بحث فى المدونة

الأحد، 2 يناير 2011

السودان هو الضحية الأولى

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com

ان بتر الجنوب عن السودان وعن الوطن العربى ، ليس سوى الخطوة الأولى فى المشروع الامريكى الصهيونى الجارى على قدم وساق لإعادة تفتيت كل الدول العربية من المحيط الى الخليج .

وهو مشروع ثابت فى كل وثائقهم المعلنة والمحجوبة :

1) فكانت أول هذه الوثائق هى الرسائل المتبادلة بين بن جوريون وموشى شاريت عام 1954 ، الداعية الى إقامة دويلة مارونية فى لبنان فى اتجاه السعى لتقسيمه لعدة دويلات طائفية على النمط الصهيونى .

ثم تم احياء ذات المشروع مرة أخرى أثناء الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، ولكن القوى الوطنية تصدت له و أفشلته .

* * *

2) و فى 1982 نشرت مجلة كيفونيم لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية دراسة بعنوان إستراتيجية اسرائيل فى الثمانينات ، قمت بنشرها تحت عنوان الوثيقة الصهيونية لتفتيت الأمة ، جاء فيها بوضوح : ضرورة إعادة تقسيم العالم العربى والاسلامى الى دويلات أكثر بكثير من تلك التى صنعتها سايكس بيكو ، و التى لم تراع الفوارق والتناقضات الطائفية والمذهبية المتعددة القائمة فى هذا العالم الورقى الهش .

وطرحت الوثيقة تصورات محددة عن أهدافها فى كل قطر : فمصر يجب تقسيمها الى دولتين قبطية واسلامية أو أكثر ، والعراق الى ثلاثة دويلات: كردية وشيعية وسنية . والسودان الى أربعة دويلات : عربية سنية و افريقية ووثنية و مسيحية ، وهكذا ..

* * *

3) وتأكدت نفس هذه الإستراتيجية فى محاضرة حديثة لوزير الأمن الداخلى الصهيونى "آفى ديختر" فى سبتمبر 2008 ، ألقاها فى معهد أبحاث الأمن القومى الاسرائيلى ، حين تحدث عن السودان قائلا :

 انه لا يجب السماح للسودان ان يصبح قوة مضافة الى قوة العالم العربى

 ولابد من العمل على إضعافه وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة

 فسودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان قوى وموحد وفاعل

 وهو ما يمثل من المنظور الاستراتيجي ضرورة من ضرورات الأمن القومى الاسرائيلى

 ولقد تبنى كل الزعماء الصهاينة من بن جوريون وليفى اشكول وجولدا مائير واسحاق رابين ومناحم بيجين وشامير وشارون واولمرت خطا استراتيجيا واحدا فى التعامل مع السودان هو : العمل على تفجير أزمات مزمنة ومستعصية فى الجنوب ثم دارفور

 وانه حان الوقت للتدخل فى غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل لتكرار ما فعلته اسرائيل فى جنوب السودان

 وان الدور الامريكى فى دارفور يسهم بشكل فعال فى تفعيل الدور الاسرائيلى

 وأن أمريكا مصرة على التدخل المكثف فى السودان لصالح انفصال الجنوب وانفصال دارفور على غرار ما حدث فى كوسوفو .

 وان اسرائيل نجحت بالفعل فى تغيير مجرى الأوضاع فى السودان ، فى اتجاه التأزم والتدهور والانقسام ، وهو ما سينتهى عاجلا ام آجلا الى تقسيمه الى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا .

 وبذلك لم يعد السودان دولة إقليمية كبرى قادرة على دعم الدول العربية المواجهة لإسرائيل .

* * *

4) وبعد احتلال العراق : تسربت وثيقة من وزارة الخارجية الأمريكية ، تتحدث عن ان البداية هى العراق ثم سوريا ولبنان فالسعودية والجائزة الكبرى مصر .

وكان من الواضح أن الأمريكان بعد ان احتلوا العراق ووضعوا أرجلهم وجيوشهم في المنطقة قرروا ان يتبنوا الخطة التى وضعتها بعثتهم وقاعدتهم العسكرية الأولى فى المنطقة المسماة بـ ( اسرائيل)

وقد قام الكونجرس الامريكى بالفعل فى خريف 2007 بإصدار قرار صريح غير ملزم يطالب بتقسيم العراق الى ثلاثة دويلات .

* * *

5) أما تنفيذ عملية فصل الجنوب السودانى عن العالمين العربى والاسلامى ، فلقد بدأت خطواتها منذ منتصف تسعينات القرن المنصرف :

• فبدأت بتوقيع العقوبات على السودان .

• و ضرب مصنع الشفاء السودانى للأدوية بحجة انه ينتج أسلحة كيماوية .

• ودعم دول الجوار السودانى مثل إثيوبيا و أوغندا واريتريا وكينيا ، للتحرش العسكرى المستمر بالسودان

• و توظيف ما يسمى بمنظمة الإيجاد ، لتولى الجانب السياسى والقانونى فى إخراج عملية الانفصال من خلال ما سمى بتفاهم ماشكوس عام 2002 الذى الذى كان هو المقدمة لمعاهدة نيفاشا الانفصالية عام 2005 .

• ثم وضع ملف السودان تحت بند الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، الذى عادة ما يكون مقدمة لإست خدام القوة لإخضاع النظم "المارقة"

• ثم إرسال البعثات الدبلوماسية ونشر القوات الدولية هناك جنبا الى جنب مع منظمات ومراكز حقوق الانسان فى طاحونة جهنمية للضغط والتشهير والعقاب

• وتوظيف المحكمة الجنائية الدولية لمطاردة رموز النظام السودانى وتوقيفهم كأداة إضافية للابتزاز والضغط والترويض والإخضاع .

• ثم يأتى الدور الصهيونى فى تسليح الجنوب وتدريبه ، والحيلولة دون نجاح النظام السودانى فى إنهاء الحرب الأهلية لصالحه .

• وما يتواتر من معلومات عن الوجود والنشاط الصهيوينى هناك ، وما يعلنه قادة الجنوب باستمرار عن نواياهم فى إقامة علاقات دبلوماسية مع اسرائيل

• ثم التهديدات الأمريكية المباشرة ضد أى تعويقات سودانية لإجراءات الاستفتاء الانفصالي .

• وتحييد الدول العربية وبالذات مصر من التدخل ، وإبعادها تماما عن هذا الملف وتجاهل لمبادرتها المشتركة مع ليبيا ، وتغليب مبادرة الإيجاد المذكورة عليها .

* * *

6) أما لماذا كان السودان هو أضعف الحلقات، وباكورة الأقطار العربية المنكوبة بالتفتيت ؟ ولماذا يوجد نزوع شعبى جنوبى نحو الانفصال ؟

فانه لا يمكن فهم ذلك بدون التعرف على دور الاحتلال البريطاني للسودان 1898 ـ 1955 ، فى تأسيس وبناء عوامل الانفصال منذ زمن بعيد .

ووفقا لدراسة مهمة أعدها المؤرخ الراحل يونان لبيب رزق عن هذا الموضوع ، فلقد قامت الإدارة البريطانية خلال نصف قرن بالتالى :

• إضعاف الثقافة العربية من خلال إحلال اللغة الانجليزية محل العربية فى التعليم والمكاتبات الرسمية

• وتشجيع انتشار اللهجات المحلية وتحويلها الى لغات مكتوبة

• إحلال الموظفين الجنوبيين محل الشماليين

• وإبعاد الموظفين المتحدثين بالعربية ولو كانوا جنوبيين

• ومنع التجار الشماليين من الوصول الى الجنوب

• واستبدالهم بالتجار اليونانيين والسوريين المسيحيين

• وتشغيل الموظفين من غير المسلمين فى الإدارة بهيئاتها الكتابية والفنية

• وإخراج قوات الجيش المصري المعسكرة فى الجنوب

• وإخراج الموظفين المصريين والسودانيين من الجنوب

• وعند الضرورة ، إرسال كتبة من المصريون يختارون من الأقباط

• وتبنى سياسة رسمية بالحفاظ قدر الإمكان على جنوب السودان بعيدا عن التأثير الاسلامى

• فانجلترا كدولة مسيحية لا يمكنها ان تشارك فى سياسة تشجيع انتشار الإسلام بين شعب يزيد على ثلاثة ملايين وثنى

• فانتشار التعصب الدينى بين شعوب انتشر الإسلام فيها مؤخرا قد يترتب عليه نتائج مدمرة

• وتنصيب يوم الأحد عطلة اسبوعية بدلا من الجمعة

• وتكليف الإرساليات التنصيرية بمنع انتشار الاسلام

• والاستعانة بها لتنفيذ ما أسموه تمدين البشر

• وتكليفها بإدارة العملية التعليمية

• ولا زال المنصرون حتى يومنا هذا يشكلون المؤسسة التعليمية الوحيدة فى الجنوب

• وحظر دخول اى شخص شمالي او غير سوداني الى الجنوب الا برخصة

• إقامة خط يفصل الزنوج عن الاراضى العربية يمتد من الشرق الى الغرب

• وغيرها الكثير من سياسات واجراءات ، زرعت ، على امتداد نصف قرن ، ألغام الانفصال ، وحالت دون اتمام عملية التفاعل والاندماج الطبيعى بين شعب السودان الواحد .

* * *

• وبعد الإستقلال فى 1955، وللأسف الشديد ، فشلت الانقلابات والحكومات المتعاقبة فى إصلاح و معالجة آثار ما فعله الانجليز فى الجنوب .

• وهى فى ذلك لا تختلف كثيرا عن حالة الوهن والفشل العربى العام الذى استفحل بعد عصر الهيمنة الأمريكية 1990ـ 2010

• وللحديث بقية باذن الله .

* * * * *



القاهرة فى 30 ديسمبر 2010

هناك تعليقان (2):

المنسى يقول...

مقال هايل يابشمهندس محمد
انا متابع كل مقالات حضرتك إللى بتجيلى على الميل
بس مكنتش اعرف إن ليها مدونة
بشمهندس محمد يمكن حضرتك ما تعرفنيش
بس أنا أعرف حضرتك عن طريق بعض المقالات
سؤال رفم كل إللى حصل وإللى بيحصل وإللى هايحصل
إحنا بعيد عن الحكمة الصهييونية دى
منقدرش نعمل حاجة
ياريت حضرتك تشوف المقال ده
http://elmancy2000.blogspot.com/2011/01/blog-post.html
دى مدونتى
هستنى رأى حضرتك

محمد سيف الدولة يقول...

مرحبا بالاخ المنسى
قرات مقالك الممتاز
واجبة على سؤالك :
نحن بالطبع قادرون على فعل أشياء وأشياء
وما نفعله الآن من نشر الوعى وكشف المخاطر هو خطوة على الطريق الصحيح
ولا يجب أن نيأس أو نمل
فلقد قابلنا فى تاريخنا العريق صعاب أشد ومخاطر أكبر من التى نتعرض لها اليوم