التطبيع بين الثورة والثورة المضادة
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
الذين دأبوا على تشويه الثورة المصرية باتهامها كذبا بما يسمى "بالربيع العبرى"، آن الآوان لهم أن يبتلعوا
ألسنتهم ويبحثوا لهم عن كذبة أخرى يشوهون بها ثورة يناير غير حكاية "
العبرى" تلك.
فإن اى مقارنة او كشف حساب بسيط و منصف، سيكشف الى مدى كانت الثورة المصرية
معادية لاسرائيل ومناهضة للتطبيع ومناصرة لفلسطين، وفى المقابل كيف جاءت الثورة
المضادة معادية لفلسطين راعية للتطبيع متحالفة مع (اسرائيل).
·
فمظاهرات الثورة المصرية هى التى اغلقت مقر
السفارة "الاسرائيلية" فى مصر لأول مرة منذ 32 عاما، غضبا من قيام قوات
الاحتلال بقتل عسكريين مصريين على الحدود فى اغسطس 2011.
بينما كان عبد الفتاح السيسى هو الذى قام بفتح مقر
جديد للسفارة بعد اربع سنوات وفى ذات اليوم الذى اغلقت فيه فى 9/9/2015 فى مكايدة
مصرية رسمية اسرائيلية مشتركة للثورة وشبابها.
***
·
والثورة المصرية هى التى ارغمت (اسرائيل) على
ايقاف اعتداءاتها على غزة مرتين، الاولى فى ابريل 2011 والثانية فى نوفمبر 2012.
بعد أن كانت تعربد وتقتل مئات من الفلسطنيين بلا عقاب أو حساب مثلما حدث فى عدوانها
على غزة 2008/2009 الذى اسقط 1500 شهيد، ثم عدوانها فى صيف 2014 الذى اسقط 2000
شهيد .
***
·
والثورة المصرية هى التى كسرت الحصار على
قطاع غزة، وفتحت معبر رفح الذى شاهد زيارة آلاف المصريين الى فلسطين لاول مرة فى
حياتهم .
بينما مبارك قبل الثورة والسيسى بعدها هما اللذان
أحكما الحصار على القطاع وأغلقا المعبر، بل و زاد الأخير بقيامه بتدمير الانفاق التى رفض مبارك نفسه تدميرها.
***
·
والثورة المصرية هى التى انهت وأبطلت عقود
وصفقات تصدير الغاز المصرى لاسرائيل، بل وقدمت مبارك للمحاكمة بسببها، اما الثورة المضادة فهى التى وقعت صفقة جديدة لاستيراد
الغاز الاسرائيلى.
***
·
والثورة المصرية هى التى تصدت لرفض قرض صندوق
النقد الدولى، الذى اعلن حينها انه لن يوافق على القرض الا بعد ان يتأكد من القبول
الشعبى له، بينما مصر السيسى هى التى اخذت القرض
مقابل الخضوع لشروط وتعليمات وروشتات الصندوق وما ترتب عليها من نتائج كارثية
لجموع المصريين.
***
·
كما أنه بعد اجهاض الثورة، بدأ الحديث عن
صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية ودمج اسرائيل فى المنطقة وتأسيس تحالفات
عربية اسرائيلية برعاية امريكية ضد ايران، وتفاخر نتنياهو فى كل مناسبة بان الدول
العربية اصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو، وتجرأت أمريكا لأول مرة على اعلان
القدس عاصمة لاسرائيل الذى لو كان قد صدر فى سنوات الثورة المصرية لإنفجر الشارع
المصرى فى وجه كل ما هو امريكى.
***
·
وفى ظل الثورة المضادة دنس نتنياهو التراب
المصرى سرا، وقابله السيسى سرا ايضا فى العقبة بالاردن، وبدأ الترويج لأحاديث
السلام الدافئ والسلام الرائع والسلام المستقر فى وجدان المصريين، وتم اخلاء
المناطق الحدودية من السكان لإقامة المنطقة العازلة التى كانت تطلبها (اسرائيل)
منذ سنوات طويلة وكان مبارك يرفضها على الدوام.
***
·
وفى ظل الثورة المصرية تعالت الاصوات التى
تطالب بتحرير مصر من القيود المفروضة عليها فى سيناء بموجب الترتيبات الامنية فى
اتفاقيات كامب ديفيد، بينما فى ظل الثورة المضادة
تعمق التنسيق الامنى المصرى الاسرائيلى الى درجة غير مسبوقة، بل وتم تكبيل مصر
بقيد جديد سيزيد من التحديات والمخاطر التى تهدد الامن القومى المصرى، بعد التنازل
عن جزيرتى تيران وصنافير الاستراتيجتين للسعودية فى اطار الرعاية المصرية لعملية
تطبيع سعودى اسرائيلى من بوابة الترتيبات الامنية المنصوص عليها فى المعاهدة
المصرية الاسرائيلية.
***
·
لقد كانت الحقوق والحريات الواسعة التى
انتزعها الشعب المصرى فى ثورة يناير حائط صد منيع ضد اى اتفاقيات او صفقات او
تنازلات تدور فى الكواليس، فلقد كان كل الامور تدور على الهواء رغم انف الجميع.
·
وكان الحق فى التظاهر الذى انتزعته الثورة
بدماء شهدائها قادرا على ارغام اى حكومة او اى سلطة او اى رئيس ان يفكر الف مرة
قبل ان يتخذ قرارا يمس المصالح او الثوابت الوطنية.
***
·
كان الشارع رقما مهما فى صناعة القرار
المصرى، او كما صرح واشتكى القادة الصهاينة اكثر من مرة من ان اسرائيل قد اعتادت
التعامل مع قصور الحكم العربية، ولكنها عاجزة عن التعامل و التواصل مع الشارع
العربى.
·
وفى ظل الثورة، اعلنت القيادات والكتاب
ومراكز الابحاث الصهيونية عدة مرات عن خوفها الشديد من تغير الميزان الاستراتيجى
ضدها، وقدمت عشرات النداءات والشكاوى "المنشورة والموثقة" للادارة
الامريكية حول خطورة ما يجرى فى مصر على وجودها وامنها، اما اليوم فان نتنياهو
يتفاخر فى كل مكان بأن الدول العربية
الكبرى اصبحت تنظر لاسرائيل كحليف وليس كعدو.
***
·
وفى ظل الثورة المصرية بسقف حرياتها
اللامتناهى انطلقت مئات الحملات الاعلامية والسياسية لتوعية الراى العام بحقيقة
الكيان الصهيونى وبقيود اتفاقيات كامب ديفيد وتنازلاتها ومخاطرها، لتعيد الاعتبار
للخطاب الوطنى الاصلى لمصر العربية ولثوابتها الوطنية، وتشكلت مئات اللجان
والجمعيات المناصرة لفلسطين، وعقدت آلاف الفاعليات والمؤتمرات والندوات لنصرة
القضية، اشهرها مليونية فلسطين التى تم تنظيمها فى ميدان التحرير فى منتصف شهر
مايو من عام 2011. بينما اليوم عجزت كافة القوى
الوطنية وأحزاب المعارضة عن حجز قاعة فى اى نقابة أو جهة عامة لتنظيم ولو ندوة واحدة يتيمة لرفض القرار
الأمريكى بنقل السفارة الى القدس المحتلة.
فعن أى ربيع عبرى تتحدثون !؟
*****
القاهرة فى 7 مارس 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق