إلقاء الفلسطينيين فى البحر
محمد سيف
الدولة
دأب الكيان الصهيونى الارهابى
المسمى (باسرائيل) على اتهامنا زورا وبهتانا بأننا نريد ان نلقى اليهود فى البحر،
وحذت حذوه ماكينات الاعلام الجهنمية المعادية فى امريكا والغرب على امتداد 70
عاما.
ثم جاء اليوم
الذى نرى فيه الذين كانوا يوجهون لنا هذه الاتهامات الكاذبة، يعلنون صراحة امام
العالم كله بأنهم هم الذين ينوون إلقاء الفلسطينيين فى البحر، حقيقة لا مجازا، يريدون افراغ ارض
فلسطين من نهرها الى بحرها منهم تماما، وتجريدهم من اى حق او شرعية للوجود والحياة
عليها.
انها عملية اقتلاع وابادة جماعية
مشابهة لما فعله الغزاة الاوروبيين للأرض الجديدة مع الهنود الحمر ولكنها تتم فى
القرن الواحد والعشرين، وكل ذلك بدون ان ينبس احدا من أشرار الخواجات فى امريكا
وأوروبا من بناة وحماة ورعاة الكيان الصهيونى ببنت شفة. وفى ظل صمت وجبن وتواطؤ
رسمى عربى منقطع النظير.
***
لسنا هنودا حمرا ولن نكون:
· لسنا فى حاجة للتأكيد على اننا لن نكون ابدا مثل قبائل الهنود
الحمر؛ فلقد كانوا يعيشون فى المراحل العشائرية والقبلية من مراحل تطور المجتمعات
البشرية ولم يكونوا قد وصلوا بعد الى مرحلة التشكيلات القومية، على عكسنا تماما
كعرب وفلسطينيين، فلقد دخلنا مرحلة التكوين القومى التى من اهم مقوماتها الاستقرار على الارض
والقدرة على الدفاع عنها والاحتفاظ بها عشرات القرون مما يؤدى فى النهاية الى الاختصاص
بها دونا عن باقى شعوب العالم، وهى المرحلة التى دخلناها مع الفتح الاسلامى واختُبِرنا
فيها مع الحروب الصليبية ونجحنا فى الاختبار حين استطعنا تحرير كامل الارض المحتلة
عام 1291، ليعترف لنا العالم كله منذ ذلك الحين بان هذه الارض هى ارض عربية تخص
الشعوب العربية. فلا تهنوا ولا تحزنوا فلسنا ولن نكون ابدا كالهنود الحمر، وليس
الكيان الصهيونى سوى كيانا اصطناعيا صغيرا يحتل جزءً عزيزا من ارضنا العربية،
مصيره الى زوال على أيدى الفلسطينيين واشقائهم من الشعوب العربية باذن الله.
***
ضد الاحتلال وليس اليهود:
كنّا فى مواجهة تلك الاتهامات
الصهيونية، دائما ما نؤكد ونعيد ونزيد منذ عقود طويلة لكل من يهمه الامر باننا
شعوب حرة تسعى لتحرير ارضها المحتلة من الاستعمار الصهيونى الاستيطاني الاحلالى،
ولسنا باى حال من الاحوال ضد اليهود، بدليل انهم عاشوا وسطنا كإخوة ومواطنين
طبيعيين لعشرات القرون. وكنا نؤكد دوما اننا كنّا سنتصدى الى اى عدوان او مشروع
عدوانى مماثل على فلسطين او على اى ارض عربية أىً كانت ديانة المعتدين؛ مسلمين
مسيحين ملحدين ..الخ. وهناك تصريح شهير للشهيد الشيخ احمد ياسين يحمل ذات المعنى.
ولكن رغم كل جهودنا فى شرح وعرض
وتوضيح حقيقة قضيتنا وطبيعة الصراع العربي الصهيوني من منظورنا، الا ان الدعاية
الصهيونية الغربية كانت تحرص على تشويهنا وتشويه قضيتنا ومواقفنا، لتؤلب
علينا الراى العام فى المجتمعات الغربية. ولكي تبرر وتغطى على الجرائم والمذابح
اليومية التي ترتكبها فى حقنا وحق أهالينا فى فلسطين وباقى الأقطار العربي.
***
فرق شاسع بين تحرير فلسطين وبين
ابادتها:
· ولكن حتى لو كانت الاكذوبة الصهيونية صادقة فى اتهاماتها، وهى ليست
كذلك، فانه سيظل هناك فرقا كبيرا بين اكذوبة ان العرب كانوا يريدون القاء
اليهود فى البحر وبين حقيقة جريمة الابادة الصهيونية الحالية للشعب الفلسطينى، لأن القاء
اليهود الصهاينة فى البحر انما كان يعنى اعادتهم من حيث أتوا الى اوطانهم الأصلية؛
اوطانهم الأم فى روسيا وبولندا والمجر وغيرها.
·
اما الفلسطينيون الذين تريد
اسرائيل التخلص منهم فليس لهم اوطانا أخرى غير فلسطين، وهم لم يهاجروا من اى مكان ليأتوا
اليها، فهم يعيشون على هذه الارض منذ آلاف السنين ولم يغادروها ابدا، ودخلوا معنا
مرحلة التكوين القومى مع الفتح العربى وانصهروا وذابوا مع باقى الشعوب والقبائل
التى كانت تعيش فى المنطقة وقتذاك ليشكلوا معا الامة العربية الوليدة منذ 14 قرنا.
وهذا عكس الادعاءات والاساطير الزائفة التى يروج لها الصهاينة من ان هذه هى ارضهم
التاريخية التى وهبها لهم إلههم فى كتابهم المقدس، فالقبائل والجماعات التى كانت
تعيش هنا منذ الاف السنين قد اندثرت او انصهرت داخل ما أعقبها من امم وقوميات، فاين
هم اليوم الفراعنة والهكسوس والاموريون والسلوقيون والفلستينيون (بالتاء الذين هم
شعوب البحر) والفينيقيون والبابليون والآشوريون وغيرهم؟ وهو ما ينطبق ايضا على الجماعات
العبرانية التى كانت تعيش هنا قبل الميلاد.
***
اقتلاع قديم ومتدرج:
· لم تبدأ عملية الاقتلاع الاجرامية بالطبع مع صدور قانون القومية
اليهودية الأخير، بل تم بذر افكارها الأولية منذ الايام الاولى لنشأة الحركة
الصهيونية فى نهاية القرن التاسع العشر، وبدأ تنفيذها الفعلى على الارض منذ عام
1948، حين وظف المنتصرون الاشرار بعد الحرب العالمية الثانية، الامم المتحدة لسرقة
ما يزيد عن نصف ارض فلسطين واعطائها للجماعات الصهاينة ليقيموا عليها دولة يهودية
تكون بمثابة قاعدة عسكرية واستراتيجية لهم فى المنطقة، فيما عرف بقرار التقسيم،
رغم ان جملة ما كان يملكه اليهود فى فلسطين فى دلك الوقت لم يتعدى 5.5% من ارض
فلسطين. وكان هذا هو الاقتلاع الأول.
· ثم قام الصهاينة بسرقة مزيد من الأرض بعد هزيمة الدول العربية فى
حرب ١٩٤٨ لتكون جملة الارض المغتصبة حينها ٧٨ ٪ حينها من ارض فلسطين وقاموا بطرد
وتهجير ما يقرب من ٨٠٠ ألف فلسطينى فى اكبر عملية تطهير عرقى فى بلادنا منذ عشرات
القرون، وكان هذا هو الاقتلاع الثانى.
· ثم قاموا باحتلال ما تبقى من فلسطين عام ١٩٦٧ لتبدأ مرحلة الاقتلاع الثالث ورحلة جديدة من الاستيطان فى الضفة
الغربية وغزة التى انسحبوا منها عام 2005 تحت ضغط المقاومة والعمليات الاستشهادية.
·
ومع حالة الضعف والجبن العربى
الرسمى التى ضربتنا بعد حرب ١٩٧٣ وانسحاب مصر الرسمية من الصراع وانكسار إرادة
منظمة التحرير الفلسطينية وقبولها الاعتراف (باسرائيل) فى اتفاقية اوسلو وتنازلها
عن ارض فلسطين التاريخية مقابل وعد (مجرد وعد) بائس غير مضمون وغير صادق بإقامة
دولة فلسطينية على حدود ١٩٦٧، أخذ القادة الصهاينة يصرحون ويعلنون عشرات المرات ان
ليس لديهم اى نية للانسحاب من الضفة الغربية، وأخذوا فى الاستيلاء على مزيد من
اراضيها كل يوم وتكثيف نشاطهم الاستيطانى فيها. ثم جاء اعتراف الامريكان بالقدس
عاصمة موحدة لاسرائيل فى جريمة اقتلاع جديدة لما تبقى من العاصمة الفلسطينية. الى ان وصلوا اليوم لاعلان نيتهم الاقتلاع الكامل والنهائى للشعب الفلسطينى وانه لا مكان له
فى ارض فلسطين ١٩٤٨ المسماة زورا (باسرائيل).
·
انهم لا يريدون الفلسطينيين هنا
تحت أى مسمى وباى شكل من الأشكال، رغما عن أنف كل الاتفاقيات والمعاهدات والوعود
والقرارات والمواثيق الدولية والانسانية. انهم يريدونهم عبيدا وخدما لدى الكيان
الصهيونى على حد تصريح بن جوريون حين قال: "لقد أبلغنا العرب أنه ليست لنا
الرغبة فى محاربتهم أو إلحاق الأذى بهم، وإننا حريصون على أن نراهم مواطنين
مسالمين فى الدولة اليهودية .. ولكن إذا وقفوا فى طريقنا وعارضوا، ولو جزئيا،
تحقيق أهدافنا، فإننا سنواجههم بكل ما عندنا من بطش وقوة."
· انه حكم بإعدامهم والقضاء على وجودهم وتجريدهم من اى حق ولو ضئيل
فى اى جزء من أوطانهم المغتصبة فى ٤٨ او ٦٧.
***
سبل المواجهة:
لو كان فينا الخير والعزة والارادة التى نراها فى
اهالينا داخل الارض المحتلة، كنا سنستطيع أن نقدم
الرد المناسب وان نتحدى العالم كله وان نعاقب كل من شارك او تواطأ او دعم أو بارك
هذه المحاولات للابادة الجماعية لشعب كامل، وان نحرمه من الاستقرار والأمن والأمان
فى أى بقعة من بقاع الكرة الارضية.
ولكننا لسنا بخيرنا مع عميق الحزن
والأسف، بل ربما نكون فى أسوأ أحوالنا من الضعف والهوان والقهر والتبعية والاقتتال
الداخلى.
ولكن هل نستطيع على أضعف الايمان، ان
نطلق وننظم حملات اعلامية عالمية مدوية، بالتعاون والتنسيق مع كل الأحرار فى
العالم، تكشف جريمة الابادة الجماعية الدائرة اليوم على الارض لإنهاء وجود الشعب
الفلسطينى والقائه فى البحر، على غرار الحملة الكاذبة التى أطلقها ضدنا الصهاينة
على امتداد اكثر من 70 عاما؟
*****
القاهرة فى
25 يوليو 2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق