بحث فى المدونة

الثلاثاء، 3 مارس 2015

بين محاكمة دريفوس ومحاكمة فلسطين

بين محاكمة دريفوس ومحاكمة فلسطين
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

الظلم والعنصرية ومعادة السامية فى محاكمة دريفوس الشهيرة، يتوارون خجلا أمام ادانة محكمة أمريكية للفلسطينيين على مقتل 33 اسرائيليا.
***
فى 23 فبراير الماضى، أدانت محكمة امريكية بمدينة نيويورك، منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية مجتمعتين بتهمة دعم ستة هجمات قامت بها حماس وكتاب شهداء الاقصى فى "اسرائيل" بين عامى 2002 و2004، وأدت الى مقتل 33 "اسرائيليا" وجرح أكثر من 450، وقضت بتغريمهما تعويضات بقيمة 218.5 مليون دولار، تدفع لعائلاتهم، وقد تصل الى 655.5 مليون دولار وفقا لقانون مكافحة الارهاب الامريكى. وهى الدعوى التى أقامتها مجموعة قانونية اسرائيلية تدعى "شورات هادين، المركز القانوني الإسرائيلي، ممثلة لعشر عائلات اسرائيلية.
ووفقا للتعليقات الاسرائيلية فان هذا الحكم سيكون له تأثيره الكبير على جهود السلطة الفلسطينية في ملاحقة إسرائيل جنائيا بتهم جرائم الحرب في المحكمة الجنائية الدولية. ولقد أشارت الحكومة الإسرائيلية إلى أنها تنوي اللجوء لنفس هذه المحكمة لاتهام السلطة الفلسطينية بالإرهاب و جرائم ضد الإنسانية.
 وبعد سماع الحكم، صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بان "المحكمة الفيدرالية الأمريكية حكمت بمسئولية السلطة الفلسطينية عن الهجمات الإرهابية القاتلة في العقد الماضي وبدلا من أن تعي الدرس نجد أن السلطة الفلسطينية مازالت تتقدم بخطوات تؤثر على الإستقرار الإقليمي للمنطقة مثل اللجوء للمحكمة والتحالف مع منظمة حماس الإرهابية....ونحن نتوقع من العناصر المسئولة في المجتمع الدولي أن تستمر في معاقبة هؤلاء الذين يدعمون الإرهاب مثلما فعلت المحكمة الفيدرالية الأمريكية كما يجب دعم الدول التي تحارب الإرهاب ". 
***
قبل ذلك بما يزيد عن قرن وربع، وفي عام 1884 وبسبب العنصرية والمعاداة للسامية التى كانت متفشية فى فرنسا فى ذلك الوقت، تم تلفيق اتهام للنقيب اليهودي في الجيش الفرنسي "ألفريد دريفوس" بأنه تجسس لصالح المانيا وأرسل لها ملفات سرية، فحكم عليه بالأشغال الشاقة والنفى. مما أدى الى انقسام المجتمع الفرنسى لسنوات طويلة انتهت بتبرئته فى عام 1906، بعد نضال طويل من مؤيديه للدفاع عنه.
وهى القضية التى كانت لها اثر بالغ فيما بعد على فرنسا و اوروبا بل علينا نحن ايضا، حيث كان الاضطهاد العنصرى لدريفوس هو احد الذرائع الاساسية التى استند عليها مؤسس المنظمة الصهيونية العالمية، الصحفى النمساوى تيودور هرتزل فى دعوته لتأسيس دولة يهودية فى فلسطين، يهاجر لها يهود اوروبا هربا من عنصرية وكراهية اوروبا المزمنة لهم.
***
يصدر هذا الحكم الأمريكى  قبل أن تجف دماء أكثر من 2000 شهيد فى غزة فى اكبر عدوان وجريمة ابادة ترتكبها اسرائيل ضد الشعب الفلسطينى منذ مذبحة صابرا وشاتيلا عام 1982، بلغت نسبة المدنيين منهم ما يزيد عن 80 % ، ما يقرب من نصفهم من الاطفال والنساء.
ويتناول الحكم افعال تمت بين عامى 2002 و2004، خلال سنوات انتفاضة الاقصى التى بلغ عدد ضحاياها ما يقرب من 5000 شهيد و خمسين الف مصاب، هذا بالإضافة الى عدد مماثل من الشهداء سقطوا بعد ذلك فى الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة من 2008 حتى 2014، بالاضافة بالطبع الى شهداء حرب تموز 2006 فى لبنان الذى بلغ عدد ضحاياها ما يقرب من 1200 شهيد و4000 جريح لبنانى.
ويصدر الحكم  لصالح كيان ارهابى عنصرى شاذ وغاصب قام بقتل وتشريد واسر الملايين من الفلسطينيين بعد ان اغتصب اوطانهم ومنازلهم على امتداد عشرات العقود، بدون ان تصدر اى ادانة قضائية امريكية او اوروبية واحدة له.
ويصدر هذا الحكم فى الولايات المتحدة الامريكية الراعية الأولى للمشروع والكيان الصهيوني، والحامية العظمى لاسرائيل من اى ادانات دولية. وبسببها فشلت كل المحاولات العربية والفلسطينية على امتداد اكثر من ستين عاما فى اصدار او تفعيل قرار واحد يتيم ضد اسرائيل التى تنتهك ميثاق الامم المتحدة كل يوم.
ويصدر هذا الحكم العنصرى "بالغ التطرف" فى ظل حملة امريكية اوروبية اسرائيلية تتهمنا نحن الفلسطينيين والعرب والمسلمين "بالتطرف".
***
ولو كانت الأمة فى حالة سوية، لنجحنا مثلما فعل الفرنسيون، فى شن حملة سياسية وقانونية عالمية لا تقل عن حملة الدفاع عن دريفوس، لكشف عنصرية الحكم والقوانين والادعاء والمحلفين وغالبية الرأى العام والنظام والدولة فى الولايات المتحدة والغرب.
ولكننا للأسف وقبل أن يجف الحبر الذى كتب به هذا الحكم الأمريكى العنصرى، فوجئنا بحكم جديد صادر من محكمة الأمور المستعجلة بالقاهرة، عاصمة مصر قلب الأمتين العربية والاسلامية، يدرج المقاومة الفلسطينية كجماعة إرهابية، فى تماهى كامل مع الادعاءات الصهيونية.
*****


ليست هناك تعليقات: