بحث فى المدونة

الأربعاء، 10 أبريل 2019

عودة الشيخ وخيمته


((ابحث عن كبيرهم واستقطبه وسيطر عليه واكسب ولاءه، فان نجحت فى ذلك، فسيدينون لك جميعا بالولاء، فهؤلاء القوم ليس لديهم دولة بالمفهوم الحديث، وليس لديهم نظاما دستوريا أو ديمقراطيا ولا مؤسسات أو سلطات مستقلة، وليس لديهم رقيب او تعقيب على قرارات رئيسهم او مليكهم او أميرهم، انهم كالقبائل البدائية، التى يحكمها رجل واحد هو شيخ القبيلة))
كانت هذه هى خلاصة توصيات مستشارى هنرى لكيسنجر، عن كيفية التعامل مع السادات والحكام العرب خلال حرب أكتوبر وما تلاها، والتى اشتهرت بنظرية "الشيخ والخيمة".
***
((لا يوجد فى الوفد المصرى من له تأثير على "السادات"، أما الوفد الاسرائيلى، فبالإضافة الى "بيجين" هناك "موشى ديان" و "وايزمان" و "باراك"، وسيكون لكل منهم دورا مؤثرا))
من تقارير سفيرى امريكا فى مصر وإسرائيل، للرئيس الامريكى جيمى كارتر أثناء التجهيز والإعداد لمباحثات كامب ديفيد وتحليل المواقف المحتملة لكل الأطراف، ودراسة شخصيات الحضور، وكيفية التأثير عليها (من واقع وثائق الـ CIA  عن كامب ديفيد ـ اجتماع مجلس الأمن القومى أول سبتمبر 1978)
***
بعد كل محاضرة كنت أتحدث فيها عن الكتالوج الامريكى لمصر، وكيف سرقوا منا نصر أكتوبر وأعادوا صياغة مصر على امتداد 40 سنة على كافة المستويات، لتجريدها من الرغبة والقدرة على مواجهة المشروع الأمريكى الصهيونى، كان السؤال الدائم والأكثر تكرارا من الشباب المذهول والمصدوم هو ((كيف فعلوها معنا هكذا؟ واين كان الشعب والقوى الوطنية ومؤسسات الدولة، وكيف سمحوا للأمريكان وللنظام بان يفعلوا كل ذلك بمصر؟))
وكانت الإجابة التى أقدمها فى كل مرة هى "نظرية الشيخ والخيمة"، التى قدمها المستشارون فى وزارة الخارجية الأمريكية الى هنرى كيسنجر له عام 1973، ليتسنى له إخراج مصر من المعادلة. وهى المهمة التى نجح فيها بالفعل، ولا يزالوا ينجحون فيها حتى اليوم.
فلقد نجح هنرى كيسنجر فى خطف مصر كلها، حين تمكن من السيطرة على شخص مصرى واحد هو أنور السادات.
وفعلها كارتر مرة أخرى فى مفاوضات كامب ديفيد، التى دخلها السادات منفردا، متجاهلا نصائح كل مستشاريه ووزراء خارجيته الذين استقال اثنان منهم هما إسماعيل فهمى و محمد إبراهيم كامل.
وبالسيطرة على السادات ومبارك من بعده، والتى أدت الى السيطرة على الدولة المصرية كلها، تحولت كل مؤسساتها، بقدرة قادر، من العداء والهجوم على أمريكا و(إسرائيل) وتعبئة الشعب للمعركة، الى بوق فى الاتجاه المعاكس، يروج للسلام وللتبعية، بنفس الأشخاص و بنفس الأدوات وبنفس الأجهزة. انقلبت كلها 180 درجة بجرة قلم.
ومنذ ذلك الحين تغير مصير مصر، ومصير فلسطين، ومصير الأمة العربية كلها، وتغيرت موازين القوى الإقليمية وربما الدولية.
انها قصتنا القديمة الحزينة فى العالم العربى، قصة الزعيم أو الرئيس الذى ينفرد بمصائرنا، سواء كان من الأخيار أو من الأشرار:
·       حَكَم عبد الناصر مصر، فتبعته الدولة فى مشروعه، وعندما مات وانقلب السادات على هذا المشروع، انقلبت معه الدولة.
·       وقاتل بعد 1967 ولم يستسلم للهزيمة، فتبعته الدولة، وحين استسلم السادات بعد الحرب فى كامب ديفيد، وسلم البلد الى الأمريكان، استسلمت معه الدولة.
·       وفى فلسطين، قاتل ياسر عرفات وقاوم 1965ـ 1987، فقاتلت تحت قيادته منظمة التحرير الفلسطينية.
·       وحين إنكسر فى المنفى وقرر الاعتراف بإسرائيل فى أوسلو 1993 وتنازل لها عن 78 % من فلسطين، انكسرت معه المنظمة واعترفت.
·       وحين تخلى ابو مازن عن الانتفاضة وألقى السلاح، ونسق مع (إسرائيل) ضد المقاومة، تبعته السلطة الفلسطينية.
·       وحين سقط صدام حسين فى العراق، سقطت بغداد فى بضعة أيام.
·       ولا تزال السعودية والخليج تُحكَمان بعائلات ومشايخ نصّبها الانجليز ثم الامريكان هناك منذ ما يزيد عن قرن من الزمان.
·       ولدينا ما يزيد عن 400 مليون عربى، يتراجعون وينهزمون كل يوم، أمام ما يقرب من 7 مليون صهيونى، بسبب خوف أو تواطؤ بضعة أفراد لا يتعدى عددهم بضعة عشرات من الحكام العرب.
·       أما مبارك، فلقد فرط فى الكرامة والسيادة والاستقلال والموارد، وتحالف مع الأمريكان، ودعم حصار العراق وغزوه، وحصار غزة والعدوان عليها، بمباركة كاملة من نظامه ودولته.
·       وعندما قرر أن يورث حكم مصر لإبنه، دانت له الدولة، قبل أن يثور عليهم المصريون.
***
أنه الاستبداد فى أسوأ صوره، إنها جرثومة اختصار الوطن والنظام والدولة فى شخص واحد، هو الرئيس أو الزعيم أو الملك أو الأمير، ان فعل فعلنا، وان صمت صمتنا، وان ارتد او انقلب انقلبنا، وان خان خُنّا...
انها أسهل طريقة لاغتيال الأمم والشعوب، اختزالها فى فرد، ثم قتله او احتوائه أو إغواءه أو شراءه او إرهابه أو كسره او الضغط عليه...الخ
هكذا ضاع استقلالنا، وضاعت فلسطين، وضاع العراق وانقسمت الأمة وتدهورت أحوالنا، فاحتللنا موقعنا فى قاع المجتمعات البشرية.
***
ثورة يناير تهدم كل الخيام:
ومن هنا نستطيع أن ندرك القيمة العظيمة والانجاز الأهم لثورة يناير، حين أسقطت وهدمت كل الخيام على رؤوس كل الشيوخ، ولو لم تفعل شيئا سوى ذلك، فهذا يكفي.
وبدلا من الشيخ الواحد أصبح لدينا 90 مليون شيخ، يمثلون الرأى العام بكافة تنوعاته واتجاهاته وإنحيازاته وبكل موضوعيته أو شطحاته، يتربصون فرادى وجماعات بكل صغيرة وكبيرة، لا يتركونها الا بعد ان يقتلونها بحثا ونقدا وتحليلا وسخرية، ولا يتركون رئيسا او حكومة او وزيرا او مسئولا او عسكريا او شرطيا او رأسماليا يهنئ بالحكم او بالسلطة او بالنفوذ.
ورغم ما أثاره هذا الوضع الجديد من مشاعر الضيق والخوف والانزعاج من الفوضى والترحم على هيبة الدولة، إلا انها كانت مسألة ضرورية وردة فعل طبيعية بعد عصور طويلة من الاستبداد والقهر والتغييب، وكان مصيرها ان عاجلا أم آجلا أن تتحول الى أوضاع مؤسسية، تترجم نفسها الى حياة ديمقراطية حقيقية ومستقرة، بالإضافة الى انه كان لها انجازاتها الهامة، وعلى رأسها انه لم يعد يمكن لكائنٍ من كان ان يبيعنا فى "سوق الثلاثاء"، والأمثلة كثيرة ومتعددة:
·       فإسرائيل أصابها انزعاجا شديدا من الثورة المصرية، لأنها خلقت واقعا جديدا يهددها ويهدد مستقبلها، بعد أن أصبحت الشعب المصرى طرفا فى صناعة القرار، فلقد اعتاد قادة الصهاينة منذ نشأة (اسرائيل)، على حد قولهم، على التعامل مع القصور وليس الشعوب.
·       وقبل أى عدوان صهيونى جديد على فلسطين، كان رسائل مؤسسات الدولة المصرية الى نظيرتها فى (اسرائيل)، هى انه لم يعد بالإمكان السيطرة على حالة الغضب الشعبى المتوقعة، على غرار ما كان يحدث فى الماضى.
·       وحين كان صندوق النقد يتفاوض مع الحكومات المتعاقبة على القرض، كان يعلق موافقته على شرط القبول المجتمعي، فى سابقة هى الأولى من نوعها في تاريخ مفاوضاته معنا، قبل ان يعود اليوم لفرض شروطه وتعليماته بلا معلق او معقب.
·       ونجح الضغط الشعبى فى إرغام المجلس العسكرى على تقديم مبارك ورجاله الى المحاكمات، وإرغامه على تقديم موعد الانتخابات الرئاسية سنة كاملة.
·       وحين قامت الانتخابات الرئاسية 2012، شعر الجميع لأول مرة فى تاريخهم، بأنه سيكون لهم دور ورأى فى اختيار من يحكمهم، ورأوا كافة المرشحين على قدم المساواة، يحترمونهم ويخطبون ودهم ويتنافسون على أصواتهم.
·       ونجحت التظاهرات الشعبية فى إسقاط حكومات وإعلانات دستورية وقرارات عسكرية ورئاسية.
·       وتسابق رجال نظام مبارك ومنافقوه، على جبروتهم، على تقديم التوبة وفروض الولاء والطاعة للثورة فى شهورها الأولى، خوفا من الغضب الشعبي.
·       وكانت الدنيا تقوم ولا تقعد فى مواجهة اى اعتقال أو أى اعتداء على أى متظاهر أو مصادرة لأى حرية أو رأى.
·       وأدت الاعتراضات على مشروع ممر التنمية 2013 الى إيقافه ومراجعته، وهو نفس ما حدث مع مشروع قانون التظاهر "الأول".
·       والأمثلة كثيرة وكلها كانت تؤكد على أن الجميع أصبح يعمل ألف حساب للرأى العام المصرى.
***
·       صحيح انها كانت أوقاتا عصيبة ومعاركاً مرهقة أصابت الكثيرين بالاضطراب والتوتر والتردد، إلا أنها كانت مبشرة وواعدة، فلقد نجحت فى فضح وهدم كل الكواليس والغرف المغلقة والبنود السرية والصفقات الخلفية.
·       ولا يجب أن ننسى أبدا أن السيادة فى سيناء قد بيعت هى وغازها وبترولها فى الغرف المغلقة، وكذلك تم توظيف ممرات مصر المائية ومجالها الجوى لخدمة القوات الأمريكية فى غزو العراق، وتم نهب مقدرات البلاد وبيع القطاع العام فى الكواليس، وكل هذا كان يتم بأوامر وتعليمات من "السيد الشيخ الرئيس"، وبالتزام ودعم كامل من مؤسسات دولته.
·       أما خلال ثورة يناير فلقد أصبحت مصر لأول مرة بكل ما فيها ومن فيها على الهواء مباشرة، بلا أسرار أو مونتاج أو تجميل أو تضليل.
***
عودة الشيخ:
واليوم بعد كل هذا التاريخ الأسود لحكم الفرد، وبعد كل هذا النضال وكل هذه التضحيات وكل هذه الحريات التى انتزعناها لأشهر معدودات، استطاعوا للأسف العميق ان يعيدوا العجلة إلى الوراء، وأن يحبسوا مصر فى الخيمة مرة أخرى، وان يحشروا داخلها شعبها الكريم، وأن يضعوا على رأسه شيخا جديدا، ينوى ان يحكمنا الى ما شاء الله.
*****
محمد سيف الدولة

فى الذكرى الأربعين للمعاهدة

الثلاثاء، 9 أبريل 2019

حلم بسيط اسمه الديمقراطية



مقطع فيديو

احلامنا بسيطة وعادلة ومعتدلة، حياة ديمقراطية ودستورية طبيعية مثل باقى خلق الله، وبعد أن كدنا نحققها فى ثورة يناير، انقضوا عليها وحرموها علينا

السبت، 6 أبريل 2019

كامب ديفيد وتصفية الحركة الوطنية المصرية



اقصد بالحركة الوطنية المصرية، كل التيارات والأحزاب والتنظيمات والجماعات والتجمعات والحركات واللجان والشخصيات التى ترفض التبعية للولايات المتحدة، وتناصر فلسطين وتناهض الصهيونية وكامب ديفيد و(اسرائيل) وترفض الاعتراف بها او التطبيع معها.
وأقصد بكامب ديفيد، نظام الحكم الذى أسسه الأمريكان والذى يحكم مصر منذ 1974 حتى اليوم.
***
والسؤال هو: كيف تم اضعاف ثم تصفية كل هؤلاء؟ بحيث أصبحنا اليوم بالكاد نسمع لهم صوتا او حسا أو اعتراضا على التقارب والتنسيق والتحالف الحالى غير المسبوق بين مصر و(اسرائيل).
***
هناك مجموعتان من العوامل التي ادت الى ضعف واضعاف ثم تصفية الحركة الوطنية المصرية فى الفترة من 1974 حتى اليوم، عوامل داخلية واخرى خارجية، يمكننا ان نحاول تتبعها سريعا بدءاً بعصر السادات مرورا بمبارك ثم سنوات الثورة ونهاية بعبد الفتاح السيسى:
اولا ـ السادات 1974 ـ 1981
عمل بعد الحرب مباشرة على تمهيد الواقع المصرى لاخراج مصر نهائيا من جبهة الصراع والمواجهة ضد (اسرائيل) وضد النفوذ الامريكى فى المنطقة من خلال تفكيك القدرات المصرية على مواصلة القتال للحيلولة دون قيامها باتخاذ أى قرار جديد بالحرب فيما لو لم تنسحب (اسرائيل) من سيناء، بحيث لا يكون لمصر بديل سوى الوقوع تحت رحمة الولايات المتحدة و(اسرائيل) وهو ما تم عبر سلسلة من السياسات والقرارات نستعرض اهمها فيما يلى:
·        سحب القوات المسلحة المصرية التى عبرت فى حرب اكتوبر واعادتها مرة أخرى الى الضفة الغربية لقناة السويس، بموجب اتفاق فض الاشتباك الاول الموقع فى 18/1/1974، فتم سحب 80 الف جندى وابقاء 7000 فقط، وتم سحب الف دبابة وابقاء 30 فقط، مما أدى الى اضعاف موقف مصر العسكرى على الجبهة، وتخفيض سقف مطالبها فيما لو أقدمت على التفاوض فيما بعد. (وبالفعل لم تسمح ترتيبات كامب ديفيد لمصر سوى بـ 26 ألف جندى فقط فى ثلثى سيناء بالاضافة الى قوات الشرطة فى المنطقة ج، الا باذن اسرائيل)
·       اعطاء موطئ قدم على ارض سيناء لاول مرة للعدو الامريكى، بموجب اتفاقية فض الاشتباك الثانى الموقعة فى اول سبتمبر 1975 والتى نصت على ان يتولى مراقبون امريكيون مهمة الفصل بين القوات فى سيناء.
·       ثم ما تم لاحقا من ترتيبات امنية وعسكرية فى معاهدة السلام الموقعة فى 26 مارس 1979، من انحياز للامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى بعد ان تم تجريد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، والسماح لقوات اجنبية تحت قيادة الولايات المتحدة للقيام بمهمة مراقبة القوات المصرية، بحيث تحولت سيناء رغم عودتها الى السيادة المصرية، الى رهينة تعيش طول الوقت تحت تهديد اعادة احتلالها مرة اخرى من قبل (اسرائيل)، او اختراقها وافسادها بكافة انواع الاستخبارات والجرائم والتهريب والارهاب.
·       تحويل الاقتصاد المصرى من اقتصاد حرب موجه الى اقتصاد سوق بموجب قرارات الانفتاح الاقتصادى الصادرة فى اغسطس 1974 بعد شهور قليلة من الحرب وقبل ان تجف دماء شهداء حرب اكتوبر.
·       اسقاط مصر فى التبعية الاقتصادية من خلال زيادة القروض والديون وتسليم الاقتصاد المصرى الى صندوق النقد والبنك الدوليين لربطه بالاقتصاد العالمى، وتفكيك اقتصاد الدولة المخطط واخضاعه للسوق العالمى وللشركات عابرة القومية.
·       مع توظيف المعونة الاقتصادية الامريكية التى بلغت حينها 815 مليون دولار فى تصنيع طبقة جديدة من رجال الاعمال وكلاء الشركات الاجنبية، تعمل على اغراق الاسواق المصرية بالمنتجات الاجنبية وضرب الصناعة الوطنية تمهيدا لاضعاف وتصفية القطاع العام واغلاق مصانعه وخصخصتها.
·       فتح قناة السويس للملاحة الدولية عام 1975 قبل انسحاب القوات الاسرائيلية من سيناء، لضرب أى خيار لاستئناف القتال مرة أخرى، ولخلق مصلحة دولية ضد قرار الحرب.
·       تغيير بوصلة الشعب وعقيدته من هدف المقاومة والتحرير واسترداد الارض الى احلام زائفة بالرخاء والثراء السريع، من خلال دعايات ووعود كاذبة عن الخيرات المنتظرة بعد توقف الحروب التى أضاعت مصر، مع فتح باب سفر وهجرة العمالة المصرية للعمل فى السعودية ودول الخليج التى شهدت انتعاشا ماليا ضخما بعد زيادة اسعار النفط.
·       اغلاق مصنع الوطنية والوطنيين فى مصر من خلال حظر العمل السياسى فى الجامعات المصرية بموجب اصدار اللائحة الطلابية عام 1979 فى ذات العام الذى تم فيه توقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية.
·       مهاجمة فلسطين والعرب والعروبة، والترويج لروابط بديلة زائفة تجمعنا مع اليهود فى (اسرائيل) ومع شعوب البحر الابيض المتوسط، كما فعل توفيق الحكيم فى مقاله الشهير فى مارس 1978 الذى طالب فيه ان تقف مصر على الحياد بين العرب و(اسرائيل) كما وقفت سويسرا على الحياد فى الحرب العالمية. وكذلك الدكتور محمد شعلان الطبيب النفسى الشهير الذى افتى بان ما بيننا وبين (اسرائيل) لا يعدو ان يكون حاجزا نفسيا، لتتوالى كتائب التطبيع من كل لون وصنف، مرورا بعلى سالم وجماعة كوبنهاجن ورجال اعمال اتفاقيات الكويز والبترول والغاز والشتلات الزراعية وصولا الى يوسف زيدان اليوم الذى ينفى وجود المسجد الاقصى فى فلسطين، ويعلن ترحيبه بالذهاب الى (اسرائيل).
·       شراء قطاعات واسعة من القوى السياسية المصرية بوعود كاذبة عن الديمقراطية وحق تشكيل الاحزاب الذى بدأت بتأسيس ثلاثة منابر فى الاتحاد الاشتراكى قبل ان يتم الغائه، ثم تحويلها بعد ذلك الى أحزاب، سرعان ما تم الانقضاض على المعارض منها والزج بغالبية عناصرها فى السجون عام 1981.
·       اضعاف القوى الوطنية المناهضة لامريكا ولاسرائيل من خلال مطاردة اليسار فى مصر واعتقال عناصره وانصاره وتلفيق عشرات القضايا لهم امام محاكم امن الدولة العليا.
·       استخدام التيار الاسلامى لضرب التيارات الماركسية والناصرية فى الجامعات المصرية، مما ادى الى استبدال الخطاب والمطالب الوطنية والاجتماعية للحركات الطلابية بخطاب دينى يركز فى غالبيته على المظهر الخارجى والملابس .. الخ. وفى الوقت الذى كانت مصر تباع فيه فى سوق الثلاثاء الامريكى والصهيونى، كان "قطاعات" من الطلاب الاسلاميين يثيرون الدنيا ويقعدونها لمنع عرض مسرحية طلابية فى الحرم الجامعى.
·       وهو الوضع الذى استمر حتى نهاية السبعينات، قبل ان ينقلب السادات على الاسلاميين ايضا، بعد ان التحقوا بصفوف المعارضين لاتفاقيات كامب ديفيد، وتم الزج بهم فى السجون جنبا الى جنب مع القوى الوطنية واليسارية عام 1981.
***
سنوات مبارك (1982- 2011) :
·       بعد اغتيال السادات، تم مرة اخرى للاسف الشديد شراء ورشوة قطاعات واسعة من القوى السياسية، وكان الثمن هذه المرة هو وعود زائفة بتوسيع هامش المشاركة السياسية والبرلمانية والاعلامية مقابل القبول والتعايش مع اتفاقيات كامب ديفيد ومع الوضع المصرى الجديد كدولة ونظام تابعين للولايات المتحدة الامريكية فى المنطقة.
·       وتم شراء وتدجين اكبر حزب معارض فى مصر هو حزب التجمع. وكان عراب هذه الصفقة وسمسارها هو الدكتور رفعت السعيد الى الدرجة التى قيل معها ان الشاعر الماركسى سمير عبد الباقى اطلق عليه لقب "لواء امن دولة رفعت السعيد".
·       تزامن ذلك وساعد عليه سقوط الاتحاد السوفيتى وهزيمة المشروع الاشتراكى الأممى (مرحليا) امام الولايات المتحدة والنظام الراسمالى العالمى، مما دفع بزُرَافات من اليسار المصرى والعربى والعالمى الى السقوط فى دوامات الاحباط واليأس الشديد والكفر بالايدولوجيا والانسحاب من العمل السياسى تماما او تغيير البوصلة وطبيعة النشاط، الا من رحم ربى.
·       وعلى النقيض من ذلك تماما شهدت هذه الفترة صعودا للتيار الاسلامى على مستوى مصر والامة العربية كلها، بسبب عديد من العوامل مثل هزيمة 1967 التى ادت الى تراجع المشروع القومى العربى، وسقوط الاتحاد السوفيتى الذى أدى الى تراجع التيارات الماركسية كما تقدم، و قيام ثورة فى ايران تحت رايات اسلامية للمرة الأولى فى المنطقة، بالاضافة الى التحالف والرعاية التى اولتهما الولايات المتحدة بتمويل ودعم السعودية والخليج للتيارات الاسلامية التى تم استخدامها لمواجهة وقتال الاتحاد السوفيتى فى افغانستان قبل ان يتفكك هذا التحالف وينقلب الى صدام.
·       ولقد استطاع هذا التيار الذى اطلق السادات زمامه، ان يحصد غالبية الاستحقاقات الانتخابية فى الجامعات والنقابات وفى البرلمان بعد ذلك، فى وقت تراجع بشدة الظهير الشعبى لليسار الذى وقف عاجزا عن المنافسة بعد ان قامت الاجهزة الامنية بقصقصة ريشه مبكرا منذ السبعينات كما تقدم.
·       اضف الى ذلك حالة الانقسام الفكرى والتنظيمى والسياسى التى ضربت فصائل اليسار، والتى كان وراءها بعض جوانب القصور المنهجى التى جعلت النظرية عاجزة فى كثير من الاحيان عن تقديم قراءة وتحليل وتفسير صحيح للواقع الاجتماعى والسياسى، بالاضافة بطبيعة الحال الى حزمة من الامراض السياسية التى لم ينجُ منها احد، كالذاتية والشللية وغيرها.
·       ولا يمكن بطبيعة الحال تجاهل ما تعرضت له فصائل اليسار على اختلاف اجنحتها من عملية اختراق وتخريب وافساد، على ايدى الانظمة العربية التى ترفع رايات القومية فى ليبيا والعراق وسوريا، من خلال اغداق الدعم والاموال على شخصيات وشلل بعينها، مما تسبب فى افساد عشرات الاحزاب والحركات والشخصيات فى مصر والوطن العربى، وليتحول العمل الوطنى والسياسى لدي هؤلاء الى مصدر للدخل والرزق والارتزاق، وهو ذات الافساد الذى تعرضت له قطاعات اخرى من اليسار ومن الليبراليين على ايدى اموال المعونات الاجنبية الواردة من امريكا ودول الاتحاد الاوروبى، فيما اطلق عليه البعض "بوتيكات حقوق الانسان" مما ادى الى صناعة عديد من الحقوقيين الاثرياء الا من رحم ربى من نخبة ممتازة من المناضلين المدافعين عن حقوق الناس وحرياتها.
***
وبالطبع كان لسلسة من الاحداث والمتغيرات الدولية والاقليمية الكبرى دور كبير فى القضاء على البقية الباقية من مشروعات وبرامج وعزائم الحركة الوطنية المصرية فيما يتعلق بمواجهة المشروع الامريكى الصهيونى فى مصر، والتحول بالتدريج الى محاولة التعايش معه والبحث عن ادوار تحت مظلته، ومن هذه المتغيرات:
·       الحرب العراقية الايرانية التى تفجرت عام 1980، واحتاج فيها العراق ودول الخليج للدعم المصرى فاغلقوا جبهة الصمود والتصدى، وفتحوا الابواب لمصر بثوبها الجديد.
·       وهو ما مكن نظام مبارك ومن ورائه الامريكان من توظيف هذا الوضع "لشرعنة" كامب ديفيد ومبدأ الصلح والسلام والاعتراف والتطبيع مع (اسرائيل)، فاخرجوها من دائرة المحرمات والمحظورات العربية، وهو ما سيفتح فيما بعد الابواب على مصراعيها لتعريب وتوسيع السلام مع (اسرائيل) كما يحدث اليوم.
·       وكان ايضا لاجتياح (اسرائيل) للبنان عام 1982 وحصارها للمقاومة الفلسطينية فى بيروت الذى انتهى بخروج مقاتلى المقاومة من لبنان الى المنفى فى تونس، دورا كبيرا ايضا فى زيادة جرعة الاحباط الوطنى العام.
·       وما تلى ذلك من ضغوط هائلة على القيادة الفلسطينية فى المنافى (1982 ـ 1993) الى ان تم كسر ارادتها لتقبل فى اتفاقيات اوسلو بالتنازل عن الحق الفلسطينى فى ارض 1948 والاكتفاء بالمطالبة بارض 1967 مع اعترافها بشرعية دولة (اسرائيل)، مما وجه ضربة قاصمة للثوابت الوطنية الفلسطينية والعربية ولمن لا يزالون يتبنونها ويعتقدون فيها.
·       ثم جاء احتلال العراق للكويت عام 1990 باستدراج او كمين من الأمريكان، لاستخدامه كذريعة لارسال قواتهم الى المنطقة وقيادة ما سمى بحرب تحرير الكويت الذى قامت فيها مصر بدور "المحلل" للوجود العسكرى الامريكى من خلال مشاركتها بقواتها فى حفر الباطن، مما كان له دورا اضافيا فى انكسار الروح الوطنية وتراجع الاحلام والغايات الوطنية والتحررية فراسخ كثيرة الى الوراء.
·       وما تلى ذلك من حصار العراق لعشر سنوات كاملة ثم القيام بغزوها هى وافغانستان عقب احداث البرجين فى سبتمبر 2001، لنصبح بصدد وجود واحتلال عسكرى امريكى صريح فى الخليج والمنطقة على غرار ظاهرة الاستعمار القديم فى القرن التاسع عشر.
·       وهو ما كان له من آثار شديدة السلبية على الانظمة العربية بدون استثناء، اذ اصبح الحكام العرب وانظمتهم يعملون الف حساب لرغبات ومصالح وتعليمات الولايات المتحدة، وهو ما دفع زعيما عربيا يرفع رايات الوطنية والقومية بحجم القذافى الى ان يتطوع من تلقاء نفسه الى الاعتراف بالمخزون الليبى مما يسمى باسلحة الدمار الشامل ويقرر ازالتها وينفذ بالفعل!  وبمعنى آخر: ان الغزو الامريكى عام 2003 لم يؤثر على العراق فحسب بل شمل العالم العربى من محيطه الى خليجه.
·       ثم جاءت هرولة النظام الرسمى العربى بكل دوله بلا استثناء واحد الى التنازل هى الأخرى، عن الحق الفلسطينى والعربى فى ارض 1948 والتنازل عن الحق فى المقاومة والكفاح المسلح ضد الاحتلال الاسرائيلى، بموجب مبادرة السلام العربية فى مارس 2002 فى بيروت، ليبقى من يرفض الاعتراف باسرائيل من الحركة الوطنية الفلسطينية والمصرية والعربية اقلية قليلة منبوذة ومعزولة.
·       أضف الى ذلك ما تلى غزو العراق من ادعاءات امريكية كاذبة بالسعى لانقاذ الشعوب العربية من الحكام المستبدين ومن الانظمة الديكتاتورية، وما تواكب مع ذلك من ضغوط امريكية على الحكام العرب لمزيد من الاجراءات الديمقراطية والمشاركة السياسية وهو ما دفع مبارك مكرها الى توسيع الهامش الديمقراطى للمعارضة، وهو الوضع الذى تلقفته غالبية القوى السياسية المصرية وشرعت فى تاسيس الحركات المدنية على غرار كفاية و6 ابريل والجمعية الوطنية للتغيير بالاضافة الى جهود البرادعى التى تحركت جميعها باجندة ليبرالية تركز على الحريات والديمقراطية والاصلاح السياسى والدستورى وتقف ضد التمديد والتوريث مع تراجع وتهميش للقضايا الوطنية ضد التبعية و(اسرائيل) وكامب ديفيد.
***
سنوات الثورة 2011 ـ 2013
ولتأتى ثورة يناير 2011 لتحمل اجندة ليبرالية بامتياز، منزوعة من اى دسم وطنى، فلم يجرؤ اى من اطيافها او من الفصائل المشاركة فيها على طرح مطلب الاستقلال عن الامريكان او التحرر من اتفاقيات كامب ديفيد وقيودها. وليكتفى الجميع بمطالب اصلاحية سياسية ودستورية انتهت كما نرى جميعا بمصادرة اى حقوق سياسية او دستورية. فيؤكد الاخوان لجون كيرى عام 2011 بالتزامهم بكامب ديفيد وتطمئن جبهة الانقاذ جون ماكين على نفس الالتزام عام 2013. كما انه لم يجرؤ اى مرشح رئاسى من مرشحى الثورة على الادلاء باى تصريح عن رفضه للمعاهدة خلال حملته الانتخابية.
***
2013  ـ 2019
ولكن رغم كل ما قيل عن جهود ومتغيرات اقليمية ودولية ادت الى اضعاف الحركة الوطنية ومحاولات تصفيتها فى الفترة من اوائل السبعينات حتى 2011 الا انها لم يكتب لها النجاح الكامل، اذ لم تكف القوى الوطنية بكافة أطيافها خلال هذه الفترة عن المقاومة والنضال ومحاولة كسر الحصار، وابداع عديد من الانشطة والفاعليات لدعم فلسطين والمقاومة، ومعارضة المشروع الامريكى الصهيونى فى مصر والمنطقة.

اما اليوم وعلى امتداد 6 سنوات ومنذ تولى السيد عبد الفتاح السيسى المسئولية الفعلية، فان عنوان المرحلة هو اعادة انتاج التبعية للولايات المتحدة وتعميق العلاقات مع (اسرائيل) الى ابعد مدى لتصل الى مرحلة التحالف والتطبيع الكامل. الى درجة القبول بالانخراط فى مشروع لتأسيس ناتو عربى اسرائيلى تحت القيادة الامريكية لمواجهة ايران.
اما فى مواجهة الشعب المصرى فالسياسة اليوم هى الارتداد الكامل على كل مكتسبات ثورة يناير من حريات وانتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وتداول سلطة وفصل بين السلطات...الخ، مع عودة الى تأبيد حكم الرئيس وتكميم الافواه واغلاق الحياة السياسية والمجال العام وفتح السجون وتاميم الاعلام والبرلمان بشكل غير مسبوق حتى فى احلك سنوات مبارك وكمال الشاذلى واحمد عز وعبد المنعم سعيد، وفرض حظر وحصار على اى معارضة لا فرق فى ذلك بين مدنى واسلامى، لتكون المحصلة النهائية هو عجز القوى الوطنية مجتمعة عن تنظيم اى انشطة سياسية حقيقية بشكل عام بما فى ذلك أى فاعليات مؤثرة لدعم فلسطين او مناهضة اسرائيل، فى مقابل تمكن السفارة (الاسرائيلية) من تنظيم احتفال حاشد بذكرى النكبة على ضفاف النيل بالقرب من ميدان التحرير فى فندق ريتز كارلتون.
***
كانت هذه بعض الادوات والسياسات والمتغيرات والاحداث التى تفاعلت جميعها لتسفر فى النهاية عن احباط وضعف وتراجع ثم تصفية الحركة الوطنية فى مصر.
اما عن الغاية من وراء استعراضها، فيمكن تحديدها فى هدفين رئيسيين، اولهما هو تاكيد حقيقة ان جهودا هائلة وكثيفة ودؤوبة بُذلت على امتداد اكثر من اربعين عاما لكى يتمكنوا من تجريد مصر من قواها الحية والوطنية، وهو ما يعنى انها كانت قوى ذات شأن لا يمكن الاستهانة بها وبما كانت تملكه من حضور وتأثير وانتشار وفاعلية.
اما الهدف الثانى فهو انها قد ترسم لنا خريطة طريق مضادة وعكسية فيما لو أردنا استرداد مصر الطيبة الوطنية مرة أخرى.
*****
محمد سيف الدولة

