أبو العلا ماضى
محمد سيف الدولة
Seif_eldawla@hotmail.com
·
الو .. مين معايا ؟
o انا ابو العلا ماضى.
·
اهلا يا باشمهندس.
o اكلمك لأدعوك الى الافطار السنوى لحزب الوسط، وكل سنة وانت طيب.
·
اشكرك على دعوتك الكريمة وسأحضر بإذن الله.
***
لا يمكن ان يمر رمضان دون ان نتذكر ونذكر بالخير حفل
الافطار السنوى الذى كان يقيمه حزب الوسط تحت التأسيس كل عام قبل الثورة، ويحرص
فيه على دعوة شخصيات من كافة التيارات الفكرية والسياسية بدون استثناء، سوى رجال
السلطة وأعضاء الحزب الوطنى.
كان افطارا يتواصل فيه الجميع ويتفاعلون بحب و تقدير، لا
يتوقفون عند الانتماءات والمرجعيات الفكرية او السياسية او الحزبية لبعضهم البعض.
يتبادلون فيه الآراء ويحللون الأحداث و يقرأون ما يتم توزيعه من بيانات ومنشورات.
يتحاورون فيتفقون و يختلفون، وفى النهاية يتعانقون ثم ينصرفون. لقد كان افطار حزب
الوسط، وبحق، واحدا من أبرز المعالم السياسية لرمضان فى مصر قبل ثورة يناير.
***
ولا يمكن كذلك ان ننسى وكيل مؤسسى الحزب قبل الثورة
ورئيسه بعدها، المهندس ابو العلا ماضى، بهدوئه ودماثة أخلاقه وعلاقته الطيبة
بالجميع، ودأبه وهو وزملاءه على الدفاع عن حقهم فى المشاركة فى الحياة الفكرية
والسياسية المصرية رغم الحظر السياسى الذى كان مفروضا على الجميع.
بدءا بتأسيسهم لجمعية "مصر للثقافة والحوار"
التى كانت تعقد ندواتها فى شقة صغيرة بمدينة نصر، ومرورا بمشاركتهم فى كل انواع الدعم والنصرة
للقضية الفلسطينية. مثل تنظيم المؤتمر الثانى للجمعية عام 2002 بعنوان "مستقبل
فلسطين .. ماذا بعد زوال دولة اسرائيل؟"
وكذلك فتح مركز
الدراسات الدولية الذى كان يديره "ماضى"، ابوابه لاستقبال وتنظيم عديد
من حوارات وفاعليات القوى السياسية. اتذكر منها اجتماعات الاعداد لتنظيم وقفة
احتجاجية أمام مجمع التحرير فى الذكرى الـ 54 للنكبة الفلسطينية عام 2002، حين كان
التظاهر لا يزال من الكبائر و المحظورات، تماما مثلما هو اليوم.
وكذلك مشاركتهم الايجابية فى التصدى لنظام مبارك
ومشروعات التوريث والتمديد والفساد وتزاوج السلطة ورأس المال، من خلال حركة كفاية
والجمعية الوطنية للتغيير، وأيضا مشاركتهم المشهودة فى ثورة يناير وما تلاها من
احداث وجولات ومد وجذر ومعارك انتخابية وصراعات سياسية.
هذا بالإضافة الى جهودهم الحركية والفكرية الدائمة لمحاولة
التقريب بين الفرقاء والقيام بدور الوساطة الفكرية والسياسية بين الجميع، وهو ما
كان يتميز به بشكل خاص المهندس ابو العلا ماضى.
فلقد كان له اجتهاداته المتعددة دفاعا عن
وسطية الاسلام ومدنيته ونبذ العنف، والتأكيد على حق المواطنة للجميع. وهو ما عبر
عنه بوضوح فى عديد من كتاباته اهمها كتاب "المسألة القبطية والشريعة والصحوة
الإسلامية". ولذا تم اختياره عضوا فى الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي منذ عام
1999. وهو الفريق الذى أنشأه مجلس كنائس الشرق الأوسط.
لقد تواصلت مع ابو العلا ماضى فى مناسبات و فاعليات
عديدة، ولكن اكثرها دلالة فى التعرف على حقيقة الرجل و أفكاره، هى لقاءاتى مع
تلاميذه وأعضاء حزبه فى ندوات وحوارات فكرية مختلفة. كانوا جميعا بدون استثناء
شباب وطنى متوازن موضوعى يؤمن بالحرية وبالثورة وبسلميتها، يحب فلسطين ويعادى
اسرائيل ويرفض كامب ديفيد والتبعية للأمريكان، يدين الاستقطاب السياسى ويسعى
للحوار والتواصل مع كافة التيارات الأخرى.
***
كان ابو العلا ماضى أحد الشخصيات التى عصفت بها حالة
الانقسام والاستقطاب البائسة التى ضربت الجميع، وما صاحبها ولا يزال من الصراع الحاد
على السلطة الذى تفجر فى صيف عام 2013.
فهو يقبع الآن فى سجن طرة، بعد أن تم اعتقاله فى يوليو
2013، بتهمة التحريض على العنف فى ما يسمى بأحداث بين السرايات. ويتم تجديد حبسه باستمرار
حتى الآن على ذمة التحقيقات، مثله فى ذلك مثل آلاف المعتقلين.
وانه لمن مفارقات الظلم و الاستبداد، ان يتم اتهام شخصية
مثل ابو العلا ماضى، بالتحريض على العنف و بالارهاب، وهو الذى وجه جزء كبيرا من
دعوته ونشاطه وكتاباته ضد العنف والتطرف. ومن اهمها كتابه "جماعات العنف
المصرية وتأويلاتها للإسلام" الصادر عام 2006.
كما
انه وزملاءه رفضوا منذ البداية الفجوة المفتعلة والمزمنة بين الاسلاميين وغيرهم،
وكافحوا طويلا لسدها، وحرصوا على طمأنة الجميع على وسطية الاسلام ووسطيتهم،
واعتدالهم واعترافهم بالآخر، والتزامهم بالممارسة الديمقراطية وبقواعدها واحكامها والقبول بنتائجها.
ومن
اجل ذلك حرصوا على العمل من داخل النظام السياسى والقانونى للدولة، كتفا الى كتف
مع الجميع؛ رغم معارضتهم للنظام واستبداده وفساده. فتقدموا الى لجنة الاحزاب بطلب
تأسيس حزب شرعى. ولم ييأسوا من رفض طلبهم ثلاث مرات ولم يكفروا بالديمقراطية، ولم يلجأوا
الى العمل السرى. وانما كانوا يعيدون الكرة مرة تلو الأخرى، الى ان قامت الثورة
وخرج حزبهم الى الوجود فى أيامها الذهبية.
***
ومن الغريب والمؤلم ان أحدا من "رفاقه"، من رموز
التيارات السياسية الأخرى، لم يكتب حرفا واحدا للدفاع عنه او للمطالبة بالافراج
عنه، رغم ما كان بينهم من علاقات انسانية وسياسية حميمة وعميقة، وتاريخ طويل من
النضال المشترك.
ان
اعتقال "ماضى" هو واحد من اهم الدلائل الكاشفة عن حالة الاستبداد
والرغبة العنصرية الحالية فى اجتثاث كل من يمت الى التيار الاسلامى بصلة، حتى لو
كان من نوعية ابو العلا ماضى.
كما
انها تكشف تهافت وسيولة تهم الارهاب واخواتها من التخوين والشيطنة التى توجه كل
يوم الى من يجرؤ على معارضة السلطة. وتؤكد اننا بصدد حملات منهجية للتوقيف السياسى
خارج المنطق والعدل والقانون.
كما
أن صمت "الرفاق" القدامى عن الظلم والظالم والمظلومين، هو ابلغ تعبير عن
حالة الخوف او التواطؤ، وعن اختلال المواقف السياسية و القيم الاخلاقية لدى كثيرين
ممن حسبناهم غير ذلك.
***
وحتى اذا صدقت المآخذ التى تتهم "أبو العلا
ماضى" بالمشاركة فى عملية اقصاء المعارضين والاستئثار بإعداد دستور 2012. فان
المشاركة فى دستور 2014 كانت أكثر قسوة وأشد مرارة.
فعلى الأقل تم اعداد دستور 2012، وكل معارضيه احرارا
يمارسون معارضتهم وتظاهراتهم وضغوطهم بحرية كاملة، بدعم من الدولة العميقة والإعلام الرسمى
وغالبية الاعلام الخاص.
بينما دستور
2014 تم إعداده، والآلاف من معارضيه فى القبور أو فى السجون. بل حين حاول البعض من
شباب الثورة من غير الاسلاميين، التظاهر امام مجلس الشورى لإيصال رسالة سلمية الى
لجنة اعداد الدستور بضرورة رفض المحاكمات العسكرية للمدنيين، تم القبض عليهم
ومحاكمتهم وإدانتهم بأحكام وصلت الى خمس سنوات.
وفى جميع الظروف والأحوال، ووفقا لأى معايير موضوعية أو
قانونية، فانه لا يمكن اعتبار مواقفه السياسية والدستورية، جريمة جنائية يستحق
عليها الاعتقال والسجن والإدانة بتهمة الارهاب والتحريض على العنف.
***
كم لنا من صديق او رفيق او ابن او ابنة فى السجون مثل
ابو العلا ماضى؟
الحرية لكل المظلومين فى كل المعتقلات والزنازين. ورمضان
كريم وعيد فطر مبارك.
*****
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق