بحث فى المدونة

الأربعاء، 8 أغسطس 2018

إغواء المقاومة الفلسطينية




إغواء المقاومة الفلسطينية
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com

·       هل سينجح الحصار الصهيونى لقطاع غزة فى كسر ارادة المقاومة الفلسطينة، كما نجح من قبل اجتياح بيروت وحصار المقاومة واخراجها الى المنافى وعزل قيادتها فى كسر ارادة منظمة التحرير الفلسطينية واستدراجها وتوريطها للتوقيع على اتفاقيات اوسلو؟
·       وهل ستنجح معادلة ترامب: "المال مقابل السلام" في ترويض حكام القطاع؟
اسئلة مشروعة ومنطقية يطرحها اليوم كل الذين قضوا السنوات العشر الماضية يدعمون المقاومة ويراهنون عليها ويدافعون عنها فى مواجهة كل حملات الشيطنة والتشويه التى تعرضت لها؟
***
بدأت مثل هذه الشكوك والتساؤلات مع اصدار حركة حماس لوثيقتها الجديدة عام 2017 التى أعلنت فيها قبولها بدولة فلسطينية على حدود 1967، والتى قد كتبت عنها حينذاك مقالا بعنوان "وثيقة حماس طلب عضوية فى نادى التسوية". ثم هدأت شكوكنا وكادت أن تتلاشى مع انطلاق التظاهرات السلمية على حدود القطاع تحت عنوان مسيرات العودة التى ارتقى فيها حتى تاريخه ما يقرب من 160 شهيد، والتى كانت ابلغ رد على القرار الامريكى بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل.
ثم ترامت الى اسماعنا، بعض الانباء الغامضة عما يسمى بصفقة القرن، وعن اقتراحات امريكية بتخفيف الحصار وتحسين الوضع الإنساني فى غزة. ولكن حالة التصعيد واعداد الشهداء الكبيرة كانت تدفعنا الى استبعاد ان تكون غزة قد قبلت الخطة الامريكية، لان من ينوى الدخول فى تهدئة او تسوية ما، لا يضحى بكل هذا العدد من الشهداء.
الى ان تم الاعلان صراحة في الايام القليلة الماضية من كافة الاطراف المعنية فى مصر وفى غزة وفى (اسرائيل) وفى الولايات المتحدة الامريكية، ان هناك بالفعل مفاوضات حمساوية اسرائيلية غير مباشرة، برعاية ووساطة مصرية من اجل الاتفاق على تهدئة طويلة بين اسرائيل والقطاع يجرى التفاوض اليوم حول شروطها وتفاصيلها.
***
وبالتالي لم يعد بالامكان نفى أو انكار ما يدور، كما لم يعد بالامكان الصمت عنه، فمن واجب كل المعنيين بفلسطين وقضيتها أن يدلو بدلوهم قبل أن تقع الواقعة، وأن يعلنوا صراحة بأنهم ضد أى تهدئة أو هدنة طويلة مع (اسرائيل) وفيما يلى بعض التفصيل:
1)   كانت المهمة الأولى لأى حركة مقاومة فى مواجهة مثل هذا الكيان الاستيطاني الاحلالى على امتداد كل مراحل الصراع، هي حرمانه وتجريده الدائم والمستمر من الشعور بالأمن والاستقرار على الارض المغتصبة، وهذا بالتحديد هو السبب الذي يدفع قادة الكيان لطلب التهدئة وقبولها اليوم.

2)   كما أن تجاربنا مع اتفاقيات الهدنة مع العدو الصهيونى بالغة السوء، من أول اتفاقيات 1949 الى آخر اتفاق وقف إطلاق النار فى عدوان الجرف الصامد عام 2014.

3)   ولقد اثبت العقود الماضية ان القضية الفلسطينية تحتفظ بمركزيتها وحرارتها وتتصدر كافة قضايا المنطقة وتستقطب اهتمام الراى العام العالمى، فقط حين تكون المقاومة مستعرة، اما فى أجواء التهدئة والهدنة والتسوية والتفاوض فانها تتعرض للتهميش والانزواء فى ذيل اولويات الجميع.

4)   كما ان استمرار المقاومة الشعبية والمسلحة للاحتلال هو وحده القادر على ابقاء القضية حية ومتجددة لدى الشعوب العربية، فهو يعبئ ويستقطب كل يوم قطاعات جديدة من الشباب العربى، تتسلم الراية من جيل الآباء والأجداد لتستكمل مسيرة التضامن والدعم للقضية.

5)   كما ان التهدئة او الهدنة الطويلة مع العدو ستشجع مزيد من اليهود الصهاينة على الهجرة الى فلسطين، كما انها ستوقف أو تخفض من الهجرة اليهودية العكسية التى تزداد معدلاتها دائما مع تصاعد حركة المقاومة، كما انها ستعمل على تشجيع وتنشيط عملية الاستيطان المتنامية فى الضفة الغربية.

6)   وحتى لو لم تكن كل هذه الاسباب قائمة، فان قرار ترامب الأخير بالاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، يشكل وحده سببا كافيا، لتفجير انتفاضة فلسطينية جديدة وتصعيد عمليات المقاومة الى ابعد مدى، فكيف نأتى اليوم ونقبل التهدئة وكأننا نشارك فى تمرير هذا الاغتصاب الجديد، ونوجه رسالة الى الراي العام العربى والعالمى، ان فك حصار عن غزة له الاولوية على قضايا الارض والتحرير وعلى الثوابت الوطنية والمقدسات الدينية؟!

7)   كما انه بالإضافة الى ضرورة التصدى لقرار ترامب، فان هناك هدفا اضافيا لتصعيد المقاومة فى هذه المرحلة بالذات هو اجهاض ما يسمى بصفقة القرن التى تهدف الى دمج اسرائيل فى المنطقة وتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية من خلال بناء تطبيع بل وتحالف عربى/خليجى واسع معها بدون الزامها بتقديم أى تنازلات للفلسطينيين؛ لا انسحاب ولا ايقاف لعمليات الاستيطان، ولا دولة على حدود 1967.

8)   أما القبول بالتهدئة مع (اسرائيل) الآن، فهو بمثابة مشاركة بوعى أو بدون وعى فى المشروعات الامريكية الاسرائيلية الشريرة المطروحة اليوم حول القضية، سواء سميت بصفقة القرن أو بأى اسم آخر.

9)   يطمئننا بعض الاخوة فى غزة فيقولون: "اننا سنوقع اتفاقا للتهدئة بدون ان نعترف بإسرائيل او نقبل بنزع سلاح المقاومة." ونرد عليهم بان هذا بالفعل موقفا مبدئيا طالما كان يميزكم عن السلطة الفلسطينية بل كان هو أحد الدوافع الرئيسية وراء حالة التضامن الشعبى العربى معكم، ولكن عذرا اخوتنا الاعزاء، ما قيمة عدم الاعتراف بإسرائيل مع تركها تبتلع الارض فى هدوء؟ وما معنى ان الاحتفاظ بسلاح المقاومة فى السراديب والمخازن؟ فلقد كان لمنظمة التحرير الفلسطينية فى لبنان، ترسانة هائلة من السلاح بما فى ذلك الأسلحة الثقيلة، وكذلك كان للسوريين قبل خروجهم من لبنان، وكذلك هو الحال فى كل مخازن الدول العربية الكبرى، ولكنه سلاح منزوع من أى رغبة أو ارادة لقتال او مواجهة (اسرائيل).

10)         ان لكل الاطراف التى تفاوضكم وتحرضكم وتغويكم على التهدئة اليوم، مصالح واجندات ابعد ما تكون عن مصلحة فلسطين وقضيتها وحركات المقاومة فيها، فلمصر كامب ديفيد على سبيل المثال، مهمة استراتيجية محفوظة ومعروفة منذ اربعين عاما ومنصوص عليها صراحة فى كل ديباجات ونصوص المعاهدة، وهى توسيع وتعريب السلام مع اسرائيل، بما يتضمنه من تنازل عربى/فلسطينى عن ارض 1948 والاعتراف بشرعية (اسرائيل)، وانهاء المقاومة ونزع سلاحها والاعتماد على التفاوض كاسلوب وحيد لنيل الحقوق الفلسطينية، ولذلك فلقد كانت منذ البداية طرفا أصيلا فى فرض الحصار على غزة، وفقا لاتفاقياتها مع (اسرائيل) وعلى راسها اتفاقية فيلادلفيا الموقعة فى سبتمبر2005.

11)         وبالقدر الذي تنجح فيه مصر الرسمية في تأدية هذا المهمة وهذا الدور، بالقدر الذي تعلو فيه اسهمها لدى الامريكان واسرائيل ومجتمعهما الدولى. وهو الدور الذي نمى وتصاعد فى السنوات الاخيرة بحيث أصبحنا بصدد انحيازا مصريا واضحا وعلنيا للجانب الاسرائيلى.

12)         اما عن (اسرائيل) فأنتم أعلم من الجميع بطبيعتها الاجرامية وبتربصها الدائم بالارض والشعب وبالمقاومة والسلاح، وبغدرها المعتاد باى معاهدات أو تفاهمات او اتفاقات، وآخرها قيامها باعادة اعتقال الاسرى المحررين فى صفقة تبادل الاسرى عام 2011 المشهورة باسم صفقة شاليط، التى تمت برعاية مصرية أيضا.

13)         ان اى تصورات بان (اسرائيل) ستقبل بفك الحصار عن القطاع، وإطلاق حركة الافراد والبضائع الى القطاع بدون حظر او مراقبة، بمعنى إطلاق حرية الشعب الفلسطينى فى السفر والحركة والانتقال والدخول والخروج والاتصال بالعالم الخارجى أو بسد احتياجاته المعيشية وتحقيق استقلاله الاقتصادي عن الاحتلال، بدون أن تحصل فى المقابل ومقدما على أثمان باهظة هى محض اوهام. لن يعطوكم شيئا، والا كانوا فعلوها مع ابو مازن وجماعة اوسلو، والايام بيننا.

14)         ليس المطلوب منكم اليوم هو التهدئة بأى حال من الأحوال، بل التصعيد على طول الخط، واستكمال ما بدأتموه فى مسيرات العودة، ونقل هذه الحالة الى الضفة الغربية، والالتحام مع اهالينا من عرب 1948 الذين تم تجريدهم رسميا من حقوق المواطنة بقانون القومية الأخير، وتنظيم حملات دولية لنزع الاعتراف بشرعية اسرائيل بعد أن افصحت عن وجهها العنصري المقيت، واجبار حكام الخليج والحكام العرب على التراجع عن سياسات التطبيع الجارية الان، واجهاض مشروع الناتو العربى الاسرائيلى، ووأد كل ما يتردد من افكار ومقترحات ومبادرات وتحركات تحت عنوان صفقة القرن، وهزيمة القرار الامريكى بنقل السفارة والاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لاسرائيل الذى رفضته كل دول العالم وغيره الكثير.
اياكم والتهدئة مع العدو الصهيونى، فلا يوجد ظروف انسب من اليوم للتصعيد.

15)         اننا ندرك الظروف غير الانسانية شديدة القسوة التى يعيشها اهالينا فى غزة نتيجة الحصار الذى يدخل عامه الحادى عشر، ولذا فاننا نناشد كل الاخوة والرفاق فى القوى والحركات الوطنية العربية من خارج فلسطين، الا يتركوا (اسرائيل) ورعاتها الدوليين وحلفائها الاقليميين ينفردون بالشعب الفلسطينى ومقاومته كما يحدث الآن، حتى لا نصبح شركاء لهم فى هذه المذبحة الجديدة التى يدبرونها لفلسطين، فالضغوط هائلة والظروف فوق الاحتمال والارواح بلغت الحلقوم.
*****

 القاهرة فى 8 اغسطس 2018



ليست هناك تعليقات: