بحث فى المدونة

الجمعة، 28 يونيو 2019

هل هناك يهود ضد الصهيونية؟



لطالما خضنا حوارات ومعارك فكرية ضد العنصرية والطائفية بكافة أشكالها، ولطالما دافعنا عن اليهود غير الصهاينة وغير الإسرائيليين، ودعونا لعدم تحميلهم جرائم (اسرائيل)، والى التفرقة بين اليهودية والصهيونية، وانتقدنا بعض الاسلاميين فى هتافهم الشهير (خيبر خيبر يا يهود..جيش محمد سوف يعود). وأكدنا وشرحنا كيف ان المشروع الصهيونى هو مشروعٌ استعماريٌ وليس مشروعا دينيا، وقمنا بتسليط الأضواء على اى يهودى او اى جماعة يهودية فى العالم تنتقد (اسرائيل) وتناهض الصهيونية وتتبرأ منها.
وهو نهج وسياسة ومواقف صحيحة سنستمر فى انتهاجها باذن الله.
***
ولكن من حقنا ان نسأل ونتساءل عن حجم الجهود والتأثير والفاعلية التى يبذلها يهود العالم من الشخصيات والجماعات المناهضة للصهيونية، فى التصدى للدعم الامريكى والغربى اللامتناهي لاسرائيل.
فاذا كنّا نشاركهم معاركهم فى الدفاع عن اليهودية ضد اى دعوات عنصرية تزدريها وتصفها بالدونية أو تساويها بالصهيونية، فمن حقنا ان نتساءل عن حجم وجدية مشاركتهم لنا، فى المقابل، فى معركتنا ضد هذا الكيان المجرم العنصرى الارهابى القاتل اللص المغتصب الذى يقدم نفسه بصفته وطنا لكل يهود العالم وحامى حماهم.
من حقنا ان نحاسبهم ونسألهم ماذا يفعلون فى القضايا التالية تحديدا:
·       نقد ودحض وهزيمة الافكار والاساطير والروايات الصهيونية الزائفة وسط تجمعات اليهود فى العالم الغربى.
·       الضرب فى المنظمات والجماعات واللوبيات الصهيونية فى العالم، مع هزيمتها وتفريغها من منتسبيها وانصارها.
·       مع تأسيس لوبيات وجماعات ضغط مضادة من اليهود غير الصهاينة تماثل وتتفوق على منظمات مثل منظمة الايباك، قادرة على تغيير اتجاهات الرأى العام وموازين والقوى الانتخابية وتركيبة المجالس التشريعية فى بلدانها ضد الصهيونية و(اسرائيل).
·       نزع وتجريد (اسرائيل) من اى شرعية لتمثيل يهود العالم.
·       ادانة وتجريم وتعويق هجرة اليهود الى (اسرائيل)، والتاكيد والنضال من أجل اندماجهم فى اوطانهم.
·       تشجيع ودعم وتمويل الهجرة المضادة من (اسرائيل).
·       الضغط على الحكومات والبرلمانات فى مجتمعاتها لسحب دعمها لاسرائيل والامتناع عن مدها بالاموال وبالسلاح.
·       مع المطالبة بتطهير المنظومات التشريعية الامريكية والاوروبية من اى قوانين تنحاز لاسرائيل وتناصر الصهيونية.
·       التصدى لحملات التبرع لاسرائيل.
·       بل وتنظيم حملات مضادة لدعم الشعب الفلسطينى.
·       رفض المساواة بين العداء لاسرائيل ومعاداة السامية.
·       تنظيم لقاءات مع الدول والحكومات العربية المعترفة باسرائيل، ومطالبتها بسحب اعترافها والغاء معاهدتها مع الاحتلال وقطع علاقاتها معه.
·       تنظيم حملات يهودية عالمية للمطالبة بعودة قرار الامم المتحدة باعتبار الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، الذى تم الغائه عام 1991.
·       وأدوار ومعارك أخرى كثيرة
***
أكتب هذه السطور اليوم لعديد من الاسباب ساكتفى بذكر أربعة منها فقط:
أولا ـ لأنه ما أحوجنا هذه الايام ونحن بصدد تآمر امريكى صهيونى عربى رسمى مشترك، لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية فيما يسمى بصفقة القرن، ما احوجنا الى حشد جهود كل انصار فلسطين ومناهضى (اسرائيل) فى العالم، وفى القلب منهم جماعات اليهود المناهضين لاسرائيل الذين سيكون لهم، ان صدقوا، تأثير اكبر من غيرهم على الراى العام الامريكى والغربى، حيث لن تفلح الدعايات الصهيونية باتهامهم بمعاداة السامية.
ثانيا ـ ان هناك بعض الاصوات الفلسطينية والعربية التى تشكك فى مصداقية ظاهرة "يهود ضد الصهيونية"، وتدعى انها جماعات موجهة من قبل الحركة الصهيونية العالمية، بهدف تخفيف آثار الاحتلال والارهاب الصهيونى على سمعة اليهود واليهودية فى العالم.
ثالثا ـ انه بالفعل اذا لم تلتزم حركات اليهود المناهضة لاسرائيل بتنفيذ ما ورد عاليه من اهداف ومعارك، فانه لا جدوى تذكر من التفاخر كل حين وآخر بمواقفهم وبياناتهم الشاجبة لاسرائيل، بدون اى فاعلية تذكر او تاثير.
رابعا ـ ان فى المقارنة بين ما يتعرض له العرب والمسلمون من شيطنة وهجوم واسلاموفوبيا نتيجة مواقف واعمال ترتكبها عناصر قليلة ومحدودة منهم، وبين فرض امريكا والغرب لحظر حديدى على توجيه اى نقد لليهود عامة او لاسرائيل على وجه الخصوص نتيجة كل اعمال العدوان وجرائم الحرب التى ترتكبها ليل نهار، نقول فى المقارنة بين الحالتين، كشف لمدى العنصرية والاستخفاف والاحتقار والكراهية لكل ما هو عربى واسلامى، بشكل لا يمكن قبوله او التعايش معه. فاما أن تكفوا عن تحميلنا وزر ما تفعله داعش واخواتها، واما أن تقوموا بادانة اليهودية وكل يهود العالم على جرائم (اسرائيل)، على غرار ما تفعلونه كل يوم من ادانة وتجريم للاسلام ولكل المسلمين فى العالم.
وذات الشئ يمكن أن يقال بطبيعة الحال على التاريخ الأسود للاستعمار الغربى، الذى لم يدفعنا أبدا لالقاء اللوم على العقيدة المسيحية وعلى اهالينا من المسيحيين العرب الذين ناضلوا معنا كتفا بكتف ضد كل أشكال الاستعمار.
*****

محمد سيف الدولة

الجمعة، 21 يونيو 2019

النعى المحظور




على كل من يفكر فى تقديم واجب العزاء فى الدكتور محمد مرسى او نعيه، ان يفكر ألف مرة فى العواقب التى يمكن ان تترتب على ذلك، بدءا بالسب والقذف على لسان اللجان الالكترونية ومرورا بالهجوم والشيطنة وإلقاء التهم على ايدى اعلام السلطة بالانضمام الى جماعة ارهابية او بمساعدتها على تنفيذ مخططها لهدم الدولة المصرية.
ولكن رغم كل هذه المخاطر والعواقب المُحتملة، الا ان ساحات التواصل الاجتماعى شهدت اقبالا كبيرا على نعيه والترحم عليه والتعاطف مع حالته، من كافة التيارات والأطياف والشخصيات بما فيها تلك المختلفة مع الاخوان جملة وتفصيلا. على غرار ما يحدث على الدوام عند وفاة اى شخصية مصرية عامة أياً كانت مرجعياتها الايديولوجية أو انتماءاتها السياسية.
بالاضافة الى انه مهما كان تقييم الدكتور محمد مرسى والاخوان فانهم لا يستحقون ما يحدث لهم من اجتثاث سياسى وعصف امنى لم تشهد له مصر مثيلا منذ مذبحة المماليك على ايدى محمد على.
خاصة وأنهم ليسوا وحدهم الضحايا لهذا العصف السياسى والامنى، فكل من شارك فى ثورة يناير مدنيا كان او اسلاميا، اصبح اليوم على قوائم السلطة السوداء، محاصرا ومحظورا ومطاردا ومهمشا ان لم يكن نزيل السجون والمعتقلات.
وبالذات لان كل ذلك يأتى بعد ما انتزعته ثورة يناير من حقوق وحريات وصل سقفها لعنان السماء، وحين حدث ما يحدث الآن من مصادرة كل هذه الحقوق والحريات، فان الرسالة الوحيدة التى وصلت للجميع هو ان راس ثورة يناير هى المطلوبة وليس راس الاخوان فقط.
وهو ما جعل الصدمة من وفاة محمد مرسى كبيرة، اولا لما تعرض له فى محبسه من ظلم عظيم والثانية لخشية كل أطياف المعارضة من ان يكون هذا هو مصيرهم ايضا فيما اذا رأت السلطة فيهم تهديدا لسلطتها وسطوتها وقبضتها على مقاليد الحكم.
***
صحيح أن الاخوان قد تجرأوا على الاقتراب من كراسى الحكم والسلطة، وصدقوا بكل سذاجة ان الحكاية فى مصر قد اصبحت ديمقراطية وانتخابات وصناديق، ولكن عذرهم ان لا احد فى المجلس العسكرى او الدولة العميقة والنظام القديم قد حذر بعد قيام ثورة يناير، من ان الاقتراب من كراسى السلطة خط احمر. ولو كانوا قد قاموا بمثل هذا التحذير لربما كان الاخوان وغيرهم قد فكروا ألف مرة قبل ان يقدموا على هذه الخطوة.
***
ان ظاهرة حظر السلطة لتيار سياسى بعينه وتوقيف واعتقال عناصره، هى للأسف الشديد، ظاهرة قديمة فى مصر، شاهدناها فى عصورنا السياسية المختلفة حدث ذلك مع الشيوعيين والاخوان واحزاب العصر الملكي فى الخمسينات والستينات، وحدث مرة اخرى مع ما أسموه بمراكز القوى والناصريين التنظيمات الشيوعية فى السبعينات وحدث مع الجماعات الاسلامية فى الثمانينات والتسعينات وهكذا.
بالإضافة الى ان ظاهرة الصراع على السلطة وعلى الهوية وحظر الدولة لتيار او حزب او تنظيم سياسى بعينه لا تقتصر على مصر فهى جرثومة منتشرة منذ سنوات طويلة فى عديد من الأقطار العربية، فى العراق ولبنان وسوريا وليبيا وتونس والمغرب والجزائر والسودان وحتى فى فلسطين. وليست حالة الانقسامات والصراعات السياسية والاستقطابات الطائفية والمذهبية والمحاور الاقليمية والعمليات الارهابية والحروب الاهلية والحروب بالوكالة التى ضربت المنطقة فى السنوات الأخيرة سوى النتيجة الطبيعية لكل هذا الحظر والتخوين والتكفير المتبادل بين تيارات وقوى الامة. 
***
وفى النهاية تظل الأسئلة الأهم:
·       هل يمكن من الناحية العملية القيام باجتثاث احد تيارات الامة الاربعة الرئيسية اجتثاثا كاملا ونهائيا من اى مجتمع عربى؟
·       هل يمكن ان تمر سياسات الظلم والقهر لقطاعات واسعة من المواطنين على أسس سياسية أو طبقية أو دينية أو طائفية او جغرافية .. الخ، بدون أن تتولد انواع من المقاومة وردود فعل عنيفة أو خطيرة ان عاجلا ام آجلا؟
·       هل يمكن أن تسود الطمأنينة والاستقرار فى اى مجتمع فى ظل صراعات وتربصات دائمة بين تيارات وقوى المجتمع الرئيسية؟
·       هل يمكن ان تنجح الاجراءات الاستثنائية والقبضة الامنية مهما بلغت قوتها، فى توفير البيئة المناسبة للنمو والتنمية والتقدم؟
لا أظن.
*****

محمد سيف الدولة 

السبت، 15 يونيو 2019

محاكمة الواقعيين العرب




لو امتلكت شعوبنا حريتها وارادتها، لكانت قادرة اليوم على محاسبة ومحاكمة كل الذين ورطوها فى رهانات وسياسات خائنة وخاسرة وكارثية؛ وكل الذين تسببوا فيما نراه اليوم من مشروعات وصفقات "أمريكية صهيونية عربية مشتركة" لتصفية القضية الفلسطينية.
***
تصدروا المشهد منذ عام 1974، وانفردوا بحكمنا وبقيادة المنطقة حتى يومنا هذا. 45 عاما نعيشها فى ذل ما يسمى بالواقعية والاعتدال وهوانهما، الى أن أوردونا موارد الهلاك؛ ضاع الاستقلال، وضاعت الهوية، وضاعت المكانة، وضاعت الكرامة، وضاع الحلم والمشروع الى حين، ويكاد يضيع ما تبقى من أرض فلسطين الحبيبة لا قدر الله.
***
·       استخدموا كل انواع الاسلحة الثقيلة والوسائل الخسيسة لتدمير صمودنا ومقاومتنا، ونزع اسلحتنا واضعاف مناعتنا، وتسفيه قيمنا وانتهاك مبادئنا وثوابتنا، واهدار حقوقنا واهالة التراب على تاريخنا.
·       وخدعوا الشعوب فادعوا انهم الوحيدون الذين يمكنهم ان يحلوا القضية ويعيدوا الارض المسلوبة، بواقعتيهم ومرونتهم وعلاقاتهم الطيبة والحليفة والتابعة للولايات المتحدة الامريكية.
·       وادعوا انه ليس لنا قَبَّل بتحدي امريكا ولا بقتال (اسرائيل)، ولكن يمكننا ان نأخذ منهم ما نريد بمفاوضات سلام نقدم فيها "بعض التنازلات"، وانه كفى تطرفا وعنجهية وشعارات غير واقعية، "فلا تلقوا بنا وبأنفسكم الى التهلكة. واتركونا نفاوضهم وسناتي لكم بما عجزت عنه بنادقكم."
·       فقام تنظيمهم الحاكم فى مصر بعد حرب 1973 بالصلح مع (اسرائيل) والاعتراف بها والتنازل لها عن فلسطين 1948، مع قيامهم بتسليم مصر على طبق من فضة للولايات المتحدة الامريكية، وكل ذلك مقابل استرداد سيناء منقوصة السيادة، منزعة السلاح والقوات فى ثلثى مساحتها، الا باذن اسرائيل، مما جعلها رهينة حتى يومنا هذا لاى عدوان صهيونى امريكى جديد لا قدر الله، مما اخضع الارادة والقرار المصريين لما تمليه علينا الولايات المتحدة وما تتشرط به (اسرائيل)، التى تحولت بعد كامب ديفيد الى القوة الاقليمية الكبرى فى المنطقة.
·       ثم نجح تنظيم المعتدلين والواقعين العرب تحت القيادة المصرية، فى استقطاب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التى انكسرت ارادتها بعد اجتياح بيروت 1982 ونفيها الى تونس، فأعلنت قبولها الاعتراف باسرائيل وتنازلها هى الاخرى عن فلسطين 1948 واكتفائها بالمطالبة بدولة على حدود 1967 والتنازل عن حقها فى المقاومة والكفاح المسلح فى بنود صريحة فى اتفاقيات اوسلو 1993.
·        ثم بدأوا فى شن حملات من الاكاذيب والادعاءات الزائفة تحرض على عدم تكرار ما أسموه بأخطائنا الماضية حين رفضنا قرار التقسيم وطالبنا بكل فلسطين، وحين رفضنا الاعتراف باسرائيل والتفاوض والصلح معها، وأصررنا على قتالها، وحين عادينا الامريكان، فحدث ما حدث. وانه يتوجب علينا أن نكون واقعيين ومعتدلين، وسنفوز فى النهاية بالسلام المنشود، بالإضافة، وهو الأهم، اننا سنربح الرضا والدعم الأمريكي وما يترتب عليه حتما من اعتراف المجتمع الدولي.
·        وتخابثوا؛ بأنه علينا فى البداية أن نُطَمِّئن (اسرائيل) وامريكا ومجتمعهما الدولي على حسن نوايانا وعلى رغبتنا الحقيقية والصادقة فى السلام، وهو ما يتطلب ان نلقى السلاح ونصفي المقاومة ونعتمد التفاوض طريقا وحيدا للحل. تفاوضوا تصحوا.
·       وتواطأوا، فلم يكتفوا بالتحريض على الواقعية والتبعية والاعتدال والقاء السلاح، بل بدأوا ينوبون عن الصهاينة فى حصار ومطاردة المقاومة والمقاومين ونزع سلاحهم وتوقيفهم وابلاغ سلطات الاحتلال عنهم وتجريدهم من اى حماية او شرعية قانونية.
***
ان الواقعيين هم أكبر تنظيم حاكم ابتلينا به فى الوطن العربى، انه النظام الرسمى العربى الحقيقى، تم تأسيسه فى مصر كامب ديفيد، قبل ان يمتد نشاطه ويتسع نفوذه فى كل مكان، وينجح فى استيعاب بعض القيادات الفلسطينية ليستدرجها الى توقيع اتفاقيات اوسلو وتشكيل سلطة فلسطينية خاضعة للاحتلال يصرح رئيسها أن الانتفاضة الفلسطينية كانت بمثابة الكارثة على الشعب الفلسطينى، كما نجح بامتياز فى ادخال غالبية الدولة العربية الى الحظيرة الأمريكية.
***
وحين نسألهم اليوم عن النتائج والمآلات ونطالبهم بتقديم كشف حساب للامة عما جلبته الينا وجنته علينا واقعيتهم المصونة، وعن موقفهم بعد أن اعترف ترامب بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل وأطلق رصاصة الرحمة على اوهام ما يسمى بعملية السلام، تخرس السنتهم ويراوغون ويتهربون ثم يطلقون علينا النسخة المحدثة من الواقعية الرسمية العربية، نسخة ترامب.
***
واليوم تتشكل قيادة عربية جديدة لتنظيم الواقعيين العرب، فلقد قررت السعودية ودول الخليج ان يتولوا قيادة سفينة "الاعتدال" و"الواقعية" فى اتجاه اقامة علاقات مباشرة مع (اسرائيل) بدون ان تطالبها بتقديم اى تنازلات للفلسطينيين، وهو ما يسمونه بصفقة القرن، ينفذ فيها القادة العرب ما يمليه عليهم الامريكان وما يردده نتنياهو ليل نهار من ان فلسطين لم تعد تمثل مشكلة بين العرب و(اسرائيل)، فهناك اليوم مخاطر مشتركة تهددهم جميعا متمثلة فى ايران والارهاب والاسلام الراديكالى المتطرف، وهو ما يستدعى تشكيل تحالف عربى اسرائيلى لمواجهتها، ولتذهب فلسطين والفلسطينيين الى الجحيم.
***
لو أن شعوبنا قد نالت حريتها وامتلكت ارادتها، لكانت قادرة اليوم على محاسبة ومحاكمة كل الذين ورطوها فى رهانات وسياسات خائنة وخاسرة وكارثية؛ وكل الذين باعوا فلسطين او فرطوا فى ترابها او تواطؤا عليها وكل الذين تسببوا فى تراجع مصر وعربدة (اسرائيل) وهيمنة الامريكان. ولإمتلأت السجون العربية بالواقعيين والمعتدلين العرب، ولكن فى بلادنا الهرم مقلوب للاسف الشديد؛ فالوطنيون والمقاومون فى السجون او تحت التهميش والحصار والمطاردة، والواقعيون فى كراسى الحكم ومراكز اتخاذ القرار.

*****

محمد سيف الدولة



الخميس، 13 يونيو 2019

لماذا تحضر مصر ورشة البحرين؟




أطلقت الولايات المتحدة الأمريكية ما أسميتها بصفقة القرن تستهدف بها تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية، ودمج (اسرائيل) فى المنطقة بدون الزامها بالانسحاب من اى اراضى محتلة، واطلاق رصاصة الرحمة على 26 عاما من اوسلو ومفاوضات السلام، مع استبدالها بحزمة من الصفقات المالية والاقتصادية لتحسين الاحوال المعيشية للفلسطينيين فى ظل الاحتلال، نظمت لها ورشة فى البحرين دعت اليها كل الاطراف المعنية.
***
أعلنت السلطة الفلسطينية بقيادة أبو مازن رفضها القاطع لصفقة القرن جملة وتفصيلا ومقاطعتها لورشة البحرين وقامت بحض ومناشدة الدول العربية على عدم المشاركة فيها.
وأعلن كل الفلسطينيين بكافة فصائلهم ذات الموقف بكل الطرق وكل الصيغ وكل اللغات.
***
أعلن السيد عبد الفتاح السيسى فى 2 يونيو 2019 فى افطار العائلة المصرية ((باننا فى مصر لا نتكلم باسم الفلسطينيين ولا نرضى بأمر لا يقبلونه.))
وهو تصريح ليس له سوى معنى واحد وهو انه لا يمكن ان يشارك فى صفقة القرن أو اى من ترتيباتها طالما يرفضها الفلسطينيون بكل هذا الوضوح والاصرار.
***
ولكن اذا بنا نفاجأ بان مصر ابلغت الادارة الامريكية بنيتها المشاركة فى ورشة البحرين المزمع عقدها فى يومى 25 و 26 من الشهر الجارى.
فلماذا غير السيسى موقفه؟
·       هل هناك للشعب المصرى أى مصلحة فى تمرير صفقة القرن؟
·       هل هناك للدولة المصرية وكافة مؤسساتها اى مصلحة فى هذه الصفقة؟
·       كيف يمكن ان يكون لاى مصرى او عربى، سواء كان فردا او دولة ذات سيادة، مصلحة فى ابتلاع (اسرائيل) لكامل ارض فلسطين، لكل الضفة الغربية وغزة، أو فى تثبيت وضع (اسرائيل) كقوة اقليمية عظمى تفرض سطوتها على الجميع، أو فى تطبيع عربى اسرائيلى كامل، يعفيها ويحررها من اى التزامات للانسحاب من ارض 1967 على أضعف أضعف الايمان؟
·       حتى لو انطلقنا مما يعلنه السيسى دائما من أن هدفه الرئيسى هو تثبيت الدولة المصرية: "فكيف يمكن حماية مصر وتثبيت دولتها وتحقيق مصالحها العليا وحماية امنها القومى، من منظور النظام الحاكم الحالى، بتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية؟"
***
أم أن الحقيقة المرة هى أن مصر لا تستطيع أن تقول لا للامريكان، ولا ان ترفض لترامب طلبا، او تغضب منها زوج ابنته هذا الصبى الصهيونى الاحمق المسمى كوشنر؟
فهى ستقبل وترضخ على الدوام حتى لو كان فى الطلبات او التعليمات الامريكية، اضرار كبيرا بالمصالح المصرية وبامنها القومى وبمكانتها العربية والاقليمية او حتى بدورها بعد كامب ديفيد كوسيط بين الفلسطينيين وبين (اسرائيل).
واى سياسة خارجية واقليمية تلك التى تضع ارضاء الولايات المتحدة فوق اى اعتبار آخر؟
انها السياسة التى أسس لها السادات منذ مفاوضات كامب ديفيد حين قال لفريق التفاوض المصرى ساخرا ومعنفا، وفقا لرواية ابراهيم كامل، ((انه سيوقع على اى شئ يكتبه الرئيس الأمريكي كارتر بدون ان يقرأه!)) وهو الموقف الذى اسفر فى النهاية عن القبول بترتيبات عسكرية وامنية فى سيناء تنحاز للامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى! لا نزال نعانى من عواقبها المدمرة بعد ما يزيد عن اربعين عاما.
***
وهى السياسة التى التزمها حسنى مبارك من بعده، حين شارك بقوات مصرية فى حرب تحرير الكويت لاعطاء شرعية للحملة العسكرية الامريكية على العراق.
وفعلها ثانيا بما اعطاه من تسهيلات لوجستية للقوات الامريكية فى قناة السويس وفى المجال الجوى المصرى كان لها دورا هاما فى نجاح عملية غزو العراق وفقا لشهادة القادة العسكريين الامريكيين.
وحين أُجبر على الانسحاب من المشاركة فى ادارة المسألة السودانية وتركها للولايات المتحدة لتنتهى بتقسيم السودان وانفصال الجنوب.
والامثلة كثيرة لا تحصى فى عديد من المجالات والملفات، بدءا بالتسليح والعلاقات العسكرية والترتيبات الامنية والاقليمية، ومرورا بالتعاون الاستخبارى وتبادل المعلومات، ونهاية بالسياسات والتوجهات الاقتصادية والانحيازات الطبقية.
الى الدرجة التى دفعت الدكتور مصطفى الفقى مساعد الرئيس السابق لشئون المعلومات للتصريح فى نهاية سنوات مبارك، بان رئيس مصر يجب ان تقبل به الولايات المتحدة وتوافق عليه (اسرائيل).
***
 ولم يختلف السيسى كثيرا عن سابقيه، فهو يسير على خطاهما بحماس واقتناع واخلاص بل ويزيد عليهما كثيرا؛ فلا يزال الراى العام يتذكر قيام مصر فى ديسمبر 2016 بسحب قرار ادانة المستوطنات الاسرائيلية من مجلس الامن بعد مكالمة تليفونية من ترامب.
ولا يزال يشاهد ما يجرى الآن من تنسيق وتقارب تصل الى درجة التحالف بين مصر و(اسرائيل)، التى أصبحت تتصدى للدفاع عن الادارة المصرية والترويج لها فى مراكز صنع القرار الامريكى والاوروبى، بعد أن كانت حتى سنوات قريبة لا تفعل شيئا سوى التحريض ضد مصر والمطالبة بتعليق المساعدات الامريكية لها وربطها بحزمة من الشروط الاسرائيلية فى سيناء!
***
وفى نهاية هذه السطور، يأتى السؤال الأهم وهو ماذا يمكن أن يفعل الفلسطينيون حين تتواطأ الدول العربية مع الأمريكان (واسرائيل) على كل ما هو فلسطينى؟
وماذا يمكن أن تفعل قوى المعارضة العربية حين ترى انظمتها الحاكمة تنتهك ما تبقى من الثوابت العربية وتتحدى الاجماع الشعبى العربى والفلسطينى وتشارك فى أخطر مذبحة امريكية ودولية تتعرض لها فلسطين منذ صدور قرار التقسيم عام 1947؟
*****

محمد سيف الدولة

الثلاثاء، 11 يونيو 2019

الوطنية على نهج ابراهيم يسرى



اكتب هذه السطور فى نعى ورثاء السفير ابراهيم يسرى الاستاذ الكبير والمحامى القدير والمناضل الصلب والصديق الحميم.
***
·       حين كان يعمل سفيرا فى وزارة الخارجية، قدم لمصر خدمات جليلة منها دوره الرئيسى فى "اللجنة القومية العليا لطابا" التى كانت وراء عودة طابا بالتحكيم الدولى.
·       ورغم شغله لمنصب رسمى فى الدولة الا ان بوصلته الوطنية لم تنحرف حين انحرفت بوصلة الدولة المصرية مع اتفاقيات كامب ديفيد وبعدها.
·       وحين تقاعد، كان من القلة القليلة التى تعد على اصابع اليد الواحدة التى عارضت السياسة الرسمية للدولة والتحقت بصفوف المعارضة وتحملت كل ما ترتب على ذلك من عواقب ومخاطر وتهميش.
·       وهو واحد من المحامين القلائل الذين دأبوا على الاشتباك مع السلطة، ايام مبارك وبعده، فى مجلس الدولة والمحكمة الدستورية فى قضايا تمس الامن القومى المصرى والمصالح العليا للبلاد مثل تصدير الغاز لاسرائيل، ورفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع قبرص لانها تجور على الحقوق المصرية، وبطلان التوقيع على الاتفاقية الثلاثية بين مصر والسودان واثيوبيا بخصوص سد النهضة لإضرارها بحصة مصر من مياه النيل. وانعدام حكم المحكمة الدستورية الذى قضى بالغاء الاحكام السابقة الصادرة بخصوص الطعن على قرار الحكومة بنقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية وغيرها. 
·       وفى معارك بعينها كان هو قائدها و راس الحربة فيها، حين عبر عن الضمير المصرى وبادر نيابة عن كل المصريين برفع دعوى امام مجلس الدولة ضد تصدير الغاز المصرى لاسرائيل، وقام بتأسيس حملة شعبية واسعة فى هذا الصدد.
·       ولقد ترك لنا السفير ابراهيم يسرى عديد من الكتب والدراسات الهامة مثل ((النيل ومصر وسد النهضة ـ وحروب القرن الافريقى)) و ((حتمية تجديد الدبلوماسية العربية)) و ((تطور القضاء الجنائى الدولى فى ملاحقة الجرائم ضد الانسانية)) وغيرها التى تعكس ثقافته الموسوعية فى مجال العلاقات الخارجية والدبلوماسية وفى مجال القانون الدولى والاتفاقيات الدولية.
·       وحين شارك بعد تقاعده فى معترك العمل الوطنى والسياسى اختار ان يخوضه مستقلا عن اى حزب او تيار، ومع ذلك فانه كان محل احترام وتقدير من الجميع باختلاف مرجعياتهم الفكرية والسياسية والحزبية.
·       وفى سنوات المخاض قبل ثورة يناير كان فى مقدمة الصفوف، وبعد الثورة كان فى القلب منها منذ لحظاتها الاولى حتى يوم رحيله.
·       وحين ضربت جرثومة التفكك والانقسام والصراع القوى السياسية فانشقت الى مدنيين واسلاميين، رفض اى يكون جزءً من الانقسام ورفض اجتثاث اى تيار، وكان رفيقا وصديقا للجميع، وظل يحاول لم الشمل حتى آخر نفس فى حياته.
·       ولقد ترجم ذلك فى عديد من المواقف والمبادرات والانشطة آخرها كانت محاولاته لتشكيل عديد من منتديات ومجموعات الحوار الفكرى والسياسى بين كافة الفرقاء على موقع "واتساب" الشهير، فأسس مجموعات "شخصيات وطنية" و "تيران وصنافير مصريتان" و "سد النهضة" و " مشروع القرن ام ثورة عربية" و " غازنا المنهوب من اسرائيل" وغيرها، والتى ضمت فى عضويتها عديد من الشخصيات المصرية المعارضة من كافة التيارات والاتجاهات التى رحبت بدعوته لها فشاركت وتفاعلت وتحاورت معا بعيدا عن أجواء الانقسام والكراهية التى ضربت الحياة السياسية.
·       ولقد كان رجلا شديد الصلابة، لم يستسلم لحالته الصحية التى كانت تسبب له صعوبات جمة فى الحركة وفى الحديث، فكان يحرص دائما على المشاركة مهما بلغت درجة الارهاق والمعاناة.
·       وكان عليه رحمة الله، متطهرا تماما من اى من تلك الامراض الذاتية المنتشرة فى الحياة السياسية، ورغم رصيده وتاريخه الغنى بالعطاء والفاعلية والتقدير، الا انه كان يتميز بأدب جم وبتواضع حقيقى غير مصطنع، ولم يسعَ ابدا وراء اى منصب او موقع او مكانة خاصة فى كل الحركات والفاعليات والتجمعات التى شارك فيها.
·       ان التكريم الحقيقى لشخص وتاريخ وعطاء ابراهيم يسرى يكون من خلال اعلاء كل القيم التى تبناها وتمسك بها وناضل من اجلها: الوطنية والاستقلال والشجاعة والاقدام والعمق الفكرى والقانونى والمهنية العالية والعطاء والانتاج المستمر والتواضع لله والتواصل مع الجميع.
·       رحم الله الفقيد الغالى.
*****
محمد سيف الدولة