المنطقة بدءا بما يسمى بحرب تحرير الكويت مرورا بغزو افغانستان والعراق .. وحتى يومنا هذا.
5)   تصفية الاقتصاد الوطنى الذى كان يدعم المجهود الحربى اثناء الحرب، واستبداله بمعونة عسكرية امريكية تحتكر توريد السلاح لمصر وتتحكم فى موازين القوى لصالح (اسرائيل) مع تسليم الاقتصاد المصرى الجديد لصندوق النقد والبنك الدوليين لادارته وتوجيهه والسيطرة عليه.
6)   تاسيس نظام حكم سياسى تكون على راس اولوياته حماية امن اسرائيل والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الامريكية، التى يجب ان توافق على شخصية رئيس الجمهورية وتبارك مؤسساته، مع حظر المشاركة فى الحكم لاى تيار او حزب او شخصيات ترفض الاعتراف باسرائيل وتناهض اتفاقيات كامب ديفيد. مع تقييد أو اجهاض أى ممارسات او توجهات او تغييرات ديمقراطية يمكن أن تأتى بقوى وتيارات معادية للامريكان ولاسرائيل، لحكم مصر.
7)   استئثار وسيطرة راس المال الاجنبى والمحلى على مقدرات البلاد وثرواتها. وتشكيل طبقة من رجال الاعمال المصريين تكون لها السيادة على باقى طبقات الشعب، وتقوم بدور التابع والوكيل المدافع عن مصالح وسياسات الامريكان والصهاينة فى مصر.
8)   تصفية اى تيارات وطنية ايا كانت مرجعيتها الايديولوجية، سواء كانت قومية او اشتراكية او اسلامية او ليبرالية او مستقلة، تناهض الولايات المتحدة و(اسرائيل)، مع كسر شوكة الشعب المصرى والقضاء على روح الانتماء الوطنى.
9)   وتفاصيل أخرى كثيرة ..

***
رحل السادات، وبقى نظامه بسياساته وتبعيته وبخوفه المتجذر من امريكا و(اسرائيل)، وبقينا نحن نحاول أن نجيب على السؤال الصعب: كيف يمكن للاجيال الجديدة أن تتحرر من هذا الخوف التى زرعوه فى مصر منذ حرب اكتوبر، كخطوة أولى وشرط حتمى للتحرر مرة واحدة والى الابد من التبعية للولايات المتحدة الأمريكية ومن ذل وقيود اتفاقيات كامب ديفيد؟   
*****
القاهرة فى الذكرى المئوية لميلاد السادات
                                                                                         25/12/2018
                                  




السبت، 15 ديسمبر 2018

قل دولة نامية ولا تقل متخلفة



قل دولة نامية ولا تقل متخلفة
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

مرة أخرى يوجه السيد رئيس الدولة اهانة للمصريين ويقلل من ِشأنهم!
فمرة يهينهم كمصريين؛ فيصف مصر بشبه الدولة، وان احنا فقرا قوى، ويشبه الجيش المصري مقارنة بالجيش الإسرائيلي عام 1973 كالسيارة السيات بالنسبة الى السيارة المرسيدس، ويصف قرار الحرب بما يشبه الانتحار، وبان ما حققناه فى الحرب كان اقصى ما يمكن ان نحققه. أو يقول عن مصر انها لا تستطيع ان تفعل شيئا لفلسطين؛ فعلينا ان نعمل ونكبر علشان يبقى لنا تأثير وكأن مصر دولة صغيرة. وكذلك ما قاله فى المؤتمر الصحفى مع الرئيس الفرنسى ماكرون فى اكتوبر 2017 ردا عن سؤال حول حقوق الانسان فى مصر حين قال "نحن لسنا فى اوروربا بتقدمها الفكرى والثقافى والحضارى".
***
ومرة أخرى يهينهم كمسلمين، فيصفهم بانهم ((أصبحوا يحملون سمعة سيئة في العالم .. ويريدون ان يقتلوا باقي شعوبه لكى يعيشوا هم .. امة فكرها مبنى على الحرب.. على الاقل فى المائتين سنة الماضية فهمها لدينها ان الحرب هى الاصل والاستثناء هو السلام...هل من المعقول ان يكون هناك فهم دينى كده؟))
***
اما هذه المرة فلقد قام باهانتهم كأفارقه، ووصفهم مع باقى الشعوب الافريقية بالدول المتخلفة، التى لا تستطيع ان تجارى الدول المتقدمة، والتى لا تستطيع ان تفكر او تخطط مثلهم وليس لديها كوادر على مستوى كوادرهم.
***
واذا تجاوزنا الخصوصية شديدة الحساسية لحالة افريقيا التى عانت دون غيرها من قارات العالم من ويلات العبودية على ايدى الرجل الابيض والتى راح ضحيتها عشرات الملايين من الافارقة اثناء عملية نقلهم الى الاسواق الامريكية والاوروبية، وما عانوه ولا يزالوا من تفرقة عنصرية هناك حتى يومنا هذا.

اذا تجاوزنا ذلك فاننا سنجد انفسنا امام ذات النظرية التى تبنتها جحافل الاستعمار الغربى لتبرير احتلالها لاوطان الاخرين، وابقاءها تحت الاحتلال لعقود وقرون طويلة، نظرية عنصرية تقول: ((لقد استعمرنا بلادكم يا ايتها الشعوب المتخلفة من اجل ان نساعدكم على التقدم والنهضة، فتخلفكم لا يؤهلكم لان تحكموا انفسكم))
قالها اللورد كرومر صراحة فى مستهل كتابه "مصر الحديثة" حين كتب قائلا: ((مصر تعانى من الجهل والانحطاط والتبديد والاسراف وكلها امور شهيرة فى الشرق وكلها امور اوصلت سيادتها وسلطانها الى حافة الانهيار.)) وقال فى موضع آخر ((ان الدقة كريهة بالنسبة للعقل الشرقى بينما .. الاوروبى ذو محاكمة عقلية دقيقة ويعمل ذكاؤه المدرب مثل آلة ميكانيكية. اما عقل الشرقى فهو على النقيض (صوريا) .. ومحاكمته العقلية من طبيعة مهلهلة الى اقصى حد .. خذ على عاتقك ان تحصل على تقرير صريح للحقائق من مصرى عادى، وسيكون ايضاحه بشكل عام مسهبا، ومفتقرا للسلاسة. ومن المحتمل ان يناقض نفسه بضع مرات قبل ان ينهى قصته .. ان الشرقى بوجه او بآخر وبشكل عام يتصرف ويتحدث ويفكر بطريقة هى النقيض المطلق لطريقة الاوروبى))
وقالها بلفور: ((ان الامم الغربية فور انبثاقها فى التاريخ تظهر تباشير القدرة على حكم الذات... لانها تمتلك مزايا خاصة بها.. ويمكنك ان تنظر الى تاريخ الشرقيين باكمله فيما يسمى، بشكل عام، المشرق دون ان تجد أثرا لحكم الذات على الاطلاق .. نحن فى مصر لسنا من اجل المصريين وحسب، مع اننا فيها من اجلهم؛ نحن هناك ايضا من اجل اوروبا كلها.))
ولا يزال هناك كثيرون منهم يرددون ذات المعانى حتى يومنا هذا.
***
الازدراء والعنصرية:
كما ان فى وصف اى انسان او مجتمع بشرى سواء كان شخصا طبيعيا او اعتباريا بالتخلف، معانى العنصرية والاحتقار والتحقير والازدراء والتشويه والاهانة والاستهانة، لذلك أجمع علماء النفس على صك وصياغة واستخدام مصطلحات مثل ذوى الاحتياجات الخاصة.
وحذا حذوهم فى ذلك اساتذة علوم الاجتماع والاقتصاد والتنمية الذين صكوا وصاغوا مصطلحات "الدول النامية او دول الجنوب او دول العالم الثالث"، لوصف تلك الدول التى عانت لعقود او قرون طويلة من الاستعباد الاستعمارى ونهب الثروات، فتراجعت مكانتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية عن عديد من الدول الاخرى وبالاخص الدول الاستعمارية التى نهبت باقى شعوب العالم.
***
ولقد اجمع كل الباحثين الوطنيين فى بلادنا وفى كل بلدان الجنوب وكذلك الأكاديميين الموضوعيين فى كل بلاد العالم على التركيز دوما على دور الاستعمار فى اعاقة تقدم وتطور الشعوب والامم والدول من ضحاياه، حين يتصدون لتناول ودراسة وتحليل الفروق بين دول العالم فى المجالات المختلفة. وكذلك حين يتناولون ادوات ومؤسسات الاستعباد المالى الحالية والمعاصرة التى لا تزال تمتص دماء شعوبنا كالبنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، ولدينا فى مصر مفكرون وعلماء ابدعوا من النظريات العالمية لتفسير قوانين الاستغلال والنهب الراسمالى العالمى، اشهرهم المفكر الماركسى الراحل سمير امين مبدع نظرية "المركز والاطراف."
***
العزة والفصاحة:
لقد قال الرئيس ((اننى اقول ذلك عن الافارقة وانا واحد منهم، حتى لا يغضب منى احدا.))
ولكنى لا أظن أن الانتماء الى ذات الشعوب والجماعات يعطى تصريحا باهانتها، فللخطاب العام وللتحليلات والتوصيفات السياسية لغتها ومفرداتها الدقيقة التى يجب انتقائها بدقة وعناية، حتى تبعث الرسائل المطلوبة وتؤدى الغرض بدون ان تهين او تجرح أحد وهو ما يسمى بالفصاحة والبلاغة.
بل أن العكس تماما هو المطلوب؛ فعادة ما يلجأ رؤساء الدول وزعمائها وقادة الرأى العام فيها الى صياغة وتقديم خطاب سياسى وثقافى يبث العزة والثقة بالنفس بين الشعوب ويشيد بتاريخها وبقيمها وبهويتها الحضارية وبمساهماتها فى تطور البشرية وارتقاءها.
***
وأخيرا ماذا يمكن ان يفعل المرء اذا تعرض لاهانة من رئيس دولته؟ بكل ما يملكه من اجهزة ووسائل القمع التى نراها، خاصة اذا كان يكره كل ما يتعلق بالحريات وحقوق الانسان كما يصرح على الدوام، ويعتبر ان اى رأى معارض له يهدد الدولة المصرية ويعمل على هدمها.
هل مطلوب منا أن نبلع هذا الاهانات فى صمت خوفا من بطش السلطة؟ ام علينا أن نوكل أحد المحامين لتقديم بلاغ الى النائب العام على غرار عشرات البلاغات التى يقدمها محامو السلطة ضد المعارضة ليل نهار؟
ام انه لا يسعنا سوى التحذير بأعلى صوتنا، ان كفى اهانة لهذا الشعب الكريم، فهذا كلام لا يليق بمصر ولا بدول الجنوب من ضحايا الاستعمار الغربى، سواء كانوا مصريين او عربا او مسلمين أو أفارقة؟
*****
القاهرة فى 15 ديسمبر 2018




الاثنين، 10 ديسمبر 2018

كيسنجر يعلم من قتل خاشقجى



كيسنجر يعلم من قتل خاشقجى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

يدعى الأمريكان انهم لا يعلمون من الذى أمر بقتل خاشقجى، بينما ليس من المستبعد على وجه الاطلاق أن يكون هم من أعطوا الضوء الأخضر، ثم بيتوا النية على الغدر حتى يتمكنوا من حلب واستنزاف المملكة حتى آخر ريال.
ولكن اذا كان هناك بالفعل من الأمريكان (رئيسا أو ادارة أو نوابا) من لا يزال يتشكك فيمن الذى أمر بقتل المواطن والمعارض السعودى، فما عليهم سوى ان يسألوا "هنرى كيسنجر" وزير الخارجية الامريكى الأسبق والأشهر والأعلم بالحكام العرب داخل الادارة الامريكية.
***
نتذكر جميعا نظرية "الشيخ والخيمة" الشهيرة التى وردت فى مذكرات "هنرى كيسنجر"، والتى تمكن من خلالها ان يفهم طبيعة النظام الحاكم فى مصر عام ١٩٧٣ وكيف استطاع ان يأخذ من السادات ما اخذه من تنازلات سياسية أدت الى وأد وإجهاض وسرقة ما حققه المصريون من نصر عسكرى اثناء حرب اكتوبر.
تلك النظرية التى أعدها وقدمها له احد شباب الدبلوماسيين العاملين فى وزارة الخارجية الامريكية قبل سفره الى المنطقة، وتتناول كيفية التعامل مع الدول العربية وحكامها وانظمة الحكم فيها، وتتلخص فى ان عليه أن ((يبحث عن كبيرهم ويستقطبه ويسيطر عليه ويكسب ولاءه،  فان نجح فى ذلك، فسيدينون له جميعا بالولاء، فهؤلاء القوم ليس لديهم دولة بالمفهوم الحديث، وليس لديهم نظاما ديمقراطيا ولا مؤسسات أو سلطات مستقلة، وليس لديهم رقيب او تعقيب على قرارات رئيسهم او مليكهم او أميرهم، انهم كالقبائل البدائية، التى يحكمها رجل واحد هو شيخ القبيلة)).
كانت هذه هى خلاصة توصيات مستشارى هنرى لكيسنجر، عن كيفية التعامل مع السادات والحكام العرب خلال حرب أكتوبر وما تلاها، والتى اشتهرت بنظرية "الشيخ والخيمة" كما تقدم.
***
وبتطبيق هذه النظرية التى نعيش فى كنفها ونعانى من كوارثها فى بلادنا كل يوم ونشهد على صحتها وفاعليتها فى كل الدول العربية بلا استثناء، فانه لا أحد يجرؤ فى اى من مؤسسات الحكم فى اى دولة عربية ان يتنفس بدون ان يكون لديه أمراً واضحا او ضوءً اخضرا من السيد الفرعون الآمر والناهي الوحيد، شيخ القبيلة وعامود الخيمة، سواء كان هذا الشيخ رئيسا او ملكا او أميرا او إبنا لملك مسن ووليا لعهده.
فكفى استخفافا بعقول العالم.
*****
القاهرة فى 10/12/2018


الأربعاء، 5 ديسمبر 2018

وقاحة صهيونية وتعتيم مصرى



وقاحة صهيونية وتعتيم مصرى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

·       لماذا لا نعلم حقائق ما يدور فى بلادنا الا عبر الاعلام الأجنبى؟
·       ولماذا لا نقرأ عن تفاصيل ما يجرى فى سيناء الا فى الصحف الاسرائيلية؟
·       ولماذا تسكت الادارة المصرية عما يروجونه من أخبار ومعلومات نشك كثيرا فى مصداقيتها، وفيما وراء تسريبها ونشرها من اهداف وأجندات مغرضة ومعادية؟
·       ولماذا تصدر السلطات المصرية عشرات التشريعات التى تحاسب وتحاكم المصريين على انفاسهم بتهم مثل نشر اخبار كاذبة، بينما تترك اكاذيب الاعلام الصهيونى بدون نفى أو تعليق او تعقيب؟
·       وهل صحيح اننا متعثرون فى القضاء على الارهاب فى سيناء؟
·       وما هى الاعداد الحقيقية لمن تبقى من الجماعات الارهابية هناك؟ وهل بالفعل لا يزال هناك ما يقرب من 2000 عنصر ارهابى كما يدعى الصهاينة؟
·       وهل صحيح ان هناك تعاونا بيننا فى سيناء، وبين اجهزة استخبارات العدو الصهيونى الذى اكاد أتيقن انه هو الذى يقف وراء كل الشرور التى تجرى هناك؟
·       وهل طلبت مصر بالفعل المساعدة من سلاح الجو الاسرائيلى؟
·       وهل نحن مجبرون على مثل هذا التعاون والتنسيق الامنى مع (اسرائيل) فى سيناء، بسبب قيود اتفاقيات كامب ديفيد وشروطها؟
·       هل هو ثمن علينا أن ندفعه لكى توافق (اسرائيل) على زيادة قواتنا فى سيناء عن الاعداد المنصوص عليها فى المعاهدة؟
·       وهل كتب علينا أن نعيش الى ما شاء الله فى ظل مذلة هذه القيود وانتهاكها لسيادتنا؟
·       وكيف يمكن أن نثق فى عدو أو نأمن له وهو لا يزال يعادينا ويتربص بنا ويتجسس علينا ويطمع فى اراضينا ويهدد أمننا القومى ولا يزال يصر على التمسك بهذه القيود الأمنية المفروضة علينا، كما أنه لم يكف منذ سنوات طويلة عن السعى الى تدويل قضية الأمن فى سيناء؟
·       وهل صحيح ان مصر قد سمحت لكل هذه الاجهزة الامنية والاستخبارية الاجنبية التى ذكرتها "معاريف" (امريكية وفرنسية وبريطانية والمانية) أن تعمل فى سيناء وأن تنتهك سيادتنا وتتطلع على أسرارنا وأخص خصائصنا الأمنية والعسكرية؟
·       وهل هناك أمل أن يأتى اليوم الذى تجود فيه السلطات فى مصر على الراى العام المصرى بقليل من الثقة التى تغدقها على كل هذه الجهات والاجهزة الاجنبية؟
***
سبب كل هذه الاسئلة وأكثر منها وما تعبر عنه من مشاعر غضب واستفزاز هو ما تم نشره وترجمته فى عدد كبير من المواقع العربية، عما كتبه الصحفى الصهيونى "يوسى مليمان" محلل الشؤون الاستخباراتية فى صحيفة معاريف الاسرائيلية من تقرير يتسم بالنقد والتجريح والتدخل الوقح والمتعالى فى الشئون المصرية حيث قال:
·       ((أن هناك خيبة أمل كبيرة تسود إسرائيل بسبب الفشل المصري في مواجهة تنظيم "داعش" في سيناء، على الرغم من المساعدات العسكرية والاستخبارية التي تقدمها تل أبيب لها...
·       وأن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن مصر لن تنجح في اجتثاث الخلايا الإرهابية في مصر قبل نهاية عام 2018...
·       وانه رغم أن عدد العمليات الإرهابية التي ينفذها الإرهابيون قد انخفض، الا انه لم يتم هزيمة داعش بعد...
·       وأنه قد انضمت إلى حرب مصر ضد الإرهاب هيئات استخباراتية عديدة تابعة للولايات المتحدة مثل وكالة الاستخبارات الوطنية(NSA) ووكالة الاستخبارات المركزية(CIA  وللاستخبارات الفرنسية والاستخبارات البريطانية (MI6) وكذلك الاستخبارات الاتحادية الالمانية (BND)، بالاضافة الى الاستخبارات الإسرائيلية: خاصة شعبة الاستخبارات في الجيش (أمان)، والامن العام (الشاباك) والموساد، وسلاح الجوالاسرائيلى.
·       بالاضافة الى سماح إسرائيل بتجاوز الملاحق الأمنية لاتفاقية "كامب ديفيد" عبر منح مصر "إذن" بجلب دبابات واستخدام طائرات وقوات مشاة إلى شمال سيناء من أجل تمكينها من إلحاق هزيمة بالتنظيم.
·       الى الدرجة التى جعلت عدد مجلة "إنتلجنس أونلاين" الفرنسية لهذا الشهر يصدر بالعنوان التالى: ((رغم المساعدة الإسرائيلية الكبيرة، ما زال من الصعب على مصر العمل في سيناء)).
·       ولقد جاء ايضا في المقال أنه رغم الهجوم المستمر الذي يشنه الجيش المصري بالتنسيق مع إسرائيل، الا انه لا يزال ينشط نحو ألفي إرهابي في سيناء.
·       وانه على امتداد نحو ثلاث سنوات، كثفت كل الجهات الاستخباراتية الإسرائيلية بما في ذلك الموساد، ووحدة 8200 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية جهودها لمساعدة المصريين، حسبما جاء في نشرة المعلومات الفرنسية بأن هذه الوحدة الاسرائيلية شاركت في جزء كبير من اعتراض البث في سيناء. كما طلبت مصر من سلاح الجو الإسرائيلي، بما في ذلك الطائرات المسيّرة، العمل المكثف بهدف الإضرار بنشطاء عناص "ولاية سيناء" في شمال سيناء..
***
هل يمكن ان نطمع فى اى تعقيب او نفى او توضيح او اجابة من أى جهة رسمية مصرية فى القريب العاجل؟
سنرى.
*****

القاهرة فى 5/12/2018