بحث فى المدونة

الثلاثاء، 26 يونيو 2018

أكذوبة الدولة الفلسطينية فى سيناء




أكذوبة الدولة الفلسطينية فى سيناء
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

لقد وصل بنا التدهور فى عصر كامب ديفيد أن استبدلنا خطر ((اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات)) بأكذوبة أن الفلسطينيين يريدون استيطان سيناء! هَزُلَت.
***
·       ان قيام السلطات المصرية بإخلاء الحدود الدولية لإقامة منطقة عازلة، بالإضافة الى قيامها بالتنازل عن الجزيرتين المصريتين تيران وصنافير للسعودية، قد دفع كثيرا من الناس الى تصديق ما يتردد عن تأسيس دولة فلسطينية على جزء من ارض سيناء بمشاركة ومباركة مصرية رسمية.
·       ولكنني رغم ذلك أكاد أقطع ان الحديث عن أى نوايا مصرية من هذا النوع، هو حديث عارٍ تماما من الصحة، فعلى عكس مما يشاع، لا يوجد فى المنطقة من يقبل او يتبنى مثل هذا المشروع.
·       وهو ما يستدعى تمحيصه والرد عليه، لأن مثل هذه الادعاءات تدق إسفينا تاريخيا عميقا بين الشعبين الشقيقين فى مصر وفلسطين، اذ تظهر الفلسطينيين، على غير الحقيقة، وكأنهم يتربصون بمصر فى انتظار اى فرصة سانحة للاستيلاء على جزء من ارضها الغالية. وهذا هو السبب الرئيسى الذى دفعني لكتابة هذا المقال.
·       كما ان الموضوع بأكمله ليس سوى حيلة قديمة عمرها يزيد عن عشر سنوات، يستخدمها الفرقاء على الدوام للنيل من خصومهم السياسيين. كما يستخدمها اعداء الشعبين الشقيقين لإفساد العلاقة بينهما. فهى تنتمى الى حزمة الاكاذيب الشهيرة والشريرة التى تستهدف تبرير الغدر العربى الرسمى بفلسطين، مثل أكذوبة ان الفلسطينيين قد باعوا أراضيهم بأنفسهم، فلماذا نساعدهم فى تحريرها؟!
·       ولقد عايشت شخصيا ومن قريب خدعة مماثلة عام 2012 اثناء العدوان الصهيونى على غزة.
·       والدوافع وراء الترويج لمثل هذه الشائعات يمكن رصدها او استنتاجها والتعرف عليها وعلى المستفيدين من اطلاقها.
·       كما اننا لسنا فى حاجة الى فبركة اخبارا مغلوطة للطعن فى نظام عبد الفتاح السيسى، ففى سياساته ما يكفى ويزيد مما يستوجب التصدى له ومعارضته.
وفيما يلى بعض التفصيل.
***
أولا ـ لماذا لن يقبل احد بها لا فى مصر ولا فى فلسطين ولا حتى فى (اسرائيل) ؟
·       اما فى مصر، فلا أحد، كائنا من كان، ولا حتى أكثر الحكام والانظمة استبدادا وتفريطا، بقادر فيما لو أراد، على تمرير مثل هذه التنازل عن ارض سيناء.
·       ولا يصح اتخاذ التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير المصريتين للسعودية مقياسا، لعدة أسباب أهمها هو ان المصدر الرئيسى وربما الوحيد لشرعية النظام الذى يحكم مصر منذ عام ١٩٧٣ وحتى يومنا هذا، كما يروّجون له ليلا نهارا، هو تحرير سيناء من الاحتلال الاسرائيلى، (بصرف النظر عن السيادة المنقوصة فى سيناء بموجب المعاهدة)، وبالتالى يستحيل ان يفرطوا، حتى لو أرادوا ذلك، فى شرعيتهم الوحيدة.
·       كما ان انتفاضة القوى الوطنية المصرية بعد التنازل عن تيران وصنافير، تبشر وتؤشر بانه فى حالة التفريط فى سيناء لا قدر الله فان المفرطين سيواجَهون بحركة مقاومة شعبية واسعة لن تلتزم بالسلمية هذه المرة. مقاومة ستتصاعد ولن تتوقف حتى تسقطهم وتقدمهم للمحاكمة.
·       أضف الى ذلك ما تقوم به مؤسسات الدولة اليوم فى سيناء من مطاردة للجماعات الانفصالية (1)، فلو كانت تنوى التنازل عنها، لما كلفت نفسها كل هذا العبء والمخاطر والاموال والضحايا والشهداء، وكل هذه التنازلات لاسرائيل، ولقامت بتسليمها بقضها وقضيضها الى المعنيين بهذا المشروع ليؤسسوا عليها ما يشاؤون من اوطان بديلة.
***
·       واما عن فلسطين، فان الشعب الفلسطينى بكل فصائله وممثليه وسلطاته يرفضون منذ عقود طويلة مبدأ ومشروع الوطن البديل فى الاردن، وفى سبيل ذلك ومع اصرارهم على تحرير ارضهم المحتلة قدموا مئات الألوف من الشهداء والمصابين والاسرى على امتداد ما يزيد عن ٧٠ عاما. فكيف يقبلون بعد ذلك بوطن بديل فى سيناء. فمن يسعى لترك ارضه والبحث عن وطنا بديلا لا يقاتل ويستشهد دفاعا عن وطنه الذى ينوى تركه وهجرته الى بلاد أخرى.
·       ثم الم تكن غزة تحت الادارة المصرية لما يقرب من عشرين عاما 1949-1967، ومع ذلك لم يطلب فلسطينيو غزة الهجرة الى مصر أو التجنس بجنسيتها ولم يبحثوا عن وطنا بديلا عندنا.
·       أضف الى ذلك ما حدث فى يناير 2008 حين اقتحم عشرات الالاف من اهالى غزة للحدود المصرية لشراء احتياجاتهم المعيشية من اسواق العريش نتيجة للحصار الذي فرض عليهم، وعادوا جميعا الى وطنهم وبيوتهم بعد ساعات قليلة، فلم يهرب احدا منهم او يطلب اللجوء او الاستيطان او التجنس فى مصر.
·       والامثلة كثيرة.
***
واما عن العدو الصهيونى المسمى (باسرائيل) فيستحيل ان يسمح بتأسيس اى كيان فلسطينى (معادى بطبيعة الحال) على حدوده وخارجا عن سيطرته، خاصة وهو لا يزال يطمع فى الاستيلاء على سيناء فى يوم من الأيام، كما قال مناحيم بيجين عام ١٩٧٩ بوضوح بعد توقيع اتفاقية السلام ردا على منتقديه بالتفريط فى سيناء وهى جزء من ارض الميعاد فى الادعاءات الصهيونية، اذ قال "ان سيناء تحتاج الى ثلاثة ملايين يهودى اضافى لاستيطانها، ونحن لا نملك هذا العدد الهائل والفائض اليوم، لكن تأكدوا انه فى الوقت الذى سيتوفر فيه هذا العدد فإنكم ستجدونها فى حوزتنا فى اليوم التالى."
ان (اسرائيل) تريد سيناء منطقة عازلة خالية من البشر، سواء كانوا مصريين او فلسطينيين، فتريدها منزوعة السكان منزوعة القوات والسلاح. فهذه هى طبيعتها ككيان استعمارى متخصص فى استيطان الاراضى الخالية.
***
ثانيا ـ هى حيلة قديمة كانت تستخدمها اجهزة الامن المختلفة لشيطنة الفلسطينيين لدى الرأي العام المصرى، واتذكر انه اثناء عدوان عامود السحاب الصهيونى على غزة فى 14 نوفمبر 2012 والذي توقف بعد ثمانية ايام بعد الضغط الشعبى والرسمى المصرى، وكنت وقتها قريبا من الاحداث، ان فوجئت بشائعة أطلقتها اجهزة الدولة العميقة بان الفلسطينيين بدأوا بالفعل باستيطان سيناء، وهو ما كان كذبا بواحا.
 وقامت جريدتى الوطن والمصرى اليوم بإيعاز من الأجهزة الامنية، بفتح الدفاتر القديمة واستخراج ورقة كان قد قدمها الجنرال جيورا ايلاند الرئيس السابق لمجلس الامن القومى الاسرائيلى عام 2009 يطرح فيها ضم جزء من سيناء الى غزة مقابل منح مصر مساحة مماثلة فى صحراء النقب. وهي ورقة قديمة قُتِلَت بحثا ونقاشا ايام مبارك، وحين لم تجد من يقبل بها أو يتبناها او يتخذها على محمل الجدية حتى فى (اسرائيل)، انتهى بها الحال الى ارشيف المهملات. ولكن مع ذلك قامت الجريدتان بإعادة نشرها على نطاق واسع فى وقت متزامن مع العدوان الصهيونى على غزة عام 2012، وسط حملة شعواء تستهدف شيطنة الفلسطينيين وتتهمهم بالطمع فى ارض سيناء، من اجل التشويش على التضامن المصرى غير المسبوق مع الشعب الفلسطينى.
وفى ذات حملة الشيطنة تم حينها توظيف كارثة اصطدام اتوبيس مدرسة بأحد القطارات بمحافظة اسيوط فى 17/11/2012 ووفاة ما يقرب من 50 طفلا جراء الحادث، واستخدامها فى المزايدة على من يدعمون الفلسطينيين ضد العدوان الصهيونى، بان الاولوية هى التضامن مع اطفال اسيوط واهاليهم. وكأن هناك تناقض بين التعاطف مع الضحايا فى مصر وفلسطين وفى كل مكان فى ذات الوقت.
***
ثالثا ـ من يطلق هذه الشائعة ولماذا؟
ومنذئذ، كلما فتح أحدهم أو بعضهم هذا الملف القديم المتهافت وحاول الاستشهاد بمشروع جيورا ايلاند، أسارع الى البحث عمن يريد توظيفه فى صراعاته مع خصومه السياسيين.
وبعد استبعاد واستثناء كل الوطنيين المصريين القلقين من تكرار ما فعلته السلطة فى تيران وصنافير، فان هناك عديد من الاطراف التى قد تستفيد من انتشار هذه الشائعة:
·       فهناك اولا من يريد افساد وضرب العلاقات الحميمة والتاريخية بين الشعبين المصرى والفلسطينى، وعلى رأسهم بالطبع الصهاينة وحلفائهم فى مصر وفلسطين.
·       وهناك السلطة الفلسطينية بقيادة ابو مازن التى تسعى دائما الى شيطنة فصائل المقاومة الفلسطينية فى غزة وافساد علاقتها مع مصر والمصريين.
·       وهناك من يرى ان طرح هذا الموضوع الان قد يساعد على قبول الراي العام المصرى لأي تسوية امريكية صهيونية حتى لو كانت بدون القدس وبدون نصف الضفة الغربية طالما ابتعدت عن سيناء وارضها.
·       وهناك بالطبع الجماعات الانفصالية فى سيناء، التى تريد ان تنزع الشرعية عن جهود الدولة لاسترداد سيادتها المهدورة هناك بسبب القيود الامنية فى اتفاقيات كامب ديفيد، من خلال الترويج لأكذوبة ان الجيش يريد السيطرة على سيناء تمهيدا لتسليمها الى (اسرائيل) وامريكا لتقوما بتوطين الفلسطينيين فيها.
·       وهناك اخيرا ممن يعارضون السيسى، من يوظف لذلك كل الادوات والاساليب والاخبار والشائعات حتى لو لم تكن حقيقية.
الى هؤلاء الأخيرين، اوجه كلامى فى النقطة التالية والاخيرة.
***
رابعا ـ المعارضة الحقيقية لا تفبرك الشائعات وانما تمحصها:
اما عن المعارضين لعبد الفتاح السيسى وانا منهم، فان هناك قائمة طويلة من الأسباب الحقيقية لرفض ومعارضة نظامه وسياساته:
·       على راسها انه تلميذ نجيب وعضو اصيل فى جماعة كامب ديفيد، وموقفه شديد السلبية من فلسطين وقضيتها ومقاومتها ناهيك عن انه قام بتعميق وتوطيد علاقته باسرائيل الى درجة غير مسبوقة، وصفتها فى أكثر من موضع بالعصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية.(2)
·       وكذلك قام باخلاء الحدود الدولية لإقامة المنطقة العازلة التى كانت (اسرائيل) تطالب بها منذ سنوات طويلة. وكان مبارك نفسه يرفضها. (راجع مقال اخلاء سيناء مطلبا اسرائيليا)(3)
·       وأيضا قيامه بالتنازل عن جزيرتى تيران وصنافير المصريتين لمملكة آل سعود وولى عهدها محمد بن سلمان، ضاربا عرض الحائط بأحكام الدستور وبالأمن القومى المصرى وبالغضب الشعبى وبحكم المحكمة الادارية العليا.
·       ثم قيامه بالارتداد على ثورة يناير، واجهاض كل مكتسباتها والعصف بالحقوق والحريات والزج بكل من شارك فيها فى السجون والمعتقلات لا فرق فى ذلك بين مدني واسلامى.
·       وكذلك ملف السياسات الاقتصادية والخضوع لتعليمات نادى باريس وصندوق النقد الدولى، التى أدت الى مزيد من افقار الفقراء وضرب دخول ومدخرات غالبية المصريين ودفع قطاعات واسعة جديدة من الطبقة المتوسطة الى مراتب الفقر.
·       والقائمة تطول.
ومع وجود كل هذه التناقضات ومبررات ودوافع التصدى والمعارضة، فاننا لسنا فى حاجة الى اختراع وتلفيق قضايا غير حقيقية، فالحقيقة تكفي وتزيد. كما أن التلفيق او الاستسهال فى نقل اخبارا غير صحيحة يفقدنا مصداقيتنا لدى الراى العام، وهي الشئ الوحيد الذى تبقى لنا بعد ان تم تجريدنا من كل أدوات الفعل والتأثير والتعبير، انها مصداقية ثمينة وعزيزة علينا ان نصونها ونحرص عليها.
***
ولنختتم هذه السطور بالتأكيد مجددا على ان اشقاءنا فى فلسطين لا يطمعون فى ارضنا وانما فى دعمنا لنضالهم وهم يقفون وحدهم فى مواجهة العالم أجمع.
*****
الروابط :

القاهرة 26/6/2018

الأحد، 24 يونيو 2018

ليس لصفقة القرن اى علاقة بفلسطين



ليس لصفقة القرن اى علاقة بفلسطين
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

الذين يشغلون بالهم ليلا نهارا بالبحث والتفتيش والحديث عن خفايا وأسرار صفقة القرن، ويقدمون التحليلات والتكهنات ويهرولون وراء الشائعات، لا يقتربون من الحقيقة من قريب او بعيد.
فالصفقة لا تخص فلسطين ولا تتضمن بناء أى نوع من السلام الفلسطينى الاسرائيلى، ولا تتضمن بناء دولة فلسطينية على أى جزء من الضفة الغربية أو على أى جزء من سيناء او غيرهما، ولا تطرح "ابو ديس" بديلا عن القدس الشرقية، ولا تتحدث عن تبادل الاراضى، ولا تعنيها فلسطين من قريب ولا بعيد. حتى لو ورد كل ذلك فى ثرثرات مسئولين امريكان او صهاينة او عرب.
الصفقة ببساطة وباختصار هى دمج اسرائيل فى المنطقة بدون ان تعطى أى شئ للفلسطينيين، من اجل بناء وتأسيس علاقات سلام وتطبيع عربى اسرائيلى لمواجهة "اكذوبة المخاطر المشتركة" فى المنطقة المتمثلة فى ايران وداعش والاسلام الراديكالى المتطرف كما صرح بذلك ترامب ونتنياهو عشرات المرات.
ان صفقة ترامب لا تعدو ان تكون تحقيقا لحلم (اسرائيل) القديم بتحرير علاقاتها مع الدول العربية من المسألة الفلسطينية.
***
كما انه بالعقل وبالمنطق، لماذا تقبل (اسرائيل) بأى صفقة، تضطرها الى التنازل ولو عن شبر واحد من الضفة الغربية، وهى التى تستطيع ان تبتلع مزيد من اراضيها كل يوم؟
ما هى القوة أو الدوافع أو المكاسب او الضغوط أو الأطراف التى تدفعها الى ذلك؟ فى ظل  حالة الوهن أو التواطؤ العربى الرسمى، التى عبر عنها بوضوح رئيس أكبر دولة عربية، حين قال "ليس بوسع مصر اليوم أن تفعل شيئا فى مواجهة القرار الأمريكى، لازم نشتغل ونكبر لكى يكون لنا تأثير".*
***
أما هذه الزيارات واللقاءات والتصريحات والدعايات التى تطلقها الشخصيات والوفود الامريكية كل يوم، فليس لها هدف سوى تمهيد الراى العام العربى لانسحاب رسمى عربى كامل من اى دعم لفلسطين، والتطبيع الكامل مع (اسرائيل) تحت ذريعة ((ها نحن قد حاولنا ان نجلب لكم شيئا ولكنكم رفضتم، فحلوا عنا واذهبوا انتم وقضيتكم الى الجحيم.))
وهو نفس السيناريو الذى قامت به مصر فى مفاوضات كامب ديفيد عام 1978، حين عقدت اتفاقيتين منفصلتين احداهما اتفاقية حقيقية تخص مصر، والثانية ورقة صورية تخص فلسطين وتعطى سكان الضفة الغربية وغزة نوعا من الحكم الذاتى تحت الاحتلال الاسرائيلى، وهو ما رفضه الفلسطينيون جميعا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فاتخذتها الادارات المصرية المتعاقبة منذئذ ذريعة للانسحاب التام من اى مسئولية لتحرير فلسطين ومن يومها والاعلام الرسمى المصرى، يعاير الفلسطينيين بأنهم قبلوا عام ١٩٩٣ ما سبق وجلبه لهم السادات عام ١٩٧٨ ورفضوه.
وهو سيناريو كان معروفا ومتوقعا، حيث أن فلسفة اتفاقيات كامب ديفيد وغايتها الاساسية هى انسحاب مصر من الصراع العربى ضد (اسرائيل) ومشروعها الصهيونى.
***
وحيث ان تكرار هذا السيناريو اليوم، لتمرير التحالف العربى الاسرائيلى الجديد وتمزيق مبادرة السلام العربية الصادرة عام 2002، يتطلب رفضا فلسطينيا قاطعا يتم شيطنته والتشهير به عربيا لاظهار الموقف الفلسطينى بمظهر المتصلب الذى لا يريد حلا، والذى يضيع الفرصة تلو الأخرى من يديه... فكان لابد من وضع السلطة الفلسطينية واى فصيل أو مسئول فلسطينى فى موقف يجبرهم على الرفض القاطع.
وهناك جاء توقيت قرار نقل السفارة الامريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة موحدة لاسرائيل، ليستهدف بالأساس عزل الموقف الفلسطينى عن الموقف الرسمى العربى التابع على طول الخط للادارة الأمريكية، والذى على استعداد لبيع ألف فلسطين من اجل رضا وحماية ودعم الأمريكان للعروش العربية.
***
ولقد كان اول من نادى بضرورة دمج اسرائيل فى المنطقة، هو عبد الفتاح السيسى على هامش مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة عام 2015، حين صرح بالنص الصريح باهمية توسيع السلام مع اسرائيل، من اجل مكافحة الارهاب الذى يهدد الجميع، فى اول تصريح لمسئول عربى يفصل بين السلام مع اسرائيل وبين اقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
وهو ما اعقبه مباشرة قيام كل من نتنياهو ومجلس الوزراء الاسرائيلى بتوجيه رسالة شكر رسمية لرئيس الدولة المصرية.
***
ولقد سبق أن طرحت ذات المعنى فى مقال قديم بعنوان"سلام ولكن بدون فلسطين"** نشرته فى فبراير 2017 واستشهدت فيه بالورقة التى اعدها مستشار الامن القومى الامريكى المستقيل" مايكل فلين" هو وفريق عمله، والتى تتحدث عن تأسيس منظمة جديدة باسم ((منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر)) لتكون بمثابة حلف عسكرى جديد تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية وعضوية مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، تحتل فيها اسرائيل صفة المراقب، وتكون لها ثلاثة أهداف محددة هى القضاء على داعش، ومواجهة ايران، والتصدى للإسلام المتطرف. وهى بمثابة إتفاقية دفاع مشترك، يكون الإعتداء على أى دولة عضوا فى المعاهدة، بمثابة إعتداء على الدول الأعضاء جميعاً، كما ورد بالنص فى الورقة المذكورة.
***
خلاصة القول أن معركتنا الحقيقية اليوم، ليست الهرولة والتيه وراء الثرثرات والتسريبات الزائفة والمغرضة للادارات الأمريكية والاسرائيلية والعربية حول ما يسمى بصفقة القرن، وانما هى التصدى بكل ما لدينا من صلابة وامكانيات لكل ترتيبات التطبيع والتحالف العربي الاسرائيلي الجارية اليوم على قدم وساق.
*****

الروابط :
القاهرة فى 24 يونيو 2018



السبت، 16 يونيو 2018

تأميم الفقراء



تأميم الفقراء
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

ليس التأميم اجراءً تتخذه الدول والانظمة فى مواجهة الأغنياء فقط، على غرار قرارات التأميم التى تصدرها الانظمة الاشتراكية او تلك التى اصدرها جمال عبد الناصر فى يوليو ١٩٦١.
وإنما هناك انواع أخرى من التأميم أشد قسوة من ذلك بملايين المرات، مثل تأميم الدولة لدخول ومدخرات عامة الشعب من الفقراء والطبقات المتوسطة.
وهو ما فعلته السلطات المصرية فى السنتين الماضيتين، تحت عنوان الإصلاحات الاقتصادية حين قامت بتعويم الجنيه ورفع الدعم ورفع الاسعار تنفيذا لتعليمات صندوق النقد الدولى.
***
ففى حالة الأغنياء، يتم استيلاء الدولة على ثرواتهم سواء كانت شركات أو مصانع او مزارع أو أراضى او عقارات او ارصدة مالية فى البنوك او اسهم فى البورصة..الخ.
اما فى حالة غالبية المصريين اليوم فلقد تم تأميم ما يقرب من ٨٠ ٪ من دخولهم ومدخراتهم ان وجدت.
فاذا افترضنا ان مواطنا مصريا كان دخله ١٠٠٠ جنيها فى الشهر، عام ٢٠١٦ فان القيمة الفعلية لدخله اليوم قد اصبحت حوالى ٢٣٠ جنيها.
وتفصيل ذلك، انه اذا كان التعويم قد أدى الى خفض قيمة الجنيه امام الدولار من ٨ الى ١٨ جنيه للدولار الواحد، فان هذا يعنى ان الألف جنيها القديمة قد صارت قوتها الشرائية 444 جنيها جديدا.
فاذا علمنا أن دخله قد تقلص مرة أخرى بعد رفع الاسعار على امتداد العامين الماضيين بنسبة تقترب من ٩٠ ٪، حيث ارتفع، على سبيل المثال، سعر بنزين 92 من 3.5 جنيه عام 2016 الى 6.75 جنيه فى ثانى ايام عيد الفطر المبارك الموافق 16 يونيو 2018 !
فانه بحسبه بسيطة ستتقلص القوة الشرائية للجنيه مرة اخرى من واحد الى 0.52، ليتقلص وينكمش دخل المواطن المقهور من 444 جنيه الى 231 جنيه.
وبمعادلة واحدة بسيطة لمن يهوون الرياضيات فان مرتبه قد تقلص كالتالى :
 1000 ج × 8/18(تعويم) × 3.5/6.75 (اسعار) = 230 جنيه تقريبا
***
اى ان ٧٧٪ من دخول ومدخرات المصريين قد انتقلت من ذممهم المالية الى خزائن الدولة (بالغاء الدعم ورفع الاسعار)، او الى خزائن الاقتصاد العالمى ممثلا فى شركات متعددة الجنسية (بتعويم الجنيه امام الدولار).
فماذا يمكن ان نسمى ذلك سوى انه عملية تأميم بامتياز، تصادر بموجبه الدولة ٧٧ قرشا من كل جنيه يتحصل عليه المواطن، هذا بالطبع بخلاف الضرائب والتأمينات والذي منه وآخرها ضريبة القيمة المُضافة.
***
لقد جرى العرف ان يرحب أنصار الفقراء من المؤمنين بالاشتراكية او بالعدالة الاجتماعية بتأميم ثروات كبار الرأسماليين الذين يستأثرون بثروات ومقدرات البلاد ويمتصون عرق ودماء غالبية الشعب.
اما تأميم الفقراء على طريقة صندوق النقد الدولى واتباعه من السلطات والانظمة الحاكمة فى مصر والاردن وعديد من البلدان الفقيرة، فانه لا يعدو ان يكون بمثابة عملية تصفية واغتيال اقتصادى وطبقى فى وضح النهار، تجرى على قدم وساق فى حماية القهر والاستبداد السياسى.
*****



القاهرة فى 16 يونيو 2018


الثلاثاء، 12 يونيو 2018

الحالة (ج)




الحالة (ج)
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

(ج) هو اسم المنطقة فى سيناء المجاورة للحدود الدولية مع فلسطين المحتلة.
وبهذا المعنى فان (ج) فى هذه السطور ترمز لأي أراضي عربية منزوعة او مقيدة السلاح بموجب معاهدات او قرارات دولية أو سياسات امريكية لحماية امن (اسرائيل).
***
ونظرة مدققة لأحوال العالم العربى، ستكشف كيف أن غالبية الدول العربية وأراضيها اصبحت مناطق (ج) تخضع لنظرية الأمن الاسرائيلى بطريقة أو بأخرى:
1)   فى مصر وبموجب الملحق الامنى فى اتفاقيات كامب ديفيد ١٩٧٨-١٩٧٩ تم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، حيث تم تقسيمها الى ثلاث شرائح طولية (ا) و (ب) و (ج)، لا يسمح لمصر باكثر من 22 الف جندى و 230 دبابة فى المنطقة (أ) المجاورة لقناة السويس، و4000 عسكرى حرس حدود فقط مسلحين بأسلحة خفيفة فى وسط سيناء المسماة بالمنطقة (ب)، وشرطة فقط فى المنطقة (ج)، الا باذن اسرائيل كما هو الوضع الحالى فى اطار التنسيق الأمني المصري الإسرائيلي لمكافحة الارهاب فى سيناء.
2)   فى الأردن نصت اتفاقيات وادى عربة، على عدم انسحاب المستوطنين الاسرائيليين من اراضى اردنية وهى منطقة الباقورة/نهاريم في الأغوار الشمالية، ومنطقة الغمر/تسوفار في وادي عربة جنوبًا وبقائهم فيها تحت حماية الشرطة والقوانين والسيادة الاسرائيلية الفعلية تحت مسمى الايجار لمدة 25 سنة قابلة للتجديد.
3)   وفى الضفة الغربية المحتلة، تم تقسيمها بموجب اتفاقيات اوسلو الى ثلاث مناطق (A) وتخضع للسيطرة مدنية وأمنية فلسطينية 18 % من مساحة الضفة، و (B) سيطرة مدنية وأمنية فلسطينية اسرائيلية مشتركة 21 % من مساحة الضفة، و(C) تخضع بشكل كامل لسيطرة مدنية وامنية اسرائيلية منفردة وهى تمثل 61 % من مساحة الضفة الغربية. (هذا على الورق، أما على الأرض فان الضفة تخضع كلها لسيطرة قوات الاحتلال).
4)   اما فى غزة فان الحصار القاتل والحروب الثلاثة الكبرى التى شنتها اسرائيل عليها اعوام 2008 و2012 و 2014 كانت تستهدف نزع سلاح المقاومة، بمباركة ومشاركة، وياللعجب، اطراف عربية وفلسطينية.
5)   وفيما يتعلق بالموقف الصهيونى من قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، فان نتنياهو كثيرا ما يصرح، بأنه حتى اذا وافقت (اسرائيل) يوما ما على اعطاء الفلسطينيين "دولة ما" قابلة للحياة، فانها يجب ان تكون منزوعة السلاح.
6)   فى لبنان وبعد العدوان الصهيونى عام ٢٠٠٦ وحرب الـ 34 يوما ورغم انتصار المقاومة اللبنانية، صدر قرار مجلس الامن رقم 1701 الذي نص على اخلاء الجنوب اللبنانى حتى نهر الليطانى من قوات حزب الله، بدون أن ينص على انسحاب مماثل للقوات الاسرائيلية داخل فلسطين المحتلة، ليتم مرة أخرى مكافأة المعتدى.
7)   بعد حرب ٢٠٠٨ـ ٢٠٠٩ التى يسميها العدو الصهيونى بعملية "الرصاص المصبوب" على غزة والتى ارتقى فيها ما يزيد عن 1500 شهيد، وقعت الولايات المتحدة واسرائيل الاتفاقية الاستراتيجية الامنية المعروفة باسم اتفاقية "ليفنى ـ رايس" والتى نصت على فرض رقابة أمنية وعسكرية بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو وتعاون الدول العربية والاقليمية، على النطاق الجغرافى الممتد من جبل طارق الى باب المندب الى شرق افريقيا لحظر وصول أى سلاح للمقاومة الفلسطينية فى غزة. (وهى اتفاقية واحدة فقط من عشرات الاتفاقيات الأمنية الاستراتيجية بين امريكا واسرائيل).
8)   وفى سوريا بطبيعة الحال لا يحتاج الصهاينة الى منطقة منزوعة السلاح لتأمين كيانهم، اذ تقوم الجولان تحت الاحتلال بهذا الدور وأكثر. ناهيك عن الاعتداءات الاسرائيلية الدورية لقصف وتدمير مواقع ومصانع ومخازن للاسلحة السورية.
9)   وفى ذات السياق تأتى الغارات التى لا تتوقف عن الدول العربية من أول تونس 1985 و1988و2016 الى العراق 1981، مرورا بالسودان اعوام 1998 و2009 و2012 ...الخ بدون أن تواجه (اسرائيل) بأى انتقام أو رد فعل عربى مماثل، أكثر من التصريح الشهير "بأننا نحتفظ لأنفسنا بحق الرد".
10)          وفى الولايات المتحدة، هناك قانون عتيق وشهير فى الكونجرس يحظر على أى صفقة سلاح أمريكية الى الشرق الأوسط أن تخل بالتفوق العسكري الإسرائيلي على كل الدول العربية مجتمعة.
11)          وهو ما يتم التحكم فيه فى حالات مثل مصر والاردن على سبيل المثال، من خلال المعونة العسكرية التى يقدمها الامريكان لكل منهما، بعد توقيعهما اتفاقيات سلام مع (اسرائيل)، والتى تمكنهم من التحكم فى ميزان القوى العسكرية والحفاظ على التفوق الاسرائيلى وذلك من خلال التفرقة والتمييز فى حجم المعونة ونوعية السلاح وحداثته وامكانياته وقطع الغيار، بالإضافة الى اشتراط حظر استخدامه فى مواجهة حلفاء الولايات المتحدة وعلى راسهم (اسرائيل) بطبيعة الحال. وهي ذات المواصفات والقيود التى تنطبق على صفقات الاسلحة الامريكية التى تقدر بمئات المليارات من الدولارات الى السعودية ودول الخليج.
12)          ثم أخيرا وليس آخرا يأتى الدعم الأمريكي الاوروبى للسلاح النووى الاسرائيلى مقابل حظره وتحريمه على أى دولة أخرى فى الشرق الاوسط.
والأمثلة كثيرة.
***
والخلاصة هى أن المبدأ الحاكم فى المنطقة هو أن القوى العسكرية العربية هى شأن أمريكى/اسرائيلى محض؛ تراقباه وتقيداه وتتحكما فيه على قاعدة الحفاظ على التفوق الاسرائيلى الى ما شاء الله.
فى حين انه على الجانب الآخر، لا تجرؤ أي دولة عربية على الاعتراض او التعقيب على الدعم العسكرى الغربى اللامتناهى لإسرائيل وفقا لمنطق هذا قدرنا الذي لا قبل لنا به.
والغريب هنا، ان هذا لم يكن هو حالنا بعد هزيمة 1967، فلقد كانت ارادة الحرب والمقاومة هى المبدأ والقاعدة السائدة مصريا وعربيا، ولم تخترقنا جرثومة اليأس والاستسلام الرسمى العربى الا بعد حرب 1973 !
***
مناسبة كتابة هذا الكلام اليوم، هو الصدمة التى ضربت غالبية الشعوب العربية، من عجز دولها وانظمتها وحكامها أمام الجرائم والعربدة الاسرائيلية اليومية وأمام القرار الأمريكى الأخير بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية فى اطار ما يسمى بصفقة القرن، وما صاحبها من وقاحة أمريكية منقطعة النظير مثل سخرية السفيرة الامريكية الصهيونية "نيكى هايلى" من الضعف والعجز والخوف العربى، وتجاهلها للتحذيرات الدولية من ردود فعل الدول العربية والاسلامية حين قالت: "ان السماء لا تزال فى مكانها ولم تسقط على الارض بعد نقل السفارة."
فوددنا أن نؤكد لكل هؤلاء المصدومين أن السبب الرئيسى لما نحن فيه ليس هو التفوق العسكرى الاسرائيلى، وانما هو الاستسلام العربى الرسمى الكامل والمزمن لهذا الوضع.

وهو ما يطرح عديد من الأسئلة:
1)   هل هذا قدرنا بالفعل؟ والى متى؟ وهل يمكن ان يستمر هذا الوضع لقرن آخر يمتد الى حياة احفاد احفادنا؟
2)   ام اننا يمكن ان ننجو ونخرج منه فى المنظور القريب؟
3)   وإذا كان هناك مخرجا، فما هو السبيل؟
4)   وإذا لم يكن هناك املا كبيرا قريبا، لا قدر الله، فما العمل؟ وما هى المهام والادوار الملقاة على عاتق القوى الوطنية فى هذه المرحلة وفى مواجهة هذا الوضع؟
5)   وماذا يمكن ان تفعل الشعوب المقهورة والمستبد بها، اذا كان هذا هو حال القابضين على مقاليد السلطة والقوة فى بلادهم؟
***
وفى ختام هذا الحديث، لسنا فى حاجة الى التأكيد، بطبيعة الحال، على ان الحالة (ج) المزرية للوضع العربى الرسمى، لا تنطبق بأى حال من الأحوال على الشعب الفلسطينى، الذي يبهرنا باشتباكاته المستمرة مع الاحتلال، ونجاحه فى أن يصنع ويحقق معادلة عبقرية فى توازن الردع، رغم الفارق الهائل فى القوة العسكرية،
*****
القاهرة فى 12 يونيو 2018