بين وعد بلفور و ثورة 1919
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
• في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، 1914 ـ 1918 ، اجتمع المنتصرون في قصر فرساي بفرنسا ، لاقتسام بلادنا كغنائم حرب ، فوقعت مصر في نصيب بريطانيا ، التي كانت تحتلها بالفعل منذ 1882 ، ووقعت فلسطين هي الأخرى في نصيبها أيضا ، بعد ان كانت الجيوش البريطانية قد دخلتها عام 1916 .
• و قبل ذلك بسنوات قليلة ، كان وزير الخارجية الانجليزي آرثر جيمس بلفور قد أعطى لليهود في 2 نوفمبر 1917 وعده الشهير بحقهم في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين ، وهو الوعد الذي تم تحويله إلى قرار دولي في نصوص صك الانتداب البريطاني على فلسطين الصادر عام 1922 .
• أما هنا فى مصر و في خضم ترتيبات وتسويات ما بعد الحرب ، طالب الزعيم الوطني سعد زغلول و رفاقه ، بالمشاركة في مؤتمر فرساي لعرض المسألة المصرية والمطالبة بالاستقلال . وهو ما رفضته سلطات الاحتلال ، وقامت باعتقالهم ونفيهم إلى جزيرة مالطة ثم الى جزيرة سيشل بعد أن رفض مؤتمر اللصوص بباريس الطلبات المصرية ، مما فجر ثورة شعبية ، ما زلنا نفتخر بها حتى يومنا هذا ، بل و نتناولها كأحد المحطات الرئيسية فى كفاح الشعب المصري ضد الاحتلال الانجليزي .
• لم تنجح ثورة 1919 فى تحرير مصر ، وإن مثلت خطوة هامة على الطريق الطويل الذي انتهى بتحقيق الاستقلال الكامل عام 1956 .
• وذهب الانجليز إلى غير رجعة عن مصر ، كما ذهب الفرنسيين والايطاليين عن باقي أقطارنا العربية . ونسينا جميعا هذه المرحلة من تاريخنا ، رغم ان آثارها لا تزال ممتدة حتى اليوم .
• ولكن فلسطين ظلت محتلة منذ 1916. بالانجليز أولا حتى عام 1948 ، ثم بالصهاينة لاحقا.
• ولم يكن المشروع الصهيوني الغربي 1917ـ 2010 وبالا ًعلى فلسطين فقط، بل كان لعنة أصابت الوطن العربي بأكمله، فهو العدوان الأخطر في تاريخنا الحديث، والقضية المحورية في حياتنا جميعا على امتداد ثلاثة أجيال متعاقبة.
• ولو كان هناك فى بدايات القرن العشرين ، من يستطيع ان يقرأ المستقبل ويعلم الغيب ، لكان أدرك على الفور ، أن وعد بلفور سيكون أشد خطرا وتأثيرا على مستقبل بلادنا من كثير من الأحداث التي زامنته ، بما فيها أحداث نفى سعد زغلول ، واندلاع ثورة 1919 .
• ولكن لأن الغيب فى علم ربنا سبحانه وتعالى ، فان ما حدث منذ تسعين عاما ، هو ان الرأي العام الوطني فى مصر لم ينتبه إلى خطورة المشروع الصهيوني ، على مستقبلنا جميعا ، واكتفى بالتركيز على استقلال مصر فقط ، بدون الربط بينه وبين باقى القضايا العربية ، رغم أن العدو واحد ، وجريمة التقسيم ومجلسها واحد .
• ربما لو كانت الناس حينذاك فى مصر والوطن العربي ، قد انتبهت الى خطورة ما يجرى ، وقاومته بحركة تحرر عربية إسلامية وليست مصرية فقط ، لتغيرت حياتنا تماما عما نحن فيه الآن .
• وأنا اعلم بالطبع أن كلمة " لو " فى التاريخ ، ليس لها من جدوى ، فليس بيدنا أن نغير ما تم وحدث ، فالماضي لا يمكن تغييره
• ولكن المستقبل ليس كذلك ،
• فبيدنا اليوم أن نحرر أراضينا المغتصبة وأن ننقذ مقدساتنا المنهوبة ، وان نسترد سيادتنا على كامل ترابنا الوطنى من المحيط الى الخليج .
• وذلك بأن نعقد العزم على الاشتباك مع العدوين الصهيوني والامريكى . فبغير ذلك سنفقد كل شيء ، إن عاجلا أم آجلا .
• فلنتجنب تـمصير قضايانا ، وعزلها عما يدور حولنا ، ولنتعامل مع ما يحدث لنا هنا في مصر ، بكل تفاصيله ، على انه جزء من عدوان أوسع على الأمة بأكملها ، يديره مايسترو واحد هو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها .
• و من يعلم ؟ فقد نتمكن بالفعل أن نتجنب تكرار الخطأ التاريخي الذين وقع فيه جيل 1919 ، حين لم ينتبه إلى خطورة وعد بلفور . والى وحدة معارك التحرر العربي .
*****
القاهرة فى 10 مارس 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق