بحث فى المدونة

السبت، 25 فبراير 2017

هذه الحركة الانفصالية فى سيناء

هذه الحركة الانفصالية فى سيناء
محمد سيف الدولة

ماذا يريد هؤلاء القوم فى سيناء، أياً كانت أسماؤهم؛ داعش او ولاية سيناء او أنصار بيت المقدس؟
انهم يريدون فى النهاية الانفصال بسيناء عن مصر، لإقامة دويلة او إمارة تحت حكمهم.
وفى حالة نجاحهم فى ذلك لا قدر الله، سنجد سيناء فى اليوم التالى لانفصالهم، فى قبضة اسرائيل.
هذه هى حقيقة المعركة الدائرة فى سيناء، فى ظل الفراغ الأمنى والعسكرى الذى خلقته كامب ديفيد.
وما عدا ذلك تفاصيل.
***
1)   لا يغير من الموضوع شيئا ماهية الرايات الأيديولوجية والانتماءات الطائفية او القبلية لهذه الجماعات، أو الذرائع والادعاءات التى تطلقها فى رسائلها الاعلامية.
***
2)   كما لا يغير منه طبيعة النظام الحاكم فى مصر؛ فحتى فى ظل حكم الثورة المضادة، لا يمكن ان يقبل المصريون او ثوار يناير بكافة اطيافهم ومرجعياتهم وانتماءاتهم انفصال سيناء عن مصر، وهو ما ثبت وتأكد من مشاركة كافة القوى الوطنية بدون استثناء فى الدفاع عن تيران وصنافير والتصدى لمحاولة السيسى التفريط فيها، ولم يتخلف احد عن هذه المهمة الوطنية بذريعة ان الارض المصرية لا تستحق الدفاع عنها اذا كانت محكومة من قِبًّل نظام مستبد.
فالدفاع عن الاوطان ووحدة سلامة أراضيها واجب وطنى وشعبى مقدس، لا يتوقف على طبيعة النظام الحاكم. هو واجب فى ظل الأنظمة الديمقراطية او المستبدة، وفى ظل حكم الثورات او الثورات المضادة.
***
3) كما انه لا يغير من الموضوع شيئا، عمق الظلم والاستبداد والانتهاكات الامنية والاخلاء والتهجير وهدم المنازل التى يتعرض لها الاهالى هناك، فستظل سيناء مصرية، مهما ارتكبت الأنظمة والحكومات من جرائم تجاه شعوبها.
صحيح ان مثل هذه الممارسات تضعف الانتماء الوطنى وتساعد على خلق حاضنة شعبية لهذه الجماعات، ولكنها لا تعطي اى شرعية وطنية او دستورية او ثورية للمطالبة أو للمطالبين بها بالانفصال عن مصر.
ان الانفصال بسيناء مرفوض حتى لو كان النظام ينتهك حقوق اهالينا هناك ويعصف بحرياتهم...
لأنه اذا استبد النظام بالشعب استلزم الامر الثورة عليه لإسقاطه وليس التمرد على الدولة للانفصال عنها.
***
4) وفرق السماء والأرض بين الحركات الثورية والحركات الانفصالية. أهمها ان من شروط أى ثورة ان تشمل كل أراضى الوطن ومحافظاته، ولا تقتصر على جزء واحد منه. كما لابد أن تحمل مشروعا وبرنامجا يرفع الظلم عن الجميع ويتبنى مصالح و مطالب واحتياجات كل الشعب وليس قطاعا واحدا منه. لأنها تدرك أن الأوطان تكوينات تاريخية تقدمية، تشكلت عبر أجيال متعددة بعد ان عجزت كل التكوينات والاطوار الاجتماعية الأضيق منها والسابقة عليها مثل القبلية والعشائرية والقُطرية ان تحقق الامن والاستقلال والاستقرار للناس او تلبى احتياجاتهم المتعددة والمتجددة ابدا.
وبالطبع هذا لا يعنى ان تستسلم الشعوب لما تتعرض له من اضطهاد السلطات بحجة الحفاظ على الوطن والوطنية، ولكن يعنى ان تعمل الشعوب وقواها الحية على تحرير الاوطان من مستعمريها أو ظالميها فى اطار الحفاظ على وحدة أراضيها.
***
5) لكل ذلك وغيره الكثير، فان الحركة الانفصالية القائمة فى سيناء هى حركة معادية لمصر وللمصريين أياً كانت طبيعة النظام الحاكم، وأياً كانت الرايات التى يرفعها او الأسباب التى يدعيها الانفصاليون، ولذا فاننى أكاد اقطع بأن هؤلاء ليسوا سوى أدوات (لاسرائيل) فى سيناء او على اقل تقدير هم مخترَقون من اجهزتها الاستخبارية حتى النخاع.
***
6) أضف على ذلك طبيعتهم الوحشية، ولا أقول الارهابية، لأننى لم أعد أطمئن الى مثل هذا التوصيف، بسبب الاضطراب والخلط الشديد الذى يحيط به، بعد ان اصبح الجميع يستخدم تعبير الارهاب والارهابيين والجماعات الارهابية لوصف أعدائه أو خصومه السياسيين، وتستخدمه اسرائيل لوصف المقاومة، وتغزو امريكا وحلفاؤها اوطاننا بذريعة مكافحة الارهاب.
اما الوحشية فهى الوصف المناسب للعمليات الإجرامية التى تعلن هذه الجماعات الانفصالية تبنيها مثل تبنيها لتفجير الكنيسة البطرسية وقتل واستهداف المسيحيين فى العريش .
وهى جرائم تتوافق تماما مع المخططات الصهيونية لتفجير الصراعات الطائفية فى مصر والأقطار العربية والتى وردت بالتفصيل فى عديد من الوثائق الصهيونية، اشهرها وثيقة بعنوان "استراتيجية اسرائيل فى الثمانينات" قمت بنشرها منذ عدة سنوات بعنوان " الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية".
***
7) أما قيامها باطلاق صاروخين أو ثلاثة على (اسرائيل)، فهى لا تعدو أن تكون عمليات مسرحية لإضفاء طابع وطنى مزيف على نفسها، وهى لعبة لا تنطلى على احد، بعد أن ظلت لما يزيد عن أربع سنوات تقتل و"تطخطخ" فى الجنود المصريين بدون ان تطلق رصاصة واحدة على اسرائيل.
كما ان المستفيد الوحيد من مثل هذه الصواريخ هى (اسرائيل) التى تستخدم مثل هذه الحوادث لادعاء غياب الامن على حدودها وللمطالبة بتدويل قضية  الأمن فى سيناء.
أو قد يكون المستفيد منها كل من السلطة المصرية و(اسرائيل) معا، لتبرير وتمرير تحالفاتهم الامنية وشراكتهم الاستراتيجية فى مواجهة ما يسمونه بالمخاطر المشتركة.
***
8) ان التحديات والمخاطر القائمة منذ سنوات فى سيناء، والتى تتصاعد وتتعمق وتتعقد يوما بعد يوما، تتطلب برنامجا وطنيا وشعبيا يتضمن ثلاثة أهداف رئيسية:
الأول هو احياء وتصعيد المطالبات الوطنية بتحرير مصر وسيناء من قيود كامب ديفيد، بما يسمح بانتشار القوات المسلحة المصرية بالأعداد والتسليح والانتشار اللازمين على كامل ارض سيناء لمواجهة كافة انواع المخاطر والجرائم وانتهاك السيادة، بدون انتظار تصاريح أو أذونات من اسرائيل!
الثانى هو تنظيم مواجهة شعبية ضد هذه الحركات والجماعات الانفصالية بممارساتها الطائفية والوحشية وآخرها استهداف اخوتنا من المسيحيين هناك.
الثالث هو الدفاع عن اهالينا هناك فى مواجهة اى انتهاكات امنية ترتكبها السلطة وقواتها تعرض حياتهم للخطر أو تمس حقوقهم وحرياتهم وكرامتهم، من أجل الدفاع عن آدميتهم والحفاظ على وطنيتهم، ولتجنب تراكم اى مشاعر للكراهية لديهم قد تستغل لصناعة حاضنة شعبية للانفصاليين.
*****

القاهرة فى 25 فبراير 2017




الأربعاء، 22 فبراير 2017

بين الثوابت الوطنية والمكايدة السياسية

بين الثوابت الوطنية والمكايدة السياسية
محمد سيف الدولة

صرح وزير الدفاع الصهيونى أفيغدور ليبرمان ان (اسرائيل) قد قامت بقصف داعش فى سيناء، فانطلق البعض يتباكى على سيادة مصر الوطنية التى أهدرتها ودنستها الطائرة الاسرائيلية، وانطلق البعض الآخر لينكر الخبر ويتفاخر بوطنية السيسى ومؤسساته ونظامه الذين لا يمكن ان يسمحوا باى انتهاك للسيادة الوطنية.
***
منذ سنوات عديدة ونحن  نلعب معاً لعبة الوطنية الزائفة في كل ما يتعلق بـ (اسرائيل)، رغم ما نعلمه جميعا من عمق الهيمنة والتحكم الاسرائيلى في كل ما يدور فى سيناء، وكثير مما يدور فى مصر، منذ عام 1979، بموجب الاتفاقيات المصرية الاسرائيلية المشهورة باسم كامب ديفيد.
ولكننا كثيرا ما نتجاهل أو نتجنب الاقتراب من المشكلة الرئيسية، ونتمسك بالصغائر من باب المكايدة السياسية.
ولمن نسى أو تناسى حقيقة القيود المفروضة علينا فى سيناء، نذكره بها فيما يلى:
·       قيود على اعداد القوات وتسليحها وتوزيعها، بما يجرد مصر من المقدرة على الدفاع عن سيناء فى مواجهة أى عدوان صهيونى جديد مماثل لعدوانى 1956 و 1967.
·       ضرورة استئذان (اسرائيل) وموافقتها على اى زيادة فى القوات من حيث اعدادها وتسليحها ومناطق تمركزها وطبيعة مهماتها ومواعيد انسحابها.
·       يبلغ العدد المسموح به لمصر بموجب الاتفاقية 26000 فى منطقتى (أ) و (ب) بالاضافة الى شرطة فقط و 750 جندى حرس حدود فى المنطقة (ج) وفقا لاتفاقية فيلادلفيا 2005 . فى حين ان تأمين سيناء يحتاج لما يزيد عن عشرة أضعاف هذه القوات.
·       صرح السيسى مؤخرا فى اتصال هاتفى مع برنامج عمرو اديب ان اعداد القوات المصرية فى سيناء يتراوح بين 20 و 25 ألف. وهو ما يعنى انه لا زيادة فى الاعداد التى أذنت بها (اسرائيل) لمصر! وانما اقتصر إذنها فقط على اعادة توزيع القوات بين المناطق الثلاث. 
·       وجود قوات أجنبية فى سيناء لمراقبة القوات المصرية، لا تخضع للامم المتحدة، وانما تتبع الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، وليس من حق مصر المطالبة بانسحابها الا بعد موافقة اسرائيل.
·       بالإضافة الى اكراه الدولة المصرية على الاعتراف بشرعية دولة (اسرائيل)، والتطبيع معها والحفاظ على امنها، ومحاكمة كل من يهدد امنها او يحرض ضدها من الاراضى المصرية.( المواد الثانية والثالثة من المعاهدة.)
·       مصادرة وتأميم السياسة الخارجية المصرية لصالح اسرائيل، فللمعاهدة المصرية الاسرائيلية أولوية عن اتفاقيات الدفاع العربى المشترك وكل ما يماثلها، كما انه ليس من حق الدولة المصرية الدخول فى اتفاقيات لاحقة، تناقض الالتزامات الواردة فى كامب ديفيد (المادة السادسة من الاتفاقية.)
***
والقيود الأمريكية:
هذا بالإضافة الى القيد الأساسى الحاضر دائما رغم انه لم يرد نصا فى المعاهدة، وهو الخضوع الكامل للارادة الامريكية منذ 1974 حتى يومنا هذا بما يضمن الحفاظ على امن (اسرائيل) و مصالح الولايات المتحدة فى المنطقة، هذا الخضوع الذى يتضمن، بالإضافة الى امن (اسرائيل)، الشروط التالية:
·       احتكار الولايات المتحدة للتسليح المصرى، بما يضمن تفوق (اسرائيل) على مصر والدول العربية مجتمعة.
·       سيطرة نادى باريس وصندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية على الاقتصاد المصرى.
·       سيطرة رأس المال الاجنبى والمحلى على الثروات المصرية.
·       الالتزام بالترتيبات الامنية الاقليمية فى المنطقة وفقا للاستراتيجيات والتحالفات والاحلاف الامريكية.
·       اعطاء تسهيلات لوجستية للقوات الامريكية فى قناة السويس والمجال الجوى المصرى.
·       حتمية التزام مجمل النظام السياسى المصرى بكافة مؤسساته بما فيها رئيس الجمهورية بهذا "الكتالوج الأمريكى."
·       والباقى تفاصيل.
***
صحيح ان السيد عبد الفتاح السيسى، فى كل مواقفه وسياساته وانحيازاته، يثبت كل يوم انه مؤمن بهذا الكتالوج ومخلص له الى حد التطرف، خاصة فى علاقته مع (اسرائيل) التى يصفها نيتنياهو انها اصبحت بمثابة التحالف الاستراتيجى، الا أن الحكاية أقدم وأعمق وأخطر من السيسى ولقاءاته السرية، ومن تصريحات ليبرمان.
***
بعد هذه التذكرة السريعة والضرورية بحقيقة التبعية المزدوجة لمصر؛ التبعية العامة للولايات المتحدة، والتبعية الامنية لاسرائيل فى سيناء، لا أتصور انه من المقبول أن نركز أو نكتفى بالتفاصيل والصغائر والاعراض، ونتجاهل الاساسيات والكبائر والأمراض المزمنة.
انها كامب ديفيد يا سادة بتبعيتها وقيودها ونظامها وحكامها، فمن يرفضها عليه أن يبحث كيف يسقطها، أما ما دون ذلك، ففيه شبهة المكايدة السياسية بالإضافة الى ما فيه من  تضليل للرأى العام.
*****

القاهرة فى 22 فبراير 2017

الاثنين، 20 فبراير 2017

العلاقات السرية بين مصر واسرائيل

العلاقات السرية بين مصر واسرائيل
محمد سيف الدولة

"اجتمع السيسى ونتنياهو وَعَبَد الله وجون كيرى سرا فى الأردن فى فبراير ٢٠١٦."
خبر نشرته جريدة هآرتس الاسرائيلية وأكده نتنياهو، قبل ان يؤكده بيان من الرئاسة المصرية، فى صياغة مراوغة.
***
والسؤال هنا لماذا يلتقى السيسى سراً مع نتنياهو؟ ولماذا لم يلتقيا علانية وفى وضح النهار كما كان يفعل مبارك ومن قبله السادات؟
خاصة وانه بين النظام المصرى و (اسرائيل) معاهدة سلام منذ ١٩٧٩، ناهيك عن الاستراتيجية المعلنة التى يتبناها ويمارسها السيسى منذ توليه مقاليد الحكم فى التقارب غير المسبوق مع اسرائيل، والاشادة المتكررة بالسلام معها وبدفء العلاقات وعمق التنسيق والثقة والطمأنينة المتبادلة، بل انه دائما ما يتفاخر امام وسائل الاعلام الدولية بكثافة الاتصالات التليفونية الدورية بينه وبين رئيس الوزراء الاسرائيلى.
فلماذا تَخَفى هذه المرة وذهب الى العقبة الاردنية سراً للقاء نتنياهو؟
هناك احتمالان وراء ذلك، الاحتمال الاول هو انه كان يريد لأسباب نجهلها ان يلتقى نتنياهو وجها لوجه بعيدا عن اعين ورقابة مؤسسات الدولة المصرية، تحت غطاء التشاور حول السلام والقضية الفلسطينية.
وما يرجح هذا الاحتمال هو ما تم قبل هذا "الاجتماع السرى" ببضعة ايام، يوحى بانه كان يوجه دعوة مبطنة او يمهد لهذا الاجتماع؛ ففى لقائه بوفد القيادات اليهودية الامريكية بالقاهرة فى 11 فبراير 2016 وصف السيسى نتنياهو بالنص ووفقا لما تداولته وكلات الانباء  بأنه "زعيم وقائد لديه قوى جبارة، تساعده ليس فقط في إدارة دولته، وإنما يمكنها أن تحقق التقدم وتعزز المنطقة كلها والعالم".
بعدها بعشرة ايام، فى 21 فبراير 2016 التقى الاثنان سرا فى العقبة بالأردن بحضور الملك عبد الله وجون كيرى.
***
اما الاحتمال الثانى فهو ان نتنياهو هو الذى وجه الدعوة كما صرح بذلك بنفسه فى الايام الماضية، وان السيسى لم يتمكن من رفضها، فكيف يرفض لنتنياهو طلباً؟ خاصة وان اسرائيل هى الطرف الأكثر حماسةً وترويجاً له ولنظامه على المستويين الامريكى والدولى. ولكنه أراد أن يفعلها بدون ان يجرح الصورة الوطنية الزائفة التى يرسمها لنفسه هو و إعلامه.
***
ان العلاقات المصرية الاسرائيلية العلنية من سلام واتفاقيات وسفارات وتنسيقات وتطبيع وتجارة وصفقات...الخ، تكفى وحدها لتجريد اى نظام او حاكم مصرى من الشرعية الوطنية. فما بالنا بالعلاقات السرية؟
كما ان مجرد ان يكون اللقاء سرياً، أياً كان جدول أعماله، هو مصدر شك وريبة وقرينة على سوء النوايا.
ان مثل هذه العلاقات والاتصالات والمفاوضات السرية التى لم تتوقف لحظة بين العرب واسرائيل منذ بدايات المشروع الصهيونى على امتداد قرن من الزمان، لم تحمل لنا سوى كافة انواع الأضرار والشرور والتآمر على شعوبنا وأوطاننا واستقلالنا، والتى كانت تنتهى دوما بمزيد من التفريط والهزائم والتنازلات.
***
ان العلاقات السرية بين مصر واسرائيل لم تتوقف لحظة منذ نهاية حرب 1973، ولا تزال تفاصيل كثيرة من اتفاقيات كامب ديفيد غائبة ومحجوبة عن غالبية الراى العام المصرى رغم مرور ما يقرب من 40 عاما.
والصندوق الاسود لهذه العلاقات لا يزال مغلقا بالضفة والمفتاح، وحين تتسرب منه اى معلومة، فانه يكون وراءها كارثة جديدة مثل حق (الاسرائيليين) فى دخول سيناء والبقاء فيها 14 يوما بدون تأشيرة وفقا لاتفاقية طابا، واتفاقية فيلادلفيا 2005، وصفقة تصدير الغاز لاسرائيل، واتفاقيات الكويز، و اتفاقيات تيران وصنافير... ولكنها لا تمثل سوى قمة جبل الاسرار الذى لا نراه ويحظر علينا الاقتراب منه، ومن ذلك ملفات التنسيق الامنى والاستخبارى فى سيناء، وملف حصارغزة واستهداف نزع سلاحها وإخلاء المنطقة الحدودية لإقامة المنطقة العازلة... الخ، وربما يكون اخطرها ما يصرح به نتنياهو كثيرا من ان الدول العربية و (اسرائيل) اصبحوا حلفاء وليسوا اعداء، وما ارتبط بذلك من احاديث عن مشروع لتأسيس تحالف عسكرى اقليمى جديد او اتفاقية دفاع مشترك تجمع مصر والاردن والسعودية والخليج و (اسرائيل) تحت القيادة الامريكية لمواجهة ايران. 
***
على امتداد سنوات طويلة منذ الانحياز المصرى لاسرائيل فى عدوانها على غزة فى صيف ٢٠١٤ ونحن نناشد رفاقنا القدامى فى معارك مواجهة (اسرائيل) وكامب ديفيد والتطبيع وشركاءنا فى دعم فلسطين والمقاومة والانتفاضة وفى قوافل الاغاثة وفك الحصار..الخ ، ان يخرجوا عن صمتهم، ويعلنوا عن غضبهم ويتصدوا لسياسات نظام يسعى لبناء شرعيته الاقليمية والدولية من بوابة اسرائيل، ويزج بمصر فى مستنقع التحالف والشراكة الامنية والاستراتيجية مع عدوها الاستراتيجى.
فهل  يغضبون؟
*****

القاهرة 20 فبراير 2017

الجمعة، 17 فبراير 2017

سلام ولكن بدون فلسطين

سلام ولكن بدون فلسطين
محمد سيف الدولة

سلام بدون فلسطينيين ولا دولة فلسطينية ولا انسحاب من الاراضي المحتلة فى ١٩٦٧، ولا من أى جزء منها. سلام بين العرب و(اسرائيل) من أجل "مصالح مشتركة" ليس من بينها فلسطين والحقوق المشروعة للشعب الفسطينى ومركزية الصراع العربى الصهيونى، وكل هذا الكلام الذى عفا عليه الزمن!
فاسرائيل لم تعد دولة احتلال وفصل عنصرى وكيان استيطانى عنصرى ارهابى دأب على ارتكاب جرائم حرب وإبادة فى حق الفلسطينيين والشعوب العربية، وانما اصبحت دولة طبيعية صديقة من دول المنطقة تتعرض لذات التهديدات والمخاطر الارهابية التى تعانى منها دول الجوار العربى (وليس دول الطوق)، وهو ما يخلق فيما بينها مصالح مشتركة فى مواجهة هذه المخاطر.
***
هذه هى النسخة الحديثة من الموقف الامريكى الاسرائيلى المصرى العربى الموحد، الذى يتم التلميح به منذ فترة طويلة، الى ان تم تتويجه وإعلانه رسميا وصراحة فى المؤتمر الصحفى المشترك بين ترامب ونتنياهو.
ولقد كان أول من دعا الى هذه الفكرة هو عبد الفتاح السيسى فى حديثه مع وكالة أسوشيتدبرس على هامش الدورة 70 للجمعية العامة للامم المتحدة عام 2015، حين طالب بدمج اسرائيل فى المنطقة وتوسيع بتوسيع السلام معها، لتشمل دولا عربية أخرى، لمكافحة الارهاب الذى يهدد الجميع. ليكون بذلك اول عربى على وجه الإطلاق يفصل بين السلام مع اسرائيل وبين انسحابها الى حدود ٤ يونيو ١٩٦٧.
قبل ذلك كان الموقف الرسمى العربى الوارد فى مبادرة السلام العربية الصادرة فى مارس ٢٠٠٢، هو مبدأ الأرض مقابل السلام؛ فالانسحاب الاسرائيلى وإعطاء الفلسطينيين دولة على أرض 1967، هو شرط للسلام العربى مع اسرائيل والتطبيع معها. وكان هذه هو ايضا الموقف الرسمى المصرى حتى بعد معاهدة السلام. أما اليوم فالمبدأ المصرى/العربى الرسمى الجديد هو "أمن الأنظمة العربية مقابل السلام العربى الاسرائيلى."
ورغم ان الرأى العام الشعبى العربى والفلسطينى، عارض على الدوام موقف حكامه وأنظمته ورفض مبدأ الاعتراف بشرعية اسرائيل والصلح والسلام والتطبيع معها، وتمسك بكل ارض فلسطين التاريخية من النهر الى البحر، ولم ينخدع أبدا بشعارات السلام الزائفة ولم يتورط فى الرهان على جدوى مسارات التسوية فى اوسلو وأخواتها، الا ان سقف التنازلات المصرية الفلسطينية الاردنية العربية، لم ينخفض ابدا عن دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧ عاصمتها القدس الشرقية.
ولكن تصريحات السيسى وتوجهاته ومواقفه هو وغيره من الانظمة العربية فى السعودية والخليج، أكدت  ما كان يتردد كثيرا فى أحاديث وتصريحات نتنياهو عن حلفائه من الدول العربية الكبرى، وآخرها ما ورد فى مؤتمره الأخير مع ترامب حين قال بكل تفاخر أنه "لأول مرة فى حياته وفى حياة اسرائيل، ينظر العرب لهم كحلفاء وليس أعداء." وهو ما أثنى عليه ترامب فورا فى ذات المؤتمر، ليتفقا على ضرورة الاستفادة منه وتوظيفه والبناء عليه فى المرحلة القادمة، ولم ينسيا بالطبع ان يعلنا على هامش اللقاء وبكل تعالى وتجبر واستخفاف، انهاء حل الدولتين، فأمن الدولة اليهودية لا يحتمل وجود دولة فلسطينية الى جوارها، تحمل كل هذه الكراهية لاسرائيل.
***
هذه التمهيدات التى أطلقها السيسى و نتنياهو وغيرهما بمباركة ورعاية وتوجيه الولايات المتحدة بإداراتها المختلفة، اصبح لها اليوم مشروعات وتفاهمات وتطبيقات وخطوات محددة على الارض:
منها تلك الورقة التى أعدها الجنرال "مايكل فلين" مستشار الامن القومى المستقيل بمشاركة عدد من الشخصيات العسكرية والإستخبارية من أعضاء مركز لندن لأبحاث السياسات فى العاصمة الأمريكية واشنطن، ونشرتها جريدة الاهرام فى عددها الصادر بتاريخ 20 نوفمبر 2016 ، والتى تتحدث عن تأسيس منظمة جديدة باسم ((منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر)) لتكون بمثابة حلف عسكرى جديد تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية وعضوية مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، تحتل فيها اسرائيل صفة المراقب، وتكون لها ثلاثة أهداف محددة هى القضاء على داعش، ومواجهة ايران، والتصدى للإسلام المتطرف. وهى بمثابة إتفاقية دفاع مشترك، يكون الإعتداء على أى دولة عضوا فى المعاهدة، بمثابة إعتداء على الدول الأعضاء جميعاً، كما ورد بالنص فى الورقة المذكورة.
ولقد نشرت جريدة "وول ستريت جورنال" عرض وتحليل لهذا المشروع فى عددها الصادر 15 فبراير الجارى، ونقل عنها "معهد ستراتفور الامريكى للدراسات الاستخبارية والامنية" فى منشور تقدير موقف نشره فى ذات اليوم.
***
وعلى ذات المنوال نشرت جريدة الشروق المصرية سلسلة من المقالات لأحد الباحثين وثيقى الصِّلة بالأجهزة السيادية المصرية يدعو فيها صراحة الى شراكة مصرية اسرائيلية تحت القيادة الامريكية الجديدة! (شراكة وليس مجرد تطبيع!)
ناهيك عن سيولة التصريحات والمقالات المصرية التى تحتفى بالادارة الامريكية الجديدة، وتبشر بما سينال السيسى ونظامه من خير على يديها، الى درجة وصلت الى وصف بعضها للرئيس ترامب بالمهدى المنتظر!
***
ولا يزال غالبية المراقبين فى مصر يفسرون لغز التفريط الرسمى المصرى فى جزيرتى تيران وصنافير للسعودية، بانه لم يكن سوى خطوة على طريق بناء تطبيع سعودى اسرائيلى برعاية مصرية من بوابة التدابير الامنية الواردة فى اتفاقيات كامب ديفيد، كمقدمة ضرورية لبناء محور مصرى اسرائيلى سعودى فى المنطقة، وهو المحور الذى يصفه نتنياهو فى تصريحات متعددة بأنه تحالف قائم بالفعل.
***
وهو تحالف لم يبدأ اليوم، بل قبل ذلك بعدة سنوات، ولقد ظهر فى عشرات المواقف المصرية الرسمية، بدءا بالانحياز الى اسرائيل فى عدوانها على غزة 2014، ومرورا باغلاق المعبر فوق الارض رغم هدم الانفاق تحت الارض التى رفض مبارك نفسه هدمها، وكذلك تنفيذ المطلب الاسرائيلى القديم الذى رفضه مبارك أيضا بإخلاء المنطقة الحدودية من السكان لانشاء منطقة عازلة، بالاضافة الى شيطنة الفلسطينيين وتوصيف حركات المقاومة كمنظمات ارهابية مع رفض وصف مماثل لاسرائيل بالارهاب، وايضا وصف السيسى لنتنياهو بانه يمتلك من مقومات القيادة ما يؤهله لتطوير المنطقة والعالم بأسره! والتفاخر بالاتصالات التليفونية الدورية بينهما، وإعراب السيسى عن تفهمه لمخاوف اسرائيل من المشروع النووى الايرانى، وحديثه عن السلام الدافئ وعمق الثقة والطمأنينة القائمة اليوم بين الطرفين الى آخر سحب الوفد المصرى لقرار ادانة المستوطنات من مجلس الأمن، والقائمة تطول.
***
والسؤال البديهى اليوم هو عن ماهية الفوائد التى يمكن أن تجنيها مصر والدول العربية ويجنيها الأمن القومى المصرى والعربى، من هذا التحالف الانتحارى مع العدو الصهيونى  تحت القيادة الامريكية؟
فسيتم تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، وسيغتصب ما تبقى من الارض المحتلة، وستتوج اسرائيل عربيا كالقوة الاقليمية العظمى، وسترتكب مزيدا من المذابح لأهالينا فى فلسطين، وسيُضخ فى كيانها الصهيونى الباطل دماء جديدة تطيل فى عمره عقودا اضافية أخرى، وستستمر التبعية الامريكية وتتعمق، ونعود لعصر الاحلاف العسكرية بعد الحرب العالمية الثانية.
وكل ذلك فى مقابل أن ينال السادة من الملوك والرؤساء العرب مزيد من الرضا والقبول والاعتراف والحماية الامريكية.
*****

القاهرة 17 فبراير 2017