بحث فى المدونة

الاثنين، 27 أكتوبر 2008

عشرون سببا للتحرر من كامب ديفيد


عشرون سببا للتحرر من كامب ديفيد
بقلم : محمد سيف الدولة


الحزب الوطني والاستئثار بالسلطة وانعدام المشروعية السياسية ، رجال الأعمال والفساد والخصخصة والفقر والبطالة ، ضعف القوي الوطنية وغياب الانتماء الوطني وسيادة الحلول الفردية وانتشار النزعات الطائفية ، انهيار الأمن القومي وسقوط المنطقة تحت الهيمنة الأمريكية والصهيونية .
كل ذلك وغيره من إنتاج اتفاقيات كامب ديفيد وعصر السلام المصري الإسرائيلي الأمريكي . كل ذلك صناعة أمريكية بدأت بعد حرب 1973 ومستمرة حتي الآن . إنه النظام المصري الجديد الذي صنعته لنا الولايات المتحدة وخلقت مرتكزاته ووضعت شروط المشاركة فيه وأخذت في بنائه طوبة طوبة علي امتداد الثلاثين عاما الماضية . ووضعت ضمانات بقاءه واستمراره لأطول فترة ممكنة . وحددت له وظيفة أساسية هي الحفاظ علي أمن اسرائيل وتمهيد الساحة العربية للخضوع الكامل للهيمنة الأمريكية. وصنعت له دستورا فعليا ليس هو الدستور المصري المتداول ولكنه " اتفاقيات كامب ديفيد "لذلك فإننا نرفض هذه المعاهدة ونرفض النظام القائم علي حمايتها، وندعو كل القوي الوطنية الساعية إلي الحرية أو إلي العدالة الاجتماعية أو إلي الدفاع عن الهوية إلي ضرورة التحرر أولا من هذا العصر، عصر كامب ديفيد ، وفيما يلي أهم أسباب رفضنا للاتفاقية:

الردع العسكري والتهديد الدائم :

· إن التدابير الأمنية الواردة في الملحق الأول من الاتفاقية تقيد قدرة مصر العسكرية في الدفاع عن سيناء في حالة تعرضها لأي عدوان إسرائيلي جديد. وهو ما يمثل وسيلة ضغط رادعة ومستمرة علي أي حكومة مصرية وإن كانت غير منظورة للرأي العام الشعبي.

· و القوات الموجودة في سيناء لمراقبة التزام مصر بالتدابير المذكورة هي قوات متعددة الجنسية تحت قيادة أمريكية وليست قوات للأمم المتحدة

· في يوم 25 مارس 1979 قبل يوم واحد من توقيع الاتفاقية المصرية الإسرائيلية ، قامت الولايات المتحدة بعقد تحالف مع اسرائيل ضد مصر بموجب وثيقة أطلق عليها مذكرة التفاهم الأمريكية الإسرائيلية. ومنذئذ والخطاب الرسمي السائد يبرر علاقته الخاصة بأمريكا بأنها الخيار الوحيد الممكن سياسيا في ظل تهديد أمريكي علني أو ضمني بردع مصر إن هي تراجعت عن اتفاق أو نهج كامب ديفيد.

خلق نظام داخلي لتأمين الصلح مع إسرائيل:

· اقتصاديا كان لابد لتأمين الاتفاقية علي المستوي الداخلي أن يتم تفكيك الاقتصاد المخطط، تحت قيادة القطاع العام، لتجريده من القدرة علي دعم المجهود الحربي. وخلق اقتصاد سوق تابع لأمريكا تحت توجيه وإشراف ورقابة الفيلق الاقتصادي الدولي الصندوق و البنك وهو ما أدي فعليا إلي تراجع حركة التنمية الوطنية في مصر وانسحاب الدولة من التصدي لسد الاحتياجات الأساسية للمواطن مما انعكس علي حياة الناس اليومية.

· وأن يتم كذلك خلق وصناعة قوي اجتماعية اقتصادية طبقية حليفة لأمريكا تتبني الدفاع عن عصر كامب ديفيد بحكم المصالح والبزنس المشترك تسلمت قيادة المجتمع واحتكرت ثرواته والتشريع له وتحالفت مع السلطة التنفيذية.

· أما علي المستوي السياسي فلقد نصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة بالاتفاقية صراحة علي التزام مصر بتقديم كل من يعادي اسرائيل إلي المحاكمة.

· وتم ترجمة ذلك بصناعة نظام حزبي بائس يعطي شرعية العمل السياسي فقط للقوي التي ترضي التعايش مع المشروع الصهيوني وعلي رأسها الحزب الوطني ويحرم كل القوي المعادية لهذا المشروع من التمثيل الشرعي أو يحاصرها داخل مؤسسات شرعية شكلية تحول بينها وبين التواصل مع الجماهير علي مشروعها الوطني البديل.

· وكان لابد أيضا من صناعة خطاب ثقافي تضليلي يتبني الاتفاقية ويروج لها ويدافع عن العلاقات مع أمريكا ويهاجم انتماء مصر العربي. يديره نخبة من المثقفين تحتكر المؤسسات البحثية الحكومية والصحف القومية وأجهزة الإعلام الرسمية مع استبعاد معظم العناصر الوطنية منها.

· ولأن كل ذلك يحتاج إلي مراقبة فلقد سمحت الاتفاقية لأمريكا بالدخول بمعونتها وخبرائها وأجندتها إلي أعماق المجتمع المصري تراقبه وترصده وتحلله وتوجهه وتستقطب منه الكوادر وتفرخ فيه مؤسسات خادمة لتفعيل مشروعها في مصر وكل ذلك تحت سمع وبصر الجميع في إطار الشرعية السائدة الآن شرعية عالم كامب ديفيد

ضرب دور مصر العربي والهيمنة علي سياساتها الخارجية :

· نصت الفقرة الخامسة من المادة السادسة من الاتفاقية علي أن للاتفاقية الأولوية علي أي اتفاقيات أخري بما فيها اتفاقية الدفاع العربي المشترك وهو ما يجرد مصر من القدرة علي دعم الأقطار العربية التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي

· ونصت الفقرة الرابعة من المادة السادسة من الاتفاقية علي منع مصر من الدخول في أي اتفاقيات أخري تتناقض مع هذه الاتفاقية. وهو ما حد من حرية مصر مستقبلا في صياغة علاقات عربية أو إقليمية أو دولية جديدة قد ترتئيها تحقيقا لمصالحها

تعديل ميزان القوى لصالح اسرائيل :

· إن اعتراف مصر بإسرائيل ، أعطي مشروعية للاغتصاب الصهيوني لفلسطين من قبل أكبر دولة عربية في سابقة هي الأولي من نوعها في الوطن العربي، مما أدي فيما بعد إلي تخفيض كبير في سقف المطالب الفلسطينية والعربية فقد توالت بعدها الاعترافات والمبادرات والتنازلات عن الحق العربي التاريخي في الأرض المحتلة لتنتهي إلي قبول أجزاء من الأرض منزوعة السيادة في أوسلو ثم خريطة الطريق والتي رغم تواضعها لا تجد من ينفذها حتي الآن ولن تجد.

· الاتفاقية أخرجت مصر بثقلها التاريخي من الصراع ضد المشروع الصهيوني مما أدي إلي خلل كبير في ميزان القوي، وأسفر في النهاية عن تصفية قوي المقاومة الفلسطينية في الخارج وحصارها في الداخل، كما أدي إلي عجز قوي المقاومة العربية. وعربدة إسرائيل اللانهائية في المنطقة وإعادة ترتيبها كما تشاء وكسب نقاط قوة كثيرة ستنعكس علي الجميع بما فيهم مصر في المستقبل المنظور.

· و أدي اعتراف مصر بإسرائيل إلي رفع المقاطعة الدولية عنها التي كان ينتهجها عدد كبير من الدول الصديقة لمصر وللعرب وهو ما أدي إلي تحرر إسرائيل من حصار دولي خانق، مما أسفر عنه بث دماء جديدة في الاقتصاد الإسرائيلي واطالة عمر المشروع الصهيوني ودعم الدولة المغتصبة مما يصعب من مهمات مواجهتها في المستقبل المنظور أو حتي البعيد

· ساعدت الاتفاقية علي انقسام الواقع العربي عندما ضربت قضية العرب المركزية (قضية فلسطين) في مقتل ، تلك القضية التي كانت تجمع وتوحد الدول العربية علي اختلاف نظمها وتوجهاتها، و تلك الوحدة التي تجلت في مؤتمر الخرطوم 1967 ثم في حرب أكتوبر 1973. والتي اختفت بعد كامب ديفيد فساد الصراع والانقسام العربي منذ ذلك الحين.

الهيمنة الأمريكية علي المنطقة :

· ساعد خروج مصر بثقلها التاريخي من الصراع ضد المشروع الأمريكي في المنطقة مع عوامل أخري، علي احتلال العراق والسعي إلي تقسيمها وإلي العمل علي تقسيم السودان وإلي حصار سوريا ولبنان وأصبحت للولايات المتحدة اليد العليا في كل ما يحدث في أمتنا العربية في اتجاه مشروع تفتيت جديد للمنطقة سينال مصر عاجلا أم آجلا.

البطلان الدستوري والدولي :

· إن الاتفاقية غير دستورية فهي تخالف الدستور في عدة مواد أهمها المادة الأولي التي تنص في فقرتها الثانية علي أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة وهو ما يتناقض مع ما تضمنته الاتفاقية من الاعتراف بدولة اسرائيل ومن ثم بمشروعية الاغتصاب الصهيوني لفلسطين. والاتفاقية غير دستورية أيضا حيث إنه قد تم الاستفتاء عليها بقرار باطل هو القرار رقم 157 لسنة 1979 الذي دعا الناخبين إلي الاستفتاء علي 15 موضوعا مختلف في استفتاء واحد وهو ما لا يجوز. ناهيك عما يتم في استفتاءاتنا من تجاوزات إجرائية.

· والاتفاقية باطلة طبقا لقواعد القانون الدولي لعدة أسباب أهمها مخالفتها للمادة رقم 52 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات التي تنص علي أن تعتبر المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا تم إبرامها نتيجة تهديد باستعمال القوة أو استخدامها بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.. وهو ما ينطبق علي حالتنا حيث كانت الأراضي المصرية واقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي أثناء المفاوضات. هذا بالإضافة إلي تدخل أمريكا إلي جانب إسرائيل في حرب 1973 مما دفع الرئيس السادات إلي طلب وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاقية فض الاشتباك الأول عام 1974 تحت ضغط وتهديد هنري كيسنجر. كما صرح السادات نفسه فيما بعد وما ترتب عليها من سحب وإعادة اكثر من 90 % من قواتنا إلي غرب القناة بعد أن نجحت خلال الأيام الأولي من حرب أكتوبر في العبور إلي سيناء في شرق القناة. ثم ما ترتب عليها لاحقا من اتفاقية فض الاشتباك الثاني 1975، ثم كامب ديفيد 1978، وأخيرا اتفاقية السلام 1979. وهو ما تم جميعه تحت تهديد أمريكي علني أو مستتر بالتدخل لصالح (إسرائيل)، ومثل ضغطا علي المفاوض المصري حينذاك جعله يقدم التنازلات المشار إليها عاليه.

الطائفية والحروب الاهلية والتفتيت :

· أعطت الاتفاقية ضوء اخضر لكل القوي الطائفية في الوطن العربي، إن كرروا ( نموذج إسرائيل) واصنعوا دويلاتكم الطائفية علي النموذج الصهيوني فلقد نجحت إسرائيل في انتزاع اعتراف محيطها العربي بشرعيتها. ومن اعترف بها سيعترف بكم ولو بعد حين. ومنذ ذلك الوقت بدأ الخطاب الطائفي يتنامي في المنطقة ورأينا الحروب الأهلية في لبنان وفي السودان و في العراق والبقية تأتي.

انهيار الروح الوطنية :

· ولأن الاتفاقية تناقض مجموعة المبادئ والثوابت الوطنية المستقرة لدي الجماهير في مصر علي امتداد عدة أجيال فلقد أدت إلي انهيار في روح الانتماء الوطني لدي عامة الناس، وأدت إلي غياب اليقين في أي خطاب أو مشروع أو شعار سياسي. ففقدت كل الأمور العامة مصداقيتها. وكرد فعل لذلك اتجه الوعي الشعبي إلي الحلول الفردية أو إلي اليقين الديني الذي اصبح الملاذ الأخير للدفاع عن الهوية والانتماء.




شق الصف الوطني وسقوط الشرعية :

· وأخيرا وليس آخرا أدت كامب ديفيد وما بعدها إلي شق الصف الوطني داخل مصر. وضربت الوحدة الوطنية بمعناها العام في الصميم فقد رأت القوي الوطنية فيما حدث ويحدث انتهاكا شديدا للشرعية الوطنية، التي لم تعد ممثلة في الشرعية القانونية السلطة. وكرد فعل علي ذلك أصبح لكل طرف مرجعياته الشرعية المختلفة مما ترتب عليه آثار خطيرة علي مدي الثلاثين عاما السابقة وهو ما يزال يهدد المجتمع بمزيد من الانقسام والتفتت فيما لو لم ننجح في تدارك اصل المشكلة والتصدي لها. لكل ما سبق فإننا نوجه دعوة صادقة إلي كل الأطراف الوطنية في مصر إلي حوار موضوعي واسع حول كيفية التحرر من كامب ديفيد ومن العلاقات الخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

* * *


ليست هناك تعليقات: