بحث فى المدونة

الأربعاء، 27 فبراير 2019

التصريحات الخطيرة المنسوبة لرئيس مصر



اتمنى عودة اليهود الى مصر
فلقد كان لهم دور ايجابى قبل رحيلهم
واذا عادوا سنبنى لهم معابد
وسنقوم من اليوم بتطهير مقابرهم فى البساتين
اذا لم أحصل على دعم الولايات المتحدة، فقد يعود الاخوان الى حكم مصر
***
هذا بعض مما نقلته جريدة جيروزاليم بوست يوم 25/2/2019 عما دار بين الرئيس المصرى ووفد اليهود الامريكان الذى رشح السادات لنيل جائزة الكونجرس الذهبية، ولقد ترأس الوفد "عزرا فريدلاندر" امريكى صهيونى متطرف.
وفيما يلى بعض مما ورد فيها بالنص:
·       ((تكلم الرئيس السيسي باعتزاز ليس فقط عن المجتمع اليهودي السابق النابض بالحياة في مصر ، لكنه قال أيضاً إنه ينبغي أن يكون هناك عودة للجالية اليهودية في مصر. وإذا كان اليهود مهتمين بتأسيس جماعة يهودية في مصر، فإن الحكومة ستبني لهم معابد يهودية وغيرها من المؤسسات المجتمعية.
·       وصرح عزرا فريدلاندر إن السيسي وعد بتنظيف مقبرة البساتين القديمة في القاهرة .. وأعلن أيضا عن مشروع بملايين الدولارات لاستعادة مواقع التراث اليهودي في مصر. 
·       وقال إن الاجتماع مع السيسي كان يعني "التأكيد على الأهمية الكبرى التي نضعها نحن أعضاء الجالية اليهودية الأمريكية على تعزيز العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر ... الرئيس السيسي هو زعيم في العالم العربي يفهم أهمية الاعتدال والشمول، وربما هو الذي يحافظ على استقرار الشرق الأوسط.
·       وهو يعتقد بحماس أن دور اليهود الأمريكيين هو أن يتحالفوا علانية مع الرئيس السيسي"
·       وأنه ينبغي احتضان السيسي في الغرب، من قبل الإدارة وكل عضو في الكونغرس كحليف استراتيجي للولايات المتحدة. 
·       ونقل عن السيسي قوله "إنه إذا لم يحصل على دعم أمريكي، فإن جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن تستعيد السلطة في البلاد." 
·       ويعلق فريدلاندر على ذلك بقوله: من الواضح أنه يبحث عن الدعم في الولايات المتحدة، وأعتقد أنه من واجبنا الأخلاقي دعمه إلى أقصى حد ممكن.)) ـ للاطلاع على التحقيق كاملا اضغط هنا
***
هذا بعض مما ورد فى تغطية الجيروزاليم بوست للقاء المذكور، ولذا اتمنى ان يصدر تكذيب رسمى لما نشر، او على أضعف الايمان، توضيح يقدم سياقا مختلفا لما طرحته الجريدة، لعله يكون اكثر قبولا، اما اذا صدقت هذه الرواية بنصها وسياقها فاننا نكون امام تصريحات خطيرة يتوجب ان تثير قلقا عميقا لدى كل المعنيين بشئون الامن القومى فى مصر سواء من داخل مؤسسات الدولة او من خارجها للاسباب التالية:
لنتفق اولا على أن من يلتقى بهم السيسى من وفود امريكية يهودية هم جزء من اللوبى الصهيونى فى الولايات المتحدة، ولاءهم الرئيسى للصهيونية ولاسرائيل ولمشروعها فى المنطقة، وبالتالى لا يمكن ولا يجب باى حال من الاحوال ان نتعامل معهم بصفتهم يهودا فحسب، بل هم يهود صهاينة، انهم العدو، فلا تنطبق عليهم أبدا مبادئ التسامح والتعايش والاخاء الواجبة بين انصار كل الديانات فى العالم، فهم يستهدفون فى النهاية القضاء على الوجود العربى فى فلسطين وخارجها، وهو الوجود الذى يعتبرونه بمثابة استعمارا عربيا، يحتفلون فى مايو من كل عام بذكرى تحرير ارضهم منه فى يوم يسمونه عيد الاستقلال.
***
ثانيا ـ اما عن احتفاء السيسى بدور الجالية اليهودية القديمة فى مصر، فهو يتجاهل ويتناسى ما اصاب هذه الجالية من انحرافات خطيرة عشية حرب 1948 وبعدها، نتيجة اختراق الحركة الصهيونية الشديد لها وتمكنها من استقطاب وتجنيد العديد من عناصرها، وتوظيفهم لخدمة المخططات والمشروعات الصهيونية فى مصر وفلسطين، بما فيها تنفيذ التفجيرات والاغتيالات والعمليات الارهابية فى العمق المصرى كعملية "نافون" الفاشلة.
***
ثالثا ـ واما عن الدعوة الخطيرة التى يقال أن السيسى قد وجهها للمهاجرين اليهود للعودة الى مصر:
فعن اى يهود يتحدث؟
·       لقد كان فى مصر عام 1948-1950 ما يقرب من 75 الف يهودى، هاجر نصفهم الى (اسرائيل) فى الفترة من (1948-1960)، لم يفعلوا ذلك الا بعد ان اعتنقوا العقيدة الصهيونية وحملوا افكارها، وتبنوا مشروعاتها وشاركوا فى مخططاتها. وحين استقروا فى الارض المحتلة فانهم انخرطوا فى الجيش (الاسرائيلى) وحملوا السلاح ضد مصر واعتدوا عليها واحتلوا ارضها مرتين وقتلوا جنودها واطفالها وعمالها، وتجسسوا عليها واستقووا بالامريكان ولا يزالوا على ردعها واضعافها والتآمر عليها.
·       اما الذين غادروا مصر وهاجروا منها الى دول أخرى غير (اسرائيل)، فكم منهم اعتنق الفكر الصهيونى وانضم الى احدى منظماته ودعم (اسرائيل) بالاموال والمواقف والسياسات.
·       فاذا عاد هؤلاء او بعضهم الى مصر اليوم، فانها ستكون اكبر عملية اختراق وتجسس وتخريب يمكن ان تتعرض لها مصر عبر العصور.
·       اما اليهود المصريون الوطنيون فهم اولئك الذين رفضوا مغادرة مصر، وعاشوا فيها مواطنين مصريين طبيعيين جنبا الى جنب مع اخوتهم من المصريين المسلمين والمسيحيين.
***
رابعا ـ واما عن تصريحه بانه على استعداد لبناء معابد لمن يعود منهم، ووعوده والتزامه امام لجنة اليهود الامريكان بانه سيعمل فورا على تطهير مقابرهم فى البساتين، فهو يعطيهم مكانة وحقوقا ونفوذا وصلاحيات لا يستحقونها!
انه تسليم بالادعاءات الصهيونية والاسرائيلية الباطلة، بان لهم حق الولاية على كل يهود العالم فى كل ما يتعلق بأحوالهم وحقوقهم وممتلكاتهم ومقدساتهم، حق الولاية والحماية والرعاية والتدخل والتفتيش والمساءلة والمحاسبة على كل بلدان العالم.
انها ادعاءات باطلة لم يدعِ بمثلها قبل الصهيونية و(اسرائيل)، سوى الغرب الاستعمارى منذ الحروب الصليبية حتى يومنا حين يتذرع بحماية المقدسات والاقليات المسيحية فى العالم العربى، لتبرير حملاته واطماعه الاستعمارية.
***
خامسا ـ اما عما اسند اليه من قيامه بالاستنجاد صراحة بالامريكان طالبا دعمهم لقطع الطريق امام الاخوان للعودة الى الحكم مرة اخرى، فهو يحمل عديد من المعانى والدلالات الخطيرة:
·       فهو اولا يمثل انتهاكا خطيرا لكل القيم والثوابت الوطنية، ويجرده فيما لو صح ما هو منسوب اليه، من اى شرعية وطنية او دستورية.
·       وهو ثانيا يهدم الرواية الرسمية المتداولة حتى تاريخه، بان ثورة يناير هى مؤامرة أمريكية، وان كل من قام بها او شارك فيها هم عملاء للامريكان.
·       وهو ثالثا يفتح بوابات الجحيم على مصراعيها، لكل من يريد من الفرقاء المصريين، الاستقواء بالخارج فى مواجهة الآخر، وهى لعبة خطيرة نهايتها الهلاك للجميع.
·       كما انه قد يثير عديد من الشكوك حول طبيعة الدعم الاضافى الذى يريده السيسى من الامريكان اليوم، وهل المقصود به هو ضوء اخضر امريكى بمباركة ما ينتويه من تمديد حكمه الى ما شاء الله.
·       او قد يثير شكوكا اخرى عن رغبته فى احتلال ذات المكانة التى احتلها السادات لدى امريكا و(اسرائيل) فمنحوه جائزتى نوبل والكونجرس الذهبية.
***
لكل هذه الاسباب وغيرها، فاننى ارى ان الحكمة تقتضى ان تسارع الجهات الرسمية المصرية الى تكذيب ما تم نشره من تصريحات منسوبة للسيد رئيس الدولة المصرية، فى لقاءه مع اليهود الامريكان.
*****
محمد سيف الدولة




الثلاثاء، 26 فبراير 2019

أسئلة 2019 فى مئوية ثورة 1919




هذه ورقة عمل مقترحة لقضايا وملفات الذكرى المئوية لثورة 1919، ادعو فيها كل المصريين بكافة أطيافهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية والحزبية والدينية بدون استثناء، لفتح وادارة حوار وطنى شامل جامع حول تاريخ مصر وحاضرها ومستقبلها، وحول ثوابتها الوطنية، وهويتها الحضارية، وجيناتها الثورية. وفيما يلى أهم اسباب إجراء مثل هذا الحوار الآن:
·       لان اهداف ثورة 1919 فى الاستقلال والحرية لم تتحقق حتى اليوم، رغم مرور مئة عام!
·       ولأهمية دراسة ثورات المصريين المتعددة ومحاولة استخلاص اسبابها ومآلاتها وخصائصها.
·       وكذلك للمقارنة بين مصر 1919 ومصر 2019.
·       والفروق فى المشهد العربى والدولى والاقليمى بعد مائة عام.
·        ولان كثير من افكار وتيارات ومؤسسات اليوم، بدأت ونشأت وتأسست فى 1919 وأكنافها.
·       ولحاجتنا الملحة اليوم الى الحوار مع بعضنا البعض بعيدا عن حالة الاستقطاب والانقسام الحالية.
·       ولما فى ثورة 1919 من كنوز من الخبرات لا نزال فى امس الحاجة الى التعلم منها.
·       ولحاجتنا الدائمة لإحياء قيم المقاومة والثورة والنضال الوطنى.
·       ولأسباب أخرى كثيرة.
***
وفيما يلى بعض التفاصيل:
1)   لان هدفها الرئيسي فى الاستقلال لم يتحقق رغم مرور مئة عام، فبعد ان نالت مصر استقلالها عام 1956/1957 مع انسحاب قوات العدوان الثلاثى، تم احتلال سيناء عام 1967 وكان ثمن تحريرها هو السقوط فى التبعية للولايات المتحدة الامريكية منذ نهاية حرب اكتوبر 1973 وحتى اليوم.
***
2)   وقد تكون فرصة هامة لرد الاعتبار الى مشروع الاستقلال الوطنى المصرى والعربى واعادة وضعه على راس اولويات الحركة الوطنية المصرية، التى دفعها استبداد انظمة الحكم وقسوتها الى تهميش هذا المشروع فى السنوات الخمس عشرة الماضية، أى بعد استتباب الغزو الامريكى للعراق.
***
3)   ولان الهدف الثانى الذى ناضل من اجله جيل 1919 وثلاثة اجيال تالية له، لم يتحقق حتى اليوم هو الآخر، وهو هدف بناء حياة دستورية وديمقراطية طبيعية ومستقرة، بل انه رغم الفرق بين ظروف الاحتلال بالامس وبين الاستقلال اليوم ولو كان صوريا، الا ان الوضع الآن قد يكون اسوأ مما كان عليه حينذاك من حيث احوال الحريات السياسية والحزبية ونزاهة الانتخابات ودرجة استقلال الحياة البرلمانية والنواب المنتخبين عن السلطة التنفيذية والقصر الحاكم....الخ، قارن بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى السنوات الماضية وبين انتخابات 1924 على سبيل المثال.
***
4)   بالاضافة الى أهمية عقد مقارنة بين ثورتى 2011 و1919 بعد ان تعرضت كلتاهما للهزيمة والاجهاض على ايدى قوى الثورة المضادة، لعلنا نتمكن من استخلاص سنن ونواميس عامة للنجاح والفشل فى الثورات الشعبية المصرية.
***
5)   وقد يكون من المطلوب ايضا مقارنتها بثورة 1952 التى لا نزال نعيش حتى اليوم فى ظل ما أنشأته من مؤسسات وهياكل وقواعد للسلطة والحكم والحكام والمحكومين. على ان تتركز المقارنة على مدى اقتراب او ابتعاد الحصاد الختامى لكل من الثورتين من تحقيق غايتى الاستقلال والحرية على وجه التحديد.
***
6)   كما قد تشكل مئوية 1919 منصة مناسبة ومظلة آمنة لتناول ودراسة ومناقشة قضايا الثورة بشكل عام بكل تحدياتها وشروطها واشكالياتها، فى ظل العداء والحصار والحظر المفروض اليوم على ثورة يناير وثوارها.
***
7)   كما ان من المسائل المشتركة بين مصر 1919 ومصر اليوم والتى من المهم دراستها والتعرف عليها، هو دور الوضع الدولى والاقليمى، ودرجة ونسب تأثير كل من الارادة الوطنية والارادات الخارجية فى تقرير مصائرنا، ومتى يتقدم أو يتراجع تأثير أى منهما؟
***
8)   وفى ذات السياق من المهم والمفيد الاجابة على اسئلة من نوعية لماذا لم تتضامن كل الشعوب العربية، فى مطالب ومواقف واحدة فى مؤتمرات الصلح، بدلا ان تطرح كل منها قضيتها بشكل منفرد ومستقل؟ رغم انهم جميعا كانوا ضحية لترتيبات وصفقات استعمارية واحدة ادت الى تقسيم واقتسام أقطارهم وتوزيعهم كغنائم حرب بين المنتصرين؟ وهى ذات الخطيئة الكبرى التى تتكرر اليوم مع الولايات المتحدة و (اسرائيل).
***
9)   وماذا كانت السمات المشتركة او الفروق الجوهرية بين الثورة المصرية فى 1919 وبين اخواتها من الثورات العربية المتزامنة معها مثل ثورة العشرين فى العراق وثورة الريف فى المغرب 1921 والثورة السورية الكبرى 1925.. الخ؟
***
10)         ولماذا خرجت مصر وكافة البلاد العربية من الحرب العالمية الاولى محتلة بينما استقلت تركيا؟
***
11)         وهل يمكن مقارنة وتشبيه سلسلة ثورات التحرر الوطنى العربى بعد الحرب العالمية الاولى بسلسلة ثورات الربيع العربى الاخيرة؟
***
12)         كما انه قد يكون من المفيد والمشوق فى آن واحد ان نعقد مقارنات بين مصر 1919 ومصر 2019، لدراسة درجات ومعدلات ونسب التقدم والتطور او التخلف والتراجع فى عديد من مجالات الحياة، وعلى سبيل المثال ما هى فرص وامكانية تداول السلطة فى كلا العصرين؟ واحوال الدستور والبرلمان والتشريعات والقوانين ونزاهة الانتخابات؟ والمقارنة بين الاحكام العرفية حينذاك وحالة الطوارئ اليوم؟ والعلاقات بين السلطة التنفيذية والتشريعية؟ والفرق بين سلطات الملك وسلطات الرئيس اليوم؟ وحالة اجهزة القمع وفرض النظام وموقف الشرطة من الثورة ردعا أو تعاطفا؟ ونظام المحاكم ودرجة استقلال القضاء والازهر والكنيسة عن القصر والسلطة؟ واحوال المجتمع المدنى والاهلى والتعليم وتطور النقابات العمالية والحركات الطلابية؟ بالاضافة الى الخرائط الطبقية والاجتماعية ومستويات الغنى والفقر وتوزيع الملكية والثروات، واحوال الصحف والصحفيين والحياة الفكرية والثقافية والفنية والوحدة الوطنية والعلاقة بين الوطنى والقومى والدينى ..الخ؟
***
13)         كما ان فى دراسة تاريخ ومسارات وتفاصيل ثورات المصريين منذ الحملة الفرنسية حتى يومنا هذا، اهمية كبيرة للاجابة على عديد من الاسئلة من نوعية: متى يثور المصريين؟ ومتى يلتزمون الصمت خوفا او قهرا؟ وهل هناك سمات عامة ومشتركة بين كل ثوراتهم تفرقها عن ثورات الشعوب الاخرى؟ وما هو دور كل من العوامل الموضوعية والعوامل الذاتية فى تفجير الثورات وفى نجاحها؟ وما هى خصائص ومواصفات الرجال والقادة الذين تمنحهم الشعوب ثقتها ومبايعتها بالاجماع؟ وهكذا.
***
14)         ناهيك بطبيعة الحال على ما فى احياء ذكريات كل معارك وثورات ونضالات شعبنا، من اعلاء لكل قيم الثورة والمقاومة والروح الايجابية لتحفيز الشعوب والأجيال الجديدة وتربيتها على العزة والكرامة والشجاعة والاقدام وتحصينها ضد الخوف والمذلة والاستكانة والاستسلام امام اى مستعمر او ظالم او مستبد او مستغل او فاسد او فرعون.
***
15)         ولان بدايات وتكوينات جديدة فى حياتنا اقترنت وارتبطت بثورة 1919 وتفاعلاتها وآثارها:
·       بدءا بنمو وعي قومي مصري مستقل بشكل كبير عن الروابط العربية والاسلامية، كان له "حينذاك" دورا ايجابيا فى مواجهة الاحتلال.
·       ومرورا بنشأة اول دستور وحياة دستورية وحزبية وبرلمانية بالمعنى الحديث.
·       بالإضافة الى ظهور اول معالم واضحة وصريحة للخريطة الفكرية والايديولوجية للنخب المصرية والتى لا تزال قائمة حتى اليوم، ليس فى مصر وحدها بل على امتداد الامة العربية، واقصد بها تقسيم وانقسام النخب الفكرية والسياسية الى اربعة تيارات رئيسية هى التيار الوطنى/القومى، والتيار الليبرالى، والتيار الاسلامى، والتيار الاشتراكى/الشيوعى.
***
16)         وما تتيحه هذه النقطة الاخيرة من فرصة للتعرف على أهم الاشكاليات والقضايا الفكرية التى هى محل تفاعل واجتهاد وخلاف فى تلك الحقبة من تاريخنا، والتى امتدت آثارها الى اليوم ومن أمثلتها:
·       الموقف من التفاوض من الاستعمار، بين انصاره كحزب الوفد وبين رافضيه كالحزب الوطنى الذى كان يرفع شعار لا مفاوضة الا بعد الجلاء، واسقاط ذلك على قضية مثل الصراع العربى الصهيونى اليوم بين المقاومة والتفاوض.
·       مسألة الهوية وروابط الانتماء، بين الوطنى المصرى، والقومى العربى، والاسلامى الأممى.
·       وكذلك الاختلاف فى المواقف وردود الفعل من الغرب المستعمر المتقدم المنتصر، بين رافض ومقلد ومنتقى.
·       وكذلك مدى نضوج الوعى الطبقى والاقتصادى والاجتماعى والانحياز الى الفقراء والاهتمام بعدالة توزيع الثروة بين طبقات الشعب المختلفة.
·       بالاضافة الى مدى ادراك النخبة والقيادات السياسية والفكرية لخطورة المشروع الصهيونى حينذاك، وكذلك مدى ادراكهم لحقيقة ومخاطر اتفاقيات سايكس بيكو، التى لم نرَ لها اهتماما او تركيزا كبيرا فى كتابات مؤرخين وطنيين كبار امثال عبد الرحمن الرافعى حينذاك.
·       وهكذا.
***
17)         وايضا لما تمثله هذه الذكرى الوطنية الكريمة من فرصة نادرة للتفاعل والحوار بين كافة التيارات والشخصيات بعيدا عن اجواء الانقسام والصراع والتكفير والتخوين التى ضربتنا فى السنوات الماضية، من حيث ان ثورة 1919 هى جزء من تاريخ طويل وعريق نتشارك فيه جميعا على المشاع، لا فضل فيه لتيار على الآخر.
***
18)         ناهيك على ما فى ثورة 1919 من كنوز ثمينة من المعارك والبطولات والملاحم والعبر والدروس ما احوجنا الى التعرف عليها والتعلم منها والاقتداء بها ودراسة ظواهرها مثل:
·        حالة الاجماع الوطنى النادر الذى لم يجرؤ احد على تحديه والخروج منه علانية فى شهور الثورة الاولى.
·       وظروف وعبقرية ميلاد وانطلاق الشرارات الأولى للثورة، بسبب الهدنة والظرف الدولى واقدام وشجاعة عدد محدود من القيادات الوطنية على أخذ زمام المبادرة والمطالبة بالاستقلال وما تلى ذلك من حركة التوكيلات ودورها فى اشراك كافة فئات الشعب وتنظيمها ونقل المعركة الى كل مكان فى مصر.
·       وملاحم البطولات الشعبية فى مواجهة قوات الاحتلال، وادوات وابداعات حركة المقاطعة والمقاومة السلبية لسلطات الاحتلال.
·       واساليب التفاوض ومبدئيته وصلابة المفاوضين الوطنيين، فى مواجهة محاولات ومناورات الانجليز لشق الصف الوطنى، ودور قوى الثورة المضادة، وكيف ومتى ينجحون فى زرع الفرقة والانقسام؟
·       وغدر الامريكان الذى لم يتوقف منذ ذلك الحين، حين رفضوا استقلال مصر واعترفوا بالحماية البريطانية فى مؤتمر الصلح.
·       والدور الخطير والمركزى لتنظيم الثورة سرا وعلانية.
·       ويوميات الثورة ومظاهراتها وشهدائها.
·        ثم المحاكمات الظالمة التى تلى كل الثورات واحكام السجن والاعدام بالجملة.
·       وغيره الكثير.
***
19)         بالاضافة الى حاجتنا لمقاومة حالة اليأس الحالية التى اصابت كثيرين منا بعد اجهاض ثورة يناير، فان تراجع الثورات وهزيمتها ليست هى نهاية العالم، فهناك جولات جديدة آتية لا محالة. فمن كان يتصور بعد فشل ثورة 1919 فى تحقيق الاستقلال، وبعد ان تم وأد كل مكتسباتها عقب مقتل السير لى ستاك واستقالة سعد زغلول ثم وفاته، ان موجات عديدة من النضال ستتوالى على امتداد العقود التالية الى ان يتم تطهير البلاد من آخر جندى بريطانى؟ وهكذا.
***
20)         واخيرا وليس آخرا لانها فرصة للتذكير بزمن التفاعلات الشعبية والنضالات الوطنية والسياسية فى غياب ادوات ووسائل التواصل الاجتماعى الحالية. ثورات تفجرت وقامت بدون الفيسبوك واخواته. فقد تكون مفيدة لنا اليوم وفى السنوات القادمة فى ظل السياسات الحالية والنوايا المبيتة لفرض مزيد من الحصار والمراقبة والاغلاق والمصادرة لكل هذه الوسائط الحديثة فى وجه المعارضة السياسية.
*****

محمد سيف الدولة