بحث فى المدونة

الثلاثاء، 13 أبريل 2010

( اسرائيل ) أولا

"إسرائيل" أولا







محمد سيف الدولة



Seif_eldawla@hotmail.com







ترفع الإدارة المصرية شعار " مصر أولا " فى مواجهة المطالب الوطنية المستمرة بالانسحاب من كامب ديفيد ، والعودة الى نصرة مصر و فلسطين وباقى الأمة فى مواجهة العدو الصهيونى .







وهى ليست المرة الأولى التي يرفعون فيها هذا الشعار ، وإنما هو شعار قديم ونهج أصيل منذ عام 1974 .







وكان أول من طرحه علانية بجرأة وتبجح ، هو توفيق الحكيم عام 1978 ، عندما كتب مقال بجريدة الأهرام بعنوان ، حياد مصر ، طالب فيه إن تقف مصر على الحياد بين العرب و إسرائيل ، وأن تتخذ ذات السياسة التي انتهجتها سويسرا في أوروبا ، حيث وقفت دائما على الحياد بين الدول المتحاربة في الحربين العالميتين الأولى والثانية .







ومن وقتها دأبت مصر الرسمية ورجالها على استدعاء هذا الشعار في مواجهة القوى الوطنية المصرية الغاضبة بعد كل عدوان جديد على فلسطين او لبنان او العراق .







و آخرها العدوان الصهيوني على المسجد الأقصى ومدينة القدس . وقبلها الجدار الفولاذي . وقبلها إغلاق المعبر والحصار والحرب الصهيونية على غزة وهكذا .







* * *







والحقيقة ان قضية أولويات السياسة والأمن القومي ، ليست مسائل هلامية ، متروكة للاجتهاد لمن يشاء ، فهي مسائل محددة تاريخيا وموضوعيا منذ قرون طويلة ، فنظريات ومحددات الأمن القومي للأمم المختلفة تتبلور مع نشأة هذه الأمم وميلادها . فهى ليست وجهة نظر إيديولوجية او نقاط برنامجية لهذا الحزب او ذاك . إنها مسائل ثابتة و قديمة ، قدم الأمم ذاتها .







* * *







ولقد تبلورت فلسفة امننا القومي منذ الفتح الاسلامى ، فلقد تعربنا جميعا منذ ذلك الحين ، وتحولنا من أجزاء وأقوام وشعوب وقبائل متعددة متفرقة مهزومة محتلة ، الى امة عربية إسلامية واحدة .







فقبل ذلك ، كانت مصر قابعة تحت الاحتلال الاجنبى الغربي ما يقرب من 1000 عاما متصلة ، منذ الاحتلال المقدوني على يد الاسكندر الاكبر عام 332 قبل الميلاد حتى عام 640 ميلاديا .







و لم ينجح سكان مصر او اى من جيرانها فى التحرر والاستقلال أبدا طوال عشرة قرون ويزيد .







وهو ما بللور حقيقة موضوعية وهى انه من المستحيل على اى قطر فى المنطقة ان يتحرر من الاحتلال الاجنبى ويحافظ على استقلاله ، ويتطور وينمو ويتقدم ويتنافس مع الآخرين بصفته وحدة قومية و سياسية قائمة بذاتها .







وهو ما أثبتته الأحداث بعد ذلك ، فبالفعل بعد الفتح الاسلامى والتعريب والوحدة ، ظلت الأمة وفى القلب منها مصر ، محررة ومستقلة على امتداد أكثر من 12 قرنا .







وحتى حين حاولت الغزوات الغربية العودة إلى احتلالنا مرة أخرى عام 1096 فيما عرف بالحروب الصليبية ، نجحنا بعد طول عناء وقتال فى إعادة تحرير أراضينا المحتلة ، وفى طرد الخواجات وإعادتهم من حيث أتوا . وكانت آخر إمار ة صليبية حررناها هى عكا عام 1291 .







إما داخليا فعلى مدار هذا التاريخ العربي الاسلامى الطويل ، حكمت الأمة أحزاب متعددة متتالية متنافسة ومتصارعة ، بدءا بالأمويين ثم العباسيين والفاطميين والأيوبيين والمماليك والعثمانيين ..الخ







و قد نختلف او نتفق على تقييم هذا العصر او ذاك ، ولكنها كانوا جميعا يتميزون بأنهم من داخل الأمة وليسوا من خارجها . من هذا البر وليسوا من البر الثانى ، او كما يقول المثل الشعبي منا فينا ، ليس بيننا غريب .







* * *







وعندما أراد الاستعمار الغربي الجديد ، منذ 1798 وما بعدها ان يضمن ، عدم توحد الأمة مرة أخرى ، بغرض إضعاف مناعتها ومقاومتها وإبقاءها محتلة طول الوقت ، قام بضرب الحزب العربي الجديد المتمثل فى دولة محمد على الوليدة التي كانت على وشك وراثة الدولة العثمانية وتجديد شباب الأمة .







ثم استكمل احتلال باقي الأقطار وتجزئتها بعد الحرب العالمية الأولى وقام باقتسامها وتوزيعها على المنتصرين كغنائم حرب .







و منذئذ لم تقم لنا قائمة حقيقية ، اللهم إلا بضعة سنوات من التحرر بعد الحرب العالمية الثانية ، والتى سرعان ما وئدت بالاغتصاب الصهيوني لفلسطين 1948/2010 ، ثم بالاحتلال الامريكى للخليج 1991 ، وللعراق2003/2010







* * *







إذن الأمن القومي هو بالضرورة امن عربي ، ولا مكان لما يسمى بالأمن القطري ، فلا يمكن تاريخيا وعلميا الحديث عن الأمن القومي المصري ، إلا إذا كان يمكننا الحديث عن امن قومى للقاهرة وحدها ، وكلاهما مستحيل .







ومن ثم فاختراع نظريات "مصر أولا" و "امن مصر القومي" وغيرها ، يتناقض مع حقائق الجغرافيا و التاريخ ، وهى نظريات سقطت منذ 2400 عاما ، كما انها فى النهاية إعادة رجعية للوضع الفاشل المهزوم المندثر الذى كان قائما قبل الفتح العربي الاسلامى .







ومثل هذه التوجهات قد أدت بالفعل إلى نتائج وخيمة متوقعة وحتمية : لم يكن أولها هو العجز عن تحرير فلسطين ، ونمو "إسرائيل" وترعرعها تحت عين وبصر كل الدول العربية ، وإنما الأخطر كان هو عودة الأمة كلها إلى براثن الاحتلال او التبعية الأجنبية . عاد الوضع إلى ما كان عليه قبل الميلاد.







* * *







وهذه التبعية تتجلى آثارها في مصر فى أمور كثيرة ، يأتي على رأسها قيام الإدارة المصرية بتنفيذ كل توجيهات الولايات المتحدة في كل ما يخص أمن إسرائيل.







وهى تنفذ هذه التوجيهات ، رغم أن خبراءها يعلمون ويدركون جيدا انها ضد المصلحة الوطنية لمصر ، وهو ما قد يفسر ما يظهر في البداية من الاعتراض و التباطؤ والتلكؤ المصري فى التنفيذ .



ولكنه اعتراض لا يدوم، فسرعان ما تنكسر الإرادة تحت الضغوط الأمريكية.







* * *







و بدءا بتجريد سيناء من السلاح المصري 1974/1979 ، والانسحاب من الحرب ضد العدو . و مرورا بالضغط على منظمة التحرير الفلسطينية 1982/1993 للاعتراف "بإسرائيل" . و استقطاب كل الدول العربية الى قبول السلام مع "اسرائيل" والتنازل عن فلسطين فيما عرف بمبادرة السلام العربية 1982/2003 . و انتهاءا بالمشاركة المصرية فى الحصار الصهيوني على غزة بإغلاق المعبر والقضاء على الأنفاق 2007/2010 . والضغط على المقاومة وإكراهها ، لإرغامها على المصالحة والقبول باتفاقيات أوسلو والاعتراف "بإسرائيل" وانهاء المقاومة وإلقاء السلاح ...الخ



كل ذلك وغيره لم تكن إلا خطوات لصالح وخدمة امن الصهاينة وليس امن المصريين .



* * *







فان كنتم تبحثون عن شعار ، فالشعار الأصدق هو " إسرائيل أولا " .







لا مصر ولا يحزنون .



* * * * *



القاهرة فى 25 مارس 2010







هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

حياك ..