بحث فى المدونة

الأحد، 12 فبراير 2012

من يهدد الدولة : الثورة أم النظام ؟

محمد سيف الدولة

Seif_eldawla@hotmail.com


الدولة هى المؤسسة الرئيسة فى اى بلد التي تجسد سيادة شعب على أرضه وتجسد ملكيته لها دونا عن غيره من الشعوب الأخرى . وهى تمارس ذلك من خلال آلاف من المؤسسات الفرعية الأخرى ومن خلال الدستور وآلاف القوانين واللوائح والقرارات .

ولكل بلد (أمة) دولة واحدة فقط ، الا فى حالة التقسيم الاستعماري كما حدث لنا بعد الحرب العالمية الأولى او ما حدث مؤخرا فى السودان وما يتم الإعداد له فى العراق ، أو فى حالة الاغتصاب كما هو حادث فى فلسطين .

وحين نتحدث عن ان لمصر دولة واحدة فإننا نتحدث عن دستور واحد وقضاء واحد و برلمان واحد ورئيس واحد وحكومة واحدة وجيش واحد وامن واحد وبنك مركزي واحد وعملة واحدة وسعر صرف موحد وفريق قومى واحد لكرة القدم وهكذا . كما نتحدث عن سيطرة كاملة على قواعد دخول الأجانب وإقامتهم ومغادرتهم وعلى دخول وخروج البضائع والمنتجات الأجنبية والوطنية والأموال والتحويلات ...الخ

كما نتحدث عن وحدة التشريعات والقوانين لكل شئون الدولة بدءا من الضرائب والتعليم والجرائم والعقوبات الى آخر الزواج والطلاق والمواليد والوفيات ومراسم الدفن . كما نتحدث عن كامل السيادة على الموارد العامة والثروات الطبيعية والمرافق الحيوية كنهر النيل والسد العالي وقناة السويس والقطارات والمواصلات العامة والنقل النهري والطيران .

كل هذه وغيرها الكثير هى وظائف ضرورية تقوم بها كل الدول بصرف النظر على الأنظمة الحاكمة فيها

***

أما النظام فهو منظومة القوانين التى ياتى على راسها الدستور و التى تصيغ و تعبر عن طبيعة العلاقات السائدة بين مختلف فئات الشعب وقواه داخل هذه الدولة ، سواء كانت العلاقة بين السلطة والشعب والحاكم والمحكوم ، او بين السلطات الثلاث او بين الناس بعضها البعض كالعلاقات بين الأغنياء والفقراء وبين المسلمين والمسيحيين وبين الملاك والمستأجرين وبين أصحاب الأعمال والعمال وبين الطلبة وهيئات التدريس ..الى آخر آلاف العلاقات الأخرى المتشابكة والمركبة .

والنظام قد يكون طيبا أو فاسدا ، ظالما أو عادلا ، اشتراكيا او رأسماليا ، اسلاميا او علمانيا ، ديمقراطيا أو مستبدا ، وطنيا أو مفرطا ، طائفيا ام جامعا . ولكنه فى النهاية و ايا كانت طبيعته هو جزء من الدولة ، وليس هو الدولة ذاتها ، وان كان هو المسيطر عليها وعلى كل مؤسساتها .

***

أما الثورة فهى تحدث حين يقوم الشعب بتحقيق مطالبه ومصالحه عن غير الطريق الذى يرسمه القانون ، وهى تكون واجبة حين تصادر النظم المستبدة اى امكانية للتغيير و الإصلاح عبر الطريق الديمقراطى والقانونى ، مما يوجب إسقاطها كعقبة تحول دون تحرر الشعوب وتطورها ونهضتها .

ودائما ما يحرص الحكماء من قادة الثورة على اسقاط النظام بدون تعريض كيان الدولة للخطر .

***

ولكن فى كثير من الاحيان ، وهذا هو مربط الفرس ، يكون النظام الحاكم هو مصدر الخطر على الدولة . فالاعتداء المستمر على حياة الشعب وكرامته وأمنه ومواطنته ومعيشته وحريته و حقوقه ، قد يدفع الجماهير الغاضبة الى ردود فعل تلقائية لا تقتصر على اسقاط النظام ، بل تهدد الدولة ذاتها ، فتضعف من سيادتها والولاء اليها ومن مناعتها ضد الاختراق الخارجى .

ويتوجب على كل القوى الثورية الحقيقية ان تعمل على تحرير الدولة من سيطرة النظام الفاسد بدون ان تعرض وجود الدولة وكيانها للخطر .

وهى مهمة صعبة ومعقدة ودقيقة ، نظرا للتداخل الكبير بين مؤسسات النظام ومؤسسات الدولة .

و تزداد هذه المهمة صعوبة كلما زادت انتهاكات النظام وزادت ضحاياه من القتلى والشهداء والمصابين .

***

ان أى دعوات للعصيان المدنى ما كان لها ان تجد آذانا صاغية لولا جرائم ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ثم بورسعيد و التى نأمل ان تكون الاخيرة .

*****

القاهرة فى 10 فبراير 2012

ليست هناك تعليقات: