بحث فى المدونة

الأحد، 31 يوليو 2016

هل غيرت الاجهزة السيادية عقيدتها تجاه اسرائيل؟

هل غيرت الاجهزة السيادية عقيدتها تجاه اسرائيل؟

محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

نشر الدكتور/ طارق فهمى مقالا فى جريدة الشروق المصرية يوم السبت 30 يوليو 2016، بعنوان "التطبيع والسلام المصرى الجديد مع اسرائيل".
تضمنت المقال، ذات الدعوات التقليدية عن اهمية السلام والتطبيع المصرى مع اسرائيل.
ولكن ما يميز هذا المقال هو ان كاتبها هو رئيس وحدة الدراسات الاسرائيلية فى مركز وثيق الصلة بالأجهزة السيادية هو " المركز القومى لدراسات الشرق الاوسط" ورئيسه هو اللواء دكتور/ محمد مجاهد الزيات.
وهو ما يضفى على المقال اهمية خاصة، من حيث انها على الاغلب تعبر عن وجهة نظر تتبناها الجهات المذكورة، او على اقل تقدير، ترغب فى اختبار ردود الفعل السياسية والشعبية على ما ورد فيها، خاصة بعد الدعوة الى "السلام الدافئ" التى وجهها السيسى.
***
تستحق المقال ان تقرأ بعناية (مرفق رابطها)* ولكن أهم ما ورد فيها فى تصورى ما يلى:
·       لقد استقرت معاهدة السلام، ولا يجب ان تُختصر العلاقات دائما فى إطارها الأمنى والاستراتيجى، دون أن تمتد إلى إطار أوسع من حيث المصالح والاستراتيجيات فى المنطقة (تطوير العلاقات)
·       هناك حاجة ملحة لتحديد نمط العلاقات المصرية الإسرائيلية، من الأمن إلى الاقتصاد، ومن الاستراتيجية إلى الاستثمار.(من التحديات الى الفرص! )
·       لا يجب ان نخشى إسرائيل أو نهابها أو نرفض الدخول معها فى مساحات من الاشتباك العلمى والأكاديمى والاستراتيجى، فمصر لديها مناعة وطنية كبيرة وحائط صد من المعطيات الراسخة فى كل المجالات. (لا تخشوا التطبيع)
·       تطوير العلاقات المصرية الإسرائيلية ليس معناه التطبيع فقط كما يفهم البعض، وإنما إعادة هيكلة العلاقات من جديد مع الحفاظ على النجاحات التى تمت، وخلق حالة أمنية واستراتيجية جديدة فى سيناء تتجاوز الدعوة إلى إجراء تعديلات فى البروتوكول الأمنى والاستراتيجى. (شراكات امنية واستراتيجية)
·       يجب ان نتقدم برؤية ومسار حقيقى وشامل لتطوير العلاقات الثنائية لتحقيق أعلى عائد سياسى متوقع على أن يكون الهدف الأساسى توظيف وتنمية العلاقات مع إسرائيل لصالح العلاقات الثنائية أولا ومع الجانب الفلسطينى ثانيا.(مصر هى الهدف وليس فلسطين)
·       أن فرص التأثير فى الدوائر الأمريكية يمكن أن تنطلق من تنمية أسس العلاقات مع إسرائيل (اسرائيل هى بوابة ومفتاح تطوير العلاقات مع امريكا)
·       يجب أرضية جديدة للعلاقات بين الأطراف المصرية والإسرائيلية والأمريكية معا ولحسابات خاصة بأمن الجميع وليس أمن طرف على حساب طرف آخر(الأمن المشترك)
·       إعادة النظر فى بعض الملفات الاقتصادية يتطلب قراءة واعية لما تم وعدم التوقف عن ما يتردد عن الاختراق الإسرائيلى والرغبات الإسرائيلية فى زيادة المنتج الإسرائيلى، والانفتاح على مناطق جديدة خارج الكويز، خاصة أن مصر فى حاجة لتطوير مشابه فى مسار العلاقات مع الولايات المتحدة والخاصة بتنمية الأفكار الخاصة بالمعونات العسكرية واستحداث أفكار ورؤى جديدة بشأن تعاون جديد على أسس واقعية ربما تكون إسرائيل حاضرة فى بعض تفاصيله فى المرحلة المقبلة.(استلهام تجربة الكويز فى تاسيس مزيد من المشروعات المصرية الاسرائيلية الامريكية المشتركة)
·       التعامل المصرى فى الملف الفلسطينى سيحتاج إلى أدوات حركة مصرية حقيقية ستتطلب عقد لقاءات وإجراء تشاورات ( هل هذا تمهيد لزيارة نتنياهو للقاهرة؟)
·       إن مصر الرسمية والشعبية عليها أن تراجع نفسها، ويجب أن يكون هناك معرفة جيدة بما يدور فى إسرائيل فى الوقت الراهن من توجهات الرأى العام وحركة الأحزاب واستطلاعات الرأى العام ومواقف القوى الصاعدة فى المجتمع، ومن مصادر مباشرة تتجاوز التعامل العابر والهامشى من ترجمة سطحية لبعض الأخبار فى بعض الصحف أو المواقع الالكترونية غير المتخصصة، وهو ما انشغل به البعض والذى عزف عن التعامل مع إسرائيل، واكتفى بالشكليات (تواصلوا وطبعوا معها لتتعرفوا عليها)
·       علينا أن نخرج من حالة الارتكان للواقع الراهن فى العلاقات مع إسرائيل وأن نشتبك فى منظومة كاملة من التفاعلات تتجاوز المجال الأمنى والاستخباراتى ــ وهو أمر مستقر ــ إلى مجالات أرحب وأوسع بما يخدم الحركة المصرية ليس فى الإقليم وإنما أيضا فى المحيط الدولى.(العلاقات مع اسرائيل ستدعم مصر اقليميا ودوليا)
·       إن القطاعات المصرية الرافضة للسلام مع إسرائيل يجب النظر إليها أنها قوى وطنية لا تزال مؤمنة بفكرتها، ولكن ستحتاج إلى مراجعة ولو مرحلية فى حال قبول إسرائيل الخروج من الأراضى المحتلة، والموافقة على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، حيث ستنتفى مبررات رفض إسرائيل(راجعوا مواقفكم).
·       يجب على مصر ان تطرح مبادرة شاملة ومتكاملة للرئيس السيسى، وليس تسويق أفكار للآخرين سواء كانت المبادرة العربية أو المبادرة الفرنسية بعد أن تكون القاهرة قد التقت بكل الأطراف المعنية على أرضية التسوية المقترحة. (مبادرة مصرية تتجاوز المبادرة العربية وتقبلها اسرائيل)
***
كانت هذه بعض الرسائل التى وردت فى المقال المذكور، والتى يمكن التعقيب عليها فيما يلى :
·       ان الارض القائمة شرق الحدود الدولية المصرية هى فلسطين من نهرها الى بحرها، اما اسرائيل فهى كيان استعمارى استيطانى عنصرى باطل لا يجوز الاعتراف به او الصلح والتطبيع معه، يحمل مشروعا معاديا لمصر وللامة العربية بقدر استهدافه لفلسطين، وان الاختلال الحاصل فى موازين القوى الاقليمية والدولية منذ بضعة عقود لا يبرر الاعتراف بشرعية الاحتلال، والتفريط والتنازل عن اى جزء من فلسطين.
·       ان المعاهدة التى وقعتها مصر مع اسرائيل غير مرحب أو معترف بها من غالبية الشعب المصرى وقواه الوطنية الحقيقية، وأى استرجاع لتاريخ مقاومة القوى الوطنية لها منذ توقيعها أو لمشاهد المظاهرات المحاصرة لسفارة اسرائيل بعد الثورة، قاطعة الدلالة على ذلك. ولا يجوز بأى حال من الأحوال استغلال وتوظيف التقييد الحالى للحريات، والقبضة البوليسية، وحصار المعارضة والقوى السياسية، لتمرير اتفاقيات وتفاهمات جديدة مع اسرائيل، لن يكتب لها الحياة والاستمرار بمجرد استرداد الشعب والقوى الوطنية لحرياتها.
·       وحتى من المنظور الرسمى، فلقد كان هذا سلام بالاكراه ولا يزال، فلا يصح الحديث عن استقراره لما فى ذلك من قبول واستمراء وخضوع لأدوات الاكراه. سلام تم تحت تهديد احتلال قوات العدو لسيناء عام 1967، ورفض مجلس الامن بقيادة امريكا لاصدار قرار بانسحابها بدون قيد او شرط كما ينص ميثاق الامم المتحدة، ثم الدعم المالى والعسكرى الامريكى اللامتناهى  لاسرائيل، والتدخل فى حرب 1973 للحيلولة دون تحقيق نصر عسكرى كامل.
·       كان الموقف الغالب للدولة المصرية وأجهزتها السيادية على الدوام، هو حصر التطبيع مع اسرائيل فى الحدود والدوائر الرسمية، مع تشجيع ومباركة، عن بعد، للرفض الشعبى للتطبيع. وكل الاتفاقيات الاقتصادية التى خرجت عن هذه القاعدة كاتفاقية الكويز واتفاقية تصدير الغاز لاسرائيل تمت تحت الضغوط الامريكية.
فما هى المستجدات التى دفعت الدولة باجهزتها السيادية الى تغيير عقيدتها الامنية والاستراتيجية تجاه اسرائيل؟

·       ان رفض التطبيع المصرى والعربى مع اسرائيل لم يكن بسبب الخوف من الاختراق الاسرائيلى، بقدر ما كان بهدف الاستمرار فى حصار اسرائيل وإضعاف اقتصادها ودولتها وعدم تشجيع مزيد من دول العالم على انهاء مقاطعتها لها، بالاضافة الى ان قبول اسرائيل فى المنطقة والاعتراف والتطبيع معها من قبل الشعوب العربية، سيشجع وينمى من الهجرات اليهودية اليها، التى لا تزال ترى كثيرا منها، فى رفض ومقاطعة شعوب المنطقة لها، مؤشراعلى تعثر المشروع واحتمالية فشله ونهايته.
·       كما أن رفض التطبيع الشعبى والتأكيد على الطبيعة العدوانية للمشروع الصهيونى، كانت على الدوام احد الثوابت الوطنية التى نحرص على تنشئة الاجيال الجديدة عليها وتوريثها، انتظارا لتغير الظروف وموازين القوى فى يوم من الايام، وعودة مصر الى موقعها القيادى فى مواجهته. 
·       ان قبول ودمج واستقرار ونجاح اسرائيل فى المنطقة سيشجع كل الجماعات والتيارات الطائفية فى المنطقة، على ان تحذو حذو المشروع الصهيونى، فى محاولة الانفصال وتأسيس دويلات مستقلة لأصحاب الديانات او المذاهب أو الاعراق المختلفة، دويلات سنية وشيعية وكردية ومارونية وقبطية ..الخ، وهو ما بدأت بشائره بالفعل بعد كامب ديفيد.
·       ان شرعية النظام المصرى ودولته، اهتزت كثيرا منذ تم الصلح مع العدو الصهيونى، ومنذئذ حتى اليوم، لم ينجح اى نظام او رئيس فى اكتساب الشرعية الوطنية التى تفوق وتسمو على الشرعية الدستورية، لأنه يستحيل تأسيس دولة او نظاما أو استقرار طويل المدى، على قاعدة الاقرار بالعجز عن المقاومة والانتصار على العدو الاستراتيجى الاول للامة، والخضوع له والقبول بوجوده على ارض عربية محتلة.
·       ان حالة التفكك التى ضربت مصر والدول العربية، وادت الى كفر قطاعات من الشباب بالهوية الوطنية والقومية، والبحث عن هويات وانتماءات اخرى، طائفية او قبلية، وتطورها فى السنوات الاخيرة الى حروب اهلية واقتتال عربى/عربى كانت من اخطر آثار حالة الانهزام والاستسلام العربى للمشروع الصهيونى والقبول بالتعايش والسلام معه فما بالنا اذا استجبنا لهذه الدعوات لبناء تحالفات استراتيجية وامنية واقتصادية واقليمية مع اسرائيل.
·       رغم التبعية التى كان غارقا فيها نظام مبارك، الا ان احد الاهداف الرئيسية له حينها كانت بمطالبة الولايات المتحدة الامريكية بتحرير العلاقات الثنائية المصرية الامريكية من اسرائيل، حيث كانت المعونة العسكرية واتفاقيات الكويز والغاز والبترول وغيرها، تصر على نسج علاقة زواج كاثوليكى ثلاثى. وهى نفس الخطيئة الذى يطالب بها المقال من الرهان على اسرائيل كبوابة هامة ورئيسية لتطوير العلاقات المصرية مع امريكا.
·       ان المشروع الوطنى العربى وفى القلب منه المشروع الوطنى المصرى يتناقض جذريا مع المشروع الصهيونى، مصريا وعربيا واقليميا ودوليا، بل ان مجرد بقاء هذا الكيان على حدودنا الشرقية هو تهديد دائم لوجودنا ذاته، وبالتالى فان اى حديث عن ادوار اقليمية ودولية " مصرية اسرائيلية" مشتركة هو فى حقيقته انحياز الى المشروع الصهيونى ودعوة لتوظيف الدولة المصرية للتخديم عليه والدفاع عن شرعيته والترويج والتمهيد لدمجه فى المنطقة.
·       كما ان الدعوات الى توسيع السلام مع اسرائيل ودمجها فى المنطقة يوجه ضربة قوية لأى جهود نجحت فى تكوين راى عام اوروبى وعالمى مناهض لسياسات واجراءات الاحتلال الاسرائيلى.
·       ان الحديث عن مبادرة مصرية للسلام مستقلة عن المبادرة العربية تقبلها اسرائيل ويرحب بها نتنياهو، هو حديث يثير القلق والشك من ان يكون فيه تمريرا وتمهيدا للمطالب الاسرائيلية الاخيرة بتعديل المبادرة العربية والتخلى عن حدود 1967 والاصرار على يهودية الدولة وتبادل الاراضى ورفض حق العودة واعتبار القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل. (مع التاكيد بطبيعة الحال أن المبادرة العربية كانت هى نفسها كارثية بما تضمنته من تنازل عن 78% من ارض فلسطين.)
·       واخيرا اتمنى على اصدقائنا من الاكاديميين والخبراء الاستراتيجيين،  وعلى مراكز الدراسات والابحاث المستقلة أو القريبة من الدولة واجهزتها السيادية، أن يراجعوا أنفسهم وأن ينأوا بأنفسهم عن القيام بأى أدوار أو تكليفات تطعن فى ثوابتنا الوطنية المستقرة وجدانيا والمختبرة علميا وتاريخيا.
*****

القاهرة فى 31 يوليو 2016
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الثلاثاء، 19 يوليو 2016

لماذا نرفض الانقلابات العسكرية ؟

لماذا نرفض الانقلابات العسكرية ؟
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

1)   نرفضها لأنها تحتكر السلطة وتستأثر بإدارة البلاد، ولا تقبل اى مشاركة سياسية او شعبية، وتحكم بقوة السلاح وتنتهج سياسة فاشية و بوليسية، وتستقوي بالخارج الذى يمدها بالسلاح ويمنحها شرعيتها فى مواجهة الشرعية الشعبية والديمقراطية، وتتحول الى نظم تابعة لا محالة. ويعيش الناس تحت حكمها فى خوف شديد، لا يأمنوا على حياتهم او حرياتهم او ممتلكاتهم.
2)   ولان الدولة ليست جيشا او مؤسسة عسكرية، لكى يحتكر العسكريون شئون الحكم فيها، وليس من المعقول او المقبول ان يمر الطريق الوحيد لحكم البلاد عبر بوابات الكليات العسكرية.
3)   ولان قيام الجيوش بالدفاع عن ارض الوطن لا يعطيها الحق فى احتكار حكم البلاد.
4)   ولان الشعوب والدساتير اختصت الجيوش بالحق فى التسليح دونا عن غيرها من المواطنين، من اجل الدفاع عن اراضى الوطن، وليس من اجل الاستيلاء على السلطة.
5)   ولان تجاربنا مع الحكم العسكرى فى الوطن العربى بائسة، قادت الامة، خاصة بعد 1973، الى الهزيمة والاستسلام للعدو الصهيونى ومزيد من الاحتلال والتبعية ومزيد من الفقر والتخلف، ومزيد من الفرقة والتقسيم التى انتهت بالحروب الأهلية والاقتتال العربى العربى.
6)   ولأنه ليس صحيحا ان العسكريين هم اكثر فئات الشعب وطنية، فالوطنية صفة عامة لا تقتصر على فئة دون أخرى، وتاريخنا ملئ بالمفكرين والسياسيين والمناضلين الوطنيين من المدنيين، كما انه لا يخلو من عسكريين انتهكوا الثوابت الوطنية كما فعل السادات ومبارك فى كامب ديفيد والتبعية للامريكان.
7)   ولأنها تستبدل ارادة الشعب صاحب السيادة على الأرض والدولة، بإرادة حفنة من الضباط، ولأنها تستبدل قدسية الوطن بقدسية الجنرال.
8)   ولأنها تعصف بحقوق وحريات وكرامة المواطنين، ولأنها تسقط آلاف الضحايا من القتلى والمعتقلين والمطاردين.
9)   ولأنها تخضع كل مؤسسات الدولة لمؤسسة واحدة فقط.
10)         ولأنها تعطى السلطة لمن يحمل السلاح، وليس لمن تختاره الشعوب فى انتخابات حرة ونزيهة.
11)         ولأنها تخلق نظاما عنصريا يسود العسكريين فيه على المدنيين.
12)         ولأن من يأتى بقوة السلاح لا يمكن ازاحته الا بقوة السلاح مما يعرض الدول لمخاطرالحروب الاهلية
13)         ولأن الدولة المستبدة التى يحتكر حكمها فئة واحدة، تضعف مناعتها، وتكون عرضة للكسر والهزيمة او الاستسلام والخضوع امام الضغوط الدولية، ودائما ما كانت الشعوب هى الأكثر قدرة على الصمود وهزيمة الاحتلال، فيما لو اختلت موازين القوى العسكرية.
14)         ولأن القوى الكبرى والمنتجة للسلاح، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، هى الأقدر على تدبير ودعم الانقلابات العسكرية فى العالم الثالث.
15)         ولأنه بعد أن فجرت الشعوب ثوراتها، وقدمت الضحايا والشهداء ثمنا لحريتها، لا يمكن حبسها وإعادتها الى القمقم مرة أخرى، وادارتها كثكنة عسكرية.
16)         ولأن المجتمعات البشرية قد استقرت اليوم على رفض وإدانة الانقلابات العسكرية، ولذا لا يجرؤ نظام او حاكم واحد فى العالم اليوم ان يعترف بإنقلابه، بل يتبارى الجميع بما فيهم قادة الانقلابات العسكرية على نفى هذه التهمة والوصمة عنهم، والادعاء بأنهم جاءوا بإرادة شعبية.
17)         ولأن قادة الانقلابات العسكرية، لا يشغلون مراكزهم ويكسبون صلاحياتهم وهيمنتهم وفقا لأفكارهم ومواقفهم وانحيازاتهم الوطنية والشعبية والديمقراطية، وانما وفقا لمواقعهم القيادية ورتبهم العسكرية.
18)         ولأن قبول مبدأ تغيير الانظمة عن طريق الانقلاب العسكرى ولو مرة واحدة، سيفتح ابواب جهنم للمزيد منها فى المستقبل.
19)         لأنه لا ندية او مساواة او حوار او نقد او معارضة أو تعقيب أو مفاوضات أو حلول وسط مع قادة الانقلابات، فغير مسموح الا بالخضوع والإذعان التام.
20)         ولأن تجارب الشعوب ودروس التاريخ اثبتت ان هناك طريقين لا ثالث لهم للوصول الى الحكم او لإسقاط النظم الفاسدة، إما الطريق الديمقراطى لمن استطاع اليه سبيلا، وإما الثورة اذا اغلقت أمام الشعب كل منافذ وقنوات الديمقراطية.
***
لذلك نرفض الانقلابات العسكرية كإسلوب لتغيير النظم وإدارة وحكم البلاد، رفضا مبدئيا مطلقا، وليس رفضا نفعيا انتهازيا متغيرا وفقا لمصالحنا وتحالفاتنا فى كل حالة على حدا.
نرفضه حتى لو أسقط نظاما معادياً فى احدى الدول المجاورة، لأننا ببساطة لا نقبل ان تتدخل دول كبرى أو اقليمية لدعم انقلابات عسكرية تابعة وصديقة لها فى بلادنا؟
ونرفضه فى دولنا حتى لو جاء لاسقاط نظاما حاكما نعارضه، فكيف تستقر المجتمعات وتستقيم الحياة السياسية فيها، اذا قرر كل منا أن يستدعى الجيش، فى اى وقت، لمواجهة خصومه السياسيين، وكيف نأمن ونضمن أن الانقلاب التالى لن يسقطنا نحن ويعيد خصومنا؟
***
ليست المسألة هى تركيا او أردوغان، وإنما هى الموقف المبدئى من الانقلابات العسكرية كاسلوب لتغيير النظم وإدارة وحكم البلاد، فى أى مكان وفى كل الظروف.
مع أهمية التأكيد بطبيعة الحال على أن مدنية الحكم ليست هى الشرط الوحيد لرشده، فالاستقلال والوطنية والديمقراطية والعدل والنزاهة والعدالة الاجتماعية، هى شروط لا تقل اهمية عن مدنيته.
*****
القاهرة فى 19/7/2016





الثلاثاء، 12 يوليو 2016

فلنوجه غضبنا الى كامب ديفيد

فلنوجه غضبنا الى كامب ديفيد
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

لم يعد السؤال اليوم عن حقيقة السيسى ونظامه، وطبيعة علاقاته مع العدو الصهيونى، وإنما اصبح السؤال الأكثر أهمية هو ما العمل؟
***
علينا أن نوجه غضبنا الى كامب ديفيد، وليس للسيسى وحده، ففى مصر ١٠٠ الف سيسى. 
وكامب ديفيد ليست اتفاقية وبنود، بل هى نظام كامل من التبعية والاستسلام والاستبداد والإفقار والنهب والاستغلال. انها منظومة كاملة فى الاقتصاد والسياسة والجيش والتسليح وتوزيع الثروات والطبقات والعلاقات الخارجية والثقافة والتعليم، وفى القيم والاخلاق.
وهى ليست مجرد اتفاقية "بالإكراه" لتجريد سيناء من السلاح والقوات الا ما تسمح وتجود به اسرائيل، بل هى مخططا شاملا لتجريد مصر من أى قدرة على مواجهة امريكا وإسرائيل ومن القيام بدورها التاريخي فى المنطقة، ناهيك عما ترتب عليها من تفريط فى فلسطين، واعتراف ودعم وتمكين وتسييد (لاسرائيل) ومشروعها الصهيونى فى الوطن العريى.
***
و لو اختفى السيسى غدا، فان هذا لن يغير شيئا؛ سيأتون بمثله ليخدم ذات النظام وينفذ ذات السياسات، ويلتزم بذات الانحيازات، ويدخل فى ذات التحالفات، ويقدم ذات التنازلات.
هذا ما فعلوه بعد اغتيال السادات، أتوا بمثله او أسوأ منه ليواصل ما بدأه.
وإيانا ان نكرر ذات الخطأ الذى وقعنا فيه بعد ثورة يناير، حين اكتفينا بإسقاط مبارك، وخشينا ان نقترب من كامب ديفيد ونظامها والتزاماتها وتبعيتها ومؤسساتها ورجالها وطبقتها ودولتها العميقة.
قيل وقتها: فلنبنى مصر أولا ولنتجنب الان اى صدامات مع امريكا واسرائيل ومجتمعها الدولى.
فماذا حدث؟
لم يمهلنا منهم احدا، وتحالفوا للانقضاض علينا بربطة معلم، وأجهضوا ثورتنا فى ايام معدودات، وعادوا بنظام أسوأ من نظام مبارك فى تبعيته، وأكثر ظلما وإفقارا للشعب، وأكثر استبدادا وبوليسية. عامود الخيمة فى شرعيته وسياساته هو علاقته باسرائيل وتحالفه معها. وبدلا من ان نكون تابعين للأمريكان مباشرة، اصبحنا أتباع لتابعيهم، للسعودية والخليج.
***
ولنسأل أنفسنا، ما هى الاجندة التى ينفذها السيسى ونظامه؟ ومن الذى يدعمه دوليا وإقليميا؟ وهى أسئلة، إجاباتها أصبحت اليوم واضحة للعيان، بتتبع لحزمة السياسات الداخلية والخارجية التى ينفذها ولطبيعة المصالح و الدول والأحلاف والمحاور والقوى والطبقات التى يعبر عنها ويمثلها. 
وعليه فان من وراء السيسى، وما وراءه، اخطر الف مرة منه شخصيا، الى الدرجة التى يذهب فيها بعض المراقبين ان هناك فى جماعته ومعسكره وحلفائه من يفكر فى استبداله لأنه يراه دون المستوى.
***
لا يجب ان يقتصر غضبنا على السيسى وعلاقاته "الدافئة" او على وزير خارجيته وزياراته لنتنياهو فقط، بل علينا أن نبحث كيف يمكن ان نتحرر من عبودية كامب ديفيد بكل نظامها وتحالفاتها ورجالاتها.
*****
القاهرة فى 12 يوليو 2016