لا تحرقوا محسن ممتاز
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
هل تتذكرون محسن ممتاز ضابط المخابرات المصرى فى مسلسل رافت الهجان الذى قام بدوره الفنان يوسف شعبان ، والذى قام بتجنيد وتدريب رافت الهجان (محمود عبد العزيز) ليزرعه فى دولة (اسرائيل) الوليدة ، ليبدأ ملحمة تجسس مصرية ناجحة فى مواجهة العدو الصهيونى .
ان صور مثل محسن ممتاز ورافت الهجان وجمعة الشوان والريس زكريا هى الصور التى كان يرسمها غالبية المواطنين فى مصر عن جهاز المخابرات العامة ، صورة الجهاز الذى يتصدى للعدو الصهيونى ولا ينشغل بالشئون الداخلية ولا يشارك فى القهر والظلم والاستبداد الذى يتعرض له الشعب على ايدى النظم الحاكمة .
ساعد على نسج هذه الصورة الطيبة ، الاعمال الدرامية المتعددة بالاضافة الى ما يرد كل حين من اخبار عن الكشف عن قضية تجسس جديدة .
ورغم ان احدا لا يعلم مدى مطابقة هذه الصورة للحقيقة بسبب الغموض الكامل الذى يحيط بالجهاز، الا انها ظلت هذه هى الصورة التى يفضل غالبية المواطنين ان يحتفظوا بها للمخابرات المصرية .
وحتى حين كانوا يرون مبارك يتحالف مع الامريكان والصهاينة ويرون عمر سليمان يلتقى شارون ونتنياهو ، كانوا يقنعون انفسهم بان غالبية المخابرات العامة بريئة من هذا النهج وهذا السلوك وانها تساير النظام التابع من الخارج فقط مع تمترسها الخفى فى الدفاع عن الامن القومى المصرى رغم كل الضغوط والمؤامرات .
***
قارن ذلك بموقف الرأى العام من جهاز امن الدولة الذى اذاقهم الأمرين من ارهاب وتجسس وكتابة التقارير ومطاردة واعتقال واستجواب وتعذيب وتلفيق القضايا والحرمان من التعيين وتزوير للانتخابات ...الخ والذى جعل الثوار يقتحمون مقراته فى الايام الاولى من الثورة ويطالبون بالغاءه فورا .
ان هذه التفرقة الشعبية بين جهازى امن الدولة و الامن القومى ، هى التى ادت الى امتناع الجميع بعد الثورة عن الاقتراب من المخابرات العامة . والتعامل معها وكانها جهة مستقلة عن نظام مبارك تقف على الحياد من الثورة ، رغم ان هذه التفرقة غير ممكنة من الناحية الموضوعية.
ولقد كان المتوقع من القائمين على هذا الجهاز ان يقوموا بتقدير وتثمين هذا الموقف من الثورة وقواها وتفهم ما وراءه من حكمة وطنية عميقة ، وان ينأوا بانفسهم عن المشاركة فى الصراع السياسى القائم ، وان يترجموا ذلك فى اصدار قرار سيادى بمنع ترشيح المدير السابق للجهاز لمنصب رئيس الجمهورية حتى لا يضعون انفسهم وللمرة الاولى فى مواجهة مباشرة وعلانية ضد الثورة.
لأنه لا احد يصدق انه يمكن لعمر سليمان ان يقدم على هذه الخطوة بدون مباركة ودعم كامل من هذا الجهاز بكل امكانياته وعناصره المتغلغلة فى كل مؤسسات الدولة والتى كان لها على الاغلب الدور الرئيسى فى جمع كل هذه التوكيلات فى بضع ساعات قليلة .
وسيفكر الناس فى ان هذا الجهاز القوى والقادر والمتمكن لن يسمح بسقوط سليمان فى معركة الرئاسة ، معتبرا ان نجاحه هو نجاح للجهاز وان التصويت ضده هو تصويت ضد الجهاز. ومن ثم سيوظف كل امكانياته لحسم الانتخابات لصالحه ، وسيستخدم فى ذلك فنونا جديدة فى علم التزوير عصية على المراقبة والاكتشاف ، فنونا وتقنيات مخابراتية على طريقة سلسة الافلام الشهيرة ()مهمة مستحيلة))Mission Impossible . هكذا سيفكرون ويظنون حتى ان لم يتم تزوير .
فالرسالة التى وصلت للجميع ان الجهاز قد قرر الدخول بثقله فى الحلبة لقيادة عملية اجهاض الثورة واعادة انتاج نظام مبارك تحت ادارة عمر سليمان ، بل ربما كان هو المايسترو واللاعب الرئيسى لكل الاضطرابات التى وقعت منذ رحيل مبارك .
ولو استقر هذا المعنى فى وعى الناس والقوى السياسية فسيكون له تبعات خطيرة ستمثل وبالا على الجميع ،وستطيح بالصورة الكريمة التى نسجها الناس فى مخيلاتهم لحماة الامن القومى المصرى على شاكلة "محسن ممتاز".
والمخرج الوحيد لتجنب هذا المصير هو الانسحاب الفورى للسيد عمر سليمان قبل ان تزداد الامور تعقيدا .
*****
القاهرة فى 13 ابريل 2012
هناك تعليق واحد:
الله يحمى بلادكم وبلادنا وسائر بلاد العرب والمسلميين ... :)
إرسال تعليق