لا للتخوين ، لا للتمويل
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
)( حتى لو كانت امريكا هى التى قامت بالثورة المصرية ، فشكرا لها لأنها خلصتنا من مبارك ))
هذا ما قاله احد اباطرة منظمات المجتمع المدنى ، فى سياق مناظرة حول التمويل الاجنبى على قناة الجزيرة مباشر يوم الاثنين 25 يوليو .
وكأنه يريد فى ظل حالة الاجماع الوطنى على رفض خطاب التخوين ، يريد فى الزحمة ان يمرر مشروعية التمويل ، مدعيا حسن نواياه ومقاصده .
* * *
وهو خلط واضح للأوراق يجب ان ننتبه اليه ونحذر منه ، بالاضافة الى انه كلام خاطىء ومغرض وخطير لعدة أسباب :
دعونا نؤكد أولا على وطنية ثورتنا 100 % : وطنية الاهداف ، وطنية القوى ، وطنية الانتصار ، وطنية الأدوات والوسائل ، فى مواجهة نظام غير وطنى تابع للولايات المتحدة الأمريكية .
ولقد اعترف الأمريكان أنفسهم بان الثورة تمت رغما عنهم وضد رغباتهم ، وهو ما يفسر ما يبذلونه الآن من جهود هائلة لمحاولة التدخل لاحتواء آثار الثورة والتاثير فى مساراتها و تعديل اختياراتها .
* * *
ثانيا ـ يجب الانتباه الى أن رفض القوى الوطنية للاتهامات الجزافية والتخوين لأى من أطرافها ، هو فى حقيقته رفضا قاطعا لمبدأ التمويل الاجنبى والارتباط بالغرب ، لما فيه من معان مخلة بالشرف الوطنى .
فان أخطأ الروينى أو حتى المجلس العسكرى كله فى حق كفاية و 6 ابريل أو غيرهما ، فلنعاتبه و نحاسبه ونقاضيه ان أردنا .
ولكن يظل التمويل الاجنبى فتنة و خطيئة وطنية كبرى .
وان اتهم كائنا من كان أى قوى سياسية ظلما ، فلندعمها و نأخذ لها حقها ، ولكن يظل التمويل الاجنبى رغم ذلك عدوانا على السيادة الوطنية واختراقا لها .
فلا يجب أن تزر وازرة وزر أخرى
* * *
ثالثا ـ نعلم جميعا أن الجهات المانحة جهات معادية بالضرورة حيث انها هى التى قامت بتصنيع نظام مبارك وحمايته طوال عقود طويلة ، وبالتالى يستحيل ان ترعى الثورة عليه ، بل ستعمل بكل قواها على رعاية الثورة المضادة .
* * *
رابعا ـ كما أن أهداف المانحين ليست سرا ، فهم يعلنوها فى كل اجتماعاتهم ووثائقهم ويحددونها فى أربعة أهداف رئيسية هى :
1) تأسيس تيار سياسى قوى يتبنى استمرار السلام مع إسرائيل والتحالف مع الولايات المتحدة ، ويمثل امتداد سياسيا لنظام مبارك و بديلا و منافسا قويا للتيارات الوطنية التى تهدد المصالح الأمريكية الصهيونية
2) مع العمل على إضعاف هذه التيارات وحصارها وعزلها .
3) التركيز على الإصلاح السياسي الديمقراطي الداخلي فقط ، مع تهميش القضايا الاجتماعية و الوطنية والعربية .
4) دعم اقتصاد السوق و القطاع الخاص المصري على حساب القطاع العام لتمكينه من السيطرة على النظام الاقتصادي والسياسي بصفته الشريك القوى والمطيع للمصالح الغربية فى مصر .
* * *
خامسا ـ ان التمويل الاجنبى يشق الصف ، بما يثيره من فتنة وشك والتباس داخل الاوساط السياسية ، فيختلط الحابل بالنابل . ويطول الضرر كثير من الشرفاء ، وتتعثر عشرات الأفكار والدعوات الايجابية بسبب ضعف الثقة فى خلفياتها ومصادرها .
كما أن التجربة فى مصر أثبتت كيف استطاع الأموال الغربية والعربية على امتداد العقود الأخيرة من أن تفسد كثيرا من الشخصيات السياسية ، وتخرب عديد من الاحزاب والتنظيمات ، وتشق كثير من القوى الوطنية ، وكيف تم تفريغ تيارات سياسية بكاملها من خيرة عناصرها لصالح منظمات التمويل المدنى والسياسى .
وأخشى ان يمتد هذا الافساد الى البعض من شبابنا بعد الثورة ، ان لم نعلن منذ البداية موقفا وطنيا موحدا وقاطعا رافضا للتمويل الاجنبى بكافة صوره واشكاله ومصادره .
* * *
سادسا ـ أن التمويل الأجنبى يضرب القوى الوطنية الحقيقية ويحاصرها ، من حيث انه يبرز الى الأضواء وبسرعة البرق أردأ العناصر التى تتمكن بفلوس الخواجات من تأسيس الجمعيات والاحزاب واستئجار المقار وعقد المؤتمرات وتمويل الأبحاث والباحثين والدكاترة وتكوين شبكات علاقات عامة سياسية واعلامية واسعة ، وتكون أكثر قدرة بما لديها من امكانيات على جذب اعداد كبيرة من الشباب رغم ضحالة خطابها السياسى والفكرى .
فيسحب بذلك البساط من الشخصيات والقوى الوطنية الحقيقية الأكثر جذرية ، التى ترفض التمويل وتحاربه وتعتمد على امكانياتها الذاتية المحدودة ، والتى قد تناضل لسنوات طويلة قبل ان تتمكن من استئجار مقر صغير منزو تمارس فيه نشاطها .
ان كثير من الشباب الثورى ((الأصيل)) يشكو مر الشكوى من اختراق الثورة من قبل عدد من الوجوه الجديدة الوافدة مجهولة المصدر من منتجات منظمات التمويل المدنى والسياسى .
* * *
سابعا ـ كما أن التمويل الأجنبى مرفوض حتى لو سمحت به الدولة ، لأنها عندئذ تكون دولة تابعة متواطئة أو مغلوبة على أمرها تفرط فى سيادتها الوطنية ، تماما كما فعل النظام الساقط الذى ادخل الامريكان مصر وسلمهم مقاليدها
* * *
بل ان القروض والمعونات التى تأخذها الدولة ذاتها مرفوضة وباطلة فى معظم الأحوال :
فلقد تمكن الأمريكان بمعونتهم وقروضهم على امتداد 36 سنة من اعادة صياغة مصر على مقاس المصالح الامريكية الصهيونية .
ناهيك على ما تؤدى اليه هذه المعونات من تقييد ارادة الحكومات فى منع التمويل للمنظمات الاهلية والسياسية ، على (( قاعدة اطعم الفم ، تستحى العين ))
* * *
ومع ذلك فان اقراض الدول الحرة المستقلة لا يستوى مع تمويل المنظمات الاهلية والسياسة ، فالدولة مؤسسة منضبطة تحكمها لوائح وقوانين وجهات رقابية وامنية وراى عام وبرلمان وجهاز مركزى للمحاسبات واقرارات ذمم مالية ....الخ
أما الآخرين فيتعاملون فى الخفاء بلا رابط أو ضابط ، ولذا فكل شيئا ممكن ومباح
وان اشركوا أحدا فإنهم كانوا يشركون معهم أجهزة الأمن بالتقارير والمعلومات وبعض الخدمات ، حتى تسمح لهم بالاستمرار فى تلقى الأموال واكتناز الثروات ، فتحول بعضهم الى مرشدين من الناحية العملية .
ولكن عندما كان الأمر يصل الى الراى العام الشعبى فإنهم كانوا يحرصون دائما على اخفاء مصادرهم وحساباتهم وارباحهم الهائلة لأنهم يعلمون جيدا انه سيتم لفظهم وفضحهم .
وخير شاهد على ذلك أنه لم تجرؤ منظمة واحدة من الـ 600 اللاتى ذكرتهن السفيرة الأمريكية عن الاعلان عن نفسها .
كما أن حكاية صربيا لم تطرح على الملأ أبدا الا اضطرارا خلال الايام القليلة الماضية .
* * *
الخلاصة أن التمويل الأجنبى مرفوض قبل الثورة وبعدها
مرفوض سواء كان الدستور اولا أم الانتخابات اولا
و سواء كانت الدولة مدنية او اسلامية
وسواء حكمنا الاسلاميون أم الليبراليون
وسواء كنت أنا من أخذ التمويل أو 6 ابريل او 7 مايو
وهو مرفوض أيا كانت مصادره : غربية أو عربية أو عجمية أو . . .
والصلابة الوطنية فى رفض التمويل الأجنبى لا يجب أن تتراجع أو تهتز كرد فعل على اخطاء متحدث عسكرى أو غير عسكرى .
فلنرفض التخوين وندينه بكافة الوسائل ، ولكن مع تمسكنا الصارم برفض التمويل .
* * *
و أخيرا أنا لست معنيا فى هذا المقال بالملاحقة القضائية لمنظمات التمويل الاجنبى
وانما أردت أن اخاطب شبابنا وابنائنا الكرام ، من أجل التأكيد على احد الثوابت الوطنية الهامة الموروثة والمقدسة . وهى عدم التعاون مع العدو وحلفاءه ، ورفض أمواله وعزل كل المنظمات والجهات والشخصيات المموَلة منه وتجريسها ومقاطعتها ، وتحرير العمل الوطنى والسياسى من أى شبهات للتربح .
* * * * *
القاهرة فى 28 يوليو 2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق