بحث فى المدونة

الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

هل اصبح الامريكان هم خير اجناد الارض؟

محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

"لا يوجد جيش على وجه الارض يستطيع ان يواجه الجيش الامريكى".
هكذا قالها فى سلاسة شديدة وبدون خجل، السيد عبد الفتاح السيسى فى حديثه مع قناة CNN . قالها فى سياق اجابته على سؤال المذيع حول مدى كفاية الدور الامريكى فى مواجهة داعش.
فاختار الرجل أن يجيبه بأنه "على الرغم من ان الجيش الامريكى اقوى جيوش العالم، لا يقدر عليه اى جيش نظامى آخر، ولكن الأمر مختلف فى مواجهة الجماعات الارهابية."
قال ذلك، رغم أنه كان هناك أكثر من صيغة أخرى يستطيع ان يعبر بها عن ذات المعنى، بدون أن يكيل المديح  لأمريكا وجيشها.
ولكنه اختار هذه الصيغة مع عديد من التصريحات الأخرى المماثلة التى أطلقها فى زيارته الأخيرة، والتى أثارت موجة من اللغط  و الاعتراضات فى مصر والعالم العربى، مثل دعوته الى توسيع السلام مع اسرائيل.
ولا أعلم على وجه اليقين، اى من هذه التصريحات على وجه التحديد، هى التى راقت للرئيس الأمريكى أوباما، ودفعته الى النزول من المنصة للسلام على السيسى شخصيا لتحيته وشكره على التصريحات التى أدلى بها لوسائل الاعلام الامريكية، وفقا لما نقلته لنا وكالات الأنباء المصرية والعالمية.
***
وربما سأل سائل، أليس هذه هى الحقيقة، فلماذا نغالط أنفسنا؟
حتى لو كانت هذه هى الحقيقة، فانه لا يليق أبدا أن تصدر مثل هذه التصريحات من اى مسئول، خاصة من رئيس دولة كمصر، ورجل ذو خلفية عسكرية ووزير الدفاع السابق. لا يصح أن نخاطب أى دولة فى العالم، بان جيوشنا لا تستطيع ان تواجه جيوشكم، حتى لو لم نكن معها فى حالة حرب.
خاصة وأن الولايات المتحدة كانت ولا تزال هى "العدو الاول" لكل شعوب العالم الثالث، وفى القلب منها الأمة العربية، وفى القلب منهما مصر. ولا أود هنا اعادة وتكرار تفاصيل حكايتنا معها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، التى يعلمها الجميع.
ولكن الأهم من ذلك هو ان القوة والقدرة والنصر فى تجاربنا التاريخية وفى حضارتنا وثقافتنا العربية والاسلامية دائما ما تكون من نصيب أصحاب الحق وأصحاب الارض، مهما بلغت قوة المعتدى أو المحتل. كما أن من الثوابت فى معتقداتنا ومعاركنا الوطنية وتراثنا القديم والقريب أن "الله أكبر فوق كيد المعتدى".
كما أن مثل هذه الاحاديث الودودة والوديعة عن الامريكان والغرب واسرائيل التى يكررها السيسى كثيرا، تضرب فى العمق كل الشعارات الوطنية الزائفة التى تطنطن بها اجهزته الاعلامية والسياسية ليل نهار. ناهيك على انها اصبحت تسبب حرجا بالغا لقطاع كبير من مفوضيه وأنصاره، خاصة أولئك الذين روجوا له على أنه خليفة عبد الناصر.
***
ورغم كل ذلك، فاننى أصدقكم القول ان فى كلامه جانب من الحقيقة، على الأقل فى وطننا العربى. فالجيوش العربية لم تنجح أبدا فى التصدى للمشروع الأمريكى فى المنطقة، ولم تنجح فى تحقيق أهداف الأمة وأحلامها فى تحرير فلسطين والحفاظ على الاستقلال العربى الذى تحقق جزئيا بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى العكس منها، نجحت كل حركات التحرير التى أشركت شعوبها فى المعركة، فى تحقيق انتصارات حاسمة على مستعمريها، وأكبر مثال على ذلك هى الحرب الفيتنامية التى أذاقت الأمريكان الأمرين وطردتهم شر طردة من بلادها.
ولذا طُرِحَت فكرة حرب التحرير الشعبية بقوة بعد نكسة 1967، ولكن لم يتم تبنيها وتفعيلها من قبل الانظمة العربية، التى اختارت ان تتصدى بنفسها لإعادة بناء جيوشها والإعداد للمعركة، لازالة آثار العدوان.
وكانت النتائج بائسة:
·       ففى حرب 1973 التى تعتبر المثال الذى يحتذى به للانتصارات العربية، قبلت مصر وقف اطلاق النار بعد الاختراق الاسرائيلى للجبهة الغربية فى ثغرة الدفرسوار، وأعلن السادات فى خطابه بعد الحرب بأيام معدودة، انه اكتشف انه يحارب امريكا منذ 10 ايام، وانه يعلن بصراحة انه لا يستطيع ان يقاتل امريكا، وهو ما كرره مبارك لقادة المعارضة بعد توليه الحكم مباشرة لتبرير تمسكه باتفاقيات كامب ديفيد. وهو موقف يتناقض تماما مع روح المقاومة الشعبية المصرية التى تجلى فى معارك كثيرة اشهرها معركة السويس 1973 وبورسعيد 1956 وغيرها. بالإضافة الى معارك مقاومة كامب ديفيد والتطبيع التى كانت القوى الوطنية المصرية تخوضها الى وقت قريب.
اذن سرقوا منا النصر العسكرى المحدود الذى حققناه فى حرب اكتوبر، وانتهى بهم الامر الى تسليم مصر تسليم مفتاح للأمريكان، والصلح والتطبيع والتنسيق مع العدو والاعتراف بشرعية اسرائيل والتنازل لها عن فلسطين 1948، بل والتحالف معها اليوم فى مواجهة العدو الارهابى المشترك.
·       وفى الاردن طرد النظام الملكى هناك المقاومة الفلسطينية من اراضيه خوفا من تورط جيشه فى حرب لا يريدها مع اسرائيل، رغم انها اغتصبت منه الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية فى 1967.
·       وفى سوريا قام النظام بتجميد حربه مع اسرائيل بعد انسحاب مصر من المعركة، بذريعة اختلال موازين القوى، وانه لا حرب بدون مصر. بل وشارك فى حصار واضعاف المقاومة الفلسطينية فى لبنان فى السبعينات، مما ساهم فى هزيمتها ونفيها من لبنان عام 1982.
·       وفى العراق سقطت الدولة والجيش فى بضعة ايام امام الغزو الامريكى فى 2003، لتبقى المقاومة الشعبية العراقية وحدها فى الميدان، قبل ان يتم اغراق العراق فى حروب اهلية وطائفية.
·       وفى ليبيا، قام القذافى بعد ايام من الغزو الامريكى، وخوفا من ذات المصير، بالاعتراف والاعلان عن اسلحته الكيميائية وتدميرها.
·       وفى لبنان نجحت المقاومة وليس الجيش فى تحرير الجنوب من الاحتلال الصهيونى، وحققت صمودا باسلا فى حرب تموز 2006.
·       وفى فلسطين صمدت المقاومة الفلسطينية امام حروب الابادة وأعمال القتل والاغتيال والحصار والتجويع التى لم تتوقف منذ سنوات طويلة، بل استطاعت فى معركتها الاخيرة فى صيف 2014، ان توجه ضربات موجعة للعدو.
هذه هى بعض القشور من قصتنا فى الاربعين عاما الماضية، قصة عجز أنظمتنا بكل مؤسساتها العسكرية والمدنية عن تحقيق اى انتصار حاسم فى مواجهة العدو. فسرعان ما يتوقفون فى منتصف المعركة ويستسلمون ويخضعون للضغوط، ويتراجعون وينسحبون ويقدمون التنازلات .
***
ان فشل وهزيمة واستسلام الانظمة العربية امام الكيان الصهيونى ومشروعه، هى حقيقة ثابتة تجسد مأساتنا العربية فى أجلى صورها: "انتصار 6 ملايين صهيونى على 350 مليون عربى، وسرقة جزء عزيز من الارض العربية امام اعيننا وطرد شعبها، والابتلاع اليومى لما تبقى منها وسرقة مقدساتها، وتحول اسرائيل الى القوة الاقليمية العسكرية العظمى فى المنطقة، التى يخشى الجميع بأسها ويتسابقون سرا وعلانية لاسترضائها والتحالف معها."
لم يستطع النظام العربى الرسمى بكل جيوشه وأسلحته المكدسة، وبكل هيبته وجبروته وهيلمانه ومؤسساته وحكامه، ان يمنع الغزو الامريكى للعراق، أو يحاصر المشروع الصهيونى ويهزمه، أو يطرد الامريكان من المنطقة. بل أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هى قاهرة الجيوش العالم وخير أجناد الأرض، و قائدة الأمة، وصاحبة الكلمة الأولى والأخيرة. وهى المتبوع الاكبر، والحليف الرئيسى، والراعى الرسمى لأمن وعروش الانظمة العربية، ومالكة صكوك الغفران والشرعية والاعتراف الدولى للحكام، والقادرة الوحيدة على حشد الجيوش العربية فى حملاتها الاستعمارية المتجددة ضد الشعوب العربية.
*****
القاهرة فى 30 سبتمبر 2015

موضوعات مرتبطة:


الاثنين، 28 سبتمبر 2015

الدعوة السيساوية لدمج اسرائيل فى المنطقة

هذه الدعوة السيساوية لدمج اسرائيل فى المنطقة
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

دعى عبد الفتاح السيسى فى حديثه مع وكالة أسوشيتدبرس على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للامم المتحدة، الى توسيع عملية السلام مع اسرائيل لتشمل دولا عربية أخرى، فى سياق حديثه عن ضرورة تعاون كل دول "الشرق الأوسط" لمكافحة الارهاب الذى يهدد الجميع.
ليؤكد بشكل علنى ولأول مرة ما سبق وردده نتنياهو كثيرا، من ان هناك دولا عربيا كبرى، فى اشارة الى مصر والسعودية والخليج، ترغب فى التحالف الاستراتيجى مع اسرائيل ضد العدو المشترك المتمثل فى الإرهاب.
وبالفعل التقط نتنياهو الخيط منه فورا وأصدر بيان رحب فيه بدعوة السيسى. ونشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر النص التالى "ترحب الحكومة الإسرائيلية بدعوة رئيس مصر السيسي لتوسيع دائرة السلام مع إسرائيل لتشمل دولاً عربية أخرى ونتنياهو بانتظار أبو مازن لدفع السلام".
وهو ما يذكرنا بمسرحية زيارة السادات الى القدس، ومقولته الشهيرة، باستعداده الى الذهاب الى اقصى مكان فى الارض، بل الى القدس ذاتها من اجل السلام. وهى الكلمات التى انتهت بكارثة اتفاقيات كامب ديفيد.
وفى حقيقة الأمر أن السيسى ليس بعيدا ابدا عن السادات، فهو يحرص بشكل ملفت بل ومبالغ فيه، كلما أتيحت له الفرصة، على تقديم نفسه الى الغرب على انه خليفة السادات والراعى العربى الاول للسلام مع اسرائيل.
فلقد وصف السلام بين مصر واسرائيل فى ذات الحديث "بالهائل و العظيم". وان لا احد منذ 40 عاما كان يتوقعه هكذا. وهو المعنى الذى كرره كثيرا فى مناسبات متعددة، مثل حديثه فى مؤتمر دافوس فى يناير 2015عن عبقرية السادات فى مبادرته للسلام. و أيضا ما قاله من قبل من ان السلام اصبح فى وجدان المصريين، وانه لا عبث فى هذا الموضوع، الى آخر عشرات التصريحات والمواقف المماثلة التى صدرت منه على امتداد العامين الماضيين.
***
ما هو وجه الخطورة فى هذه الدعوة التى وجهها السيسى؟ وما الجديد فيها؟
خطورتها تتمثل فيما تطرحه من "رؤية عربية غير مسبوقة ومختلفة" لاسرائيل، ليست بصفتها دولة احتلال وفصل عنصرى وكيان ارهابى دأب على ارتكاب جرائم حرب وإبادة فى حق الفلسطينيين والشعوب العربية، وليست بصفتها دولة مزروعة ومعادية وشاذة وغريبة ومصيرها الى زوال. بل بصفتها دولة طبيعية فى المنطقة تتعرض لذات التهديدات الارهابية التى نعانى منها جميعا، وهو ما يخلق فيما بيننا روابط أمنية و مصالح مشتركة فى مواجهة هذه المخاطر.
ويزيد من خطورتها صدورها من مسئول عربى، وليس اى مسئول فهو رئيس اكبر دولة عربية.
لقد ضرب السيسى بهذه الدعوة رقما قياسيا جديدا فى التنازلات العربية التى بدأت بكامب ديفيد مرورا باتفاقيات اوسلو ووادى عربة ثم مبادرة السلام العربية عام 2002.
أما اليوم فمرحبا بإسرائيل جارة و"شقيقة" فى مواجهة العدو المشترك الذى يهددنا جميعا. مرحبا بها ولو لم تقبل باقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. مرحبا بها رغم ابتلاعها لمزيد من ارض الضفة الغربية كل يوم. ورغم كل جرائم الحرب التى ارتكبتها فى غزة فى صيف 2014 وما قبلها. ورغم كل ما ترتكبه اليوم من تقسيم زمانى للمسجد الاقصى كمقدمة لتهويده تهويدا كاملا.
لنكون امام مشهدا غريبا ومزريا، يقوم الصهاينة باقتحام المسجد الاقصى، فنكافئهم بالدعوة الى توسيع السلام معهم، بدلا من أن نسحب السفراء، ونقطع العلاقات، او حتى نلوح بقطعها.
***
وليحتل الموقف العربى الرسمى مرتبة دنيا جديدة فى عصر الانحطاط العربى:
فالموقف الذى بدأ بلا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف. وحتمية تحرير فلسطين العربية من النهر الى البحر. والكيان الصهيونى ومشروعه يهددان مصر و الامة العربية كلها وليس فلسطين وحدها.
ثم تراجع الى مبدأ "خذوا ارض 1948 وأعطونا ارض 1967" الذى اسموه كذبا وتضليلا مبدأ "الارض مقابل السلام".
اصبح اليوم هو " السلام مقابل المشاركة فى مكافحة الارهاب".
مع العلم بطبيعة الحال ان الارهاب فى المفهوم الصهيونى هو "المقاومة الفلسطينية للاحتلال"
***
لقد رفضنا التنازلات التى قدمها السادات ومبارك من اجل استرداد سيناء؛ رفضنا مقايضة سيناء بفلسطين، رفضنا الاعتراف باسرائيل والصلح والتطبيع معها، وسحب مصر من الصراع العربى الصهيونى، رفضنا نزع وتقييد سلاح سيناء وقواتها، رفضنا تسليم مصر للأمريكان.
فهل يُعقل أن نقبل اليوم تنازلات عبد الفتاح السيسى الجديدة لاسرائيل، والتى لم تتوقف لحظة منذ توليه المسئولية، مقابل تدعيم شرعيته الشخصية وشرعية النظام الذى يؤسسه، لدى ما يسمى بالمجتمع الدولى.
هَزُلت
*****

                                          القاهرة فى 28 سبتمبر 2015

الخميس، 17 سبتمبر 2015

العصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية

بعد 37 سنة من كامب ديفيد: العلاقات المصرية الاسرائيلية فى عصرها الذهبى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

بعد ما يزيد عن ثلث قرن على توقيع اتفاق كامب ديفيد، واربع سنوات على ثورة شعبية حقيقية، تغيرت أمور كثيرة، وبقيت الاتفاقيات المصرية الاسرائيلية ثابتة، عصية على التغيير، تحتل مكانة "محرمة" على الجميع وفوقهم، فوق الشعب والدولة والرؤساء والأحزاب والثورة، وفوق الدساتير والقوانين.
تعلوها لافتة هائلة وصارمة مكتوب عليها "ممنوع الاقتراب، ممنوع اللمس."
لتتأكد ظنوننا سنة بعد سنة، وعقد وراء عقد، أن المعاهدة مع اسرائيل هى المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر، وهى العامود الرئيسى للنظام المصرى، والمحظور الأكبر على الجميع.
تستطيع ان تسقط الرؤساء، وأن تطالب باسقاط النظام، ولكن محظور على الجميع الاقتراب من كامب ديفيد.
بعد الثورة فى 2011، هبطت علينا مئات الوفود الاجنبية، الامريكية والاوروبية، وكان السؤال الأول والرئيسى للجميع، هل تلتزم بالسلام مع اسرائيل؟
وفى الشهور القليلة  التى سبقت 30 يوينو 2013، كان السؤال الرئيسى الذى وجهه "جون ماكين"الى جبهة الانقاذ ، ما موقفكم من معاهدة السلام؟
وبالطبع جاءت اجابات الجميع مرضية ومطمئنة للامريكان والاوروبيين وكل حلفاء اسرائيل!
وفى السنتين الماضيتين، كان للتقارب غير المسبوق مع اسرائيل، والتنسيق معها أمنيا واستراتيجيا، الدور الأكبر فى بناء الشرعية والقبول الامريكى والدولى للنظام الجديد.
قبل ثورة يناير، صرح الدكتور/مصطفى الفقى المستشار السابق لمبارك، بأن اى رئيس لمصر يجب أن توافق عليه امريكا وتقبل به اسرائيل.
وبعد الثورة، لم تختلف الأمور.
لكن الاضافة التى يقدمها النظام الحالى تحت قيادة عبد الفتاح السيسى، عمن سبقه، بما فيهم السادات والمبارك، انه يطرح ويتعامل مع المعاهدة، على انها من أهم الثوابت السياسية لمصر، ويكرر دائما بأنها اصبحت فى وجدان كل المصريين، بعد أن كان النظام منذ عام 1979 يتعامل معها، بقاعدة "مُكره أخاك لا بطل".
وفى نقاش مع أحد "خبرائهم" العسكريين السابقين، قال : اننا فى مصر كنا نتعامل دائما مع اسرائيل على انها تحدى، ولقد آن الأوان لأن نتعامل معها على انها فرصة. (!)
***
لقد ذهب السيسى الى أبعد مدى وصل اليه أى رئيس سابق فى التقارب مع اسرائيل والتنسيق معها:
·       قام بإخلاء الحدود الدولية، وقام بتهجير سكانها، لينفذ الطلب الاسرائيلى القديم بانشاء منطقة عازلة، رغم ما يمثله ذلك من خطر جسيم مع عدو متخصص فى اغتصاب واستيطان الاراضى العربية.
·       انحاز الى اسرائيل فى عدوانها على غزة فى صيف 2014، وشارك فى احكام الحصار عليها، فهدم الانفاق التى رفض مبارك هدمها، مع اغلاق المعبر العربى الوحيد لأهلها.
·       علق اعادة اعمار غزة، على شرط نزع سلاح المقاومة، حين اشترط ان تتسلم السلطة الفلسطينية مسئولية غزة، وهى التى تلتزم بموجب اتفاقيات اوسلو، بنزع السلاح الفلسطينى.
·       وجه اعلام الدولة، لشيطنة والطعن فى كل ما هو فلسطينى، لتصبح فلسطين هو العدو، واسرائيل قطر شقيق.
·       قام أنصاره، برفع عدة دعاوى قضائية لتصنيف المقاومة الفلسطينية كمنظمات ارهابية، فى اول سابقة مصرية أو عربية من نوعها.
·       اعرب عن تفهمه للمخاوف الاسرائيلية من الاتفاق النووى الايرانى.
·       وفى سابقة هى الأولى من نوعها، قامت اسرائيل بالدور الرئيسى، بالتعاون مع اللوبى الصهيونى فى امريكا، بالضغط على الادارة والكونجرس الامريكيين، لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر، بعد ان كانت منذ السادات تحرض على وقفها او ربطها بحزمة من الشروط والمطالب الاسرائيلية.
·       تروج أبرز مراكز الابحاث الصهيونية فى الولايات المتحدة، للنظام المصرى وتدافع عنه. مثل معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى.
·       ردد نتنياهو عدة مرات ان هناك علاقات ومصالح وتحالفات استراتيجية بينه وبين مصر ودول عربية أخرى، فى مواجهة العدو المشترك المتمثل فى الارهاب الفلسطينى. وهو ما يكرره أيضا عديد من القادة والكتاب الاسرائيليين.
·       ذكر البنتاجون أن أسباب الافراج عن الطائرات الاباتشى لمصر، هى الدفاع عن الامن المصرى الاسرائيلى الامريكى المشترك.
·       من ضمن الاسباب التى ذكرتها الولايات المتحدة لسحب قواتها من سيناء، ان العلاقات المصرية الاسرائيلية أصبجت ممتازة اكثر من اى وقت مضى، ولم تعد فى حاجة الى وسيط امريكى.
·       صرح السيسى لمنابر اعلامية اوروبية انه فى حالة قيام دولة فلسطينية على حدود 1967، فانه على استعداد لارسال قوات مصرية لطمأنة اسرائيل.
·       اعاد احياء الخطاب العنصرى التضليلى الذى استخدمه السادات لتبرير بيع فلسطين فى كامب ديفيد، بان مصر ضحت وتأذت كثيرا من اجل فلسطين، وانه آن الأوان ان تنتبه لمصالحها.
·       يتفاخر أمام الاعلام والوفود الغربية بأنه كثير الاتصال برئيس الوزراء الاسرائيلى.
·       وقال لقناة فرنسا 24 ((لن نسمح ان تستخدم اراضينا لشن هجمات على اسرائيل جارتنا)) وان ((انشاء المنطقة العازلة كان ضرورة قديمة تأخرت كثيرا)) وانه ((من كان يتوقع منذ 40 سنة ان السلام بين مصر واسرائيل سيستقر بهذا الشكل؟))
·       هو ساداتى حتى النخاع فيما يتعلق بالعلاقات مع اسرائيل؛ قال بالنص، أمام مؤتمر دافوس فى يناير 2015((مكانش حد قادر يسافر فى عقل ووجدان الرئيس السادات، لما طرح تصوره للسلام، مكانش حد قادر يشوف ده، لكن الزمان والتغير والسنين أكدت صواب رؤيته وعبقرية فكرته))
·       أعاد السفير المصرى لاسرائيل، بعد أربع سنوات من سحبه على خلفية العدوان الصهيونى على غزة فى نوفمبر 2012.
·       أعاد فتح مقر جديد للسفارة الاسرائيلية بعد أربع سنوات من اغلاق مقرها، ورضخت ادارته للمطلب الاسرائيلى بإعادة فتحها فى ذات يوم اغلاقها على أيدى شباب الثورة فى 9 سبتمبر 2011، كرسالة مكايدة وتحدى للمصريين الذين حاصروا السفارة غضبا لاستشهاد 5 جنود مصرين على ايدى اسرائيل فى 18 اغسطس 2011
·       حرص وزير البترول المصرى، الذى اصبح اليوم هو رئيس الوزراء الجديد، على طمأنة اسرائيل بعد اكتشاف حقل الغاز المصرى، بأن الاكتشاف الجديد لن يؤثر على مشروعات استيراد مصر للغاز الاسرائيلى.
·       وعديد من الأمثلة والدلائل الأخرى...
·       ولكن الأخطر من كل ذلك، انه يؤدى هذا الدور، تحت شعارات ورايات الوطنية والاستقلال، بينما كان كل من السادات ومبارك على الأقل واضحين، يعلنان صراحة أن 99% من أوراق اللعبة فى أيدى أمريكا.
*****
القاهرة فى 17 سبتمبر 2015


الأحد، 13 سبتمبر 2015

أوسلو .. يوم أسود فى تاريخ فلسطين

أوسلو .. يوم أسود فى تاريخ فلسطين
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

كانت توقيع القيادة الفلسطينية، لاتفاق أوسلو فى مثل هذا اليوم من عام 1993، هو أكبر ضربة تلقتها القضية الفلسطينية فى تاريخها، من حيث أنه أول تنازل يقدمه أى فلسطينى عن 78% من فلسطين للعدو الصهيونى، واول اعتراف فلسطينى بشرعية دولة اسرائيل، كما تضمن تنازل عن الحق فى المقاومة وحمل السلاح، والالتزام بالتفاوض طريقا وحيدا، وتعهد بمطاردة وتوقيف ومحاكمة كل من يقاوم اسرائيل، وتنفيذ كل طلبات العدو الأمنية، فى اطار ما يسمى بالتنسيق الأمنى المشترك.
***
ولم يكن مقبولا على أى وجه، التبريرات التى قدمها أبو عمار حينذاك، من أنه لم يكن هناك خيار آخر، بعد أن انسحبت مصر من الصراع، ووقعت اتفاقيات كامب ديفيد مع اسرائيل، وتواطأت هى وكل الدول العربية مع الولايات المتحدة واسرائيل، على طرد قوات المقاومة من لبنان عام 1982 ونفيها الى تونس بعيدا عن الارض المحتلة. وانهم على الأقل تمكنوا بموجب اوسلو، ان يعودوا الى الارض المحتلة، وأصبح بإمكانهم مرة أخرى أوراقا سياسية للضغط والمناورة، بعد أن كانوا قد تم تجريدهم منها تماما بعد نفيهم فى 1982.
***
فرغم أننا نتفق على أن الجريمة العربية الأولى والكبرى فى حق فلسطين، هى اتفاقيات كامب ديفيد، التى باعت فلسطين لاسرائيل، مقابل انسحاب اسرائيل من سيناء. وما تلاها من توابع فى اوسلو ووادى عربة ومبادرة السلام العربية 2002. الا هذا لا يمكن أن يكون مبررا للتنازل عن ارض الوطن المحتلة لقوات الاحتلال. لألف سبب وسبب، على رأسها أن لا أحد يملك صلاحيات التفريط فى الأوطان، من حيث أنها ملكية مشتركة بين كل الاجيال، لا يحق لجيل واحد، ولو بالاجماع، ان يتنازل عنها.
وأيضا، لأن الشعب الفلسطينى، أثبت على امتداد قرن من الزمان، انه قادر بعد كل ضربة أو نكبة أو نكسة، أن يقف على أقدامه مرة أخرى، وان يلد أجيالا جديدة من المقاومة، وهو ما حدث بالفعل فى انتفاضة الحجارة عام 1987، حين كان قادة المنظمة يتفاوضون على شروط التسوية والاعتراف. وتكرر ثانية مع انتفاضة الاقصى عام 2000 وما صاحبها من عمليات استشهادية، ومرة ثالثة فى مواجهة الاعتداءات الصهيونية المتكررة على غزة..الخ.
أما أبو عمار الذى تصور انه قادر على التحايل على اسرائيل وأوسلو، فلقد تم تصفيته واغتياله، مثله فى ذلك مثل كل قيادات المقاومة الذين رفضوا الاعتراف باسرائيل، مثل أبو جهاد وأحمد ياسين.
***
·      أما ما تبقى من اوسلو؛ فهو استيلاء اسرائيل واستيطانها لمزيد من الارض الفلسطينية فى الضفة الغربية، وحصار القدس باكثر من نصف مليون مستوطن يهودى، مع اجراءات حثيثة لتهويد القدس وتقسيم المسجد الاقصى. مع عدم إعادة دونم واحد للفلسطينيين.
·      وتم شق صف الشعب الفلسطينى، واخضاعه بالاضافة الى قوات الاحتلال، الى سلطة فلسطينية موالية لاسرائيل وتابعة لها، مهمتها الرئيسية هى مطاردة كل فصائل المقاومة، ووأد أى انتفاضات فى مهدها، و تأمين الساحة و اخلاءها أمام اسرائيل لتمكينها من ابتلاع ما تبقى من فلسطين.
·      وترتب عليها ايضا اعطاء ذرائع اضافية للأنظمة العربية لتسريع انسحابها من دعم الشعب والقضية، وتنازل عربى رسمى عن فلسطين 1948، بموجب مبادرة السلام العربية 2002، ومن قبلها وادى عربة  1994 الشقيقة الصغرى لكامب ديفيد واوسلو.
·      ثم ما تلى ذلك من التواصل العربى مع اسرائيل سرا، ثم التطبيع والتحالف معها علنا وفى وضح النهار. وتراجعت القضية الفلسطينية الى ذيل أذيال الأجندات العربية والاقليمية والدولية، بعد أن كانت على رأس أجندات الجميع، وتحولت اسرائيل الى قطر شقيق.
·      وترتب على اوسلو أيضا، أن سارعت عديد من دول العالم الى الاعتراف باسرائيل وبشرعيتها، وحقها التاريخى على ارض فلسطين، بعد أن رأت أن أصحاب الأرض أنفسهم يعترفون لها بذلك.
·      وترتب كذلك نشأة موقف دولى وعربى "رسمى"، يدين المقاومة الفلسطينية، ويصنفها كمنظمات ارهابية، ويشارك فى حصارها، ويحظر دعمها بالمال أو بالعتاد والسلاح. ويبارك سرا أو علانية كل أعمال الاغتيال والقتل والإبادة والتجويع التى تقوم بها إسرائيل للمناطق الحاضنة للمقاومة.
                                                       ***
ورغم كل ذلك، فانه لا خوف، باذن الله، على الشعب الفلسطينى، الذى لم يستسلم أبدا، ولم يتوقف عبر أجياله المتتالية، عن المقاومة لحظة واحدة، رغم كل ما تعرض له من ضربات واعتداءات، وغدر وخيانة.
*****

القاهرة 13 سبتمبر 2015