الذكرى الاربعون للمعاهدة

الخميس، 4 أبريل 2019

استرداد مصر ـ فيديو


مقطع فيديو


فى الذكرى الاربعين للمعاهدة، لا تزال المهمة الاولى لكل الوطنيين المصريين، هى استرداد مصر المخطوفة منذ 45 عاما، من قبضة الولايات المتحدة الامريكية ومن مستنقع السلام مع العدو الصهيونى

الثلاثاء، 2 أبريل 2019

كامب ديفيد ومعاهدة 1936


ونحن فى رحاب الذكرى المئوية لثورة 1919 بالتزامن مع الذكرى الاربعين لمعاهدة السلام المصرية الاسرائيلية، نتساءل:
لماذا تجرأ المصريون على الغاء معاهدة 1936، بينما لم يجرؤ احد من حكام مصر على امتداد 40 عاما على الاقتراب من اتفاقيات كامب ديفيد بالإلغاء او بالتعديل على اضعف الايمان، للتحرر من القيود التى فُرِضَت علينا فى سيناء؟
لطالما راودنى هذا السؤال واصابنى بالحيرة خاصة وان مصر حين قررت الغاء المعاهدة فى 1951 كانت لا تزال تعيش فى ظل الاحتلال، وكان ما يزيد عن ثمانين ألف من القوات البريطانية تقبع فى مدن القناة، بينما مصر اليوم هى دولة مستقلة (من الناحية النظرية على الاقل)، ومن المفترض ان تكون اكثر قدرة على اتخاذ قرارات وانتهاج سياسات من هذا النوع.
ان هذه المقارنة أو هذا التساؤل هى مسائل مشروعة ومنطقية، لعديد من الاسباب اهمها ان هناك وجه شبه كبير بين المعاهدتين:
فكلتاهما "اتفاقية جلاء" رغم الاسم الزائف والمضلل الذى يطلقونه على كامب ديفيد بانها اتفاقية سلام، ففى الاولى كان القوات الانجليزية تحتل مصر وفى الثانية كانت القوات الاسرائيلية تحتل سيناء.
الا أن بينهما فارقا أساسيا وهو ان معاهدة 1936 كانت معاهدة ثنائية بين مصر وانجلترا، بينما اتفاقيات كامب ديفيد فى حقيقتها هى اتفاقية ثلاثية بين مصر واسرائيل والولايات المتحدة الامريكية رغم ان الشائع انها معاهدة بين مصر و(اسرائيل) فقط؛
فالولايات المتحدة حاضرة ومؤثرة وفاعلة فى المعاهدة وفى الميدان، اضعاف مضاعفة تأثير اى من طرفيها الاخرين.
·       فهى اولا صاحبة السيطرة والهيمنة والادارة من الناحية الواقعية والرسمية على القوات الاجنبية التى تراقب قواتنا فى سيناء والتى تسمى بـ "قوات متعددة الجنسية والمراقبين ـ MFO"
·       وثانيا هى التى تصدت للقيام بدور اجبار مصر واكراهها على الالتزام بترتيبات كامب ديفيد الامنية والعسكرية، بموجب مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية الموقعة فى 25/3/1979، والتى تلتزم فيها الولايات المتحدة بالتدخل بنفسها عسكريا ضد مصر فيما لو قامت بانتهاك المعاهدة عسكريا او دبلوماسيا او اقتصاديا.
·       وهى قبل ذلك وبعده، الدولة العظمى التى سقطت مصر منذ عام 1974 فى مستنقع التبعية لها بموجب نظرية السادات وخلفائه بان 99 % من اوراق اللعبة فى ايدى الامريكان.
·       ناهيك على انه لولا المواقف الامريكية بعد 1967 التى رفضت انسحاب القوات الاسرائيلية من سيناء، ولولا دخولها الحرب فى 1973 الى جوار (اسرائيل) بالجسر الجوى وبطائرات التجسس التى كشفت منطقة الفراغ التى ادت الى ثغرة الدفرسوار...الخ، لما تم كسر الارادة المصرية واخضاع القيادة السياسية واجبارها على توقيع اتفاقيات كامب ديفيد التى لا تعدو ان تكون اتفاقية سلام بالاكراه.
***
وحيث انها اتفاقية ثلاثية كما تقدم، فاننا حين نقوم بالمقارنة بين بنود ونصوص معاهدة 1936 ومثيلاتها فى كامب ديفيد، سنكتشف ان التنازلات التى تقدمها مصر اليوم، يتم توزيعها على كل من الامريكيين والاسرائيليين كل حسب مصالحه وليس على الانجليز فقط كما كان الحال فى معاهدة 1936:
فالمادة (الثامنة) فى معاهدة 1936 وملحقها "شرعنت" وجود قوات الاحتلال فى مصر وفرضت على مصر التزامات لوجستية لصالح الانجليز، وقيدت حقوق مصر السيادية على اراضيها فتم حظر تحليق الطيران المصرى، على سبيل المثال، فوق المناطق التى تتمركز فيها القوات الانجليزية.
اما المادة (الرابعة) فى معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية وملحقها الامنى فلقد قيدت قوات مصر وتسليحها فى ثلثى سيناء بعرض يقارب 150 كم، بينما لم تقيده فى (اسرائيل) الا بعرض 3 كم. ووضعت قوات المراقبة الاجنبية فى سيناء فقط، اما فى (اسرائيل) فوضعت مراقبين مدنيين فقط. وحظرت الطيران العسكرى والمطارات والموانى العسكرية المصرية فى ثلثى سيناء الا باذن (اسرائيل).
***
ومعاهدة 1936 الزمت مصر بتقديم التسهيلات والخدمات اللوجستية كما تقدم للقوات البريطانية فى منطقة القناة وعديد من الطرق وخطوط السكة الحديد.
 بينما اعطت مصر للولايات المتحدة منذ السبعينات تسهيلات وخدمات لوجستية عسكرية فى قناة السويس وفى مجالها الجوى، يقول عنها الامريكان انها كان لها بالغ الاثر والفائدة فى غزو العراق.
***
والمادة الرابعة فى 1936 تؤكد على علاقات تحالف (احتلال) بين مصر وبريطانيا، والمادة (السابعة) تزيد من وطأة هذا الاحتلال واجراءاته فى وقت الحرب.
وهو وضع قريب الشبه مع فارق الشكل والعصر والتفاصيل، مع علاقات التبعية التى تربط مصر اليوم بالولايات المتحدة، والتى تجبرها على الانخراط فى كل الترتيبات الامنية او التحالفات الاقليمية فى المنطقة كما تمنعها من المشاركة فى اى احلاف او تجمعات مناهضة للولايات المتحدة او مستقلة عنها.
***
المادة الخامسة فى معاهدة 1936 تمنع مصر صراحة من الدخول فى معاهدات تناقض احكامها التزامات المعاهدة المصرية الانجليزية.
والمادة السادسة من معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية تفرض ذات الحظر والمنع على الارادة المصرية وتنص صراحة على انه فى حالة وجود اى تناقض بين اى من التزامات مصر الاخرى وبين اتفاقية السلام، فانه يكون للاخيرة الاولوية، كما قامت بمنع عقد اى اتفاقيات مستقبلية مع اى طراف اخرى تناقض احكام اتفاقية السلام، فى استهداف واضح لا يخفى على أحد لاتفاقية الدفاع العربى المشترك على وجه الخصوص، ومصادرة لمجمل العلاقات المصرية العربية فى المستقبل بصفة عامة، بشكل يطلق يد (اسرائيل) فى العربدة العسكرية والعدوان كيفما شاءت على اى قطر عربى، بدون لأن يكون من حق مصر اتخاذ اى رد فعل.
***
والغريب انه رغم الفرق بين وضع الاحتلال العسكرى الثقيل عام 1936، وبين وضع "الاستقلال" اليوم، الا ان فى معاهدة 1936 ميزتين بارزتين بالمقارنة بالمعاهدة المصرية الاسرائيلية؛ الميزة الاولى هى مدة المعاهدة التى تم النص فى المادة السادسة عشر على حق الطرفين فى اعادة النظر فى احكامها بعد مرور 20 سنة.
اما فى اتفاقيات كامب ديفيد فالمعاهدة مؤبدة، اذ لم يتم النص على مدة لنهايتها او لاعادة النظر فيها!
والميزة الثانية فى معاهدة 1936 ما نصت عليه من ان اى خلاف بين الطرفين بشأنها يتم عرضه على عصبة الامم.
بينما فى المعاهدة المصرية الاسرائيلية تم استبعاد الامم المتحدة تماما من اى من ترتيبات او اجراءات الاتفاقية، فحتى ما يسمى بقوات حفظ السلام فى سيناء فانها لا تخضع للامم المتحدة وانما للولايات المتحدة ومديرها سفير بالخارجية الامريكية. وفيما يتعلق باى خلاف ينشأ بين مصر و(اسرائيل) بخصوص تطبيق بنود المعاهدة فان المادة السابعة منها تنص على اللجوء الى التفاوض فالتوفيق ثم التحكيم، وكلها وسائل تشترط موافقة الطرفين، وبالتالى تم تجريد مصر من اتخاذ اى قرار لا تقبله (اسرائيل).
***
ليس المقصود هنا عقد مقارنة تفصيلية بين المعاهدتين، وانما الهدف بعد هذا الاستعراض العام والواجب، هو المقارنة بين مصر 1951 التى قامت بالغاء معاهدة 1936، وبين مصر (1979 ـ 2019) التى تخشى الاقتراب من اتفاقيات كامب ديفيد ولو بالتعديل لتحرر نفسها من القيود العسكرية المفروضة عليها.
وذلك رغم الاختلال الرهيب فى المراكز وموازين القوى بعد الحرب العالمية الثانية، عنه اليوم بعد حرب 1973؟
وهى مقارنة لا تقتصر للاسف على السلطات والحكام المصريين، وانما تمتد لتشمل الفروق بين الحركة الوطنية المصرية التى كانت تتصدى وتتظاهر وتضغط وتطالب بالاجماع لالغاء المعاهدة مع الانجليز، وبين الحركة الوطنية اليوم التى قبلت وتوافقت وتعايشت الغالبية العظمى منها بعد اغتيال السادات، الا من رحم ربى، مع ذل التبعية الامريكية وسجن كامب ديفيد، مقابل هامش ضئيل من الديمقراطية وفتات قليلة من المشاركة السياسية قد تجود بها السلطة بين الحين والآخر، وتمنعها فى معظم الاحيان.
***
وفى الختام أرجو الانتباه الى اننا اخترنا مقارنة مصر اليوم بمصر 1951، ولم نقارنها من باب "الرأفة" بمصر 1956 التى قررت تأميم قناة السويس والغاء عقد امتياز القناة، وتحمل كل العواقب والتصدى للعدوان الثلاثى الذى انتهى بانسحاب قوات العدوان، وباندثار الاحتلال البريطانى الى الابد حاملا معه كل وقواته ومعاهداته وامتيازاته ووقاحاته التى اذاقتنا الذل لستة وسبعين عاما.
*****
محمد سيف الدولة