بحث فى المدونة

الثلاثاء، 30 أكتوبر 2018

كيف نواجه الصهاينة العرب؟



كيف نواجه الصهاينة العرب؟
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

ان الوصم بالصهيونية ليس سبا او قذفا فى حق الموصوم، وانما هو توصيفا فكريا وسياسيا لمواقفه ولانحيازاته؛ فالصهيونية هى عقيدة ونظرية استعمارية استئصالية عدوانية عنصرية تدعى ان هذه الارض الواقعة على حدود مصر الشرقية هى ارض (اسرائيل) وليست ارض العرب والفلسطينيين.

وهى بالطبع نظرية باطلة ومتهافتة، اما الحقيقة التى يتبناها الفلسطينيون وكافة الشعوب العربية، فهى ان هذه الارض الطيبة هى جزء لا يتجزأ من الامة العربية ثبت وتأكد وترسخ الحق الفلسطينى والعربى فيها بعد الفتح العربى الاسلامى منذ 14 قرن. وان كل الجماعات الأخرى التى كانت تعيش على هذه الارض قبل ذلك، إما أن تكون قد اندثرت او اندمجت فى الامة العربية الوليدة. وان الكيان الصهيونى ليس وطنا لما يسمونه زورا بالشعب اليهودى ولن يكون، وانما هو قاعدة عسكرية استراتيجية متقدمة للغرب الاستعمارى فى اوطاننا، تستهدف مصر والامة العربية بقدر استهدافها لفلسطين، وانه لا أمل فى تحرر وتقدم ووحدة هذه الأمة الا بانهاء المشروع الصهيونى والقضاء على كيانه، وتحرير كامل الارض المحتلة، وهو ما سيتم عاجلا ام آجلا وفقا لسنن التاريخ ونواميسه، وانه الى هذا الحين لا يحق لكائن من كان فى فلسطين او فى الوطن العربى ان يتنازل عن اى جزء من الارض المحتلة للعدو او يعترف به او يتصالح معه أو يسالمه، مهما اختلت موازين القوى الاقليمية والدولية.
ومن يفعل فانما هو يتبنى النظرية الصهيونية فى الصراع العربى الصهيونى، ويدعم الاحتلال وينحاز اليه ويحمى كيانه ويشرعن دولته الباطلة ويتواطأ معه ضد الحق العربى والفلسطينى، ويؤخر عملية التحرير ويهدر نضالات وبطولات وتضحيات شعوبنا على مر الأجيال.
***
ووفقا لكل ما سبق فانه رغم ان الصهيونية هى نظرية واحدة وواضحة ومحددة، نشأت فى أروقة الغرب الاستعمارى، الا انه قد تتعدد الحركات والجماعات والطوائف والشخصيات الصهيونية وفقا للسياسات والمواقف، فهناك صهاينة يهود وامريكان وأوروبيون وهناك صهاينة مسيحيون ومسلمون، وهناك ايضا صهاينة عرب وفلسطينيون.
فكل من يعترف بشرعية اسرائيل وحقها القانونى او التاريخى فى ارض فلسطين، هو صهيونى يتبنى ويعتنق الايديولوجية الصهيونية ولو كان عربيا او فلسطينيا.
***
ومن أخطر نكبات فلسطين وامتنا العربية الكريمة والعريقة، هو ان غالبية الحكام العرب اليوم أصبحوا يتبنون النظرية الصهيونية ويرددون روايتها ويدعمون سياساتها ومواقفها، سواء منهم من وقع اتفاقيات سلام مع (اسرائيل) واعترف بشرعيتها الباطلة أو من ينسق ويتحالف ويطبع معها سرا وعلانية.
أولهم كانت مصر كامب ديفيد ثم جماعة اوسلو الفلسطينية وأردن وادى عربة، واليوم ملوك وأمراء وسلاطين الخليج العربى، بدءا بالسعودية التى أثنى ترامب مؤخرا على دورها الايجابى تجاه (اسرائيل) ومرورا بقطر والامارات ونهاية بالسلطان قابوس الذى دنس تراب السلطنة باستقباله لنتنياهو.
***
تخيلوا معى ماذا كان يمكن ان يكون عليه الحال فيما لو كانت الاحزاب النازية الموالية لهتلر هى التى تحكم إنجلترا وفرنسا وامريكا والاتحاد السوفيتى إبان الحرب العالمية الثانية.
او ان يحكم كبار الرأسماليين ورجال الاعمال، الاتحاد السوفيتى بعد الثورة الشيوعية عام ١٩١٧. او ان يحكم الحزب الشيوعي الولايات المتحدة الامريكية كبرى الدول الرأسمالية فى العالم. او ان تحكم حركات المقاومة الفلسطينية دولة (اسرائيل)!!!
ان كل هذه الامثلة المستحيلة والعبثية تماثل الحقيقة الفاجعة التى نعيشها جميعا اليوم وهى سيطرة الصهاينة العرب على مقاليد الحكم والسياسات والقرارات والتحالفات فى بلادنا.
***
هكذا هو عمق المأساة والنكبة العربية الحالية، صهاينة غربيون قاموا بالعمل على اغتصاب فلسطين منذ ما يزيد من قرن من الزمان، واستطاعوا الاستيلاء على غالبية ارضها وتحويلها الى قاعدة عسكرية واستراتيجية امريكية لا يتعدى تعدادها 7 مليون صهيوني تعربد فى المنطقة كما تشاء وتحتل اراضينا وتستهدفنا وتهدد وجودنا وتضربنا وتعتدى علينا، مقابل ما يزيد عن 400 مليون عربي، مقيدون ومكبلون تحت حكم أنظمة تابعة وفاسدة ومستبدة تتبنى رؤية العدو وتتحالف معه خوفا او تواطأ دفاعا عن عروشها ومصالح حكامها.
***
لم يعد من المقبول ان نكتفي بمقاعد المتفرجين، نراقب فى صمت وحسرة "وباء" التطبيع العربي الرسمي الذي ضرب المنطقة في السنوات الاخيرة فى سياق مشروعات صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية وتأسيس ناتو عربى اسرائيلى تحت الرعاية الامريكية.
ولم يعد مقبولا ان نترك الشعب الفلسطيني يقاوم منفردا ووحيدا ماكينات الاحتلال والاستيطان والتهويد والقتل والحصار الصهيونى مع غدر وتواطؤ النظام الرسمى العربى.
فعلى كل القوى والحركات والشخصيات العربية الحية المناهضة للمشروع الأمريكي الصهيونى ان تتداعى على وجه السرعة للبحث فى والاتفاق على سبل المواجهة.
*****
القاهرة فى 30 أكتوبر 2018


السبت، 20 أكتوبر 2018

لا حول ولا قوة الا بالله



لا حول ولا قوة الا بالله
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

كم هو ضعيف وقليل الحيلة ورخيص الثمن والقيمة .. المواطن العربى فى بلادنا.
ريشة فى مهب الريح .. ليس له دية.
 بجرة قلم يمكن ان يكون فى خبر كان.
قصفا وابادة أو تصفية وقتلا واغتيالا او اعداما وخطفا واعتقالا أو مطاردة وحصارا وتشهيرا أو اذلالا وافقارا وتجويعا.
وكم هى طاغية وباغية ومتجبرة العائلات والسلطات والمؤسسات الحاكمة والمتنفذة فى بلادنا.
لا تعبأ بدستور وقانون او بحقوق وحريات،
وليس لديها عزيز او ممنوع او حرام،
لا تخضع لأى ردع أو رقابة او محاسبة أو نقد أو تعقيب.
وليس هناك حدود لما يمكن ان تفعله بشعوبها أو بمعارضيها.
المهم العرش والسطوة والثروة والنفوذ.
***
وكم هى مجرمة ومتواطئة ومحرضة تلك الدول المسماة بالدول الكبرى وذلك المجتمع المنافق المسمى بالمجتمع الدولى.
كل جرائم الارض وآثامها مباحة فى سبيل الهيمنة والسيطرة والمصالح والاستمرار فى نهب ثروات العالم.
***
وكم هى بائسة الشعوب المقهورة المحكومة بالحديد والنار، التى جردوها من ابسط مقومات الحياة الكريمة، ثم جردوها من ابسط وسائل الحماية وادوات التعبير والراي والقدرة على الدفاع عن نفسها وحياتها وحريتها ومصالحها والزود عنها.
***
وكم هى قذرة لعبة السياسة بكل ما فيها من تجارة ومتاجرين وكذب وكذابين وتضليل ومضللين ونفاق ومنافقين وارتزاق ومرتزقة.
***
رحم الله جمال خاشقجى ورحم كل شهداء وضحايا الاحتلال او الظلم أو الاستبداد.
وفك كرب كل اسير أو مسجون أو معتقل أو صاحب رأى.
*****

القاهرة فى 20 اكتوبر 2018


الخميس، 11 أكتوبر 2018

لماذا يكرر السيسى الرواية الاسرائيلية



لماذا يكرر السيسى الرواية الاسرائيلية
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

دأب قادة (اسرائيل) منذ عقود طويلة على الدفاع عن حقهم "الباطل" فى التمسك والاصرار على القيود والشروط التى فرضوها على مصر فى اتفاقيات كامب ديفيد مقابل اعادة سيناء، بذريعة ان القوات المسلحة المصرية لم تستطع ان تحرر فى حرب 1973 سوى بضعة كيلومترات قليلة شرق القناة، فاذا اراد المصريون بقية سيناء التى عجزوا عن تحريرها فى الحرب، فعليهم ان يدفعوا ثمن ذلك: "اعتراف بشرعية اسرائيل وصلح وسلام وتطبيع معها وانسحاب من الصراع العربي الصهيونى بالإضافة وهو الاخطر والاهم تقييد للقوات والتسليح المصرى فى سيناء الا باذن (اسرائيل)."
ولطالما يتفاخر الاسرائيليون بكل كذب ووقاحة وعجرفة: "بان العرب تعلموا الدرس جيدا وهو ان اسرائيل تجيد القتال، وانه لا يمكنهم ان يحصلوا منها على شئ الا بالمفاوضات".

ولكن ان يكرر ذات الرواية، رئيس الدولة المصرية امام العالم أجمع، كما فعل عبد الفتاح السيسى فى كلمته الاخيرة بالندوة التثقيفية المنعقدة صباح الخميس 11 اكتوبر 2018، فان هذا يمثل خطيئة كبرى فى حق مصر وشعبها وتاريخها النضالى وبطولاتها العسكرية وامنها القومى ومصالحها العليا المستقبلية فيما لو ارادت ان تتحرر من قيود وشروط كامب ديفيد.

حتى انور السادات نفسه لم يجرؤ على ترديد هذا الكلام، وكان يقدم رواية أخرى مفادها: "اننا كدنا ان نحقق النصر الكامل لولا تدخل الولايات المتحدة الامريكية ضدنا فى الحرب."
وفرق السماء والارض بين مقولة ان تدخل الامريكان كان هو العقبة، وبين ان تعلن على الملأ ان امكانياتنا لم تكن تسمح لنا بأكثر مما حققناه.
خاصة وأن موازين القوى مهما اختلت لا يمكن ان تمثل ابدا حائلا دون قدرة الشعوب على تحرير ارضها المحتلة، وتجارب استقلال مصر عام 1956 والجزائر عام 1962 وعديد من الاقطار العربية وبلدان العالم الثالث، رغم الاختلال الرهيب فى موازين القوى هى خير دليل على ذلك.
***
كما ان هذه الرواية التى يكررها كل من الاسرائيليين وعبد الفتاح السيسى، ليس حقيقية، فحرب اكتوبر كان من المفترض فى الاستراتيجية المصرية ان تكون جولة اولى، تستهدف عبور المانع المائى وهدم خط بارليف وتحرير ما تيسر من الارض شرق القنال كمرحلة اولى، لتكون بمثابة قاعدة للانطلاق فى مراحل تالية وجولات اخرى لم تكن لتتوقف قبل تحرير كامل الارض المحتلة.
ولكن كل هذا ذهب ادراج الرياح بعد قرار السادات الكارثى بنقل الفرقتين الاستراتيجيتين من غرب القناة الى شرقها والذى ادى الى حدوث الثغرة، وانكسار ارادة القيادة السياسية، والقبول بشروط (اسرائيل) فى اتفاق فض الاشتباك الاول فى 18 يناير 1974، والذى نص على انسحاب القوات المصرية التى عبرت فى الحرب والتى كان عددها وقتذاك 80 الف مقاتل وعودتها مرة اخرى الى غرب القناة مع ابقاء 7000 جندى فقط وانسحاب الدبابات المصرية كذلك وعددها ما يقرب من 1000 دبابة وابقاء 30 دبابة فقط، مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية التى قامت بالثغرة الى شرق القنال، مما كان له بالغ الأثر على اعداد وتسليح القوات التى سمحت بها المعاهدة لمصر فيما بعد عام 1979.

وحتى اذا كانت رواية (اسرائيل) والسيسى صحيحة، وهى ليست كذلك، فلا يصح ان تصدر علانية على لسان اى مسئول مصري، فما بالك حين يكون هو رئيس الدولة.
***
 لم يكتفَ عبد الفتاح السيسى للاسف بتبنى وترديد الرواية الاسرائيلية عن حرب 1973، بل بالغ فى واستفاض فى الحديث عن هزيمة 1967، اضعافا مضاعفة عن حديثه واشادته بنصر اكتوبر، فأسهب فى الحديث عن فرق القوة الهائل بيننا وبين اسرائيل حينذاك وشبهه بالفرق بين السيارة السيات والسيارة المرسيدس، وقال ان قرار الحرب فى ظل تلك الموازين كان بمثابة قرارا بالانتحار، فى تشبيه مجازى اراد منه ان يشيد بالمعجزة التى قام بها الجيش المصرى.
وكان من الممكن ان يكون سياق الكلام مقبولا، لو انه أكد فى نهاية هذا الكلام المستفيض عن ضعفنا العسكرى مقارنة باسرائيل عام 1973، ان الوضع اليوم اختلف وإننا اليوم اقوياء نتساوى ان لم نكن نتفوق فى الميزان العسكرى على اسرائيل، وان لا أحد يجرؤ اليوم على تكرار عدوان 1967...الخ.
ولكنه لم يفعل الا فى اشارة عابرة وخجولة، بل انه تحدث عن (اسرائيل) 1967 و1973 بصيغة "الخصم والطرف الآخر" اللذان كررهما أكثر من مرة، متجنبا تكرار كلمة "العدو" التى لم يذكرها الا مرة واحدة على استحياء.
***
ليست هذه هى المرة الاولى التى يردد فيها عبد الفتاح السيسى هذا الكلام الذى يكسر الشعوب ويضعف ثقتها بنفسها ويضرب روحها المعنوية ويضخم من قوة (اسرائيل) وينتقد ويهاجم التوجه والسياسة والسنوات التى كنا نعاديها فيها ونرفض الاعتراف بها او السلام معها ونصر على قتالها حتى النهاية، بل انه سبق ان قاله فى مناسبات عديدة؛ قاله فى مؤتمر الشباب الثالث بالاسماعيلية فى 26 ابريل 2017:
((الدولة دى انتدبحت سنة 1967... وتوقف تقدمها لسنوات
تصوروا لو كان السادات معملش السلام ..
وقت ما كان بيقول الكلام ده .. كانت الناس كلها بتقول الراجل ده خان القضية .. لكن الراجل ده كان قاعد مكانى هنا الله يرحمه وبيفكر فيها وفى مستقبلها وعرف ان الحل لا يمكن انه يكون الا بان احنا نفك نفسنا من الحروب والضياع وندور على مستقبل بلدنا))

وقالها ايضا فى الندوة التثقيفية للقوات المسلحة المنعقدة يوم السبت 28/4/2018 حيث قال بالنص:
(( بعد 1967 .. الوجدان اتشكل على عداوة شديدة (لاسرائيل) واستعداد للقتال للآخر (حتى آخر مدى) ..
مكانش فيه حد فى المنطقة وفى مصر يقبل بمبادرة السلام ال الرئيس السادات طرحها...
احنا بنتكلم (النهارده) بعد 50 سنة عندما تشكل وجدان جديد ووعى اخر وحالة جديدة فى نفوس الناس هى حالة السلام والتشبث به))

ناهيك عن تعليقه على قرار نقل السفارة الامريكية الى القدس الذى قال فيه:
((قرار نقل السفارة سيؤدى الى شئ من عدم الرضا والاستقرار..
بنتحرك فى حدود قدرتنا ..
وحطوا خط تحت حدود قدرتنا..
وعلى الفلسطينيين ان يحتجوا بطرق لا تؤدى الى سقوط ضحايا..
وعلى الإسرائيليين ان يكونوا اكثر حرصا فى عدم اسقاط ضحايا..
ولا يمكن لمصر ان تفعل شيئا .. علينا ان نعمل ونكبر لكى يكون لنا تأثير فى المستقبل ..))

وكذلك ما قاله فى المؤتمر الصحفى مع الرئيس الفرنسى ماكرون فى اكتوبر 2017 ردا عن سؤال حول حقوق الانسان فى مصر حين قال ((نحن لسنا فى اوروربا بتقدمها الفكرى والثقافى والحضارى))

هذا بالاضافة الى "التقطيم" الدائم للمصريين على غرار: احنا فقرا اوى .. واحنا شبه دولة .. الخ
***
لقد رفعت ثورة يوليو شعار: ارفع راسك يا أخى
ورفعت ثورة يناير شعار: ارفع راسك فوق انت مصرى
اما السيد عبد الفتاح السيسى فمن الواضح انه ليس من أنصار أن ترفع الشعوب رؤوسها أو تعتز بكرامتها".
*****

القاهرة فى 11 اكتوبر 2018



الجمعة، 5 أكتوبر 2018

كسبنا الحرب .. خسرنا الحرب ؟




كسبنا الحرب .. خسرنا الحرب ؟


محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

فى الأيام التالية مباشرة لوقف إطلاق النار فى حرب اكتوبر ١٩٧٣، انطلقت فى مصر حملتان دعائيتان متزامنتان من ذات المصدر، فكلتاهما أطلقتها اجهزة السلطة والنظام الحاكم، احداهما تصدرت الخطابات الرسمية والصحف القومية والمنابر الاعلامية الرسمية. والثانية انتشرت كالنار فى الهشيم بين كل قطاعات الشعب عن طريق عناصر الاجهزة الامنية المنتشرة فى كل مكان.
الاولى كانت تحتفى بنصر اكتوبر العظيم وخطة العبور والخداع الاستراتيجى والمعجزة العسكرية والقضاء على أسطورة خط بارليف الذى لا يقهر وبطولات الجنود المصريين وشجاعة وعبقرية القيادة السياسية  والقيادات العسكرية وكسر الهزيمة، وعودة الكرامة...الخ

والثانية تروج للنقيض تماما من رواية النصر، فتدعى اننا خسرنا الحرب، وان ما حدث اثبت اننا لا قبل لنا بقتال اسرائيل التى يدعمها الامريكان، وان القوات الاسرائيلية بعد الثغرة كانت على بعد بضعةً كيلومترات قليلة من القاهرة، وأنهم كانوا على وشك احتلالها لولا ستر الله، وانه اذا كان ربنا قد سترها هذه المرة، فلن تسلم الجرة كل مرة، وانه كفى عنترية وكفى فلسطين وكفى عرب وعروبة وكفى شعارات وطنية كاذبة، وكفى تحديا لموازين القوى الدولية، وكفى تحديا للامريكان، وكفى رهانا على الاتحاد السوفيتى وسلاحه الذى خذلنا فى الحرب، وكفى حروبا مع اسرائيل.
بل ان السادات قالها صراحة فى خطابه حين قال: "اكتشفت انى بقالى ١٠ ايام أحارب امريكا وانا مقدرش احارب امريكا."

وبالفعل نجحت هذه الدعاية الموجهة السوداء، فى اختراق الوعى العام الشعبى فى اكبر عملية غسيل جماعى لأدمغة المصريين، ليستقر فى وجدان قطاعات واسعة منهم أن حرب اكتوبر يجب بالفعل ان تكون اخر الحروب وان "احنا مش قد امريكا واسرائيل".

لنكتشف فيما بعد ان السادات ونظامه انما كانوا يمهدون للانسحاب من الصراع العربى ضد (اسرائيل)، وانهم ينوون ببيع فلسطين وقضيتها للصهاينة مقابل استرداد سيناء فى اطار توقيع اتفاقية صلح منفرد مع (اسرائيل)، يعترفون فيه بشرعية الوجود الاسرائيلى على ارض فلسطين 1948.

لم يكن نظام السادات ليجرؤ بطبيعة الحال على الأقدام على مثل هذه الخطوة، الا اذا استطاع كسر الناس وهزيمتهم هزيمة داخليا والقضاء على روحهم المعنوية تمهيدا للاستسلام الذى تم بعد ذلك بدءا بمفاوضات فض الاشتباك الاول فى ١٨ يناير ١٩٧٤ ومرورا بمفاوضات فض الاشتباك الثانى فى اول سبتمبر ١٩٧٥ وزيارة القدس فى 19 نوفمبر ١٩٧٧ وانتهاء بكامب ديفيد فى 17 سبتمبر 1978 ثم المعاهدة فى 26 مارس 1979.

ومنذ ذلك الحين، اصبحت القاعدة الاولى والمقدسة فى السياسة المصرية الرسمية، هى الخوف من (اسرائيل) والتبعية التامة للامريكان. وتم حظر تام لأى خطاب عن "الوطنية والعروبة وتحرير فلسطين والعدو الصهيونى"، واستبدل بخطاب السلام والواقعية والاعتدال والأمن المشترك و"المقاومة ارهاب" و "مصر اولا" الذى ثبت فيما بعد ان حقيقته الفعلية هى أن "اسرائيل اولا".

وتم اختصار هذا الصراع التاريخى الوجودى وتقليص كل الحكاية فى احتفالات موسمية تاتى كل عام فى ايام معدودات، من شهر اكتوبر، تخرج علينا فيها بعض المقالات والأقلام والبرامج لتحيى ذكرى النصر بشكل روتينى ومكرر، ولتشيد بالقوات المسلحة المصرية، ولتضع أكاليل الزهور على قبر الجندى المجهول، بدون ان تسمح لكائن من كان ان يطرح الأسئلة الحقيقية حول ما آلت اليه احوالنا اليوم بعد ان تقزم دور مصر بينما اصبحت (اسرائيل) هى القوة الاقليمية العظمى فى المنطقة وتكاد ان تبتلع ما تبقى من فلسطين. ويأتى على رأس هذه الأسئلة السؤال المحظور فى مصر منذ ٤٥ عاما وهو:
 "كيف ولماذا رفضت مصر المهزومة فى ١٩٦٧، الشروط الاسرائيلية والأمريكية وقررت الصمود ومواصلة القتال، بينما قررت مصر المنتصرة فى ١٩٧٣ ولا تزال، الانسحاب من المواجهة مع العدو وقبول هذه الشروط والخضوع والاستسلام لها؟

رحم الله شهداء أكتوبر الذين صنعوا لنا هذا النصر وغفر الله لمن أضاعوه.

*****
القاهرة فى 5 اكتوبر 2018

الاثنين، 1 أكتوبر 2018

المحميات الأمريكية فى بلادنا



المحميات الامريكية فى بلادنا
6+1
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

لا يترك "دونالد ترامب" فرصة، الا ويكرر قولته الشهيرة بكل وقاحة: ((بان هناك دولا فى المنطقة لن تصمد اسبوعا واحدا لو رفعنا عنها حمايتنا))
***
لم يأت الرئيس الأمريكى بالطبع بخبر جديد، فالجميع يعلم من هى المحميات الامريكية فى بلادنا، والتى كانت غالبيتها محميات بريطانية من قبل.
انها السعودية والامارات والكويت وقطر والبحرين، بالاضافة الى الاردن التى يعيش تحت الحماية البريطانية/الامريكية والاسرائيلية منذ نشأته على ايدى وينستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني حينذاك. ولو ارادت (اسرائيل) ان تنهى وجوده كدولة فى اى وقت لفعلت، ولكن كان للحفاظ على بقائه من المنظور الصهيونى ضرورات متعددة، من اول دور عائلته الحاكمة كطابور خامس فى الخمسينات والستينات، ثم كشرطى بوليس لتامين اسرائيل وحظر واجهاض اى انشطة معادية من قبل المقاومة الفلسطينية على الاراضى الاردنية. واخيرا كوطن بديل للفلسطينيين وفقا للمخططات الصهيونية التى لا يزالوا يراهنون عليها حتى اليوم.
اما السابعة فهي (اسرائيل) التي لن تصمد عاما واحدا لو رفع الغرب عنها حمايته، بشرط أن ترفع الانظمة العربية الحظر المفروض على شعوبها للمشاركة فى معارك المقاومة والتحرير، فهى كما يعلم الجميع ليس سوى قاعدة عسكرية استراتيجية لهم فى اراضينا.
***
ولكن للأسف الشديد لا يقتصر الوجود والنفوذ الأمريكي فى المنطقة على الدول المذكورة، فهناك عديد من الدول العربية الغارقة فى التبعية للامريكان حتى النخاع؛ الفرق بينها وبين هذه المحميات هو أن رفع الدعم والحماية الامريكية عنها، لن يؤدى الى سقوط الدولة، بل سيقتصر على سقوط انظمة الحكم فيها فقط، فغالبيتها دول أكثر قدما وعراقة بعشرات القرون من الولايات المتحدة نفسها. فى مقدمتها بالطبع العراق الذى لا يزال محتلا منذ 2003، ولكن أكبر الانظمة العربية التابعة ولا نقول المحمية هو النظام الذى اسسه الامريكان فى مصر بعد حرب 1973 واعدوا له دستورا حديديا للحكم لا يسمحون لكائن من كان ان يحيد عنه، وهو ما كتبت عنه كثيرا تحت عنوان الكتالوج الامريكى لحكم مصر.
أما قبل حرب 1973، فلقد كانت مصر هى راس الحربة فى التصدى للنفوذ الامريكى فى المنطقة وكانت هى العدو الأشد خطورة على الكيان الصهيونى ومشروعه، ولكن مع السادات وخلفائه ساءت الامور وانقلبت 180 درجة وتدهور بنا الحال الى الوضع الذي نراه ونعيشه اليوم.
***
وعودة الى المحميات العربية الست موضوع هذا المقال، فحدث ولا حرج عما يدور من تبعية فاضحة فى المجال العام، واقربها ما ظهر فى الصراع السعودي/الإماراتي/القطرى، حيث اشتبكت محميات الامريكان فى الخليج مع بعضها البعض، وإذا بكل منها يهرول، على الملأ، الى الامريكان والى الرئيس الأمريكي طامعا فى المزيد من حمايته ومستجديا الانحياز له فى هذا الصراع، مع تهديد خصومه بانه فى حمى القواعد الامريكية على ارضه، التى يستميت كل منهم للاحتفاظ بها وعدم مغادرتها وانتقالها الى محميات منافسة! ناهيك عن مليارات الدولارات التى تدفعها العائلات الحاكمة المرعوبة على عروشها وامنها فى شكل صفقات لشراء السلاح الامريكى. فى مشهد مخزي ومهين يكشف مدى الانحطاط الذي وصل اليه النظام الرسمى العربى عامة والخليجى على وجه الخصوص.
***
ما الذي يعنينا من كل هذا الكلام؟ وماذا يجب علينا أن نفعل؟
الاجابة فى تصورى تتضمن أربع توصيات أساسية:
اولا ـ اهمية إدراك تراجع دور مصر فى المنطقة وأن الكلمة الاولى واليد الطولى فى بلادنا اصبحت اليوم لهذه المحميات الامريكية.
ثانيا ـ اهمية التأكيد على وحدة الواقع العربى ووحدة معاركه النضالية، فى مواجهة النظام العربى الرسمى الحالى.
ثالثا ـ اهمية التأكيد على ان صراعنا الرئيسى يجب ان يكون فى مواجهة الولايات المتحدة.
رابعا ـ وأن علينا نفعل ذلك بدون ان نتحصن من التبعية بتبعية بديلة.
وفيما يلى بعض التفصيل:
 اولا ـ اهمية ادراك أن الكلمة الاولى واليد الطولى فى بلادنا اصبحت اليوم لهذه المحميات الامريكية، (فيما عدا نظام الأردن الفقير المسكين الذى لا حول له ولا قوة) على حساب ما تبقى من استقلالنا كمصر وباقى الدول العربية الفقيرة. فلقد اصبحت هذه المحميات هى التى تقوم بدور المقاول العمومى المتعاقد مباشرة مع السيد الامبراطورى لتنفيذ وتمرير المصالح والاستراتيجيات والسياسات الامريكية بما فيها الحروب بالوكالة ودعم او مواجهة الانظمة والدول والجماعات "المارقة"، ليتحول امثالنا الى مجرد مقاول باطن يعمل لديها بالقطعة.
وعليه فلقد انتقل نظام كالنظام المصرى على سبيل المثال من وضع التابع المباشر من عام 1974-2003 الى وضع تابع التابع بعد غزو العراق وهو الوضع الذى زاد وتعمق فى السنوات الاخيرة، وانكشف وجهه السافر مع الثورة المصرية وباقى الثورات العربية التى تم اجهاضها جميعا، ربما باستثناء تونس، بالوأد المباشر أو بالإفساد والاختراق والتدويل والتمويل والعسكرة على ايدى عائلات ودويلات النفط العربية. التى اصبحت لها السيادة على النظام والقرار الرسمى العربى.
***
ثانيا ـ اهمية التأكيد على وحدة الواقع العربى من حيث وحدة المشكلات والمخاطر والتحديات ووحدة القوى التى تتربص به وتعتدى عليه، ووحدة مخططاتها واستراتيجياتها وادواتها العدوانية فى مواجهتنا جميعا، وضرورة الكف عن التعامل مع مشكلات كل دولة (ساحة) عربية بمعزل عن مشكلات باقى الاقطار (الساحات)، وهو ما يستوجب الدفع فى اتجاه وحدة النضال الشعبى العربى. واعادة الاعتبار الى مشروع الثورة العربية، وهو طريق طويل وشاق وشديد التعقيد والتركيب، ولكنه مع ذلك يظل هو الطريق الوحيد القادر على تحقيق النصر.  
ولكى يكون كلامنا واضحا ونخرج من مصيدة الأحاديث المرسلة، فان كافة الشعوب العربية اليوم تعاني وتتهدد وتتأثر من المخاطر والمشكلات التالية:
1)  موت كامل لعصر الاستقلال العربى، وتحول المنطقة الى مناطق نفوذ اجنبية، وتدويل كل قضاياها من ليبيا الى سوريا الى اليمن الى العراق.
2)  اغراق المنطقة فى الصراعات والحروب الاهلية والحروب بالوكالة، التى تشعلها وتفجرها وتغذيها وتقف ورائها دول وشبكات ومصالح عالمية عظمى تشمل شركات السلاح والغاز والنفط ومقاولى اعمار ما بعد الحروب وغيرهم.
3)  البلطجة والاتاوات الامريكية وتعمق التبعية الى درجات غير مسبوقة.
4)  اغتيال الامن القومى العربى من خلال تصفية القضية الفلسطينية ودمج (اسرائيل) والتحالف معها تحت عنوان صفقة القرن.
5)   حملة شرسة موحدة من مؤسسات الاقراض الدولى لتصفية ما تبقى من الاقتصاديات الوطنية العربية وافقار الغالبية العظمى من طبقاتها الشعبية عبر سياسات ما يسمى بالاصلاح الاقتصادى والتكييف الهيكلى وما يتضمنه من تعويم للعملات والغاء الدعم ورفع الاسعار. (كما يحدث الآن فى مصر والاردن وتونس ولبنان والعراق)
6)  اخضاع النفط العربى واسعاره ومعدلات انتاجه للارادة الامريكية توظفه كيفما تشاء فى صراعاتها الدولية والاقليمية.
7)  اجهاض الثورات العربية والعصف بحقوق المواطن العربى وحريته وتأبيد حكم وسيطرة الحكام من الملوك والرؤساء واولياء العهد.
***
ثالثا ـ اهمية التأكيد على ان صراعنا الرئيسى ومعاركنا الكبرى كقوى ومعارضات وطنية مصرية وعربية يجب ان يكون فى مواجهة الولايات المتحدة وهيمنتها ومشروعاتها ورجالاتها الذين يحتلون غالبية مقاليد ومقاعد الحكم فى بلادنا.
وهو ما يتوجب معه تغيير المعادلة الفاسدة التى سيطرت على غالبيتنا منذ عام 2004، وكانت هى احدى الخطايا الكبرى التى ارتكبتها الثورات العربية بما فيهم الثورة المصرية، وهى الحرص على استجلاب مباركة ورضا الامريكان عن الحراك والانتفاضات الديمقراطية العربية، ومحاولة اقناعهم باتخاذ نخب الثورة وقواها بديلا لها عن الانظمة الحاكمة.
ولكن وكما هو متوقع، نجحت الانظمة القديمة وقادة الثورات المضادة وحلفائهم ومموليهم ورعاتهم فى السعودية والخليج ان يقنعوا الامريكان انهم لا يزالوا هم الاقدر على حماية مصالحهم وحماية امن (اسرائيل)، فتخلت امريكا فى بضع دقائق عن شعاراتها الزائفة عن الديمقراطية.
***
رابعا ـ ولكن ليس معنى هذا باى حال من الاحوال ان نتحصن من التبعية بتبعية بديلة، فنرتمى فى احضان الروس او الاتراك او الايرانيين.
فروسيا اليوم ليست هى الاتحاد السوفيتى القديم النصير لحركات التحرر الوطنى، والمورِّد الرئيسى للسلاح المصرى والعربى فى الحروب العربية الاسرائيلية، كما ان لكل من الاتراك والايرانيين مشروعاتهم القومية المستقلة التى قد تلتقى مع المصالح الشعبية العربية فى بعض القضايا، ولكنها تتناقض معها وتعاديها فى قضايا اخرى كثيرة، وما علينا سوى ان نبلور مشروعنا العربى او مشروعاتنا الوطنية المستقلة على اضعف الايمان، ونتعامل معهما على قاعدة "أنداد وليس أتباع".
***
 واذا اردنا فى الختام ان نختصر كل ما سبق فى كلمات قليلة، فسنقول انه ليس من المعقول ان يتنادى العدو الصهيونى مع السعودية ومصر والخليج والاردن لتأسيس حلف جماعى تحت القيادة والرعاية الامريكية (ناتو عربى)، فى مواجهة ما يسميه نتنياهو بالمخاطر المشتركة، ثم تقف الشعوب العربية وقواها الوطنية وفى القلب منها الفلسطينيون، مكتوفة الايدى، تعيش فى جزر منعزلة، وتغرق فى تفاصيل مشكلاتها اليومية، بدون أن نرى اى دعوات أو جهود جادة لاحياء واعادة الاعتبار الى النضال العربى المشترك.
*****

القاهرة فى أول أكتوبر 2018