لماذا تلعثمت يا أبو مازن؟
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
فى كلمته أمام الجمعية العامة للامم المتحدة فى دورتها
الـ 70، أعلن ابو مازن، انه طالما اسرائيل لا تلتزم باتفاقيات اوسلو وملحقاتها،
فان السلطة الفلسطينية لن تلتزم هى الأخرى.
***
ربما فى ظروف أخرى، كنا سنرحب جميعا بمثل هذه البداية التصحيحية،
وكان العالم سينقلب رأسا على عقب، وكان هذا الخبر ليتصدر كل وكالات الانباء
العربية والعالمية والعبرية.
ولكن شيئا من هذا لم يحدث.
لماذا؟
لأن أحدا لم
يصدق أبو مازن فيما قاله، لا الفلسطينيين ولا العرب ولا الصهاينة ولا امريكا
ومجتمعها الدولى.
لقد نطقها ابو مازن فى كلمات ثقيلة خرجت من فمه "بالعافية"
وكأن هناك طبنجة موجهة الى رأسه، قالها من وراء قلبه، مجردة من المصداقية والحزم
والحماسة التى تتسم بها مثل هذه القرارات الخطيرة الفارقة.
قاله وهو يتلجلج و يتلعثم، ويعيد ويزيد ويصحح ويفسر ويمعن
فى التبرير وكأنه يعتذر عنها قبل ان ينطقها.
***
ولكن الاهم انه قالها فى سياق خطاب، حمل عشرات المعانى
والمواقف المضادة والمناقضة لأى توجه وطنى حقيقى، و خالية من أى تراجع فعلى عن نهج
"أوسلو" فى الاعتراف باسرائيل والتنازل لها عن فلسطين 1948 والتخلى عن
الحق فى المقاومة ومطاردة من يقاوم من الشعب الفلسطينى:
قال أنه رغم كل الاعتداءات الاسرائيلية ومهما حدث فإنهم
لن يلجئوا أبدا للعنف!
رحم الله ابو عمار 1974 حين تحدث عن غصن الزيتون
والبندقية فى خطابه الشهير فى الامم المتحدة.
اما ابو مازن فالظاهر انه لم يعلم بعد ان البشرية قد
اخترعت شئ اسمه الانتفاضات الشعبية ومقاومة الاحتلال، او انه يعلم ويخجل أن يقترن
اسمه بها، فأراد أن يتبرأ منها بكل الصيغ والتعبيرات.
وحتى حين طالب بالحماية الدولية، فانه أخذ " يتمسكن"
ويقدم صورة مهينة للشعب الفلسطينى، صورة شعب غلبان مكسور الجناح، مغلوب على أمره،
لا حول له ولا قوة، وكأنه يتكلم عن شعب آخر غير الذى نعرفه والذى لم يكف عن
المقاومة منذ قرن من الزمان.
لقد كان يستجدى الحماية من الامم المتحدة استجداءً، فكررها
عدة مرات: نرجوكم، نرجوكم، نرجوكم.
***
أخذ فى خطابه يؤكد ويكرر على اعترافه باسرائيل وحقها فى
الوجود وفى الحياة آمنة على "أرض فلسطين 1948" حتى يطمئن الجميع انه لا
يحمل اى اطماع او احلام هناك. ووجه خطابا ودودا الى ما يسمى "بالشعب
الاسرائيلى" يناجيه ويستجديه السلام هو الآخر.
تحدث عن قرار التقسيم الصادر من الامم المتحدة عام 1947،
لا ليعترض عليه، ويذكر المؤسسة الدولية بالمآسى التى عانى منها الشعب الفلسطينى بناء
عليه. ولكن لينطلق منه كأساس ومرجعية دولية يلتزم بها، وليشكو ان الجزء الخاص فيه
بالدولة الفلسطينية لم ينفذ بعد.
حتى انه لم يشر الى ان مساحة اسرائيل الحالية (78 % من
فلسطين) ليست هى المساحة التى اعطتها الامم المتحدة للدولة اليهودية (55% من
فلسطين)
***
وكرر نفس العبارات الكريهة التى يرددها قادة العرب كثيرا
هذه الأيام، من ان حل القضية الفلسطينية سيجرد المتطرفين والإرهابيين من كل
ذرائعهم. وكأن تحرير الارض المحتلة ليس مطلوبا فى حد ذاته، وانما لتفويت الفرصة
على الارهابيين.
وحين أراد أن يعدد الانتهاكات الاسرائيلية، تحدث عن
الدوابشة وابو خضير ثم قفز فجأة للخلف 15 سنة للتحدث عن محمد الدرة، متجاهلا كل
جرائم الحرب والإبادة التى ارتكبتها اسرائيل فى غزة وآخرها العدوان الاخير فى صيف
2014، والتى سقط فيها ما يزيد عن 2000 شهيد اكثر من نصفهم من الاطفال والنساء.
***
وأخيرا،
لا أعلم لماذا يتصور اصحاب الفخامة والجلالة والسمو، حين يذهبون الى الامم المتحدة
او يتحدثون فى المنابر الدولية، ويحاولون تجميل وجوههم، اننا ننسى حقيقتهم وماذا
كانوا يفعلون فى اليوم السابق وماذا سيفعلون فى اليوم التالى؟
فمن
الذى ينسق مع العدو الصهيونى ضد الشعب الفلسطينى ومقاومته. ويطارد ويعتقل ويسجن
مئات الفلسطينيين كل يوم، وفقا للأوامر والتعليمات الاسرائيلية؟
ومن
الذى سلم عناصر الشرطة الفلسطينية للأمريكان، ليقوموا بتدريبها على الشراكة الامنية مع قوات الاحتلال فى مواجهة
الفلسطينيين؟
ومن
الذى وصم الانتفاضة بالكارثة؟
ومن الذى يقيد الشعب الفلسطينى اليوم و يعمل
حثيثا على اجهاض اى محاولات للثورة والانتفاض ضد تقسيم المسجد الاقصى وتهويده؟
ومن
الذى بارك وتواطأ على حصار الشعب فى الفلسطينى فى غزة؟
وقبل
ذلك وبعده، من الذى باع فلسطين 1948 للعدو الصهيونى واعترف بشرعية اسرائيل؟ ويقوم
بدور الخادم الأمين لأمن اسرائيل ؟
***
آه،
عفوا، كدت أنسى، مبروك رفع العلم الفلسطينى فى الأمم المتحدة.
*****
القاهرة
فى أول أكتوبر 2015
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق