بحث فى المدونة

الجمعة، 19 فبراير 2021

هل لا تزال الأغانى ممكنة؟


 ما هو المطلوب من قوى المعارضة الوطنية فى مصر، فى ظل هذه الترسانة من القيود والممنوعات والمحظورات السياسية والامنية والقانونية؟

§       هل مطلوب منها ان تستسلم وتنسحب نهائيا من الحياة السياسية، لتخلو الساحة تماما من اى رأى معارض؟

§       ام مطلوب منها ان تقوم بتكييف و"تقييف" أنفسها على مقاس ارادة السلطة ورغباتها، لتصبح معارضة مستأنسة ومروضة وظيفتها الوحيدة هى اضفاء مظهرا ديمقراطيا شكليا وتجميليا على النظام السياسى فى مصر؟

§       وهل حدث من قبل فى مصر او فى اى من بلاد العالم، ان أمكن الغاء واقصاء والشطب على كل الشخصيات والاتجاهات المعارضة والمستقلة بجرة قلم؟

§       وهل من مقومات أمننا القومى ومصالحنا العليا، اليوم أو فى المستقبل، خلق بيئة سياسية وامنية طاردة لجموع المصريين وللاجيال الجديدة على وجه الخصوص من الحياة السياسية، تخيفهم من الانخراط والمشاركة فيها وتثنيهم عن الاهتمام ومتابعة القضايا الوطنية؟

§       أليس هناك مخاطر جمة على الدولة والنظام ذاتهما، قد تترتب على مثل هذه القيود الحديدية، بدءا بصعود الاتجاهات والافكار الأكثر تطرفا من كل الاتجاهات، والعودة الى الانشطة والتنظيمات السرية، وانتهاءا بتصاعد انحرافات وجرائم الاستقواء بالخارج واعطاء ذرائع لكل زبانية العالم من القوى الكبرى وعلى راسهم الامريكان، لممارسة المزيد من الضغوط والمساومات والتدخل فى الشئون المصرية، فى ظل بيئة عربية غارقة فى مستنقع التدويل؟

§       وحتى اذا كنا قادرين على الاستعانة بحلفاء ووسطاء اقليميين ودوليين للتصدى لمثل هذه الضغوط، ألن يطالبونا بسداد أثمان باهظة من سيادتنا واستقلالنا الوطنى مقابل مثل هذا الدعم والمساندة؟

§       واخيرا وليس آخرا، هل بعد كل هذه القيود والممنوعات، لا تزال هناك أى منافذ أو أدوات شرعية باقية يمكن لقوى المعارضة الوطنية ان تطرح من خلالها مشروعاتها السياسية والاقتصادية والفكرية البديلة؟

§       هل لا تزال (الأغانى ممكنة)؟ 

***

فقائمة الممنوعات السياسية فى مصر تتسع وتزداد يوما بعد يوم، بحيث تكاد تنعدم كل السبل والقنوات وتغلق تماما فى وجه كل الأحزاب والشخصيات المعارضة والمستقلة، لتجردها من اى امكانية فعلية للمشاركة فى الحياة السياسية المصرية. ومن يتجاوز الخطوط الحمراء يتعرض لغضب مؤسسات السلطة وعقابها، بما يعنيه ذلك من اغلاق وحظر وحصار ومطاردة وتوقيف وتشويه واعتقال:

§       فممنوع وجود اى تنافس حقيقى على منصب رئيس الجمهورية.

§       او أى منافسة برلمانية عادلة مع قوائم المرشحين التابعين لاجهزة الدولة.

§       ممنوع معارضة التعديلات الدستورية التى تمت عام 2019 للتمديد لرئيس الجمهورية.

§       ممنوع تنشيط احزاب المعارضة وتقويتها وتواصلها مع المواطنين فى مؤتمرات جماهيرية على غرار ما يفعله حزب مستقبل وطن التابع لمؤسسات الدولة.

§       وممنوع تشكيل اى كيانات او تجمعات معارضة ولو كانت مثل الحركة المدنية الديمقراطية المدنية، التى تم الاعتداء على اعضائها حين حاولت اقامة افطار رمضانى عام 2018.

§       ممنوع نشر اى مقال او رأى او حديث لاى من الكتاب والمفكرين والشخصيات المستقلة او المعارضة فى اى من الصحف القومية او المستقلة.

§       وبشكل عام ممنوع تبنى ونشر وترويج اى رؤية مخالفة للروايات الرسمية للسلطة حتى لو كانت تتعلق بموضوعات تهدد الامن القومى مثل تيران وصنافير او التقارب المصرى الاسرائيلى غير المسبوق، او تتعلق بالشأن الداخلى كالتعديلات الدستورية او نزاهة الانتخابات او الاعتقالات والمحاكمات السياسية أو قضايا الحريات وحقوق الانسان.

§       حتى التدوين والكتابة على مواقع التواصل الاجتماعى، اصبح فى بند الممنوعات، التى قد يتعرض كاتبها للسجن والاعتقال مثل المهندس حسين عبد الهادى والدكتور حازم حسنى.

§       بل ممنوع التعاطف او الاشادة بشخصيات رهن الاعتقال او مغضوب عليها من السلطة.

§       ممنوع ظهور اى معارض او صاحب رأى آخر فى اى من وسائل الاعلام المصرية وممنوع المشاركة فى اى قناوات اعلامية خارجية.

§       ممنوع على الجامعات والنقابات والفنادق والنوادى فتح قاعاتها لاستقبال اى ندوة أو مؤتمر او اجتماع لشخصيات او احزاب معارضة، بما فى ذلك نقابة الصحفيين التى كانت على الدوام منبرا وطنيا وديمقراطيا مفتوحا للجميع. وهو ما امتد ليشمل سلالمها الشهيرة التى كانت هى المنفذ الوحيد لكل اطياف المعارضة فى اشد واقصى ايام التضييق والحصار.

§       وبطبيعة الحال ممنوع منعا باتا التظاهر، رغم انه واحد من اهم المكتسبات التى حققتها ثورة يناير بعد عقود من المنع والتجريم، ورغم انه السلاح السلمى الوحيد الذى يُمَّكن شعوب العالم من الضغط على حكوماتها ورفض سياساتها أو التصدى لانحرافاتها.

***

§       ممنوع الاعتراض على زيادة القروض والديون او على المفاوضات مع البنك وصندوق النقد الدوليين والخضوع لشروطهم وروشتاتهم.

§       ممنوع انتقاد السياسات والقرارات الاقتصادية والمالية للحكومة وتوجهاتها الاستثمارية وانحيازاتها الطبقية، مثل الغاء الدعم وتعويم الجنيه ورفع الاسعار، او بناء المدن الفاخرة مثل العاصمة الادارية والعلمين الجديدة، او جباية مزيد من الاموال والضرائب عن طريق قوانين مثل قانون التصالح فى مخالفات البناء ومثيلاتها.

§       ممنوع التصدى لتصفية وبيع شركات القطاع العام وفقا للقانون الصادر عام 2014 والذي يمنع أي طرف خارج طرفي التعاقد من الطعن على عقود البيع والاستثمار التي تبرمها الدولة مع أي جهة أو مستثمر. 

***

§       ممنوع الاعتراض على "استمرار" علاقات التبعية الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية والتسهيلات اللوجيستية لقواتها فى قناة السويس، وعلى التأييد الرسمى لصفقة القرن وللرئيس الامريكى السابق دونالد ترامب ولاتفاقيات التطبيع بين الامارات والبحرين والسودان والمغرب مع (اسرائيل).

§       ممنوع انتقاد الصمت الرسمى المصرى على قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل وبنقل السفارة الامريكية اليها، او قراره بسيادة (اسرائيل) على الجولان وعلى غور الاردن.

§       ممنوع الاعتراض على استيراد الغاز من (اسرائيل) او على ضمها الى منتدى غاز شرق المتوسط او على موافقة السلطات المصرية على احتفال السفارة الاسرائيلية بالذكرى السبعين للنكبة فى فندق ريتز كارلتون على ضفاف النيل بالقرب من ميدان التحرير.

§       ممنوع مناهضة (اسرائيل)، فلم تتمكن القوى الوطنية منذ عدة سنوات من تنظيم ولو ندوة واحدة يتيمة للتضامن مع القضية الفلسطينية، بينما تم اعتقال رامى شعث منسق حركة مقاطعة (اسرائيل) المشهورة باسم BDS، واعتقال شاب مصرى قام برفع علم فلسطين فى استاد القاهرة عام 2019.

§       حتى ثورة يناير ممنوع تنظيم اى احتفالات سياسية وجماهيرية بذكراها السنوية، ولا نزال نتذكر المأساة التى حدثت حين حاول حزب التحالف الشعبى الاشتراكى عام 2015 تنظيم مسيرة سلمية رمزية تحمل الورود الى ميدان التحرير وكيف تصدت لها قوات الامن المركزى بالقوة مما أسفر عن استشهاد شيماء الصباغ.

***

تؤكد كل تجارب التاريخ ان الشعوب لا تستسلم ابدا، وأنها تنجح فى كسر القيود المفروضة عليها ان عاجلا أم آجلا، ولقد فعلها المصريون منذ سنوات قليلة فى يناير 2011، وهى الثورة التى ترى الادارة المصرية انها كانت بمثابة الكارثة التى هددت وجود الدولة، وتسببت فى خسائر واضرار جسيمة، لا نزال ندفع أثمانها حتى اليوم. وهو ما كان يفرض عليها، وفقا لرؤيتها، ان تبذل كل جهودها لتجنب تكرار هذه التجربة مرة اخرى من خلال علاج الاسباب التى أدت الى تفجرها.

ولذلك لا يستطيع كثير من المفكرين والسياسيين والمهمومين بمستقبل مصر واستقرارها وأمنها وسلامتها، فهم واستيعاب الاسباب التى تدفع السلطة فى مصر الى العودة مرة اخرى الى الرهان على استقرار قصير العمر وغير آمن أو مضمون، ثبت فشله وطنيا وعالميا وتاريخيا عديد من المرات، استقرار قائم على الردع والخوف والحلول الامنية.

فهل هناك أى حلول أو مخارج تلوح فى الأفق القريب؟

*****

القاهرة فى 19 فبراير 2021

ليست هناك تعليقات: